مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا زار الاسد بيروت فجأة؟

توقيع اتفاقيات ثنائية بين دمشق وبيروت تعزز العلاقة بين الدولتين وتكسبها بعدا جديدا Keystone

"قمة ثنائية لتأكيد إنعقاد القمة العربية". هكذا لخّص وزير لبناني ل "سويس انفو" الحصيلة الابرز للقمة السورية–اللبنانية المفاجئة التي عقدت يوم الاحد في بيروت ودامت خمس ساعات.

هذه في الواقع لم تكن حصيلة بسيطة، كما يرى الوزير، إذ حتى الساعات القليلة الماضية، كان الغموض هو سيد الموقف فيما يتعلق بانعقاد هذه القمة الدورية السنوية ام لا، مع ميل الى تأكيد عدم التئام شملها، بسبب الظروف الدولية والإقليمية الصعبة التي تحيط بها.

لكن تأكيد الرئيس السوري بشار الاسد في القصر الجمهوري اللبناني في بعبدا بأن القمة ستعقد وانه سيحضرها شخصيا، كان أول اشارة رسمية سورية وعربية الى أن كفة الميزان بدأت تميل بالفعل لصالح عقدها، حتى الان على الاقل.

بيد ان القمة العربية لم تكن الحدث الوحيد المهم في اللقاء بين الرئيس الاسد ونظيره اللبناني الرئيس إميل لحود. فقد كشفت مصادر سياسية لبنانية عليا ل “سويس أنفو” النقاب عن ان حيزا كبيرا من محادثات الرئيسين، تركزّت في الواقع على مبادرة ولي العهد السعودي الامير عبد الله الداعية الى مبادلة التطبيع العربي الشامل بالانسحاب الاسرائيلي الشامل من الضفة وغزة.

واوضحت هذه المصادر، التي حرصت على عدم الكشف عن هويتها، ان السوريين يشعرون بالقلق في الواقع من هذه المبادرة لاسباب عدة بينها، انها تستبعد سوريا منها (باصرار أمريكي على ما يبدو) ، وانها قد تشكل خطرا على استمرار الانتفاضة الفلسطينية، التي تراهن عليها دمشق لتحسين المواقع العربية في العلاقات مع كل من الولايات المتحدة واسرائيل.

هذا اضافة الى أن المبادرة قد تطرح على القمة العربية، الأمر الذي قد يشكّل احراجا اضافيا للسوريين بسبب تحالفهم التاريخي الوطيد مع المملكة العربية السعودية.

وأشارت المصادر الى ان دمشق اختارت إبداء “التحفظ المرن” على مبادرة الامير عبد الله، وذلك عبر تشديد البيان المشترك اللبناني– السوري على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وتأييد الانتفاضة الفلسطينية والتمسك بالاسس التي ارساها مؤتمر مدريد حول السلام.

واوضحت ان الاسد حصل على تأييد لحود لهذه المواقف. وهو تأييد مهم، اولا لان هذا الاخير هو الذي سيترأس اعمال القمة العربية بصفته رئيس الدولة المضيفة، وثانيا لان الدعم اللبناني سيمّكن الرئيس السوري من الضغط اكثر على السعوديين لتطوير مبادرتهم (التي لم تعلن بعد على أي حال) خلال زيارته المقررة غدا الى الرياض.

لكنه من غير المعروف حتى الان كيف ستكون ردة الفعل السورية على المبادرة اذا ما طرحت على القمة كما هي الان، ذاك ان “التحفظ المرن” الان سببه الامل في تعديل المبادرة. اما اذا ما فشلت محاولات التعديل بسبب الضغوط الامريكية المتوقعة، فان “مياها كثيرة قد تجري تحت اقدام قمة بيروت العتيدة”، على حد تعبير المصادر.

هدايا

هذا فيما يتعلق بالجانب الاقليمي من القمة اللبنانية– السورية. أما على مستوى العلاقات الثنائية، فقد سّجل المراقبون السياسيون ان الرئيس السوري حرص من خلال زيارته لبيروت على توجيه رسالة سياسية واضحة مؤداها ان “سوريا تحترم استقلال لبنان”.

ومعروف ان سوريا لم تعترف باستقلال لبنان منذ اعلانه عام 1943، وهي تعتبر ضمنا المحافظات اللبنانية عدا جبل لبنان جزءا من الاراضي السورية تاريخيا.

وزيارة الاسد بهذا المعنى، وهي الاولى له منذ تسلمه منصب الرئاسة قبل نحو سنتين، والاولى ايضا لرئيس سوري منذ ان زار الرئيس نور الدين الاتاسي بيروت عام 1970 ، خطوة على طريق مؤسسة الاعتراف السوري بالكيان اللبناني، مقابل اعتراف هذا الاخير بالعلاقات المميزة معها.

والى هذه “البادرة السياسية”، حمل الاسد معه الى اللبنانيين “هدايا” قيّمة أخرى، اقتصادية هذه المرة أبرزها، ازالة جميع القيود التي سبق للجانب اللبناني أن طلب إلغاءها لتسهيل تبادل المنتجات، والموافقة على الاقتراح اللبناني باقامة سد على نهر العاصي (النهر الوحيد الذي ينبع في لبنان ويصب خارجه)، وسد مشترك على النهر الجنوبي الكبير اللبناني، وجدولة الديون المترتبة على كهرباء لبنان لصالح سوريا، واعفاء بيروت من نسبة 50 % من قيمتها الاجمالية، واخيرا اعادة النظر في سعر بيع الغاز السوري الى لبنان.

هل تعني كل هذه المبادرات السياسية والاقتصادية، أن مرحلة جديدة من العلاقات بدأت بين البلدين التوأمين كما يطلق عليهما؟

آمال المسؤولين والسياسيين اللبنانيين كبيرة في الوصول الى هذه المرحلة، لكن هذه الآمال ستبقى كذلك، أي مجرد آمال،الى ان تترجم نفسها في صيغ تنفيذية واضحة.

سعد محيو- بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية