من سويسرا إلى دبي: مكاتب عائليّة تفرّ من شطط الضرائب وصرامة اللوائح التنظيميّة

تتطلّع مكاتب عائليّة سويسريّة تُعنى بإدارة أصول أصحاب الثروات الطائلة إلى الانتقال إلى دبي، في ظلّ تضافر مجموعة من العوامل المتداخلة التي تضعف جاذبيّة سويسرا، من ضمنها اللوائح التنظيميّة، والجدل السياسيّ حول الضرائب.

المزيد
للاشتراك في العرض الصحفي الأسبوعي
وذكر رونالد غراهام، الشريك الإداريّ في مكتب “تايلور ويسينغ” للمحاماة بدبي، أن فريقين يمثّلان مكتبين عائليين كبيرين، أحدهما يدير أصولًا بمليارات الدولارات، أبلغاه بأنّهما يفكران جديًّا في الانتقال إلى الإمارات العربيّة المتّحدة، مشيرين إلى أنّ البيئة التنظيميّة في سويسرا كانت السبب الرئيسيّ. وقد أتمَّ أحد المكتبين عملية الانتقال بالفعل.

وأضاف غراهام، موضِّحًا: “تفرض سويسرا المزيد من القوانين التنظيميّة، وتطالب بالإفصاح عن مزيد من المعلومات السرّية، بينما لا تخضع المكاتب العائليّة في دبي إلى هذه المعايير، ويمكنها التمتّع بقدر أكبر من الخصوصيّة؛ وهذا ما يجعل دبي أكثر جاذبيّة لأثرياء العالم”.
ويشير غراهام إلى أنّ هذا القرار لم يكن نتيجة مشكلة بعينها، أو لحظة حاسمة أقنعت هذه المكاتب العائليّة بمغادرة سويسرا، بل جاء نتيجة لعقبات متراكمة، من بينها مسألة تعريف “العائلة”.
ووفقًا لبنك “يوليوس باير” (Julius Baer) السويسريّ، يُعرَّف المكتب العائليّ في سويسرا بأنّه الذي يدير أصولًا لأكثر من 20 عميلًا، بمن فيهم أفراد من عائلة واحدة، أو الذي تتجاوز أرباحه أو أصوله حدودًا معيّنة. ويجب أن يحصل هذا النوع من المكاتب على ترخيص لمزاولة خدمات إدارة المحافظ الاستثماريّة، مما يترتّب عليه الخضوع لتنظيمات أكثر تشدّدًا. أمَّا في دبي، فيوضح غراهام، أنّ تعريف “العائلة” أوسع نطاقًا، ولا يستدعي تطبيق نفس القدر من الرقابة التنظيميّة.
وعلاوة على ذلك، أعربت بعض العائلات الثريّة عن قلقها من الجدل السياسيّ الدائر مؤخرًا في سويسرا، حيث من المقرّر إجراء استفتاء في وقت لاحق من هذا العام، بشأن فرض ضريبة بنسبة 50% على الميراث والهبات الكبيرة جدًا.
وبحسب أحد أفراد عائلة يشرف مكتب عائليّ سويسريّ على إدارة ثروتها، قد دفعت هذه النقاشات، إلى جانب المخاوف التنظيميّة، بعض الأشخاص إلى مغادرة البلاد.
ومع أنّ التوقّعات تشير إلى أنّ الشعب السويسريّ سيرفض مقترح الضريبة، قال الشخص ذاته: “دفعت حالة عدم اليقين، التي أثارها [المقترح] خلال العامين الماضيين، بعض العائلات بالفعل إلى إعادة النظر في سويسرا، كمركز مالي”. وأضاف أنّ هذا التوجّس لا يقتصر على العائلات المحليّة فقط، بل يشمل أيضًا عائلات نرويجيّة كانت قد انتقلت إلى سويسرا في وقت سابق، لتفادي الضرائب المرتفعة في بلادها، إلى جانب عائلات سويسريّة تدير أعمالها التجاريّة من خلال مكاتبها العائليّة.
وتشهد دبي تزايدًا ملحوظًا في عدد مكاتب العائلات التي تنقل أنشطتها إلى الإمارة؛ سواء تلك التي تدير ثروة عائلة واحدة، أو المكاتب متعدّدة العائلات. فقد بات العديد منها يؤسّس فروعًا جديدة في دبي، أو ينقل عمليّاته بالكامل إلى هناك. ووفقًا لمركز دبي الماليّ العالميّ، انضم نحو 200 مكتب عائليّ إلى المركز، خلال العام الماضي وحده، ليرتفع العدد الإجماليّ إلى 800 مكتب.
وقال ريتو غاريوس، الشريك في شركة الاستشارات “كي بي إم جي” (KPMG) في سويسرا، إنه لاحظ انتقال العديد من مكاتب العائلات المتعدّدة إلى منطقة الشرق الأوسط، نتيجة لتغيّر أماكن الإقامة لدى عدد من العملاء. وأضاف: “مستوى المعيشة في دبي مرتفع للغاية، والنظام الاقتصاديّ هناك موجّه بالأساس إلى روّاد الأعمال ورائداته، والشخصيّات ذات الثروات الطائلة”.
ومن جهته، أشار توماس هوغ، خبير الضرائب في شركة “ديلويت” (Deloitte) في سويسرا، إلى أنّ الكنفدراليّة لا تقدّم حوافز سخيّة لشركات الاستثمار، بعكس بعض الحكومات في الشرق الأوسط، التي توفّر “دعمًا ماليًّا جذّابًا”.
وبحسب شخصيّات بارزة في القطاع، تستفيد دبي أيضًا من تحوّلات أخرى؛ مثل إلغاء نظام الإقامة غير الدائمة في المملكة المتّحدة، وارتفاع الضرائب في دول أوروبيّة أخرى، وفرض العقوبات على الأصول الروسيّة.
ويقول يان مرازك، الشريك الإداريّ في شركة “إم/إتش كيو” (M/HQ)، التي تساعد الشخصيّات الثريّة على هيكلة ثرواتها، إنّ المكاتب العائليّة السويسريّة التي تنظر في الانتقال إلى الإمارات، “غالبًا ما تكون كيانات قديمة، ومتعدّدة الأجيال، ويديرها غير سويسريين”.
وفي تصنيف “ديلويت” لعام 2024 لأبرز مراكز إدارة الثروات حول العالم، لا تزال سويسرا تتصدّر القائمة، لكنّها باتت تواجه تهديدات جديّة لتنافسيّتها، نتيجةً لعوامل تتعلّق بالضرائب، والتنظيم، وفقدان ثقة بعض المستثمرين والمستثمرات بعد انهيار مصرف “كريدي سويس”.
وفي المقابل، تتّجه شخصيّات من الطبقة الثريّة في أمريكا، نحو وضع خطط بديلة لنقل أصولها إلى سويسرا، وسط أجواء من عدم اليقين بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وقد أصبحت قرية أندرمات الجبليّة وجهة مفضّلة لهذه الفئة، بسبب قواعدها المرنة في ما يخصّ تملّك الأجانب للعقارات.
ترجمة: ريم حسونة
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
حقوق النشر: فايننشال تايمز المحدودة 2025
جميع الحقوق محفوظة. يُرجى عدم نسخ مقالات “فايننشال تايمز” أو لصقها أو إعادة توزيعها عبر البريد الإلكتروني أو نشرها على الإنترنت.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.