مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لمجابهة ارتفاع قيمة الفرنك.. برن تخصّص ملياريْ فرنك لدعم الإقتصاد

بات الكثير من السويسريين يفضلون اقتناء احتياجاتهم من البلدان الأوروبية المجاورة للإستفادة من الإرتفاع المطرد في قيمة الفرنك Keystone

سعيا منها لدعم الإقتصاد، وفي محاولة للتخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن قوة الفرنك السويسري، قررت الحكومة الفدرالية اتخاذ العديد من التدابير من بينها رصد ملياريْ فرنك لدعم الشركات المتضررة.

وبعد الإعلان عن الخطة الحكومية يوم الأربعاء 17 أغسطس، خاطب يوهان شنايدر- أمّـان، وزير الإقتصاد ممثلي وسائل الإعلام خلال ندوة صحفية، قائلا: “لقد اتخذت الحكومة خطوات جريئة ومثيرة للإعجاب”. وأضاف: “القطاعان الرئيسيان المستفيدان من هذه الإجراءات سيكونان الصادرات والسياحة”.

في بيان صحفي صادر لهذا الغرض، أوضحت الحكومة أنها على وعي بأن المبلغ المخصص لدعم الاقتصاد مرتفع جدا، وقالت إن الهدف منها يتمثل في “تعزيز القطاعات التي تضررت خاصة من الإرتفاع المشط لسعر الصرف، ومنع ترحيل بعض الشركات لأنشطتها إلى الخارج”.

وأما بخصوص قوة الفرنك، فقد أشارت الحكومة إلى “أحدث تدخّل للمصرف الوطني”، وعبّرت عن دعمها لسعيه المتمثّل في مكافحة الإرتفاع المبالغ فيه لقيمة العملة السويسرية.

ويوم الأربعاء صباحا، صعّد المصرف الوطني السويسري من إجراءاته للسيطرة على سعر الصرف، لكنه تجنّب التدخّل بشكل مباشر، وهو ما وّلد خيبة لدى الأسواق المالية، وعزّز قيمة الفرنك مقابل كل من اليورو والدولار.

لكن إيفلين فيدمر- شلومبف، وزيرة المالية، التي شاركت في نفس الندوة الصحفية التي حضرها وزير الإقتصاد، أعلنت امام وسائل الإعلام أنه يتوجب على المصرف الوطني – إذا كان يريد فرض رقابة على رؤوس أموال المؤسسات المالية – إشراك الحكومة عند اتخاذ أي قرار.

في انتظار التفاصيل

وفي انتظار أن تعرض هذه الحزمة من الإجراءات على البرلمان للمصادقة عليها في دورته الخريفية القادمة، لا زالت لم تتخذ شكلها النهائي بعدُ. وقد أوكلت مهمّة صياغة وتحديد هذه الإجراءات في تفصيلاتها إلى مجموعة عمل، تحت إشراف كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية.

ومن الأهداف المرجوة لهذه الإجراءات كذلك تحقيق خفض مؤقت للتكاليف، وتعزيز الإبتكار، والتوصّل إلى تحسين الأوضاع الإقتصادية على المدى الطويل. وقد تقرر تمويل هذه التدابير من الفائض المتوقّع في الميزانية لعام 2011، الذي ينتظر أن يصل إلى حوالي 2.5 مليار فرنك، غير أن الحكومة تشدّد منذ البداية على أن هذا التمويل لن يتجاوز الملياريْ فرنك.

فقاعة القروض العقارية

في سياق متصل، أشارت الحكومة إلى أن إحدى النتائج المترتبة عن ارتفاع سعر صرف الفرنك السويسري كانت إقدام المصارف على ترفيع معدلات الإئتمان على القروض الممنوحة لمشتري العقارات. كما أدّت التأثيرات السلبية للخطوات التي اتخذها المصرف الوطني ضد الفرنك القوي في الآونة الأخيرة إلى تعزيز هذا الإتجاه. علاوة على ذلك، أدى التنافس بين المقترضين في بعض الحالات إلى التساهل في الشروط المُسبقة لمنح القروض العقارية. 

ومن أجل التصدّي لهذه الظاهرة، من المنتظر أن يتمّ فرض شروط أكثر صرامة لمنح هذه القروض. وتسعى وزارة المالية إلى تعزيز قدرة البنوك على مواجهة المخاطر الناجمة عن النمو الإئتماني المفرط، وفرض نوع من الحماية ضد “نتائج التقلبات الدورية لرأس المال”.

كذلك تهدف الإجراءات التي أعلنت يوم الأربعاء 17 أغسطس إلى تعزيز مكافحة الإحتكار من أجل تحسين شروط المنافسة، وفرض رقابة شديدة على الأسعار، وإجراء محادثات مع المنتجين وتجار الجملة لضمان استفادة المستهلكين من الفوائد المترتبة عن ارتفاع سعر الصرف.

أحزاب تحذّر..

رّحبت أغلب الاحزاب السويسرية بالإجراءات الجديدة، على الرغم من أن البعض منهم أشار إلى انها كانت مجزأة واتخذت في أوقات متباعدة. وأعرب الحزب الليبرالي الراديكالي، الذي ينتمي إليه وزير الاقتصاد عن رضاه الكامل عن هذه التدابير، وقال أنه سوف يصوّت لصالحها عندما تُعرض على البرلمان، طالما وأن لها أهداف واضحة، وتبقي على الديون عند المستوى التي هي عليه، وتعزّز المنافسة على المدى الطويل.

وفي حديث إلى إذاعة سويسرا الناطقة بالفرنسية (RSR)، أشار كريستوف داربولي، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين وسط) إلى أنه في الوقت الذي يرحّب فيه بهذه التدابير، فإنه يظل حذرا في انتظار رؤية كيف سيتم تنفيذها في الواقع، وحذّر من مغبّة “تبديد الأموال بدون طائل”.

أما الحزب الاشتراكي (يسار الوسط)، فإنه ولئن رحّب بالخطوات المتخذة لمكافحة الإحتكار، ولتعزيز المراقبة على الأسعار، فإنه بدا أقلّ ترحيبا بالدعم الذي خصّص لقطاعيْ السياحة والصادرات، مشددا على أنه ليس من حق رجال الأعمال الاستفادة من الدعم الحكومي من جهة، وخفض الأسعار وطرد العمال من جهة أخرى.

كذلك انتهز حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) هذه المناسبة للمطالبة بخفض الضرائب من أجل الترفيع في القدرة التنافسية للإقتصاد السويسري على المدى الطويل، وبمزيد من المرونة بالنسبة لسوق الشغل، والتقليل من الإجراءات البيروقراطية والإدارية.

… ورجال أعمال يرحبون

أما من خارج الاحزاب، فكانت ردود الفعل بشأن الخطة الحكومية متباينة. إذ رحّبت رابطة أرباب العمل السويسريين economiesuisse بهذه التدابير التي تدل على أن الحكومة بصدد اتخاذ إجراءات الآن.

وأوضح مديرها باسكال غينتنيتا، في حديث إلى وكالة الأنباء السويسرية أن “المبلغ الذي حددته الحكومة مقبول ومحتمل”. وقال إنه يأمل أن يذهب هذا الدعم إلى الجهات الأكثر تضررا من الفرنك القوي، لكنه دعا إلى تحسين أوضاع النشاط الإقتصادي بصفة عامة وعلى المدى الطويل، بما في ذلك التخفيض في معدلات الضريبة.

من ناحيتها، قالت المتحدثة باسم هيئة السياحة السويسرية Swiitzerland Tourism بأنها “سعيدة جدا” بهذا القرار، لكنها حذّرت من أن المال لا يحل كافة المشاكل، ودعت إلى اتخاذ تدابير من قبيل خفض مستحقات الضمان الإجتماعي، والضريبة على القيمة المضافة.

…ونقابيون مستاؤون

على العكس من ذلك، أعرب اتحاد النقابات السويسرية عن خيبة أمله تجاه التدابير الحكومية، لأنها لم تعالج مشكلة الفرنك القوي “من جذورها” عن طريق اعتماد سعر صرف يساوي 1.40 فرنك مقابل اليورو الواحد كحد أدنى لسعر صرف العملة الوطنية. وقال دانيال لومبارت، كبير الإقتصاديين في اتحاد النقابات: “في الوقت الذي نرحب فيه بإقدام الحكومة على فعل شيء ما، لابد أن يذهب جزء من هذه الأموال إلى دعم صناديق معاشات المتقاعدين”.

ودعت منظمة Travail Suisse، الممثلة للنقابات السويسرية إلى أن لا تستفيد من هذه الأموال الجديدة سوى الشركات التي لحقت بها أضرار بسبب الفرنك القوي، وعلى الحكومة أن تساهم في دفع تكاليف الأجور الخاصة المستحقة على هذه الشركات.

أما في أسواق صرف العملات، فقد ارتفعت قيمة الفرنك في أعقاب إعلان الحكومة عن تدابيرها لتصل إلى 1.14 فرنك مقابل اليورو، بعد أن كانت 1.15 فرنك في وقت سابق من نفس اليوم.

تميّزت ردود فعل الصحف السويسرية الصادرة يوم الخميس 18 أغسطس تجاه الخطة الحكومية الهادفة إلى دعم الإقتصاد ومواجهة الآثار السلبية للفرنك القوي بالحذر والترقّب. وفي ما يلي بعض ما جاء فيها:

حيّت صحيفة “بليك” الناطقة بالألمانية، والصادرة بزيورخ الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة، واعتبرتها “إشارة مهمة للحفاظ على الوظائف. ليس فقط من حيث مضمون الإجراءات، بل وكذلك على المستوى النفسي”.

في المقابل، بدت “نويه تسورخر تسايتونغ” غير راضية على التدابير الحكومية متهمة أصحاب القرار “بنسيان”، و”تغافل” “المبادئ الكبرى” للتقاليد الليبرالية العزيزة على سويسرا البرجوازية. وبالنسبة لهذه الصحيفة الرصينة الناطقة بالألمانية: “بهذا القرار تكون الحكومة الفدرالية قد انتهكت إحدى المحرمات، حيث كانت سويسرا فخورة دوما بانعدام الحاجة للتدخّل الحكومي لدعم مؤسساتها الصناعية”.

لاتريبون دي جنيف” و”24 ساعة” حيّتا هذا “الحبر على الورق. وعلينا الإنتظار لنرى إن كانت ستنجح الحكومة في الإسراع في تنفيذ هذه التدابير، وإن كانت هذه الأخيرة سوف تؤتي أكلها”.

أما صحيفة “لوتون“، الصادرة بجنيف، فترى أن “دعم المستقطعات الاجتماعية الواجب على الشركات دفعها من طرف الحكومة فكرة سيئة للغاية”، لأنه “ينتج عنها تمييز غير عادل بين المؤسسات الإقتصادية، وتخل بالمنافسة الإقتصادية النزيهة”. مع ذلك، لم تشكك هذه الصحيفة في أن هذه الخطة “شجاعة”.

ويبقى في الأخير بالنسبة لصحيفة “

لاليبرتي” الصادرة في فريبورغ أن “المهم هو الإسراع في تنفيذ هذه الإجراءات، ولقد أحسنت الحكومة فعلا بدعم قطاعي السياحة والصادرات. ورغم أهميّة هذا الدعم الحكومي، فإن النجاح مشروط بالخطوات التي سوف تتخذ على المدى القصير، والتأثير يجب أن يتحقق خاصة على مستوى سوق الشغل”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية