مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ماذا بعد تخفيض عدد القوات الأمريكية في العراق؟

آليات عسكرية أمريكية تغادر قاعدة تقع شمال شرق العاصمة بغداد بعد تسليمها للقوات العراقية يوم 28 مايو 2010 Keystone

لا يُـمكن التكهُّـن في الوقت الحاضر بعواقِـب خفْـض القوات الأمريكية المُـتواجدة حاليا في العراق، لكن المؤكّـد هو أن الحديث عن تقسيم العراق أو إقامة نظام الأقاليم، الذي لا يعارضه الدستور، ما عاد محسوما لدى الشيعة الذين تخلّـوا عن فِـكرة إقليم الوسط والجنوب العراقي، برغم أن الذين كانوا يحذِّرون من كل هذا، هُـم اليوم من يُـطالب به أو يتمناه على الأقل. فتقسيم العراق إلى ثلاث دويلات منفصلة عن بعضها، ليس هو الخطر القادم بعد "الإنسحاب" الأمريكي من العراق.

لكن، ومع استمرار الجمود السياسي وتعثُّـر الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، يخشى العراقيون من ازدياد أعمال العنف، حيث يزداد التوتُّـر في البلاد بين الأجنحة السياسية المتعدّدة في وقت يسعى فيه معارضو العملية السياسية، إلى استغلال حالة الفراغ “الجزئي” الذي يتركه رحيل القوات الأمريكية.

وقد غادر بالفعل آلاف الجنود الأمريكيين، رغم أن عملية تشكيل الحكومة لم تحقّـق أي تقدم يُـذكر منذ انتهاء الإنتخابات في السابع من مارس 2010. في غضون ذلك، يؤكِّـد المسؤولون الأمريكيون بأن لا شيء مُـمكن أن يقِـف حائلا دون خفْـض حجم القوات الأمريكية إلى 50 ألف جندي بحلول نهاية شهر أغسطس الجاري.

بيد أن أجواء الشكّ تعمَّـقت بعد الانهيار العملي للتحالف المتهرئ أساسا بين ائتلافين إسلامييْـن شيعييْن، كانا يسعيان لمنع وصول ائتلاف رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي إلى الحُـكم، وهو علماني شيعي يحظى بدعم القوى السنِّـية، والبعثيين على نحو رئيسي، وهذا يعني أن المهمة الأمريكية القتالية سوف تنتهي، دون وجود حكومة عراقية منتخبة في البلاد.

وكلما تكرّر الحديث عن “انسحاب” أمريكي، وإن كان جزئيا، من العراق، يُطرح في المقابل سؤال: هل ستُـسيطر إيران المُـمسكة بكثير من مفاصل الوضع الداخلي على العراق؟ أم أن القاعدة و”البعث الصدّامي” سيفرضان سيطرتهما على الساحة؟

ويمكن القول في عُـجالة، أن التفجيرات الأخيرة، خصوصا في البصرة، التي تُـعدّ الأكثر استقرارا، حملت معها رسائل جدية عن مستقبل العراق والعملية السياسية، إذا تم تخفيض عدد القوات الأمريكية من العراق، تمهيدا للإنسحاب بشكل نهائي في المستقبل القريب.

تفجيرات ورسائل استنجاد

هذه التفجيرات التي صاحبتها رسائل استنجاد عديدة وجَّـهها قادة سُـنّة، على رأسهم طارق الهاشمي، نائب الرئيس العراقي في حكومة المحاصصة الطائفية المنتهية ولايتها، إلى جانب ما صرّح به طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء في النظام السابق من سجنه، وقد طلب من الأمريكيين عدم سحْـب قواتهم وتسليم العراق لـ “الذئاب”، على حدّ تعبيره، تجعل بعض المراقبين يُـعيدون إلى الواجهة من جديد ثلاثة سيناريوهات، منها التقسيم المؤقّـت أو الاتجاه نحو الفدرالية “إذا وافقت إيران طبعا” وهي أن المناطق المختلطة ستشهد تطهيرا طائفيا وسيقوم الشيعة المُـسيطرين على الحُـكم، بطرد السنَّـة إلى محافظة الأنبار وأن جنوب العراق، وفي ضوء استمرار “انتفاضة الكهرباء” سينزلق إلى حرب أهلية بين الجماعات الشيعية، خاصة بعد تفجيرات السبت 7 أغسطس المُـروِّعة، وأن الأكراد في الشمال سيُـكرِّسون سيطرتهم على المناطق المُـتنازع عليها، لضمِّـها إلى كردستان الحالية.

وفي ظل هذه المخاوف، ترتفِـع أصوات عن تكثيف إيران تواجدها الإستخباري والأمني في الجنوب والوسط، ويقال إنها وراء “انتفاضة الكهرباء” وعرقلة تشكيل الحكومة، بانتظار تخفيض عديد القوات الأمريكية، لتعزيز سطْـوتها السياسية والأمنية، أكثر من أي وقت مضى، وهو ما يجري تداوُله في الأوساط العراقية المختلفة، وحتى في الشارع، كما بيَّـنت أحدث التقارير.

“البعث حاضنة لكل قوى المقاومة”

وفيما يتعلَّـق بالقاعدة، وبعد اعتراف عزّت الدوري بأن حزب البعث “حاضنة لكل قوى المقاومة”، وبرغم كل الاختلافات الفكرية، فإن المؤكَّـد هو أن “بعثيين” و”عناصر أمن ومخابرات سابقين”، وبينهم فِـدائيو صدّام، تسلَّـلوا إلى القاعدة منذ اليوم الأول من سقوط النظام السابق في 9 أبريل 2003، وباتوا يحرِّكون وجهتها في الكثير من العمليات التي نفَّـذتها وسقط فيها ضحايا مدنيون.

عموما، يظلّ هاجس “إما القاعدة أو إيران ـ أو كليهما ـ” يُـؤرق دوائر القرار في واشنطن، بعد “انسحاب متعجِّـل” للقوات الأمريكية أو هكذا يعتقد زعماء السُـنّـة والبعثيون، فيما يرى آخرون أن هذا الخوف غير مبرّر، خاصة في الشق المتعلّـق بالقاعدة، لأنه لاشيء يمكن أن يكون أسوأ من الوضع الرّاهن حسب رأيهم.

وأما إيران، فإن أزمتها الداخلية المستمِـرة والتي دخلت في يونيو 2010 عامها الثاني وحزمة العقوبات الجديدة التي تضيِّـق الخناق عليها، تجعلها تستفيد كثيرا من “تخبط” المسؤولين الأمريكيين في كيفية إنهاء أزمة تشكيل الحكومة العراقية، لأن مجرّد أن تجد الحكومة العراقية طريقها إلى الرسوخ في ظلّ تواجد عسكري أمريكي قوي، يعني أن إيران أخفقت في إبعاد شبح الحرب القادمة عليها على خلفية برنامجها النووي.

“الغاية تبرر الوسيلة”!

وينظر بعض الخبراء إلى أنه، حتى مع استبعاد تقسيم العراق إلى أجزاء، وفي ظل سيطرة اللاّعبين من الخارج عليه بعد الإنسحاب الأمريكي “الجزئي”، فإنه لا يمكن تفادي حدوث خراب هائل وانفجار عُـنف إلى الحد الذي يجعل من وضع الاستقرار “الهش” الحالي في البلاد وكأنه غاية في الهدوء.

وإذا كانت الولايات المتحدة فشلت في أن تصنع من العراق “أنموذجا للديمقراطية في الشرق الأوسط”، مثلما بشّـرت قُـبيل اجتياحه وبعد سقوط نظام صدّام، فإن الواضح هو أن الإنتكاسات العديدة على طول الطريق، والكثير منها ربّـما يكون مفتعلا على أساس “الغاية تبرر الوسيلة”، لم تمنع دون أن تتشبث بها كل الأطراف للبقاء، عدا تلك التي ربطت مصيرها بإيران، (وهي بالمناسبة ليست قليلة) لأن المعادلة السائدة في عراق اليوم هي “كلما انحدر العراق إلى قاع الفوضى، تبقى الحاجة إلى اللاعب الأمريكي أساسية، تفوق أهمية اللاعبين الخارجيين”.

أما كيف؟

في عام 2007، رعت قيادة هيئة الأركان الأمريكية المُـشتركة، لعبة حربية أطلق عليها “المسعى الموحد 2007” وجرت تطبيقاتها في الكلية الحربية في بنسلفانيا وافترضت تقسيم العراق مع رحيل القوات الأمريكية سريعا خارج العاصمة، لتنتشر في الشمال والجنوب.

ويقول الكولونيل المتقاعد ريتشارد سنريك: “لدينا التزاماتنا إزاء الأكراد والكويتيين، ثم إنهم سيقدِّمون لنا مواقع أكثر أمنا واستقرارا، وبوسعنا منها الإستمرار في وجودنا”، لكن خلاصة اللعبة هذه، “لم تكن كثيرا في صالح الولايات المتحدة..”، يضيف الكولونيل ريتشارد سنريك.

التقسيم.. نتيجة شبه حتمية

وتتفهم واشنطن من جميع التجارب التي أجرتها منذ عام 2007، أن تقسيم العراق سيكون نتيجة شِـبه حتمية مع تدخل إيران المباشر للسيطرة على جنوب العراق والوقوف إلى جانب الشيعة في حرب أهلية مفترضة، وهي إذا وقعت، فستكون مذبحة للجميع.

وأكثر ما يشغل بال الأمريكيين في هذه المرحلة، كيف سيكون التحالف الإيراني – السوري، إذ تربط دمشق فكّ ارتباطها بطهران في المسألة العراقية بتخفيف الضغط الأمريكي عليها في الملف اللّـبناني. ومن هنا، سارعت القيادة الإيرانية إلى إرسال كبير مستشاري المرشد علي خامنئي إلى دمشق وصرح منها علي أكبر ولايتي أنه لا خلاف “حاليا” بين سوريا وإيران في الشأن العراقي، بعد أن تسرّبت معلومات عن محادثات سرية أجراها ممثِّـلو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد مع مسؤولين أمريكيين، لم تُـظهر نتائج ملموسة.

وبينما تولي واشنطن في سيناريوهات ما بعد خفض حجم القوات الأمريكية، الحرب الأهلية والتدخل الإقليمي والاضطراب، اهتماما كبيرا بسبب أن إيران نجحت في ربط سياساتها داخل العراق بالكثير من الملفات الإقليمية والدولية، يبقى التركيز على “القاعدة” ودور البعثيين أقل، ربما لتشابك الدور السوري المُـحبط في الكثير من مفاصله للإدارة الأمريكية، خصوصا بعد نجاح سوريا في الإفلات من المحكمة الدولية في قصة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

إزاحة المالكي ليست الحل!

إن الانسحاب الأمريكي سيُـربك أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة وسيشجِّـع سوريا، وإيران على وجه الخصوص، ويدفعهما إلى ممارسة نفوذهما في منطقة الشرق الأوسط بشكل أكبر.

ويبدو أن واشنطن اقتنعت بحجم النفوذ الإيراني وقُـدرة طهران على عرقلة أي اتِّـفاق لتشكيل الحكومة العراقية، ذلك أن إصرار رئيس الوزراء المُـنتهية ولايته نوري المالكي على البقاء في منصبه، يجعل من الصعوبة بمكان التوصّـل إلى اتِّـفاق قبل الإنسحاب الجُـزئي للقوات الأمريكية مع حلول الشهر القادم.

غير أن إزاحة نوري المالكي من المُـعادلة، قد لا يكون الحلّ السريع للخروج من المأزق، لأن الخلافات تحوّلت إلى “شخصية” والأكثرية الشيعية لم تتّـفق بعد على مرشّـح محدّد يخلِـف المالكي. فالائتلاف الوطني العراقي له مرشّـحان اثنان، وكان هذا الائتلاف قد حصل على 70 مقعدا ويضُـم جناحا يتزعّـمه مقتدى الصدر الموجود في إيران!

خلافات داخل ائتلاف دولة القانون

كما أن التحالف بقيادة اياد علاوي، متمسّـك بما يُـسميه حقّـه في تشكل الحكومة، من واقع أنه فاز بفارق مقعديْـن عن ائتلاف المالكي. وإذ لم تظهر أية مؤشرات ملموسة بشأن استعداد المالكي إتاحة الفُـرصة لغيره لتسلم رئاسة الوزارة، سارع أعضاء ائتلاف دولة القانون، الذي يترأسه، للتأكيد أن المالكي مرشحهم الوحيد. غير أن همسا تردّد يُـشير إلى أن أعضاء ائتلافه قد ينقلِـبون عليه، إذا ما شعروا بأن ترشحه قد يهدّد زوال قبْـضتهم عن السلطة بكل ما فيها من مغريات.

وتؤكِّـد مصادر، بروز خلافات داخل ائتلاف دولة القانون، حيث أعلن البعض ممّـن يرتبطون بإيران بعلاقات وثيقة، أنهم لا زالوا مُـلتزمين بالتحالف مع الائتلاف الوطني العراقي “الذي رعته طهران”، فيما قال آخرون، إن على المالكي الإتفاق مع علاوي، رغم أن الأخير لا يبدو أنه يتراجع عن موقِـفه المتشدّد في شأن تشكيله الحكومة المقبلة.

وأما خارجيا، فإن هناك انقساما أوسع بين إيران، التي تدعم الائتلاف الشيعي، وبين البلدان العربية التي تدعم علاوي، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى تحالف يجمع بين علاوي والمالكي، على الرغم من قولها بأن ليس لديها مرشح مفضل، وما يراه الكثيرون تخبطا، تستفيد منه إيران… وفي المحصلة النهائية فإن الخاسر الأكبر هم العراقيون.

نجاح محمد علي – دبي – swissinfo.ch

لندن (رويترز) – نقلت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية عن رئيس أركان الجيش العراقي قوله أن الجيش العراقي لن يكون قادرا على ضمان أمن البلاد قبل عام 2020 وانه يجب أن تبقي الولايات المتحدة قوات في العراق حتى ذلك الحين.

وقالت الصحيفة يوم الخميس 12 أغسطس، إن الفريق أول بابكر زيباري أبلغ مؤتمرا في بغداد أن الجيش العراقي لن يكون قادرا على مسايرة هذا الوضع بدون مساندة من القوات الأمريكية.

وبموجب خطط حكومة اوباما من المقرر أن تبدأ القوات الأمريكية الانسحاب من العراق في نهاية أغسطس، ماعدا 50 ألف جندي سيساندون القوات العراقية ويساعدون على تدريبها قبل مغادرة البلاد في نهاية عام 2011.
ونقل عن زيباري قوله “في هذه المرحلة فان الانسحاب يسير بشكل جيد لأنهم ما زالوا هنا. لكن المشكلة ستبدأ بعد 2011 ويجب على الساسة إيجاد سبل أخرى لملء الفراغ بعد 2011″، وأضاف قوله “لو سئلت عن الانسحاب لقلت للسياسيين ..الجيش الأمريكي يجب أن يبقى حتى يصبح الجيش العراقي جاهزا تماما في عام 2020”.

وقد انحسر العنف في العراق منذ بلغ ذروته في 2006-2007 لكن عدد الوفيات بين المدنيين من جراء الحوادث اليومية من التفجيرات وإطلاق الرصاص والهجمات الأخرى زاد زيادة حادة في يوليو.

وكان مسؤولون أمريكيون قالوا إنهم يتوقعون أن يشتد العنف وأن يستغل نشطاء تنظيم القاعدة إخفاق الزعماء السياسيين في الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في مارس الماضي.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 أغسطس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية