مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا لا يقرأ العرب؟.. تتعدّد الأسباب و”الأزمة” واحدة!

رغم انتشار "المكتبات العامة" في البلدان العربية، يُلاحظ تفاقم عزوف الشباب عن القراءة والمطالعة.

رغم انتشار "ظاهرة" إقامة معارض الكِـتاب في مُـعظم البلدان العربية، يُلاحظ الجميع انصراف الناس عن الحضور وعدم الإقبال على الشراء.. فما هو السبب؟ ورغم انتشار "المكتبات العامة" في العديد من الميادين والمدارس والجامعات العربية، فإن العين لا تخطئ عزوف الشباب الشديد عن القراءة والمطالعة.. فلماذا؟!

وإذا كانت هناك قلة من المثّـقفين من الشباب العربي ما زالوا يقرؤون أو يُوفرون لاقتناء الكتاب.. فماذا يقرؤون؟! وإذا كان الخبراء يؤكِّـدون أن معظم الصُّـحف والمجلاّت في العالم العربي تُـعاني من “حالة ركود ملحوظ” وعدم إقبال على الشراء.. فما هي الأسباب؟ وهل يمكن القول بأن الفضائيات العربية بما توفِّـره من برامج حوارية ونشرات أخبارية وتقارير حيّـة… قد فاقمت من أزمة المطالعة في العالم العربي؟!

أسئلة كثيرة وحائرة تبحث عن جواب شافٍ، فضَّـلنا أن نطرحها على أصحاب المشكلة الحقيقيِّـين، وهم الشباب.. في محاولة لرصد المشكلة والوقوف على الأسباب الحقيقية والبحث عن حلول ناجِـعة لهذه الإشكالية المُـزعجة… “swissinfo.ch” استطلعت آراء عدد من الشباب المثقفين العرب من المهتمِّـين بهذا الملف الشائك، وهم: مريم التيجي، الكاتبة والباحثة المغربية ومازن غازي، الصحفي والإعلامي العراقي ومكرم ربيع، الباحث اللغوي بالمركز العالمي للوسطية بالكويت وسمية رمضان، الأديبة والكاتبة المصرية وإسلام رمضان، مدير دار “ريتاغ” للتوزيع والنشر… فكان هذا التحقيق.

القراءة.. ضرورة أم رفاهية؟!

في البداية، ترفُـض سُـمية رمضان التّـسليم بمقولة “أن هناك عُـزوف عن حضور معارض الكِـتاب في مُـعظم البلدان العربية”، وتقول: “بالنسبة لمعارض الكتاب، فليس هناك عزوف أو انصِـراف عن الحضور من قِـبل الجمهور العربي، وأكبر دليل على ذلك: الإقبال الهائل على معرض القاهرة الدولي للكِـتاب بمصر عام 2010، باعتباره أكبَـر معرض دولي للكِـتاب على مستوى العالم العربي”، وتستدرِك قائلة: “لكن التقارير تقول بأن الإقبال على الشِّـراء في المعرض هذا العام، لم يكن بمستوى الأعوام السابقة، وهذا ما يجعلنا نتساءل: لماذا لا يُقبل زوّار المعرض على شراء الكتب؟!”.

وتضيف سمية في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “ربّـما كان للأمر بُـعد اقتصادي، وبخاصة في ظِـل الظروف الاقتصادية العالمية بشكل عام أو العربية بشكل خاص، وربما كان ترتيب الأولويات. فبعضهم لا يعتبِـر القراءة ضرورة، بل يعتبرها نوْعا من الكماليات أو الرفاهية. فهناك أشياء أولى كاللِّـباس والأكل والتعليم والسيارة، وهكذا تتراجع أهمية شراء الكتاب”.

وتشير سمية إلى أن “هناك تجربة رائدة في مصر لا يجب أن نتغافل عنها، وهي مكتبة الأسْـرة، وتبني مهرجانات وحملات التوعية والتشجع على القراءة، مثل مهرجان القراءة للجميع، تحت إشراف السيدة سوزان مبارك (حرم رئيس الجمهورية)، والتي جعلت الكتاب في مُـتناول الجميع، وهذا ربما كان مشجِّـعا للكثيرين على شراء الكِـتاب بأسعار زهيدة، وهذا ما نلاحظه كل عام خلال المعرض”، معتبرة أنه “من الظواهر الجديرة بالذكر، لجوء بعض القرّاء والمثقفين في مصر إلى شراء الكتب القديمة، مثلما هو الحال في سُـور الأزبكية، أكبر سوق للكُـتب القديمة بمصر، نظرا لرخص ثمنها، وهو ما يؤكِّـد أن للبُـعد الاقتصادي دورا هاما”.

ورغم اتفاقه مع سُـمية رمضان في أهمية البُـعد الاقتصادي وتأكيده على أن “ظروف الناس الاقتصادية الصّـعبة في بعض البلدان، من أهمِّ أسباب عُـزوفهم عن شِـراء الكُـتب من المعارض”، إلا أن مكرم ربيع الذي يعيش في الكويت، ذات متوسّـطات الدخل المرتفِـعة، يُـلفت الإنتِـباه إلى حقيقة مُـرّة، ألا وهي أنه “في بعض البلدان العربية، ذات الاقتصاد العالي (بلدان الخليج العربي)، لا تمثِّـل معارِض الكُـتب أو الشراء أهمية في حياتهم، وإن ذهبوا، كان ذلك للتنزّه وشغل أوقات الفراغ”، على حد قوله.

اختفاء الحُـلم.. وضُـعف البرامج!!

وفي نقلة نوعِـية كبيرة، يرى إسلام رمضان أن انصِـراف الشباب عن حضور المعارض وشِـراء الكتب “هو جزء من أزمة كبيرة تُـعاني منها الأمة العربية في السنوات الأخيرة، وهي أزمة خاصة بالشباب العربي عمومًا، وبشباب (ما يُسمّى بـ) الصّـحوة الإسلامية على وجه الخصوص، وهم في رأيي الجمهور الأكبر من القرّاء”، معتبرا أنها “أزمة وعْـي وهُـوية في المقام الأول، حيث يُـعاني الشباب من الإغتِـراب داخل أوطانهم، كما يُـعاني من الإحْـباط وعدم وجود حُـلم كبير يسعى إلى تحقيقه أو فكرة كبيرة يعيش لها، وهو ما كان يدفعهم من قبل للقراءة والاطلاع”.

ويضيف إسلام في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: أن “هناك عامِـل آخر هامّ لا يجب أن نغفله، ألا وهو ضُـعف البرامج الثقافية التي كانت تُـصاحب المعارض من قَـبل. ففي الزّمن الجميل، الذي شهد حضورا وشراءً كثيفا من معرض القاهرة، كان البرنامج الثقافي المُـعدّ على هامش المعرض، يضمّ باقة من ألمَـع المفكِّـرين المصريِّـين أما اليوم، فلا يُسمح لأمثال هؤلاء الأفذاذ بإلقاء محاضرات بالمعرض، فيما يُـفسح المجال لفنانين وكتّـاب لا يعرف الجمهور مجرّد أسمائهم..”.

وإن اتّـفق إسلام مع مكرم وسُـمية في أهمية العامِـل الاقتصادي وتأكيده على أن “الظروف الاقتصادية، وخاصة في الدول العربية النامية، والتي يُـعاني أغلب سكّـانها اقتصاديا (مثل مصر)، تُـعتبر عامِـلا هامّا في صرْف الناس عن القِـراءة وحضور معارض الكِـتاب، حتى وإن شعر بأهمية ذلك، فهناك قائمة الأولويات التي تشمل: الدروس الخصوصية للأولاد والطعام والشراب والدواء والكساء و….”، غير أنه يُـلفت الانتِـباه إلى “بُـعد أخير، ألا وهو الإرتفاع الملحوظ في أسعار الكُـتب، وخاصة تلك التي يكتبها كِـبار المؤلِّـفين من المفكِّـرين والخبراء والأدَباء”.

ويلتقط مازن غازي طرف الخيط متسائلا: “عندما يصبح هذا الفرد المنصرف عن حضور المعارض الثقافية وغير المقبل على شراء الكتب، أبا لأسرة، فكيف وبهذه الجفْـوة مع الكِـتاب أن يستطيع تنمِـية علاقة بين أفراد أسرته والكِـتاب؟ وكيف يُـمكن أن يعلِّـم أبناءه أصُـول القراءة ويربطهم بهذا الكِـتاب، وهو لا يملك تلك الحميمية وحبّ القراءة؟!”، معتبرا أنه “وباختِـصار، عندما نُـعوّد الطفل على القراءة والمطالعة ويمتلك هذه الصِّـفة والقابِـلية، وتُـصبح عنده مع الكِـبر سجِـيّـة، حينها سنعود إلى مجتمع قارئ للكِـتاب، كما علّـمنا أبناءنا – اليوم – الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز، فورث منّـا تعلّـقه بهذه الشاشة!”.

بين مهرجانات الغِـناء ومعارض الكِـتاب!!

وتلخِّـص مريم التيجي، الإشكالية بعبارة واحدة، منطوقها أن “السياسات الرسمية لا تشجِّـع المواطن المغربي على التّـصالح مع الكِـتاب”، وتدلِّـل على صحة نظريتها بقوْلها: “نأخذ مثلا معرض الكِـتاب السنوي، الذي ينظّـم بمدينة الدار البيضاء. بداية، هو معرض وطني يتيم ليس له مثيل في بقية مُـدن المملكة، على شساعة الرّقعة الجغرافية للبلاد، ثم إن الحملات الإعلانية التي تواكِـب المهرجانات الغنائية التي تكاثَـرت كالفِـطر، لا يحظى بجزء منها معرض الكتاب الدولي”.

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، تشير مريم إلى أن “الدولة المغربية التي تستقدِم مغنِّـيين من كل أنحاء العالم وتعطيهم ملايين الدولارات وتقدِّمهم للجمهور مجانا في بعض المهرجانات، حيث تتحوّل ساحات المُـدن إلى موالِـد حقيقية، حين يأتي موعد المعرض الدولي للكِـتاب، يختفي هذا الكرَم ويلزم كلّ من يريد اجتياز عَـتبات أبواب المعرض بأداء مبلغ من المال، حتى لو كان طالبا أو تلميذا أو مجرّد طفل(!)، ممّا يطرح علامة استِـفهام كبيرة على هذه المفارقة، هذا دون أن نتحدّث عن أسعار الكُـتب التي لا تزال أعلى بكثير من القُـدرة الشرائية للمواطن المغربي”.

بينما ترجع سُـميّة أسباب عُـزوف غالب الناس عن القراءة والإطِّـلاع – وبخاصة عند الشباب – رغم انتِـشار المكتبات العامة في الميادين والمدارس والجامعات “لعدة أسباب، منها: ما هو تربَـوي وما هو اجتماعي ومنها ما يتعلّـق بطريقة التعليم. فالمشكلة تكمُـن في أسلوب التربية. فالأباء منشغِـلون بالجَـرْي وراء لُـقمة العيش لتوفير حياة كريمة لأبنائهم، وليس عندهم وقت لغَـرس القِـيم التربوية بشكل عام، وحبّ القراءة بشكل خاص، كما أن المثقّـف لا يحظى الآن بالمكانة الاجتماعية اللاّئقة، بل إنها تراجعت لصالِـح ذوي المال والجاه، فانصَـرف الشباب عن القِـراءة والإطِّـلاع”.

أما البُـعد الثالث في هذه القضية – والكلام لسُـميّة دائما – فهو أسلوب التعليم والدِّراسة المعمول به في المدارس والجامعات وكافة المؤسسات التعليمة في العالم العربي، حيث يعتمِـد بشكل أساسي على الحِـفظ والتلقين، استعدادا لأداء الامتِـحانات، بغضّ النظر عن مستوى الفهْـم والاستيعاب، ومن ثَـمّ، فإن ينسى كل ما حفظه بعد الامتحان، فهو يُـذاكر ويحفظ من أجل يوم الامتحان فقط ولكي يحصُـل على أعلى الدرجات ويلتحق بكليات القمة”، معتبِـرة أن الحلّ يكمُـن في “ضرورة إشراك الطالب في العملية التعليمية وأن يتعوّد على منهج البحث العِـلمي وبذل جُـهد في البحث عن المعلومات، فضلا عن تدريبه منذ نُـعومة أظافره على القراءة والإطلاع، حتى تصبح عادة لديه”.

عزوف قرّاء أم ندرة مكتَـبات؟!

وفيما يرجع مكرم في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، انصراف الشباب في المدارس والجامعات عن دخول المكتبات إلى “عدم جدوى القراءة من وِجهة نظرهم وانشغالهم بالبحث عن فرصة عمل لتحسين أوضاعهم المعيشية”، توضح مريم التيجي أن “المكتبات العمومية المتبقِّـية في المغرب، باتت خاوية على عُـروشها، بعد أن كُـنا – ذات زمن – نستبِـق افتتاحها بساعات لكي نظفُـر بمقعد شاغر وبكِـتاب مفضّـل”، معتبِـرة أن “هذا الوضع لا يتحمّـل فيه الشباب العربي أو القارئ المغربي المُـفترض، وحده المسؤولية، وإنما تتضافر عدّة عوامل لكي ترسم واقعا مُـريعا للقراءة، وتتحمّـل السياسات الرسمية مسؤولية كبيرة عن هذا الواقع”.

“مفارقة أخرى – بحسب مريم – تجعلنا لا نطرح السؤال عن سبب عزوف المواطن المغربي عن ارتياد المكتبات، لكن عن سبب غياب هذه المكتبات في بعض الأحيان. فمند سنوات طويلة توقّـف بناء المكتبات العامة، باستثناء مشروع بناء المكتبة الوطنية بمدينة الرباط، فقد أصبحت المكتبات البلدية في خَـبر كان، وقد يقطع الباحث عن أثَـر للكِـتاب مئات الكيلومترات في بعض المناطق، قبل أن يصل إلى أول مكتبة عامة”، مضيفة أن “المكتبات القديمة التي تطل من رحِـم التاريخ، لا تحظى بأي اهتمام رسمي في الغالب ولا تقتح أبوابها طيلة اليوم للرّاغبين في ارتيادها، بل تغلق أبوابها بمجرّد انتهاء الدّوام، وربما قبله بقليل، مما يجعلنا نتساءل عن دوْرها، خصوصًا وأنه من المُـفترض أن يفكِّـر القارئ في ارتياد المكتبات بعد انتهاء دوامه هو، والطالب يُـفترض أن يجد مكتبة تحتضِـنه بعد أن يُـغادر قاعة الدّرس”.

وترى مريم أن “النظام التعليمي الذي تزايدت عِـلَـله وتراجع عطاؤه، ساهم بشكل كبير في انصِـراف الناس عن القراءة وتخلّـى رجال التعليم عن رسالتهم، بل إن المُـثير للقلق في الواقع المغربي، أن هذه النُّـخبة التي يُـعوَّل عليها في عقد مصالحة بين الناس والكِـتاب، عزفت بدورها عن القراءة وانصرف المعلِّـمون إلى مشاريع مدرة للدّخل تدعم أجورهم، وتوقّـف أغلب الأساتذة الجامعيين عن التأليف والبحث العِـلمي.. إلخ”، مشيرة إلى أن هذا “ممّـا يجعلنا نشكّ إن كانت نهاية النّـفق وشيكة، خصوصا أن فراغ الشباب امتلأ بالمخدِّرات والمغامرات في بعض الحالات، مما يُـلقي بمزيد من ظِـلال القلق على المستقبل”.

متفقًا مع مريم (من المغرب)، يرى مازن (من العراق) أن: “أسرع زيارة إلى المكتبات العامة في العراق، سترى مدى الإهمال والتخلّـف والتردّي الإداري لهذه المؤسسة التي تنفر ولا تجذب بموجوداتها وأثاثها المُـتهالك، الذي أكل عليه الدّهر وشرِب ولا يرقى الى عشر مِـعشار المكتبات الأوروبية والأمريكية، التي نريد أن نجعل منها وسطا للمُـقارنة مع مكتباتِـنا البائسة”.

الكِـتاب الدِّيني.. وتنمية الذّات!!

وبينما ترى سُـمية (من مصر) في حديثها عن نوعية الكُـتب التي يقبَـل على قراءتها المثقّـفون العرب، أنها: “تتبايَـن وِفقًا لتبايُـن الشخصية واختلاف المُـيول والقُـدرات ومستوى التعليم والتخصّص، فلم يعُـد لدينا الآن الشخصية الموسوعية التي تقرأ في جميع المجالات والتخصّصات”.

ويعتبر مازن في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: أنه “يبقى للكِـتاب الدِّيني حصّـة الأسَـد في عالم القراءة لدى الشباب العربي”، مرجعًا ذلك إلى “خصوصيته وعلاقته الروحية العقائدية، إضافة إلى حبّ المعرفة العفوي، الذي يملكه القارئ والذي يرفع – لدى العرب – مِـقياس القراءة لديهم في حال وضعهم في ميزان التنافس مع الأمم الأخرى”، يتفق مكرم (المقيم بالكويت) مع مازن في “وجود شريحة لا بأس بها تهتم بالكُـتب الدِّينية العامة، إضافة إلى “كُـتب القِـصص ومجلات الفن والرياضة ومتابعة الأمور السياسية”.

ويضع إسلام (ريتاغ للنشر والتوزيع) نقطة نِـظام بقوله: “للأسف، لا نستيطع أن نصِـف كل قارِئ بأنه مثقّـف، فهناك بعض الشباب يقرؤون، ليس حبًا في القراءة ولا رغْـبة في المعرفة، ولكن إتباعا للموضة وتأثرا بالميديا”، ويضرب مثالا بـ “الكُـتب التي تحمِـل اسم الدكتور إبراهيم الفقي في مجال التنمية البشرية. فرغم أنها مِـن أضعف الكُـتب بناءً في هذا الفرع، إلا أنها الأكثر مبيعًا”، على حد زعمه.

ويُـشير إسلام إلى ظاهرة غريبة، وهي أنه “كلّـما لمَـع نجم شخص ما، إعلاميا، تتسارع دُور النشر لدفعه ليكتُـب لها، وحتى وإن لم يمتلِـك مهارة التأليف، حيث تتطوّع بعض الدّور بجمع المادة من على الإنترنت أو تقوم بتفريغ محاضراته التي يُـلقيها في النّـدوات والمؤتمرات والدّورات التدريبية، ثم تكلِّـف أحد موظّـفيها من الباحثين بتأليفها وتضع اسم هذا النّـجم الإعلامي عليها وتطرحها في الأسواق..”، معتبرا أنه “ما زال هناك القليل من الشباب الواعي الذي يبحث عن المعرفة، فيقرؤون في كُـتب تطوير وتنمية الذّات، والتي تحتلّ موقع الصّدارة بين الكُـتب الأكثر إقبالا من الشباب، وخاصة المترجَـمة منها”.

تراجُـع الصّحف لصالح الإنترنت!

ثمة حقيقة لا ينكُـرها عاقِـل، ألا وهي أن “معظم الصحف تُـعاني من ركودٍ ملحوظ في الشِّـراء، وبخاصة في الوطن العربي، وذلك بسبب الثورة المعلوماتية في الشبكة العنكبوتية”، هذا ما تؤكِّـده سُـمية رمضان، مضيفة أنه “لم تعُـد الصحيفة هي المصدر الأوحد للخبر، بل أصبح الإنترنت وسيلة أسرَع، فضلا عن أنه يُـتيح مجالا أوسع للبحث ومعرفة ما يحدُث في العالم كله لحظة بلحظة، وهو ما جعل مُـعظم الشباب من المثقفين العرب يعزُفون عن شِـراء الصحف والمجلات… فهناك بديل لا يمثل تكلفة مادية كبيرة، إضافة لكونه أسرع وأفضل، وهو الإنترنت”.

وفيما يتّـفق مكرم مع سُـمية في إرجاع حالة الرّكود التي تُـعاني منها الصحافة العربية المطبوعة إلى “ارتفاع أسعارها، فضلا عن انتشار الإنترنت بشكل كبير وبأسعار منخفضة في ظل حالة التنافس بين الشركات التي تقدِّم هذه الخدمة”. يشاطِـرهما إسلام الرأي موضحًا أن “الصحافة تأتينا بالأخبار التي نكون قد تابعناها في الفضائيات على الهواء مباشرة وسمعنا العديد من التحليلات والآراء حولها، فلماذا نشتري الجريدة؟ خاصة وأنها بعد عدّة ساعات ستكون موجودة كاملة على موقع الجريدة على الإنترنت؟!! وهو ما يمكنني من قراءة مقالات كبار ومشاهير الكتّـاب بالمجّـان!!”.

وتأخذنا مريم (المغرب) في نُـزهة تاريخية، فتذكر أن: “جيل السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كان يُـسافر من أجْـل اقتِـناء كِـتاب في بعض الأحيان، وقد يخاطِـر بسلامته في مغرب سنوات الجمْـر، لكنه ظل يقرأ ويحفظ أبياتا من الشعر ويتلهّـف لصدور صحيفة”، وتستدرك قائلة: “إلا أن الحال تغيّـر كثيرا اليوم.. ففي واقع كهذا، يتحوّل مغنِّـي شعبي إلى مليونير في سنوات قليلة، بينما الصحفي أو الكاتب عليه أن يجد مصدرا لرزقه، قبل أن يفكِّـر في الكتابة لقارِئ نادِر الوجود، وبلغة الأرقام، لا تبيع أول صحيفة مغربية وأكثر الصحف انتشارا، إلا مائة وعشرون ألف نسخة في بلد تجاوز عدد سكّـانه الثلاثين مليون نسمة!!”.

أما مازن (العراق) فيوقفنا قائلا: “لا يخفى على الرّاصد لهذه الظاهرة في عالمنا العربي عموما، وفي العراق خصوصا، ولِـما مرّ به من ظروف وتوجّـهات منذ ستينيات القرن الماضي، حيث لم يكُـن المجتمع العراقي يُـعاني من هذه الظاهرة بين أوساط المتعلِّـمين، حتى بدأت تنمُـو وتزداد كلّـما نضج جيل، وذلك نتيجة لنمط التربية المدرسية التي تجعل الهوّة بين تلاميذ الابتدائية، ومن ثم المتوسطة فالاعدادية، هوّة كبيرة لا تملك علاقة حميمية ولا علاقة تحبيب للكِـتاب”، معتبرا أنه “إذا وصل الطّـالب إلى المرحلة الجامعية، يجد أن التعامل مع المصادر الخارجية أمر ثقيل على نفسه، وبالتالي، تنمو هذه الظاهرة بين المُـجتمع من خلال الإهمال التربوي”.

الفضائيات.. ليست وراء تراجُـع الكتاب!

وبينما يعترف مكرم بأن الفضائيات بما توفِّـره من برامج حوارية ونشرات إخبارية فورية وتقارير حيّـة، قد فاقمت من أزمة المُـطالعة في العالم العربي، ويراها إسلام “نتيجة منطِـقية إلى حدٍّ ما، فيما يتعلّـق بالجرائد والمجلات”، غير أنه بالنسبة لهجْـر (شراء وقراءة) الكُـتب، يرى أن “الأزمة ليست في انتِـشار الفضائيات وتعدّد الأقمار الاصطناعية، بل في رغْـبة الناس في المعرفة أو عدم قُـدرتهم على شراء الكِـتاب، الذي صار باهظ الثمن!”.

توافق سُـمية كلاّ من مكرم وإسلام القول، بأن انتشار الفضائيات أثّـر بالسّـلب على انتشار الصحافة الورقية، وتضيف: “ربّـما كانت الفضائيات بما تُـمثله من عوامِـل جذْب، كالصورة والحركة والحوار التفاعلي ومشاركة الجمهور نفسه في صُـنع الإعلام من خلال الاتصالات أو الرسائل القصيرة، فضلا عن وجود بعض القنوات المتخصِّـصة التي تُـعايِـش الخبر لحظة بلحظة، من أسباب عُـزوف البعض عن مطالعة الصحف، ولكن بنسبة ضئيلة”، معتبرة أنه “بالنسبة للمثقّـفين، فسيظلّ للكِـتاب المطبوع والرغبة في اقتنائه، سحره وجاذبيته”.

• “تنتج الدول العربية 1.1% فقط من معدّل الإنتاج العالمي للكتاب”.

• “كل 20 عربيا يقرأ كتابا واحدا في السنة، بينما يقرأ الأوروبي 7 كُـتب في العام”.

• “معدّل القراءة عند الإنسان العربي، يبلغ 6 دقائق في السنة، مقابل 36 ساعة للإنسان الغربي”.

• “يقدّر ما يصدر في الوطن العربي من كُـتب جديدة 5000 كتاب، بينما يصدر في أمريكا ما يزيد على 290 ألف كتاب جديد سنويا”.

• قالت منظمة اليونسكو عام 2008: هناك 100 مليون شخص في الوطن العربي لا يعرفون مسْـك القلَـم، ما يعني أن 30% من شعوب الوطن العربي محرومون من القراءة”.


• “خلال الألف عام التى مضَـت منذ عهد الخليفة المأمون، ترجَـم العرب من الكُـتب ما يساوى عدد الكُـتب التى تُـترجمها إسبانيا خلال عام واحد فقط!”.

• في مقابل ذلك، تُـترجم إسرائيل 15 ألف كِـتاب سنوياً باللغة العِـبرية، وهي لغة منقرِضة أصلاً، لا تترجم الدول العربية مجتمعة أكثر من 330 كتاباً سنوياً!”.

• يصدر الناشرون العرب سنوياً كتاباً واحدا لكل رُبع مليون شخص في العالم العربي، مقابل كِـتاب لكل خمسة آلاف شخص في الغرب، أي مقابل كل كِـتابيْـن يصدُران في العالم العربي، هناك 100 كِـتاب يصدر في الغرب.

• “بينما يُـقيم الكاتِـب المصري حفلا يدعو له الجميع، إذا وافقت دار النّـشر على طباعة ثلاثة آلاف نُـسخة من كتابه، احتفل الكاتب البرازيلى باوْلو كُـوهيلو، بتوزيع النسخة رقم مائة مليون من رواياته، منها 35 مليون نسخة من روايته الشهيرة «الخيميائى»!!.

• التجربة التي جسّـدتها الكثير من معارض الكُـتب العربية، أثبتت فشَـل هذه المعارض في استِـقطاب جمهور من القرّاء.

• معظم أمناء المكتبات العربية ليسوا متخصِّـصين في عِـلم المكتبات، بل ربما لا يحبّـون القراءة أصلا!

• “إذا أردت أن ترى منزلة أمّـة من الأمم من الحضارة وتقِـيس حظّـها من الثقافة، فانظر إلى منزِلة القراءة فيها وموضوعها من سلّـم اهتماماتها”.

• المفكر الروسي سولزر يقول: “القراءة فنّ الحياة الرائع”.

• الفيلسوف سُـقراط يقول: “إذا أردتُ أن أحكُـم على إنسان، فإني أسأله كَـمْ كتاباً قرأت؟”.

• السبب الرئيسي الذي يقِـف وراء ظاهِـرة تراجُـع مكانة الكِـتاب في المجتمعات العربية، إقتصادي بالدرجة الأولى. فالذين يعيشون على دولار واحد في اليوم، لا يمكنهم شراء كُـتب يصِـل ثمنها إلى أضعاف دخْـلهم.


ومن جهته، يعتبر مازن أن “الكِـتاب المطبوع يتعرّض لمنافَـسة كبيرة من التلفاز بمحطّـاته الفضائية والبرامج العِـلمية التي يبثّـها، ناهيك عن الشبكة العنكبوتية وعالم الأقراص المُـدمجة، والتي أضْـحت اليوم من الوسائل التربوية المفيدة، من الناحية الحضارية، في الحصول على الثقافة والمعلومة بطريقة أجمل وأسلَـس وأكثر قبولا لدى الأفراد بأذواقهم وقابلياتهم المتعدِّدة، للاستيعاب، من الكِـتاب الذي يرى الكثيرون أنه قد أصبح وسيلة قديمة لا تُـناسب العصر وتحتاج إلى إعادة نظر من النّـاشرين المؤلِّـفين والتربَـويين”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية