مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الصفقة النووية مع طهران قد تُسرّع التطبيع الخليجي – الاسرائيلي

بعد أيام من التوصل إلى الإتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، جال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على بعض العواصم الخليجية في مسعى لـ "تعزيز العلاقات" معها. في الصورة: الوزير الإيراني يتحدث في ندوة صحفية عقدها في الكويت يوم 26 يوليو 2015. swissinfo.ch

لا يستبعد مراقبون في المنطقة أن تكون إحدى النتائج المباشرة لطي صفحة الصراع في العلاقات الأمريكية الإيرانية فتح صفحة جديدة عُنوانها: التطبيع الخليجي - الإسرائيلي. ومع تقدم المفاوضات بين الدول الغربية الست وطهران نحو المحطة الأخيرة (التي كانت معلومة سلفا) تكثفت الإتصالات الحثيثة بين الدولة العبرية وعواصم خليجية بحثا عن قواسم مشتركة توحّدها في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.

وبحسب دبلوماسي خليجي تحدث إلى swissinfo.ch مُفضلا عدم الكشف عن اسمه، اتخذت الإتصالات السعودية – الإسرائيلية والقطرية – الإسرائيلية نسقا سريعا مع مطلع السنة الجارية بعدما أيقنت العواصم الخليجية أن الإتفاق بات من تحصيل الحاصل، وأن التوقيع عليه مسألة وقت. غير أن مصادر إسرائيلية أكدت في وقت سابق أن الإتصالات مع الرياض انطلقت منذ عام 2014 بعيدا عن الأضواء على رغم أنه لا توجد علاقات ديبلوماسية بين الجانبين.

وفي الآونة الأخيرة، صرح الجنرال الإسرائيلي المتقاعد شيمون شابيرا، الذي شارك في المحادثات مع السعوديين، بأن الجانبين عقدا خمسة لقاءات في السنة الماضية، وقال: “اكتشفنا أن لدينا نفس المشاكل ونفس التحديات والبعض من الإجابات المشتركة »، مؤكدا في الوقت نفسه أن تلك الإتصالات “أسفرت عن تقدم غير مسبوق في العلاقات الثنائية ».

وبشكل عام، يتكتم السعوديون على تلك اللقاءات، لكنهم عندما يُقرون (أحيانا) بوجودها يُعزونها إلى الخطر الذي تمثله الصواريخ الباليستية الإيرانية على كافة دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة لتسارع التمدد الإيراني في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، وهي بلدان كانت أقرب إلى السعودية منها إلى طهران.

أكثر من ذلك، يُشكل اقتراب طهران من تصنيع القنبلة النووية (إن لم تكن قد صنعتها بعدُ) مصدر الخوف الأعظم لكل من اسرائيل والمنظومة الخليجية، فكلاهما لا يثق في الضمانات الأمريكية أو في الأقل لا يعتبرها كافية. وعلى هذا الأساس أتى رفضهما للإتفاق النووي متطابقا إذ اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو “خطأ تاريخيا”، فيما قال السفير السعودي الأسبق لدى الولايات المتحدة بندر بن سلطان إنه “أسوأ من الإتفاق (الأمريكي) مع كوريا الشمالية”.

تطبيع اقتصادي؟

ذكرت تقارير اقتصادية أن شركات اسرائيلية استطاعت أن تخترق الأسواق البحرينية بالدخول في رأس مال شركات متعددة الجنسية تُورّد بعض الأجهزة والمعدات والأدوية للبحرين. كما كشفت مؤخرا صحيفة “السبيل” الأردنية أن شركة أردنية تقوم بشراء قطع غيار عسكرية إسرائيلية ثم تصدّرها إلى الجيش البحريني. وبدون ضجيج، ألغت مملكة البحرين التزامها بقرارات المقاطعة العربية التي تخص شركات غير إسرائيلية تقوم بشراء منتجات من الدولة العبرية لإعادة تسويقها في البلدان العربية.

تطبيع مواز

وفي خط مواز باشر القطريون اتصالات مع إسرائيل لم تكن صعبة بحكم العلاقات الديبلوماسية التي أقامها الجانبان منذ أواخر تسعينات القرن الماضي (على إثر اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين) طيلة ثلاثة عشر عاما، لكنها ارتدت هذه المرة عنوان “مساعدة أهالي غزة على إعادة بناء المساكن المُدمرة في القطاع” على مدى الحروب الإسرائيلية التي استهدفته.

وأفاد مصدر خليجي لـ swissinfo.ch أن محمد العمادي، وهو مسؤول قطري رفض المصدر الإفصاح عن وظيفته الرسمية، زار غزة عدة مرات لمناقشة مشاريع إعادة الإعمار مع السلطات في القطاع، لكنه أجرى في الوقت نفسه اتصالات مع نائب وزير الخارجية الاسرائيلي المكلف بالتعاون الإقليمي أيوب كرا، وهو نائب سابق في “الكنيست” عن حزب الليكود اليميني. ونقلت الإذاعة الاسرائيلية عن كرا، المنحدر من أصول درزية، قوله إن محادثاته مع العمادي “تركزت على موضوع الخطر الإيراني في المنطقة”، مشيرا إلى أن كلا من الدولة العبرية والمجموعة الخليجية يتوجّسان من توسع النفوذ الإيراني في البلدان ذات الأغلبية السنية، عن طريق حلفاء طهران المحليين في تلك البلدان.

في السياق، أفادت الإذاعة العمومية الاسرائيلية أن المبعوث القطري إلى غزة محمد العمادي ظل يتنقل أخيرا بين قطاع غزة واسرائيل حيث اجتمع مع المنسق الإسرائيلي العام المكلف بمراقبة إدخال الأفراد والسلع إلى قطاع غزة. ونسبت له قوله إن قطر تساعد أهالي القطاع وليس بالضرورة حركة “حماس”، مشيرا إلى أنه “ليس هناك من سبيل لتحقيق ذلك الهدف، أي إعادة الإعمار، إن لم تُساعد “حماس” في هذا العمل”، مُخاطبا الإسرائيليين بقوله “عليكم مساعدتهم. أنتم لا تحبونهم لكن هم المُسيطرون على الأرض”، حسبما أوردته الإذاعة العمومية الإسرائيلية.

خيول ونخيل

كشف كتاب أصدره الدبلوماسي الإسرائيلي سامي ريفيل بالعبرية وتُرجم لاحقا إلى العربية آليات التطبيع بين اسرائيل والدول الخليجية، التي تتمثل أساسا في استيراد السلع بمئات الملايين من الدولارات سنويا من الدولة العبرية، وخاصة في مجالات الإتصالات والبتروكيميائيات ومواد البناء والمعدات الطبية والتبريد.

كما كشف ريفيل، الذي كان رئيس أول مكتب مصالح اسرائيلي في الدوحة بين 1996 و1999، النقاب عن زيارات مسؤولين ورجال أعمال من الكويت والبحرين وقطر واليمن إلى إسرائيل لحضور معارض أقيمت هناك.

من جهة أخرى، تستقطب الدولة العبرية اهتمام الخليجيين بواسطة أبحاث متطورة عن النباتات الصحراوية ومزارع الخيول والأغنام والإبل، إلى جانب تجويد إنتاج النخيل.

“حماس” والسعودية

كما نقلت الإذاعة الاسرائيلية أيضا عن إيلي أفيدار، الذي أدار المكتب التجاري الإسرائيلي في الدوحة إلى 2009، قوله إن الضغوط الدولية (أي الأمريكية) على قطر لوقف مساعدتها لحركة “حماس” أعطت أكلها. فهل هذا ما دفع “حماس” لتحسين علاقاتها مع الرياض مثلما أكدت ذلك زيارة رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل (المقيم في الدوحة) الأخيرة إلى السعودية واجتماعه مع الملك سلمان بن عبد العزيز؟ السعوديون نفوا أي بُعد سياسي للزيارة مؤكدين أنها كانت لأداء مناسك العمرة وليس أكثر، غير أن العارفين بالشأن السعودي نزلوها في سياق التقارب الحثيث بين الرياض وفروع حركة الإخوان المسلمين في المنطقة، ومنها “حماس” التي كانت الرياض ترتاب منها بسبب تحالفها الوثيق مع إيران.

وبعدما صنف الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز حركة الإخوان المصرية في خانة “الحركات الإرهابية”، يلحظ المراقبون مسعى سعودي جديد لتجميع السنة في وجه الخطر الآتي من التمدد الإيراني في المنطقة. وفي هذا الإطار، يندرج – حسب نفس المصادر – التقارب السعودي التركي والسعودي القطري والدعم المتزايد للمعارضة السورية المسلحة والحرب على الحوثيين، حلفاء طهران في اليمن، مع إحياء العلاقات مع “التجمع اليمني للإصلاح” القريب من الإخوان.

سباق تسلح في المنطقة

هذا التنابذ المُؤسّس على انقسام المنطقة إلى محورين من منطلق مذهبي سيُسرّع على الأرجح من وتيرة سباق التسلح بين إيران، التي ستحوز على مداخيل أوفر بعد رفع العقوبات الدولية عنها، والدول الخليجية ذات الإمكانات المالية الكبيرة.

وفي هذا الصدد، توقع الخبير الأمريكي أنتوني كوردسمان، الذي أعد دراسة عن انعكاسات الصفقة النووية الغربية مع طهران، أن تؤدي هذه الصفقة إلى زيادة مبيعات الأسلحة الروسية والصينية إلى إيران، وسعي جيرانها العرب إلى أخذ المبادرة في مجال استيراد الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا العسكرية.

وبدأت مؤشرات هذا السباق تتجلى في الصفقات التي عقدتها كل من السعودية وقطر والإمارات مع فرنسا لشراء طائرات حربية متطورة، وكذلك بحث وزير الدفاع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الروس في موسكو أخيرا إمكانات الحصول منها على الطاقة النووية.

على الجانب الآخر، يُرجّـح أن تتحسن قدرة طهران على تطوير ترسانتها العسكرية بعدما تستعيد ودائعها التي سيُفرج عنها وتُطور صادراتها من النفط والغاز من دون قيود، وذلك لضمان استمرار تفوقها العسكري على المنظومة الخليجية وفي الإقليم. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية