مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انحسار التفاؤل بحـلّ مُمكن للصّراع الفلسطيني الإسرائيلي

رغم تكرر اللقاءات التي جمعت وزير الخارجية جون كيري (على اليمين) برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (على الشمال) من جهة ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس من جهة أخرى على مدى الأسابيع والأشهر الماضية، لم تسجل المفاوضات بين الجانبين أي تقدم ملموس. Keystone

استمرت يوم الإثنين 7 أبريل المحاولات الأمريكية لإنقاذ محادثات السلام في الشرق الاوسط من الإنهيار دون بادرة تذكر على إحراز تقدم بعد أن التقى المفاوضون وسط تهديدات من اسرائيل بالرد على ما اعتبرته تحركات فلسطينية من جانب واحد سعيا للحصول على وضع الدولة. ودخلت المفاوضات التي تجري بوساطة أمريكية مرحلة الأزمة الأسبوع الماضي بعد أن امتنعت اسرائيل عن تنفيذ وعدها بالافراج عن نحو 25 أسيرا فلسطينيا وطالبت الجانب الفلسطيني بإبداء إلتزامه بمواصلة المحادثات بعد انتهاء المهلة المتفق عليها بنهاية شهر أبريل الجاري.

يبدو أن التفاؤل الذي رافق محاولات جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي التوصل إلى “خطة إطار” لحلّ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، قد بدأ بالإنحسار بعد أن تكشف أن الجانب الإسرائيلي، هو “من القوة بمكان” ما لا يمكن له أن يقدّم التنازلات المطلوبة، وأن الجانب الفلسطيني “من الضعف بمكان” ما يجعله غيْر قادر على الإمتثال لإملاءات إسرائيلية.

فالشارع الفلسطيني على ضعفه، لن يقبل بما لا يحقّق له الحدّ الأدنى من متطلّبات حلٍّ عادل. أما الرئيس محمود عباس، الذي يُـعد أكثر القادة الفلسطينيين اعتِدالا، فقد كان يأمل في أن يتمكّن جون كيري من خلْق الشروط الضرورية للموافقة على خطّة إطار تمنح الرئيس عباس فسحة زمنية ونصرا (إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين)، يُمكن أن يوظف سياسيا بطريقة أو بأخرى في إطار تجاذبات السياسية الداخلية في المشهد الفلسطيني.

غير أن ما يجري على أرض الواقع، وتراجُع فرص التوصّل إلى اتفاق يمكِّن الرئيس عباس من الظهور بمظهر الزعيم القوي، قد يدفعه إلى خيارات طالما هدّد بها الجانب الفلسطيني. “فهل يفعلها الرئيس عباس ويقلب الطاولة؟ “، هكذا يتساءل عريب الرنتاوي، المحلل السياسي والخبير في السياسة الفلسطينية. فالجانب الفلسطيني لم يعُد لديه ما يخسِره، حيث أن النشاط الإستيطاني لم يجر عليه تغيير، بل تسارع في الآونة الأخيرة، أما الجانب الإسرائيلي فيضع شروطا لا يُمكن لأيّ سياسي فلسطيني أن يقبل بها.

تطورات مساعي كيري

على نحو لافت، وصلت مساعي جون كيري إلى نقطة صعبة، في ظل الحديث عن مأزق تفاوُضي، نتيجة لاتِّساع الهُـوّة بين الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني. ويبدو أن فشل كيري في مساعيه، هو السيناريو الأقرب إلى الواقع، بعد أن رفضت إسرائيل إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وبالتالي، تصبح المفاوضات على برميل بارود.

وقد زاد الطِّين بلّة، عندما هدّد الرئيس محمود عباس، الذي بدأ يشعُـر بعبَثية محاولات كيري، بأن يتقدّم الجانب الفلسطيني بخطوات للإنضِمام إلى خمسة عشر منظمة دولية. فالجانب الفلسطيني بدأ يفقِد الأمل في عملية السلام برمَّتها. وفي هذا الصدد، يقول البرفيسور الفلسطيني خليل الشقاقي، الخبير في استطلاعات الرأي العام في الضفة الغربية: “لن تذهب بِنا هذه العملية إلى أي مكان. إن التسويات التي ترغب هذه الحكومة الإسرائيلية في المصادقة عليها غير مقبولة من قِبل الأغلبية الفلسطينية.. لا يوجد أيّ أمل في ذلك.”

من غير المعروف لغاية هذه اللحظة، فيما إذا كان الرئيس عباس ينوي بالفِعل التوجّه بتقديم الطلب للإنضِمام إلى خمسة عشر منظمة ومعاهدة دولية، أم أن ذلك يأتي فقط في سِياق المناورة السياسية وإرسال رسالة واضحة للجانب الأمريكي، بأن عليه أن يبذل جُهدا أكبر لِـلَيِّ ذراع نتانياهو. بمعنى آخر، هل هناك بالفِعل نية لدى الجانب الفلسطيني في تنفيذ تهديداته أم أنه يقول ذلك فقط انتِظارا لدبلوماسية اللّحظة الأخيرة التي قد تفلح؟!

كيري أبقى على مبعوث عملية السلام مارتن انديك في المنطقة، لبذل محاولة أخيرة قبل أن يتفهّم الجميع أن الوسيط الأمريكي غيْر قادِر أو غير راغِب في توظيف ما لديه من أوراق وتأثير لدفع الطرفيْن للعمل على تذليل العقبات التي ما زالت تقف عائقا أمام نجاح مساعي كيري.

لكن السؤال الذي لا يُجيب عليه أحد، يتعلق بكيف سيتعامل الجانب الفلسطيني مع سيناريو فشل كيري؟ ففشل محاولات كيري أمر سيِّء، لكن الأسوأ منه أن لا تكون هناك خطّة للتعامل مع الفشل، كما حدث بعد أن فشلت محادثات كامب ديفيد عندما لم يكُن لدى أيّ طرف من طرفيْ الصِّراع أيّ خطّة للتعامل مع فشل المحادثات، إذ اندلعت الإنتفاضة التي تركت أثارا على المجتمعين، الإسرائيلي والفلسطيني، جعلت من الحديث عن السلام، أقرب إلى الوهْم منه إلى الواقع.

هل هناك من مَخرَج؟

ما من شكٍّ في أن الجانب الفلسطيني يشعُر بأن الطرف الأمريكي قد خَذَله. فالتوصل إلى اتفاقات، لا يعني أن تلتزم إسرائيل بتنفيذها، وهذا ما يُسبِّب مَرارةً لدى مطبخ القرار الفلسطيني. ففي شهر يوليو 2013، تمّ التوصّل إلى اتفاقيتيْن: واحدة تحدّثت عن قيام إسرائيل بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، والثانية تحدّثت عن خطّة لاستئناف المفاوضات.

وبالنسبة للجانب الفلسطيني، فقد كانت إسرائيل على المِحك، غير أن رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو، عادةً ما يمتثل لمتطلّبات استمرار ائتلافه الحاكم مع اليمين الإسرائيلي، حتى لو أفضى ذلك إلى أن يدير ظهره لأي اتفاق يوقِّعه مع الجانب الفلسطيني.

ويقول حمادة فراعنة، الناشط السياسي والكاتب السياسي المقرّب من الرئيس الفلسطيني، إن ما توصل إليه الجانبان من اتِّفاقات في شهر يوليو الماضي، جاء ضمن تفاهُم ضمني، ينصّ على أن لا يكون هناك استيطان جديد وأن تستمر إسرائيل في نشاطها الإستيطاني القائم، لكن بوتيرة بطيئة. غير أن إسرائيل خرقت الإتفاق مباشرة، بعد أن أعلنت في شهر أغسطس الماضي عن خُططها للتوسّع الاستيطاني.

الآن ترفُض إسرائيل إطلاق الدفعة الرابعة، وهي خطوة أغضبت الجانب الفلسطيني، الذي ردّ بأن الرئيس عباس قام بالتوقيع على طلبات الإنضمام إلى المنظمات الدولية، وهي خطوة تُعارضها إسرائيل بالمُجمل. ومن المحتمل أن تلتجئ إسرائيل والولايات المتحدة إلى معاقبة الرئيس عباس من خلال قطع المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية ومنْع إسرائيل تحويل ما تجنيه من ضرائب من الفلسطينيين إلى السلطة الفلسطينية، وهذا أمر يمكن له أن يتسبّب بإفلاس السلطة! غير أن حمادة فراعنة يجادل أن ذات الموقِف حصل مرّتيْن من قبل، وفي كل مرة يتراجع الجانبان، الأمريكي والإسرائيلي، لأن وجود السلطة الفلسطينية وممارستها لدورها الأمني، لا يتعارض مع مصالح إسرائيل، بل يخدمها.

القضية الأخرى الهامة، تتعلّق بتنشيط الجبهة الفلسطينية الداخلية، من خلال التشجيع على تنظيم مظاهرات سِلمية، وهي مظاهرات لن تتصدّى لها قوات الأمن الفلسطينية، وربما تأخذ زخما شديدا إن قامت إسرائيل وأمريكا بوقف المال عن السلطة الفلسطينية. فكيف عندها يمكن إقناع الشارع الفلسطيني بالهدوء في وقت لا يستلِم الموظفون فيه رواتبهم؟!

هنا يضيف حمادة فراعنة أن الجانب الفلسطيني يفكِّر أيضا في تكثيف الإتِّصالات مع المجتمع الإسرائيلي، بغية خلق رأي عام مُضاد لمواقف حكومة نتانياهو، في وقت يمكن أن يُمهِّد للمصالحة مع حماس، لعل الجانب الفلسطيني ينجح في بلْورة موقِف مُوحّد للتعامل مع سيناريو فشل خطّة كيري.

في الختام، يشعر الجانب الفلسطيني بضعفه، حيث ليست لديه خيارات أخرى. وهنا يرى الكاتب عريب الرنتاوي، أن على السلطة الفلسطينية أن تلجأ لأوراق قوية بيدها وأن لا تقبل بأقلّ من إطلاق أسرى الدفعة الرابعة، بما فيها مناضلو الخط الأخضر وتجميد الإستيطان، وأن لا يقع الطرف الفلسطيني ضحية لما يصِفه بألاعيب كيري ونتانياهو، لأن أنصاف التسويات ستتبخّر على نيران التعنُّت الإسرائيلي في قادم الأيام.

باختصار، تبدو أفكار كيري المعروضة حاليا، أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به الجانب الفلسطيني، أما “انتفاضة الرئيس” عباس، فهي الردّ العملي على عدم جدية الطرف الإسرائيلي، التي يتواطَـأ معها جون كيري. في الأثناء، سيحاول وزير الخارجية الأمريكي الذي بدأ يرى أن محاولاته تذهب سُدى، أن يحصل على موافقة الجانبيْن، من أجل تمديد المفاوضات حتى نهاية العام الحالي.. لكن لماذا يقبل الطرف الفلسطيني ذلك؟

القدس (رويترز) – توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يوم الأحد 6 أبريل 2014، باتخاذ إجراءات ردّا على خطوات اتّخذها الرئيس الفلسطيني محمود عباس من جانب واحد، باتجاه الحصول على وضع دولة. ولم يحدد نتانياهو على الفور التحرّك الذي سيقدم عليه، وقال إن إسرائيل ما زالت مستعدّة للمُضي قدُما في محادثات السلام التي تجرى بوساطة الولايات المتحدة، ولكن “ليس بأي ثمن”.

وقال نتانياهو أثناء الاجتماع الأسبوعي للحكومة الإسرائيلية، “لن يحقق (الفلسطينيون) دولة إلا عبْر المفاوضات المباشرة، وليس من خلال الإعلانات الجوفاء أو الخطوات من جانب واحد، التي ستطيح باتفاق السلام بعيدا.”

وكان عباس وقع يوم الثلاثاء 1 أبريل الجاري على طلبات للإنضمام إلى 15 اتفاقية دولية، منها اتفاقيات جنيف بشأن الحرب والاحتلال، في خطوة تتسم بالتحدّي، لتأكيد وضع الدولة. وفاجأت هذه الخطوة واشنطن التي كانت تحثّ الجانبين على مواصلة المفاوضات إلى ما بعد مهلة تنتهي في 29 أبريل 2014.

وقال الفلسطينيون، إن عباس اتخذ الخطوة ردّا على عدم التزام إسرائيل بتعهُّدها بإطلاق سراح عشرات الأسرى الفلسطينيين. وقالت إسرائيل، إنها تريد أولا التزاما فلسطينيا باستمرار المفاوضات إلى ما بعد نهاية الشهر الجاري. وقال نتانياهو “سيتم الردّ على خطواتهم المنفردة بخطوات من جانب واحد من ناحيتنا. نرغب في مواصلة المفاوضات، ولكن ليس بأي ثمن”.

ودعا بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية إلى فرض عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية برئاسة عباس، وهو ما أثار غضب كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، الذي تساءل في مقابلة مع راديو الجيش الإسرائيلي عن السبب الذي يدفع الإسرائيليين إلى تهديد الفلسطينيين، وكأنهم يرسلون الإنتحاريين إلى تل أبيب.

وفي أول دلالة محتملة على الإجراءات الإسرائيلية، قالت صفاء ناصر الدين، وزيرة الاتصالات الفلسطينية، إن إسرائيل أبلغت شركة الوطنية موبايل للاتصالات، بأنه لن يُسمح لها بعد الآن بإدخال مُعدّات إلى قطاع غزة، الذي تخطط لتشغيل شبكة للهواتف المحمولة فيه.

وأضافت الوزيرة لرويترز: “الشركة الوطنية أبلغتنا أن الجانب الإسرائيلي أبلغهم بوقف إدخال المعدّات الى قطاع غزة.. هذا قرار مُجحف بحقّ فلسطين وبحق المواطن الفلسطيني، لأنه تهديد بوقف التعاون مع الجانب الفلسطيني”. ولم يعلق متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية على الفور.

وكانت إسرائيل التي تفرض قيودا صارمة على مرور الناس والبضائع عبْر حدود غزة، قد سمحت للشركة بإدخال أجهزة إلى القطاع الذي تديره حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بعد استئناف محادثات السلام مع عباس في يوليو 2013. والوطنية موبايل، مِلْـك لصندوق الإستثمار الفلسطيني والشركة الوطنية للإتصالات المتنقّلة في الكويت. وقال نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم عباس “إسرائيل هي مَن تقوم بخطوات أحادِية من خلال مواصلة عمليات الاستيطان وعدم الالتِزام بإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى. وأضاف “نحن ملتزمون بأسُس عملية السلام.”

وبعد أن مُنيت جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الدبلوماسية بانتِكاسة – بينما كان الجانبان على وشك التوصل لاتفاق على تمديد المفاوضات – قال إن بلاده تجري تقييما لاستمرار دورها في المحادثات. واتّهم كيري الجانبين باتخاذ خطوات غير مفيدة. ويجري الوسيط الأمريكي مارتن انديك المزيد من اللقاءات مع مفاوضين إسرائيليين وفلسطينيين منذ أن باءت أحدث مهام كيري بالفشل.

وواجهت المحادثات صعوبات منذ استئنافها وتعثّرت بسبب رفض الفلسطينيين طلب إسرائيل الإعتراف بها كدولة يهودية وبسبب قضية الإستيطان. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، وهو شريك كبير في ائتلاف نتانياهو الحاكم، إنه يفضل أن تجري إسرائيل انتخابات مبكّرة عن أن تلبّي مطالب عباس الإفراج عن المزيد من المعتقلين.

ومن المقرر إجراء الإنتخابات في نوفمبر 2017 بعد أربعة أعوام على الانتخابات السابقة، لكن كثيرا ما تسبّبت مشاحنات داخل الحكومة الإسرائيلية في إجراء انتخابات مبكّرة في السابق. وتشير إستطلاعات الرأي إلى أن نتانياهو يستطيع الفوز مجدّدا، لكن عضوي الحكومة من اليمين المتطرف ليبرمان ونفتالي بينيت، وزير الاقتصاد سيتنافسان مع كل من وزير المالية يائير لابيد من تيار الوسط وكبيرة المفاوضين تسيبي ليفني، على مراكز أفضل كشريكين في الإئتلاف.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 أبريل 2014).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية