مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ما مدى التزام العالم بجعل منظمة الصحة العالمية أكثر قوة وفاعلية؟

رجل صيني في حالة حجر صحي في شانغهاي
ألغت معظم الدول الأوروبية الآن القيود التي سبق أن فرضتها بسبب جائحة كوفيد - 19، لكن الوباء لم ينته بعدُ، فالصين لا تزال تفرض عمليات إغلاق صارمة في مدن مثل شانغهاي [أين التُقطت هذه الصورة يوم 17 مايو 2022] لا سيّما وأن البلاد تنتهج استراتيجية تهدف إلى الوصول إلى صفر حالة كوفيد. Keystone / Alex Plavevski

في جنيف، تجتمع جمعية الصحة العالمية - وهي أعلى هيئة لصنع القرار في منظمة الصحة العالمية التي تٌعدّ أكبر وكالة صحية عالمية - بحضور ممثلي  البلدان الأعضاء فيها منذ يوم 22 مايو الجاري وحتى 28 من نفس الشهر لمناقشة الآليات التي من شأنها أن تُساعد العالم بشكل أفضل في مواجهة أي وباء قادم.

في مؤتمر صحفي عقدته في وقت سابق من هذا الشهر، صرحت هيلين كلارك، الرئيسة المشاركة السابقة للجنة المستقلة للتأهب والتعامل مع الأوبئةرابط خارجي (يُشار إليها اختصارا بـ IPPPR): “في حال وجود خطر حدوث جائحة أخرى هذا العام، أو العام المقبل، أو العام الذي يليه، فسنكون إلى حد كبير في نفس النقطة التي كنا فيها في ديسمبر من عام 2019”.

تم إنشاء اللجنة المستقلة للتأهب والتعامل مع الأوبئة في عام 2020، لاستخلاص العبر والدروس المُستفادة من تجربة مواجهة الوباء واقتراح إصلاحات على منظمة الصحة العالمية تسمح لها بمعالجة التهديدات الصحية المستقبلية على نحو أفضل. وكان الرؤساء المشاركون السابقون قد نشروا، في وقت سابق من هذا الشهر أيضا، تقريراً لتقييم التقدم الذي تمّ إحرازه على هذا الصعيد.

يقول ميشيل كازاتشكين، العضو السابق في اللجنة المستقلة للتأهب والتعامل مع الأوبئة: “فيما يتعلق بالإصلاحات، تم القيام ببعض الخطوات المتواضعة، ولكنها من دون أدنى شك، تبقى بالنسبة لنا، غير كافية”.

على مدى عامين، سلّط الوباء الضوء على دور منظمة الصحة العالمية كمُرشد علمي بشأن القضايا المتعلقة بالصحة، كما كشفت تداعياته الهوّة الكبيرة القائمة بين الآمال الكبيرة المعلقة على منظمة الصحة العالمية على الصعيد العالمي وإمكانياتها المحدودة في ظل ما تُعانيه ميزانيتها من نقص في التمويل.

من المتوقع أن توافق جمعية الصحة العالمية على إدخال إصلاحات من شأنها تحسين آليات تمويل منظمة الصحة العالمية. كما ستحاول المضي قدماً في إجراءات إبرام “معاهدة الوباء” التي طال انتظارها. فهل ستكلّل كل هذه الجهود بالنجاح؟ سيعتمد ذلك على مدى قدرة البلدان الأعضاء البالغ عددها 194 بلدا على مُواءمة جداول أولوياتهم المتضاربة في بعض الأحيان.

المزيد
جمعية الصحة العالمية

المزيد

جمعية الصحة العالمية تناقش كوفيد-19 والوضع في أوكرانيا

تم نشر هذا المحتوى على جدول أعمال مكثّف ينتظر حسم جمعية الصحة العالمية التي تعقد مؤتمرها السنوي بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف من 22 إلى 28 مايو الجاري.

طالع المزيدجمعية الصحة العالمية تناقش كوفيد-19 والوضع في أوكرانيا

المزيد من الأموال

كان أحد الدروس الرئيسية المستفادة من الجائحة إدراك عدم كفاية مستوى التمويل المخصص لمنظمة الصحة العالمية.

حالياً، تغطي الاشتراكات المقدّرة – أي رسوم العضوية التي تُسددها الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية – حوالي 16% فقط من ميزانية المنظمة، فيما يتم تمويل النسبة المتبقية من خلال ما يسمى بالتبرعات من البلدان والمنظمات الدولية الأخرى والجهات الفاعلة الخاصة، والتي ترتبط مساهمتها إلى حد كبير ببرامج محددة.

هذه المُساهمات لا يُمكن التنبؤ بها، ويجادل البعض أنها تقوض استقلالية منظمة الصحة العالمية، لأنه يتعيّن عليها الاعتماد على عدد صغير من الجهات المانحة المؤثرة. وتُعتبَر مؤسسة بيل وميليندا غيتسرابط خارجي، على سبيل المثال، ثاني أكبر جهة مساهمة في منظمة الصحة العالمية بعد ألمانيا وقبل الولايات المتحدة. ولكن غالباً ما يتم استخدام التمويل المقدّم من طرف هذه المؤسسة من أجل القضاء على شلل الأطفال.

في هذا الصدد، يقول بيورن كوميل، نائب رئيس قسم الصحة العالمية في وزارة الصحة الفدرالية الألمانية، ورئيس فريق العمل المعني بالتمويل المُستدام التابع لمنظمة الصحة العالمية: “لن يكون العالم آمناً ما لم يتم تمويل منظمة الصحة العالمية بشكل أفضل”. وهو يعلّل ذلك بشكل خاص، بالنظر إلى أن الاستثمارات لمنع حدوث أزمات صحية تم إهمالها مراراً وتكراراً في السنوات الماضية.

وفي عام 2021، تم إنشاء الفريق العـامـل المعنيّ بـالتمويـل المُســتـدام رابط خارجيمن قبل المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية لإيجاد حلول للمشاكل المالية للمنظمة. ولكن حتى وقت قريب، لم يكن بوسع الدول الأعضاء الموافقة على الترفيع في مُساهماتها.

اليوم، تمكنت المجموعة من صياغة مشروع قرار – من المفترض أن يتم اعتماده من قبل جمعية الصحة العالمية – لزيادة الرسوم الإلزامية تدريجياً على الأعضاء لتغطية 50% من ميزانية منظمة الصحة العالمية بحلول عام 2030-2031. ويقول الخبراء إن قرارًا من هذا القبيل سيكون قراراً تاريخياً إذا ما تم الاتفاق عليه، علماً أن الجدول الزمني لا يزال يمثل مشكلة. والجدير بالذكر هنا أن الشعور بعدم اليقين المالي سيبقى ماثلاً خلال السنوات القادمة.

ويقول كوميل: “نحن نناقش زيادة كبيرة في النسبة المئوية للمساهمات، لكننا لا نطالب بزيادة كبيرة على إجمالي القيمة المطلقة”، مضيفاً أن الزيادة ستصل إلى 1.2 مليار دولار على مدى 8 سنوات. وسيتم تقسيم المساهمات في مشروع القانون بين 194 دولة عضو، مع أخذ الدول الأكبر والأغنى، مثل الولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا، معظم الزيادة على عاتقها.

وبشكل عام، يعتبر ذلك “استثماراً متواضعاً بالمقارنة مع التكاليف التي كان على البلدان دفعها للتعاطي مع تداعيات لوباء”، كما يشير كوميل.

قواعـد مُلزمة

وجاء قرار جمعية الصحة العالمية العام الماضي بالبدء في عملية التفاوض على مسودّة ل”معاهدة الوباء”، بمثابة خطوة كبيرة أخرى لإعداد العالم بشكل أفضل في المستقبل لمواجهة إمكانية تفشي وباء عالمي، لكن هذه العملية أيضاً لم تتم بالسرعة المطلوبة.

وفي هذا الصدد يقول كازاتشكين: “تسير المعاهدة بخطى بطيئة؛ فالمفاوضات لا تتقدم بنفس وتيرة الفيروس أو الوباء القادم”.

ومن المعروف أن صياغة معاهدة دولية هي عملية معقدة تتطلب وقتاً طويلاً. وسيستغرق وضع مسودّة نص المعاهدة من قِبَل هيئة التفاوض الحكومية الدولية الحالية مدة عامين آخريْن على الأقل. وقد يُتم التوصل إلى اتفاق بشأنها خلال دورة جمعية الصحة العالمية التي ستعُقد في شهر مايو من عام 2024 على أقرب تقدير. ولكن من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى المزيد من الوقت حتى تدخل المعاهدة حيّز التنفيذ.

وحتى يومنا هذا، وافقت الدول على إنشاء معاهدة متعلّقة بمنظمة الصحة العالمية، مُلزمة قانوناً ولمرة واحدة فقط، وهي اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغرابط خارجي لعام 2003 (يُشار إليها اختصارا بـ FCTC) التي تضع أحكام البيع والتسويق العالمي لمنتجات التبغ.

لكن التفاصيل المتعلّقة بما ستغطيه معاهدة الوباء تبقى غير معروفة. وقد أوصى الخبراء بأن تُمنح منظمة الصحة العالمية القدرة على إرسال خبراء للتحقيق في حالات تفشي جديدة دون الحاجة إلى طلب إذن البلدان المعنيّة. لكن البعض يخشى من ألا تشكّل العملية الجارية حاليّاً النهج الصحيح الذي يُفترض اتباعه في هذا الشأن.

وتقول نيكوليتا دينتيكو، رئيسة برنامج الصحة العالمية في جمعية التنمية الدوليةرابط خارجي، لبودكاست “من داخل جنيف” Inside Geneva : “في هذه المرحلة، لا أعتقد بوجود أدلة كافية على ضرورة إبرام معاهدة جديدة متعلقة بالوباء”.

كما تعتبر دينتيكو أن تحديث اللوائح الصحية الدوليةرابط خارجي الحالية (يُشار إليها اختصارا بـ IHR) – كمجموعة من القواعد المُلزمة قانوناً والتي تعالج حالات الطوارئ الصحية – ستشكّل نهجًا أكثر فعالية وإنتاجية.

وتؤيد الدول التي اقترحت تعديلات على اللوائح الصحية الدولية هذا الرأي، لكن بعض الخبراء يخشون من أن تكون كل هذه المحاولات بهدف تجنب منح المزيد من السلطة لمنظمة الصحة العالمية من خلال معاهدة الوباء المرتقبة.

من جهة أخرى، تقدمت الولايات المتحدة بمشروع تعديل على نص المعاهدة سيتم النظر فيه من قِبَل جمعية الصحة العالمية. ويقترح هذا المشروع اختصار مدة عملية التعديلات، التي من المتوقّع اليوم أن تستغرق عامين، بغية أن يدخل ما سيتم الاتفاق عليه من التنقيحات المستقبلية حيز التنفيذ بسرعة أكبر. لكن المراجعات نفسها بشأن بنود المعاهدة ليست مطروحة حاليّاً على جدول الأعمال.

الوقت يُداهمنا

لا يزال أكثر من 2.7 مليار شخص في العالم ينتظرون الحصول على جرعة اللقاح الأولى؛ ففي البلدان محدودة الدخل، تم تطعيم أقل من 15% من السكان ضد خطر الإصابة بشكل كامل. وتقول جوان ليو، العضوة السابقة في اللجنة المستقلة للتأهب والتعامل مع الأوبئة، إن هذا الفشل في تلقيح سكان العالم هو بمثابة “وصمة عار أخلاقية جماعية في تاريخنا”.

يُجادل بعض الخبراء بأن معاهدة الوباء يجب أن تأخذ في الاعتبار التوزيع العادل للقاحات والإمدادات الطبية الأخرى. لكن تحقيق هذا الأمر أيضاً سيكون صعباً. في منظمة التجارة العالمية، كانت الدول الأعضاء تساوم على التنازل عن حقوق الملكية الفكرية للتقنيات المتعلقة بجائحة كوفيد – 19 منذ ما يقرب من عامين، لكنها لم تتمكن من التوصل إلى أي اتفاق بهذا الشأن.

“ونحن هنا نتكلم عن التنازل عن حقوق الملكية الفكرية لموجة واحدة فقط ومن أجل مرض واحد فقط. […] لك أن تتخيل، كيف سيكون ذلك صعباً عند محاولة الحصول على اتفاق بشأن أنواع القضايا الصعبة مثل الملكية الفكرية التي يتعيّن علينا معالجتها في معاهدة وباء أوسع”، كما تقول سويري مون، المديرة المشاركة لمركز الصحة العالميةرابط خارجي التابع للمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف.

لقد تم تطوير اللقاحات ضد وباء كوفيد – 19 في وقت قياسي، ولكنها لم تكن كلها مناسبة جداً بالنسبة للبلدان ذات الدخل المحدود والتي لا تمتلك الإمكانيات الضرورية لتخزين لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (بالإنجليزية: mRNA (messenger RNA) vaccine)‏، في درجات حرارة منخفضة للغاية. وفي غضون ذلك، أظهرت آلية “كوفاكسرابط خارجي“، التي تهدف إلى ضمان وصول عادل ومنصف للقاحات لكل دولة، عن قصورها ومحدوديتها. وقد استخدمت الدول الغنية هذه الآلية للتخلص من الجرعات الزائدة عن حاجتها ولكن بعد فوات الأوان.

ويقول كازاتشكين: “عندما نبدأ في البحث عن اللقاحات وتطويرها، يجب أن نفكر فعليّاً في كيفية إيصالها للجميع وليس للأثرياء فقط، وعلينا البحث عن آليات تمكننا من تأمينها أيضاً للفئات الأكثر فقراً “.

تنعقد جمعية الصحة العالمية الخامسة والسبعونرابط خارجي في وقت تعتبر فيه العديد من البلدان أن الجائحة أصبحت وراءها. لقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى استقطاب أنظار العالم وانشغاله بأحداثها، مما أدى إلى جعل التعاون الدولي بشأن مسألة الوباء أكثر صعوبة. مع ذلك، يحث خبراء الصحة الدول الأعضاء في جمعية الصحة العالمية على عدم التخلي عن حربهم في مواجهة جائحة كوفيد – 19.

“الوقت يمضي بسرعة. ومع خروج البلدان ذات الدخل المرتفع من هذا الوباء، فإنه يصبح بالنسبة لها غير مرئي. وعندما يُصبح غير مرئي لهذه البلدان، فهذا يعني أنه لم يعد موجوداً بعد الآن، حتى عندما تستمر البلدان منخفضة الدخل في المعاناة من أجل محاربته”، كما تقول ليو.

حررته إيموجين فولكس.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

اكتب تعليقا

يجب أن تُراعي المُساهمات شروط الاستخدام لدينا إذا كان لديكم أي أسئلة أو ترغبون في اقتراح موضوعات أخرى للنقاش، تفضلوا بالتواصل معنا

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية