مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رغم الصعوبات.. ثورة 17 فبراير لم تفقد البوصلة

ليبيون يلوّحون بالأعلام الوطنية بساحة الشهداء وسط العاصمة طرابلس مساء 17 فبراير 2014 احتفالا بالذكرى الثالثة لاندلاع الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام القذافي الذي استمر 42 عاما. Keystone

أحيا آلاف الليبيين في العديد من مدن البلاد مرور ثلاث سنوات على اندلاع ثورة 17 فبراير التي أطاحت بالنظام الديكتاتوري الذي هيمن على البلاد لأكثر من 42 عاما، وذلك على الرغم من أجواء الخوف وعدم اليقين التي لا تزال تحف بعملية الإنتقال من الثورة إلى الدولة في هذا البلد المترامي الأطراف والغني بثرواته الطبيعية، وسط إقليم مُضطرب.

الثورة الليبية لم تنجح خلال الفترة المنقضية في إرساء نظام سياسي مستقر، فالمؤتمر الوطني العام (البرلمان المؤقت) يُواجه اليوم معارضة لتمديد ولايته، والدستور الجديد لا يزال في رحم الغيب ينتظر انتخاب لجنة تتركب من 60 شخصا (يتم انتخابهم يوم 20 فبراير الجاري) لصياغته، والحكومة الإنتقالية تُواجه محاولات انقلابية بين الفينة والأخرى. في الأثناء، يمتدّ لهيب الفوضى وينتشر العنف المسلّح والجريمة المنظمة إلى مختلف ربوع البلاد.

في هذه المناسبة الرمزية، اتصلت swissinfo.ch بعدد من الليبيين المقيمين بسويسرا أو المترددين عليها بانتظام واستطلعت آراءهم وتقييماتهم لمسيرة بلادهم منذ سقوط نظام القذافي.

من المقرر أن يتوجّه الليبيون إلى صناديق الإقتراع يوم الخميس 20 فبراير 2014 لانتخاب ستين (60) شخصا سيُكلفون بصياغة دستور جديد للبلاد.

من المنتظر أن يحسم الدستور المرتقب في عدد من المسائل الحساسة مثل مكانة الشريعة الإسلامية ووضع الأقليات وتركيبة الدولة.

من المفترض أن يُمثّل الأشخاص الستون المناطق الثلاث التاريخية في ليبيا وهي برقة (شرق) وطرابلس (غرب) وفزان (جنوب).

كما ستتمثل الأقليات بستة مقاعد ستوزع على التبو والأمازيغ والطوارق وستة مقاعد أخرى ستخصص للنساء.

مع ذلك، قرر الأمازيغ مقاطعة هذه الإنتخابات احتجاجا على ما اعتبروه “غياب الآليات التي تضمن حقوقهم الثقافية”.

بحسب آخر المعلومات التي أدلت بها المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات في ليبيا، بلغ عدد المرشحين هذه المرة 692 مرشحا من بينهم 73 امرأة.

(المصدر: وكالات)

الإنجازات دون الطموحات

في أوّل تقييم يقول رشيد فرحات، المقيم بمدينة جنيف والمسؤول بجمعية “الإغاثة الليبية – سويسرا” والمترشّح للجنة الستين لصياغة الدستور: “هذه الفترات الحاسمة في تاريخ الشعوب لا يجب قياسها بالسنوات الميلادية أو الهجرية، لأنه أمام الدولة المنهارة التي خلّفها نظام القذافي، والمحيط الإقليمي المضطرب، أعتقد أن الليبيين يسيرون على وتيرة معتدلة تحاول من ناحية إيقاف النزيف، ومن ناحية أخرى بناء المستقبل”، لكنه يقرّ إجمالا بأن “النتيجة دون المأمول”.

هذا التقييم يشاطره إيّاه فتحي نصر، أحد أعضاء البعثة الليبية لدى الأمم المتحدة بجنيف، الذي يقول بصراحة: “ما أنجز حتى الآن لا يتناسب مع طموحات ثورة 17 فبراير، ولا مع آمال الشعب الليبي”، وهو “أقلّ من السقف المرجو بكثير جدا”، حسب رأيه.

 

الليبيون لا يُطالبون حكوماتهم المتعاقبة بأن “تأتيهم بالشمس من المغرب إلى المشرق” أو أن “تجعل السماء تمطر عليهم ذهبا”، مثلما يقول الدكتور عمر الزنتاني، وهو باحث إجتماعي ليبي يقيم في سويسرا منذ عقديْن، بل إن كل ما يتطلعون إليه بحسب رأيه يتلخص في “خدمات صحيّة ملائمة، ووسائل نقل محترمة، وسكن لائق، وطرق سالكة، ووسائل اتصال حديثة، وتعليم يناسب القرن الحادي والعشرين”.

وبعد بُرهة من الصمت، يستدرك الدكتور الزنتاني (الذي يقوم حاليا بترتيب عودته النهائية إلى بلده الأصلي) قائلا: “بل كل ذلك بات مؤجلا، لأن ما يطلبه المواطن الليبي الآن هو الأمن والإستقرار، فانتشار السلاح على نطاق واسع أصبح هاجسا كبيرا”.

المزيد

المزيد

ثمانية أشهر غيّرت التاريخ

تم نشر هذا المحتوى على انطلقت شرارة الثورة ضد نظام معمّر القذافي من مدينة بنغازي الشرقية في منتصف شهر فبراير 2011، وسرعان ما تحوّلت إلى حرب مفتوحة، بدعم ومساندة من طائرات حلف شمال الأطلسي. وبعد شهرين من دخول الثوار طرابلس يوم الأحد 21 أغسطس، تمكن الثوار من إلقاء القبض على القذافي في مدينة سرت يوم 20 أكتوبر 2011 وقتله تاليا.

طالع المزيدثمانية أشهر غيّرت التاريخ

“الحلم لم يكن واقعيا”

هذه الخيبة النسبية ربما تعود إلى أن سقف الطموحات بعد أي ثورة أو تغيير عادة ما يكون عاليا، كما أن الآمال العريضة تفتقر عادة إلى الواقعية، ذلك أن الشعوب في لحظات التحوّل الثوري تكون “تبحث عن الخلاص، وتروم الحرية بأي ثمن… لكن تحدّيات الواقع وإكراهاته هي التي تحدّ من هذه الطموحات وتعقلنها”، كما يوضّح الباحث الإجتماعي الليبي.

من أكبر هذه التحديات والعراقيل التي تُعيق تحقيق أهداف ثورة 17 فبراير الفراغ المؤسساتي الذي ورثته ليبيا عن فترة حكم القذافي. وفي معرض شرحه لهذا الواقع، يشير فتحي نصر إلى أن “أوّل هذه التحديات هو التحدي الأمني، حيث أدى انهيار النظام السابق إلى انهيار المؤسسات الأمنية من الأساس (جيش وشرطة ومخابرات)، وفتح الباب على مصراعيه لإنتشار السلاح، إذ من المعروف أن القذافي أثناء الثورة فتح مخازن الأسلحة الفردية والثقيلة، ووزعها على المُوالين له، وعلى القبائل، بالإضافة إلى الحدود المفتوحة على مصراعيها (حدود مع ست دول تمتد لأزيد من 5 آلاف كيلومتر)”.

ومن الأسباب الأخرى التي يفسّر تعثّر الدولة بعد الثورة دائما بحسب فتحي نصر: “عدم تطهير أجهزة الدولة من أنصار النظام السابق، رغم صدور قانون العزل السياسي، إذ لا يزال لما يعرف بالثورة المضادة مواقع مؤثرة، ناهيك عن ضعف الوعي السياسي لدى النخبة الحاكمة الجديدة نظرا لانعدام وجود هيئات وأحزاب سياسية تنشط خلال العقود الأربعة السابقة”.

عمر الزنتاني، يرى من ناحيته أن العديد من العثرات كان بالإمكان تجاوزها لولا انعدام الخبرة العملية لدى الحكام الجدد، وبحسب رأيه فإن الليبيين “ما زالوا في الدرس الأوّل من الديمقراطية، وهم يحتاجون إلى ثقافة الحوار، والتعامل السلس مع المختلف، وإلى الإنفتاح على مؤسسات المجتمع المدني.. كل شيء في ليبيا هو جديد”.

ومن الأخطاء الأخرى التي يشير إليها المتابعون للشأن الليبي تأجيل ملف المصالحة الوطنية ومسألة حقوق الأقليات، وإشكالية التوزيع العادل للثروة على المواطنين والجهات، حتى أن النفط “الذي كان يُعدّ من النعم التي أنعم الله بها على الليبيين، تحوّل إلى نقمة لأنه جعل الوطن مستهدفا من الأطماع الخارجية، وشلّ بقية القطاعات لأنه آعتبر مصدر الثروة الأساسي”، حسب رأي الدكتور عمر الزنتاني.

الدكتور عمر الزنتاني، باحث إجتماعي

الليبيون ما زالوا في الدرس الأوّل من الديمقراطية وهم يحتاجون إلى ثقافة الحوار والتعامل السلس مع المختلف وإلى الإنفتاح على مؤسسات المجتمع المدني

الثورة لم تفقد البوصلة

رغم كل ما سبق، فإنه من الإجحاف – بحسب السيد رشيد فرحات – تحميل مسؤولية كافة الصعوبات التي تعيشها ليبيا اليوم إلى ثورة 17 فبراير، وهو يؤكد أن ذلك لن يجعله يأسف على سقوط نظام الحاكم المستبد، وعلى أن فرص التدارك في ليبيا لا تزال قائمة بحسب رأيه، ذلك أن “وضع دستور لليبيا الجديدة، الذي تبدأ عملية انتخاب لجنة صياغته يوم الخميس 20 فبراير 2014، سيُمكّن من تنظيم العلاقة بين المواطن والدولة، ويمنح كل مواطن حقوقه ويضبط واجباته. كما أن وضع هذا الدستور سيحدّ من الفوضى، وسيفتح الباب لاختيار مؤسسات حاكمة مستقرة وشرعية”، على حد قوله.

وفي تصريحاته إلى swissinfo.ch، أشار السيد رشيد فرحات، المرشح لعضوية لجنة الستين لصياغة الدستور، أنه يعتقد من خلال استقراءه لقائمة المرشحين الآخرين أن “القواسم المشتركة بين جميع الفئات المشاركة كبيرة”، وأكد أن من بين الركائز الأساسية المتفق عليها “اعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع”. في مقابل ذلك، يعتقد عدد من المتابعين أن الصعوبات التي قد تحول دون الليبيين والوصول إلى دستور توافقي عديدة.

بدوره، أقـرّ فتحي نصر أن “الخلاف لن يكون حول هوية الدولة، بل سيكون حول شكلها: مركزية أم فدرالية، وإن كانت فدرالية حول عدد الولايات وحدودها، وأيضا وضع الأقليات، وبعض الحقوق التي تطالب بها كاعتبار الأمازيغية اللغة الرسمية الثانية بعد العربية”، لكن يبدو أن هاتيْن القضيتيْن الخلافيتيْن “في طريقهما إلى الحل”،  بحسب تأكيد الدكتور الزنتاني.

ليبيا وتجربة الجارتيْن

رغم بطء المسار الليبي وتعثراته، أعرب من تحدثنا إليهم عن اقتناعهم بأنهم “يسيرون في الإتجاه الصحيح” خصوصا أنه يُمكن لليبيين الذين جاءت ثورتهم بعد ثورة 14 يناير في الجارة الغربية تونس، وثورة 25 يناير في الجارة الشرقية مصر أن يعثروا على العبر والدروس أينما ولّوا وجوههم.

ومع أن الوضع في مصر قد يؤثّر سلبيا على الإنتقال الديمقراطي في ليبيا، ويُمكن أن يُمثل عامل ضغط إضافي على أطراف سياسية بعينها، فإن تجذّر ارتباط ليبيا بتونس بحكم العلاقات التاريخية والإنسانية والتجارية الوثيقة بين البلديْن يعني انعكاس تعافي الأوضاع في تونس إيجابا على المشهد العام في ليبيا. وفي هذا الصدد، يرى السيد عمر الزنتاني أن “التجربة التونسية والخطوات التي قطعتها حتى الآن تقدّم النموذج، وترسم الطريق الذي بإمكان الليبيين سلوكه”.

وعن هذه العبر والدروس، يضيف فتحي نصر: “بالنسبة لتجربة مصر، أنا أشاطر رأي الزعيم السياسي التونسي الذي قال بأن التجربة المصرية لا يمكن أن يُستفاد منها إلا من خلال تجنّب السير في ركابها، وبالنسبة للتجربة التونسية، فأعتقد أنها رائدة، خصوصا أن النخب السياسية هناك توافقت جميعا على أن تحسم خلافاتها وصراعاتها عن طريق الحوار، وأن لا تلجأ إلى إسقاط الدولة أو الدخول في أتون حرب أهلية. كذلك توافق الجميع على دستور وفاقي تغليبا للمصلحة الوطنية العليا”.

هذا الإعجاب بتجربة الجارة الشمالية الغربية موجود أيضا لدى المترشح لعضوية لجنة الستين، الذي بدا متيقّنا من أن “الليبيين سيستفيدون الكثير من التجربة التونسية”، لأن ما وصلت إليه يُعتبر “قمّة الحكمة والدراية في التعامل مع الواقع، ممارسة وخيارات”، حسب رأي رشيد فرحات.

توصل المؤتمر الوطني العام في ليبيا الى توافق لتنظيم انتخابات مبكرة لتعيين السلطات الإنتقالية الجديدة وقرر تحت الضغط الشعبي العدول عن تمديد ولايته التي كان يُفترض ان تنتهي في 7 فبراير 2014 بحسب ما أعلن عنه بعض النواب يوم الاحد 16 فبراير.

صرح عبدالله الغامدي الذي ينتمي الى تكتل يضم 15 نائبا مستقلا في المؤتمر الوطني العام، لوكالة فرانس برس “أجمعت الكتل السياسية على تنظيم انتخابات مبكرة”.

ولا تزال النقاشات دائرة حول ماهية المؤسسات التي يفترض ان تحل مكان المؤتمر الوطني العام، بحيث تكون اما مؤتمرا جديدا واما برلمانا ورئيسا.

يوم الخميس 13 فبراير 2014، دعا حزب العدالة والبناء المنبثق من حركة الاخوان المسلمين في ليبيا، ثاني قوة في المؤتمر الوطني العام، إلى إجراء انتخابات مبكرة.

تبنى المؤتمر الوطني “خارطة طريق” تنص على إجراء انتخابات عامة في نهاية العام الجاري اذا تمكنت لجنة الستين من تبني مشروع قانون اساسي (دستور) في مهلة اربعة أشهر بعد انتخابها المقرر في 20 فبراير 2014.

وفي حال تعذر الإلتزام بهذه المهلة، فعلى المؤتمر ان يدعو الى انتخابات تشريعية ورئاسية استعدادا لفترة انتقالية جديدة تستغرق 18 شهرا. وبعد تاييده خارطة الطريق، دعا حزب العدالة والبناء الى الذهاب مباشرة الى انتخابات.

أعرب خصوم الحزب في ائتلاف القوى الوطنية (ليبرالي) عن رفضهم تمديد ولاية المؤتمر ولكن من دون أن يطالبوا بانتخابات مبكرة. وذكرت النائبة سعاد سلطان التي تنتمي الى الإئتلاف يوم الاحد 16 فبراير بان الائتلاف يُطالب منذ اشهر بحل المؤتمر.

للتذكير، يشكل المؤتمر أعلى سلطة سياسية وتشريعية في البلاد، وهو مؤلف من حوالى 200 عضو تم انتخابهم في يوليو 2012 في اول انتخابات حرة تجري في ليبيا بعد اكثر من 40 عاما من حكم معمر القذافي.

(المصدر: وكالات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية