مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الدولة الإتحادية في اليمن تنتظر الحسم في مسألة الأقاليم

ناشط يمني يُحذر مواطنيه من خطر الحرب الأهلية في رسم يخطه على أحد الجدران في العاصمة صنعاء يوم 9 يناير 2014. Keystone

بعد توقيع كافة المكوِّنات والأحزاب السياسية اليمنية المشاركة في الحوار الوطني على وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية، بات من المؤكد أن اليمن انتقل إلى عتَبة "مرحلة جديدة"، لم تتّضح معالِمها المرسومة بوثيقة حلول ضمانات القضية الجنوبية بسبب اختلاف التفسيرات لتلك المعالِم وتبايُـن المواقف حولها.

الوثيقة التي وقع عليها المشاركون في الحوار تضمنت تسوية للقضية الجنوبية في إطار دولة اتحادية ديمقراطية، وفق مبادئ دولة الحق والقانون والمواطنة المُتساوية “تتأسس على هيكل وعقد اجتماعي جديديْن”. 

الوثيقة التي ارتكزت على (اتفاق نقل السلطة الموقّع في الرياض في نوفمبر 2011) المعروف بمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية، وعلى قراريْ مجلس الأمن الدولي رقم 2014 ورقم 2051، تضمنت “اعترافاً كاملاً” بالأخطاء المُؤلمة والمظالِم التي ارتُكِبت في الجنوب، وتوصيات بضرورة معالجة تلك المظالم بالإنتقال إلى الدولة اليمنية الإتحادية، بناءً على جدول زمني يُحدّد تنفيذ ومتابعة مُخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.

وثيقة الحلول والضمانات

من أهمّ المبادئ الرئيسية التي وردت في الوثيقة، أنه خلال الدورة الإنتخابية الأولى التي تأتي بعد تبنّي الدستور الإتحادي “يُمثّل الجنوب في كافة الهياكل القيادية في الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بما فيها الجيش والأمن، التي يتمّ التعيين فيها بموجب قرارات يصدرها رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء بنسبة خمسين في المائة، وكذلك يمثّل بالنسبة ذاتها في مجلس النواب”.. كما أكّدت الوثيقة على مُعالجة عدم المساواة في الخِدمة المدنية والقوات المسلحة والأمن على المستوى المركزي، عبْر قوانين ومؤسسات، وبما يضمن إلغاء التمييز وتحقيق تكافُؤ الفُرص لجميع اليمنيين.

من جهة أخرى، أوصت الوثيقة بأن ينُصّ الدستور الإتحادي على آليات تنفيذية وقضائية وبرلمانية، من أجل حماية المصالح الحيوية للجنوب.. ومن تلك الآليات، حقوق نقض أو تصويت خاصة حول قضايا تتعلّق بالمصالح الحيوية للجنوب، وتمثيلاً خاصاً يقوم على معادلة المساحة والسكان وعدم إمكان إجراء تعديل في الدستور يخصّ الجنوب أو يغيّر شكل الدولة، إلا عبر ضمان موافقة أغلبية مُمثلي الجنوب في مجلس النواب، إضافة إلى ترتيبات لتحقيق المشاركة في  السلطة، تُقرّر في دستور الدولة الإتحادية.

كما نصّت الوثيقة على أن “الموارد الطبيعية مِلك للشعب” في اليمن وأن إدارتها، ومنها النفط والغاز ومنح عقود الإستكشاف والتطوير، من مسؤولية السلطات في الولايات المُنتِجة بالتّشارك مع السلطات في الإقليم والسلطة الاتحادية.

إعلان مرحلة تأسيسية لمدة عامين أو 20 شهراً، الغاية منها تفادي الوقوع في فراغ دستوري ومؤسسي والترتيب للعمليات الإنتخابية وبناء المؤسسات ووضع تشريعات الدولة الإتحادية.

تشكيل لجنة لصياغة الدستور مكونة من 30 عضواً من رجال القانون والفقه والقضاء.

التحضير للإستفتاء على الدستور من قبل اللجنة العليا للإنتخابات.

مُراجعة سجلات الناخبين وتنقيحها وتصحيحها على النحو الذي يحقق تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة.

تنفيذ النقاط 31، وإصدار التعليمات القانونية والإدارية والقضائية والشرطة والأمن والسجون، للتصرف وفقاً للقانون والمعايير الدولية وإطلاق سراح المحتجزين بصفة غير قانونية.

عودة الجيش من التشكيلات العسكرية إلى معسكراتها وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن.

إخلاء العاصمة صنعاء وبقية المدن من الميليشيات والمجموعات المسلحة غير النظامية، واستكمال إزالة حواجز الطرق ونقاط التفتيش والتحصينات في كافة المحافظات.

الشروع بتطبيق العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية، ووضع الإجراءات والتدابير الضامنة، لعدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

رفض وانتقادات

ومع أن بعض المكوِّنات والأحزاب السياسية (من بينها حزب المؤتمر الشعبي وحزب الرشاد السلفي ومكوّنات شبابية) رأت في بادِئ الأمر أن الوثيقة مدخلٌ لانفِصال الجنوب عن الشمال، وأعلنت رفضها لها بل اعتبر عدد من النشطاء (ومنهم توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام) أنها “تضمّنت تمييزاً جغرافياً بين أبناء اليمن الواحد”، وأنها “بدلاً من أن تقسم السلطة، قسمت الشعب مع الجغرافيا ومزّقت الهوية اليمنية الجامعة”، على حد زعمهم.

كما أعلن سياسيون جنوبيّون مُشارِكون في الحوار ومن معارضة الخارج، رفضهم للوثيقة مُشدِّدين على مطالبهم في فكّ الإرتباط، إلا أن حضور المنظمة الأممية ورُعاة التسوية العشرة (الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية) الدّاعمين للتسوية السياسية، مثل عاملا ضاغطا في اتِّجاه فرض الحلّ الفدرالي، كضمانة لحلّ القضية الجنوبية.

رغم كل شيء، يلاحظ مُراقبون أنه على الرغم من إقرار صيغة الدولة الإتحادية الفدرالية، إلا أن عقبات كثيرة ستعترضها بسبب تعقيدات الواقع اليمني وتركيبته الإجتماعية التقليدية والنفسية والجغرافية، لاسيما لجهة الإتفاق على عدد أقاليم الدولة الإتحادية.

ومع أن هذا المقترح يحظى بدعم قِطاع واسِع من المستقلِّين المؤيِّدين للحزب الإشتراكي اليمني (الذي حكم الجنوب منذ استقلاله عام 1967 وحتى قيام الوِحدة مع دولة اتحادية من إقليميْن، جنوبي وآخر شمالي)، إلا أنه يصطدم بالإعتراض من قبل القوى السياسية، التي ترى أنه يُمهِّد لانفصال الجنوب عن الشمال، وباعتراض أطراف أخرى من داخل الجنوب، ترى فيه محاولة لاستعادة الحزب الإشتراكي لنفوذه على الجنوب. في المقابل، أعرب حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح والحزب الناصري وبعض القوى المساندة لهم عن تأييدهم لفكرة إقرار ستة أو خمسة أقاليم، منها إقليم متداخل من المناطق الحدودية بين شطري البلاد قبل الوحدة.

وفي كل الأحوال تبقى مسألة تحديد عدد الأقاليم وحسْمها من عدَمه، عقبة كبيرة أمام الإنتقال النهائي لليمن إلى الدولة الإتحادية، خاصة مع تبايُن الرُّؤى واختلاف الأهداف حولها.

تباين الرؤى واختلاف الأهداف 

حول هذه العقبة، يرى الدكتور أمين الغيش، أستاذ القانون الدستوري في جامعة صنعاء في تصريحات لـ swissinfo.ch، أن “طرح الإقليمين كأساس للدولة الإتحادية من قبل البعض، يُبرر كونه الأقرب إلى الواقع والأسهل تطبيقاً، لكن هذا التقسيم الثنائي في نظر آخرين، يعني العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990 شمال وجنوب، وهذا لا يقدِّم حلاّ للقضية الوطنية، وفي مقدِّمتها القضية الجنوبية، بل قد يكون مقدِّمة للإنفِصال”. ويرى البعض – وهذا هو الأخطر حسب الغيش – أنه “قد يكون مقدِّمة للإقتتال، ليس على مستوى الإقليميْن، وإنما على مستوى كل إقليم، وبالتالي التشظّي”، ناهيك عن وجود رفض على مستوى الإقليم الجنوبي لقيام دولة اتحادية بإقليميْن.

أما في صورة استحداث الأقاليم الخمسة الجديدة (أو السبعة)، يُنتظر بروز الكثير من المشاكل والصراعات، فضلاً عن الصعوبات التي ستترتب عن تحديدها، أولا على مستوى ضبط معالِم الأقاليم الجديدة وكيفية تشكيلها، وتحديد المُحافظات التي سيتكوّن منها كل إقليم، وإثر ذلك سيتطلب الأمر وقتا طويلا للإتفاق على عواصم الأقاليم الجديدة، إضافة إلى أن ضمان نجاح الأقاليم الفدرالية يتطلّب في حدِّه الأدنى شروطا لابد من توافرها، مثل رابطة الهوية والشعور بالإنتماء، التي تشكَّلت في الفترات الزمنية السابقة على قيام الدولة الإتحادية.

إجمالا، يتفق المراقبون لمُجريات ومآلات الحوار الوطني اليمني على قبول الفرقاء بفكرة الفدرالية من حيث المبدأ، أما من حيث صيغها وعدد الأقاليم، فإن ذلك يتطلب فترة زمنية طويلة ويحتاج إلى إجراءات وتدابير إدارية وتأمين موارد مالية مُستدامة وإلى بُنى مؤسّسية أيضاً وإلى أطُر بشرية وإدارية، خاصة لجهة التشريع والقوانين، وتنازع الإختصاصات بين السلطات على مستوى الإقليم أو على مستوى السلطة الإتحادية.

الدكتور أمين الغيش، أستاذ القانون الدستوري في جامعة صنعاء

خيار فدرالية المحافظات بتحويلها إلى أقاليم أو ولايات هو الحل الجِذري لكل مشاكل اليمن

طريق ثالث؟

الدكتور أمين الغيش يرى أنه من الأنسب – تفاديا للدخول في مَتاهات مطوَّلة – اختيار طريق ثالث، يتمثل في أن تتشكل الدولة الإتحادية المقبلة من عدد المحافظات التي يتكوّن منها اليمن منذ القِدم وهي الـ (22) محافظة، لأن الإنتقال إلى دولة اتحادية بالمحافظات الحالية، سيكون أسهل وأيْسر ولا يحتاج لأكثر من اعتِماد اللامركزية السياسية أو الحُكم المحلّي، بدلا عن اللامركزية الإدارية في الدستور الجديد، هذا على المستوى الدستوري والسياسي. أما على المستوى المالي والإداري، فسيكون الأمر أكثر يُسرا وسهولة،  لأن الإعتمادات المالية متوافِرة والأجهزة الإدارية جاهزة، ما يُسهّل تحوّل مؤسسات وهيئات السلطة الحالية من مجالس محلية ومكاتب تنفيذية ومحاكم استئناف في المحافظات، إلى أجهزة للولايات الجديدة.

هنا، يخلُص الغيش إلى القول بأن “خيار فدرالية المحافظات في اليمن بتحويلها إلى أقاليم أو ولايات، هو الحل الجِذري لكل مشاكل اليمن، كما يراه البعض، وهو الذي نعتقده ونؤيّده، لأن ذلك هو ما حصل بالنسبة للدولة الألمانية، حيث أصبحت دولة اتحادية من 16 إقليما، وذلك بجمع الولايات في ألمانيا الغربية وعددها 11 ولاية مع ولايات ألمانيا الشرقية وعددها 5 ولايات، وهذا النموذج هو الأكثر مُلاءمة مع الشكل الاتِّحادي والنظام السياسي الرِّئاسي ونظام التمثيل النِّسبي في الانتخابات”، حسب رأيه.

إجمالا، يُمكن القول أن ما سيُعيق الإنتقال الفعلي لليمن باتجاه الدولة الإتحادية، هو تمسّك كل طرف برُؤيته التي تضمن له استِمرار تحكّمه بالمجالات الجغرافية، التي ظل مُسيْطراً عليها، غيْر مُستوعِب أن الهزّات التي تعرّضت لها مختلف مناطق البلاد في الآونة الأخيرة قد حفّزت التطلّعات الشعبية إلى العدالة والمساواة وإلى الشّراكة في السلطة والثروة، وأنه لم يعد بمقدور القوى التقليدية استمرار التحكّم في الجغرافيا والسكّان، انطلاقاً من حسابات الماضي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية