مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حزب الله في سوريا: خطايا استراتيجية؟

أنصار لحزب الله يحملون نعش رفيقهم صالح أحمد الصباغ في موكب جنائزي حاشد بمدينة صيدا جنوب لبنان يوم 22 مايو 2013. وتفيد التقارير الإعلامية أنه قتل في معارك القصير بمحافظة حمص السورية. Keystone

ماذا قد يقول المؤرخون المستقبليون عن التدخل الكثيف لحزب الله اللبناني في الحرب السورية؟ شيء واحد على الأرجح..

هذا الحزب، الذي لطالما جهد كي يُقدِّم نفسه على أنه حزب لبناني يدافع عن المصالح الوطنية اللبنانية ولا يرفع سلاحه إلا لمقاومة إسرائيل وممانعتها، كشف بشطحة قلم واحدة عن كل أوراقه الإقليمية بصفته الراعي الأول للمصالح القومية الإيرانية في المشرق العربي.

هكذا الأمر بكل بساطة. فكما أن بعض المحلّلين كانوا مقتنعين بالأمس أن سلاح حزب الله لا وظيفة حقيقية له في خاتمة المطاف، سوى أن يكون خط الدفاع الأول عن إيران، بصفتها وطن ولي الفقيه الذي يأمر ويجب أن يُطاع، بات الكثير منهم مقتنعين اليوم بأن طهران هي التي حرّكت هذا السلاح نفسه لحماية خط الدفاع الثاني عن نظامها ونفوذها الإقليمي في سوريا.

وهذه ستكون نهاية غير سعيدة لفصل المقاومة والممانعة الذي روّج له حزب الله، الذي شكّل على مدار العقود الماضية نقطة الارتكاز الأساسية في استراتيجية الحزب في الوضع الداخلي اللبناني وتُوجّ بالشعار المجلل “الشعب والجيش والمقاومة”.

حرب إسلامية

إنها نهاية غير سعيدة لجملة أسباب دفعة واحدة:

الأول، أن حزب الله انخرط بقضه وقضيضه في حرب أهلية إسلامية – إسلامية ترتدي حلّة أكثر خطورة، بسبب ألوانها المذهبية والطائفية الفاقعة المتوزّعة بين السُـنّة والشّيعة والعلويين.

فهل أمر بسيط أن يسحب الحزب أهَـم وحداته من جنوب لبنان المخصّصة لمقاومة إسرائيل في الجنوب، لمقاتلة أشقاء له في الانتماء إلى “الأمة”، التي يعلن الحزب في أدبياته ووثائقه، الانتماء إليها في الشمال والشرق؟ وهل هو بالأمر الهيِّـن أن ينحاز هذا الحزب الأيديولوجي الإسلامي إلى نظام يصف نفسه بالقومي العربي العِـلماني وتتشكّل نواته الصّلبة من طائفة علوية، لا يعتبرها فقهاء الشيعة “إسلامية تماما”، على رغم فتاوى معاكسة صدرت من طهران وصور أيام الإمام موسى الصدر؟

أيّ منطق فكري أو فقهي يمكن أن يبرّر هذا الانحياز، سوى أنه تنفيذ لأوامر “غير فكرية وغير منطقية” صدرت من إيران – الدولة القومية، لا إيران الثورة الإسلامية؟

السبب الثاني، هو أن هذا التورّط الكثيف للحزب سيُـسفر في نهاية المطاف عن جرّ الوطن اللبناني برمته إلى الأتون السوري، حتى وإن لم تكن هذه رغبة الحزب. فهذا الأخير ليس دولة يمكنها أن تخوض معارك بالواسطة في دول أخرى من دون أن يتأثر داخله بها، بل هو مجرد جزء من نسيج مجتمعي يقابل أيّ فعل فيه ردّ فعل من باقي أجزاء هذا النسيج (إقرأ الطوائف والمذاهب)، وبالتالي، لن يطول الوقت قبل أن تتمدّد النيران السورية إلى الداخل اللبناني، سواء من “معبر الهرمل” المحاذي لبلدة القصير أو من مدينة طرطوس العلوية باتجاه مدينة طرابلس السُنيّة ومنها إلى بيروت وضاحيتها الجنوبية وصيدا، وصولاً إلى البقاع.

والواقع، أن انفجار الوضع الأمني في طرابلس مؤخراً واعتراف الحكومة اللبنانية بأنه “خرج عن السيطرة وبات في عُـهدة قادة المحاور العسكرية (الميليشيات) في كلٍ من باب التبانة السُنّي وجبل محسن العلوي، سيكون على الأرجح الشرارة التي قد ينطلق منها لهيب حرب داخلية لبنانية جديدة (سنّية – شيعية هذه المرة).

تفكك إمبراطورية

السبب الثالث للنهاية الغير سعيدة، هو أن الحزب يخوض معركة خاسرة إستراتيجياً سلفاً. لماذا؟ لأن ما تشهده المنطقة العربية الآن، لا يقل عن كونه بداية العد العكسي لسقوط الإمبراطورية الإيرانية الصغيرة، التي تمدّدت طيلة العقود الثلاثة الماضية في منطقة الهلال الخصيب، مشكِّلة هلالاً شيعياً افتراضياً، امتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية من بيروت، مروراً ببغداد ودمشق وغزة.

فالنظام السوري، الذي شكّل الركيزة الكبرى للنفوذ الإيراني، تفكّك ولن يكون ثمّة مجال لإعادة بنائه مهْـما حقق هذا النظام وحلفاؤه من إنجازات عسكرية، إذ ما تجري في سوريا حرب أهلية متعولمة وإقليمية، سرعان ما ستتدخل فيها الأطراف الأخرى، في حال حقّق أحد الطرفين المتقاتلين خللاً في موازين القوى.

والنظام العراقي، الذي خضع إلى النفوذ الإيراني بعد الانسحاب العسكري الأمريكي يتفكك هو الآخر، وبسرعة. فالشمال الكردي أصبح محمية تركية حقيقية، خارجة عن أيّ نفوذ عليها من بغداد. والوسط السُـنّي يسير هو الآخر في هذا الاتجاه. والبلاد كلها تتّجه بسرعة القذيفة الصاروخية إلى حرب أهلية جديدة، تكون امتداداً للحرب السورية.

وغزة الإخوان المسلمين الجديدة، لم تعُـد غزة القديمة الحليفة لطهران، بعد أن أدارت ظهرها لدمشق ويمّمته نحو “إخوانها” في القاهرة.

أما حزب الله نفسه في لبنان، فهو يعاني الآن من تمدّد استراتيجي زائد وخطر، بعد أن بات مضطراً إلى خوض معارك أو مجابهات في سلسلة متّـصلة من الجبهات في سوريا والجنوب والداخل اللبناني والساحة الأمنية الدولية.

الآن، إذا ما أضفنا إلى هذه العوامل تأرجح الاقتصاد الإيراني على شفير الهاوية، بعد أن فقدت العملة الإيرانية نصف قيمتها خلال أشهر قليلة، علاوة على تضعضع قوة المحافظين الإيرانيين بعد انقسامهم بين المهدوية وولاية الفقيه وصعود تركيا الكاسح إلى قمرة القيادة الإقليمية (وقريباً الدولية) واندفاع إسرائيل القوي إلى قطع كل إمدادات الحزب العسكرية من سوريا، لَـتوصّلنا إلى الاستنتاج بأن حزب الله يخوض بالفعل معارك ميؤوس منها لإنقاذ ما تبقّّـى من النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

ومضاعفات مثل هذه المعارك الخاسرة سلفاً، لن تتأخر كثيراً في الظهور، لا بل أكثر: يمكن القول أن حزب الله تحوّل في الآونة الأخيرة، بالنسبة إلى القوى الإقليمية التي تتحرّك الآن، لـوراثة “التركة الإيرانية” إلى “نتوء استراتيجي”، يجب إزالته قبل أن يعاد ترتيب أوضاع المنطقة من جديد، وهذا ما يجعل لبنان برمّـته، وليس فقط حزب الله، يتراقص الآن على حبل مشدود بين هاويتيْـن: إقليمية ومحلية في آن.

اسطنبول (رويترز) – فشل زعماء المعارضة السورية في دعم مبادرة اقترحها زعيم ائتلافهم المستقيل يسلم الرئيس بشار الاسد بموجبها السلطة تدريجيا وذلك لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد مما يبرز العقبات التي تواجه محادثات السلام الدولية المتوقعة الشهر القادم.

وتحث المبادرة المكونة من 16 نقطة التي اقترحها معاذ الخطيب الذي استقال من رئاسة الائتلاف الوطني السوري المعارض في مارس آذار الاسد على تسليم صلاحياته لنائبه او لرئيس الوزراء والسفر الى الخارج بصحبة 500 من بطانته.

ولم يحصل مقترح الخطيب على تأييد يذكر فيما يبدو من شخصيات معارضة أخرى مشاركة في اجتماع يعقد على مدى ثلاثة أيام في اسطنبول لتحديد كيفية الرد على اقتراح امريكي روسي بإجراء محادثات للسلام تشارك فيها حكومة الاسد الشهر القادم.

ويقع الائتلاف تحت ضغط دولي لحل الخلافات الداخلية قبل مؤتمر تعتبره واشنطن وموسكو ضروريا لآمال إنهاء الحرب الاهلية التي بدأت منذ عامين وأتاحت لمتشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة فرصة لعب دور متزايد في سوريا.

وخيمت ظلال السعودية على اجتماع اسطنبول الذي بدأ يوم الخميس 23 مايو 2013. فهي الداعم العربي الرئيسي للمعارضة وتقول مصادر في الائتلاف السوري المعارض إنها تضغط ليكون انتقال السلطة في سوريا على رأس جدول الاعمال في جنيف.

وقال مصدر كبير في الائتلاف “السعودية غير راضية عن أن (اجتماع) جنيف لن يبدأ فيما يبدو بخروج الاسد من اليوم الأول.”

وقال زعماء معارضون إن من المرجح ان يشارك الائتلاف في مؤتمر السلام المزمع الذي قد يعقد في جنيف في الأسابيع القليلة القادمة لكنهم شككوا في أن يتمخض عن اتفاق فوري على رحيل الأسد.

وقال خالد صالح المتحدث باسم الائتلاف إن الائتلاف المكون من 60 عضوا يدعم اي مؤتمر يساعد في تحول الموقف الى حكومة منتخبة بعيدا عن الدكتاتورية لكنه لن يشارك دون مؤشرات على أن الأسد في طريقه الى الرحيل.

ولم يؤكد الاسد الذي تحدى دعوات غربية وعربية لرحيله أن حكومته ستشارك في محادثات السلام لكن روسيا قالت اليوم الجمعة إن إدارته وافقت على الحضور من حيث المبدأ.

وتسعى المعارضة السورية في المنفى الى انتخاب قيادة متحدة خلال المحادثات في اسطنبول. وهي حائرة منذ استقالة الخطيب في مارس آذار وهو رجل دين مرموق من دمشق طرح مبادرتين ليترك الأسد السلطة سلميا.

وتدعو أحدث مبادرة طرحها على صفحته على موقع فيسبوك الاسد للتنحي وتسليم صلاحياته لرئيس الوزراء وائل الحلقي او نائب الرئيس فاروق الشرع وهو سياسي مخضرم لا يكثر من الظهور منذ اندلاع الانتفاضة في مارس آذار عام 2011 مما أثار مزاعم العام الماضي من المعارضة بأنه يعتزم الانشقاق.

وقال الخطيب ان على الاسد ان يرد خلال 20 يوما وإنه حين ذاك يجب إمهاله شهرا لحل البرلمان. وحين يسلم الاسد صلاحياته تبقى حكومته في السلطة لمدة 100 يوم وتعيد هيكلة الجيش قبل ان تسلم المسؤولية لحكومة انتقالية “يتم الاتفاق والتفاوض عليها في اطار ضمانات دولية.”

ورفض معارضون في اسطنبول المبادرة. وقال عضو بارز بالائتلاف “من حقه تقديم اوراق للاجتماع مثل اي عضو اخر لكن ورقته تتجه مباشرة الى مزبلة التاريخ. انها تكرار لمبادرته السابقة التي لم تؤد الى اي شيء.”

وحكم الاسد ووالده حافظ الاسد سوريا لأربعة عقود. وتعهد بهزيمة من وصفهم بأنهم “إرهابيون” يقفون وراء انتفاضة بدأت باحتجاجات سلمية استمرت عدة اشهر. وأدى رد فعله العنيف الى اندلاع الانتفاضة المسلحة في نهاية المطاف.

وقتل اكثر من 80 الف شخص فيما اصبحت الان حربا اهلية شاملة انزلق اليها حزب الله اللبناني وتمتد آثارها الى الدول المجاورة.

وضغطت واشنطن على ائتلاف المعارضة لحل خلافاته وتوسيع قاعدته ليضم مزيدا من الليبراليين الذين يمكنهم التحرك بشكل مستقل عن الاسلاميين.

وقال دبلوماسي اوروبي “المجتمع الدولي يسير اسرع قليلا من المعارضة. يريد ان يرى قائمة كاملة من المشاركين من الجانب السوري في جنيف وهذا يعني أن على الائتلاف ان يسوي خلافاته.”

وقال برهان غليون وهو مرشح قوي ليصبح الرئيس الجديد لائتلاف المعارضة إن من المرجح ان يوافق الائتلاف على الذهاب الى جنيف لأنه لا يريد ان يكتسب الاسد افضلية سياسية من الاجتماع لكنه أضاف أن من غير المرجح أن يسفر عن اي اتفاق لانتقال السلطة.

ومن المرشحين الآخرين المحتملين احمد طعمة خضر وهو ناشط بارز من المعارضة من محافظة دير الزور بشرق سوريا والتي تتاخم المناطق السنية بالعراق ولؤي الصافي وهو استاذ جامعي كان يقوم بالتدريس في الولايات المتحدة والقائم بأعمال رئيس الائتلاف جورج صبرا وهو مسيحي قاد مظاهرات داعية للديمقراطية في بداية الانتفاضة.

(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 24 مايو 2013)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية