مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مبادرة حظر المآذن: مؤيدون يعرضون دوافعهم وحججهم

يدلي السويسريون يوم 29 نوفمبر 2009 بأصواتهم لإقرار مبادرة حظر المآذن أو رفضها. ولا يخفي الداعون إليها سعيهم أيضا إلى مكافحة "الأسلمة الزاحفة" على المجتمع. وسواء كان هذا حقيقة أم مجرّد إدعاء، فإنه أثار العديد من الأسئلة خلال أمسية نظّمها حزب الشعب (يمين متشدد) بكانتون فريبورغ نهاية الأسبوع الماضي.

“هل ستستخدم المآذن الموجودة في سويسرا يوما ما للنداء للصلاة؟”، و”هل فعلا تزايدت وتوسعت مطالب المسلمين المقيمين في البلاد؟”، و”هل بالإمكان إدارة نقاش حول صلاحية القرآن؟”، و” ما وضع المرأة في الإسلام؟”.

هذه الأسئلة وغيرها طرحها الجمهور الذي حضر الأمسية الإعلامية التي نظمها فرع حزب الشعب بكانتون فريبورغ أواخر الأسبوع الماضي، وكان موضوعها “الإسلام: ما حقيقة ما يقال عنه؟”.

في محاولة للإجابة عن هذا السؤال، إستضاف المنظمون دافيد فوشار، رئيس “المنظمة السويسرية لمكافحة الأسلمة”، وأرنود دوتيزاك، الأستاذ الجامعي والمتخصص في القانون الإسلامي. والخلاصة بالنسبة إليهما: المجتمعات الغربية تتعرّض إلى زحف الأسلمة، وهذه حقيقة لا يجب نكرانها.

هذا الإنسياب غير الملفت للحضور الإسلامي المتزايد، على حد وصف أرنولد دوتيزاك، والذي هو من طبيعة الإسلام الذي لا تنفصل فيه “الأبعاد الدينية، والقانونية، والسياسية” عن بعضها البعض، هو الذي يثير حفيظة وإدانة دافيد فوشار لأنه يعطي الشعور، حسب رأيه، بأن دولة القانون تتعرض للقضم رويدا رويدا. لذلك فهو يعتبر أنه من “المفيد فك رموز (هذا الدين) بدافع الوقاية”.

على الساسة أخذ المبادرة

وعدد ستيفان بايري، نائب عن حزب الشعب ببرلمان كانتون فريبورغ، بعض الـحالات الملموسة التي تقدم فيها مسلمون بمطالب اعتبر بايري أنها تتعارض مع المبادئ الديمقراطية، كالمطالبة بترخيص لعدم حضور حصص التدريبات الرياضية والسباحة في المدارس، وارتداء الحجاب في أماكن العمل، ورفض أحد الآباء مقابلة مربية إبنه.

وفي مورد تحليله، يذهب أرنود دوتيزاك إلى أن الإسلام، من بين أشياء أخرى، هو “تعبير عن نظام قيمي يعتبر قيمه أعلى من أي نظام آخر. وانطلاقا من ذلك تطرح مسألة هرمية المعايير والقيم في بلد غير مسلم”. غير أن دوتيزاك يشير إلى أن هناك “ألف طريقة توافقية من أجل التعايش مع هذه الرؤية الهرمية للقيم، بشرط أن نفهم الواقع، وأن لا نحاول القفز على الحوار حول هذا الموضوع”.

وبالنسبة إليه، لا يجب أن ينظر إلى تزايد الوجود الإسلامي على أنه مشكلة. لكنه يرى في المقابل أنه من الضروري وضع إطار قانوني واضح المعالم لهذا الوجود. ويقول محمّلا المسؤولية في هذا الوضع إلى الساسة: “اليوم تلقى هذه المسؤولية على عاتق القضاة، لكن كل واحد من هؤلاء يتعامل بطريقته الخاصة مع الموضوع. من الضروري الإنطلاق ابتداء من تعريف قانوني واضح لما هو الدين”، وبالتالي وضع الكرة في معسكر السياسيين.

حول هذا الموضوع بالذات، يبدو دافيد فوشار أكثر ميلا إلى التشاؤم: “من ناحية الغربيين، المعلومة غير الدقيقة والتمسك بالحذر في التعاطي السياسي، يدفع الجميع لتجنّب التصدي لهذا الموضوع. أما بالنسبة للمسلمين، فنلاحظ أن الإسلام يختار دوما الأكثر تطرفا للتحاور مع الدولة. مما يودّي حتما إلى حالة تصطدم فيها قبضة من طين بقبضة من حديد”.

افتقاد “ذاكرة الإسلام”

ولتوضيح السياق الذي يتنزّل فيه تناول هذا الموضوع، يضرب رئيس “المنظمة السويسرية لمكافحة الأسلمة” المثال بتركيا، وبريطانيا (في أوروبا)، ويضيف: “ليس الهدف إثارة المخاوف، بل إفهام الناس قواعد التعامل في الإسلام. بعض الفئات ربما ينتابهم الخوف أكثر لو تركت الأمور تسير في الإتجاه الذي هي عليه الآن. سيصل الأمر في لحظة من اللحظات إلى ما نراه بوضوح الآن في بريطانيا، حيث بدأ الجهاد المسلح يتجذّر، وأصبح الموضوع مثيرا للإنتباه”.

رغم إقراره بأن غالبية المسلمين في سويسرا من أصول بلقانية، فإن دافيد فوشار يعتقد مع ذلك بأن هناك احتمالا للوقوع في “شباك مرجعية الشريعة، وهي تبعا لذلك مرجعية شمولية”.

وفي هذا المستوى، يتأسف أرنود دوتيزاك، لإفتقاد أوروبا لما يسميه “ذاكرة الإسلام”، ويبيّن ذلك فيقول: “قبل عشرين سنة، كنت مع صديق هندي في نيودلهي وصادف مرور ثلاث نساء متحجّبات يدفعن عربات أطفالهن، فعلّق صديقي قائلا: “أنظر، الجهاد ينبعث من جديد. والهند التي هي في جهاد منذ 1200 سنة، تمتلك ذاكرة قوية بما هو الإسلام في صورته المتكاملة”.

رمز ديني وسياسي

رغم أن المعلن عنه هو مبادرة حظر المآذن، فإن النقاش خلال هذه الأمسية الإعلامية دار في الحقيقة حول صراع القوى الدائر بين الديمقراطيات الغربية من جهة والإسلام من جهة أخرى.. ومع ذلك لم يغب الموضوع الذي هو محور التصويت يوم 29 نوفمبر 2009 عن الأذهان خلال هذه الأمسية.

أعطى المحاضران، كل بطريقته، الحق إلى أصحاب المباردة الذين اعتبروا المآذن رمزا سياسيا. وقال دافيد فوشار، من “المنظمة السويسرية لمكافحة الأسلمة”: “رغم أن حظر المآذن لا يقدم حلا بالضرورة لجوهر المشكلة، فإنه من الضروري التزام الحذر تجاه التطرّف الديني. أما على المستوى الرمزي، فهذا الحظر يقدّم رفضا واضحا لعقلية الهيمنة في الإسلام”.

أما أرنود دوتيزاك، الذي ينادي بلحظة توقف، فقد بيّن بأن هدف الإسلام هو تحقيق الكونية، وأن المآذن رمز سياسي: “مادام الإسلام لا يفصل بين ما هو ديني، وما هو سياسي”. وبالنسبة لدوتيزاك، لا ينتابه أدنى شك بأنه “عاجلا ام آجلا، سوف تستخدم المآذن لرفع الآذان”. وهذا مبرر آخر بحسب رأيه “للتكيف مع التحدي التي يمثله الإسلام، من دون الإغفال عن تعريف الإسلام في حد ذاته”.

كارول فيلتي – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

التصويت: يدلي السويسريون باصواتهم حول المبادرة الداعية إلى حظر بناء المزيد من المآذن على التراب السويسري يوم 29 نوفمبر 2009.

الحظر: الداعون إلى هذه المبادرة، يريدون إضافة بند إلى الدستور الفدرالي السويسري، هذا نصه: “يمنع تشييد المآذن على التراب السويسري”.

بناء: انطلق الجدل حول المآذن بعد أن قدمت بعض المجموعات الإسلامية مطالب للترخيص لها ببناء مآذن في بعض المقاطعات السويسرية الناطقة بالألمانية.

الأسلمة: أطلق الحملة الداعية إلى حظر المآذن حزب الشعب، والإتحاد الديمقراطي الفدرالي، وكلاهما ينتميان إلى أقصى اليمين، محذّران في نفس الوقت مما يسمونه “الأسلمة الزاحفة” على المجتمع.

يتوقع على نطاق واسع ان عدد المسلمين اليوم في سويسرا يتراوح بين 350.000 نسمة و400.000 نسمة (ما يمثّل 4.5 %إلى 5.2% من مجموع السكان في سويسرا.

مقارنة بسنة 1970، إزداد عدد أفراد الأقلية المسلمة، وبحسب المكتب الفدرالي للإحصاء، كان عدد المسلمين سنة 1970 ، 16.353 نسمة (ما مثّل آنذاك 0.3% من مجموع السكان).

وفي سنة 1980، كان عدد المسلمين في سويسرا، 56.625 نسمة (0.9% من مجموع السكان)

في سنة 2000، أكد المكتب الفدرالي للإحصاء بأن عدد المسلمين في سويسرا قد بلغ 310.807 نسمة (4.3 % من مجموع السكان).

تتميز الاقلية المسلمة في سويسرا بالتنوع والتعدد العرقي. وإذا كانت غالبية المسلمين في السبعينات تتشكل من الأتراك، فإنه قد طغى عليها المنحدرون من دول البلقان بداية من سنوات الألفية الجديدة. وعموما يتوزّع افراد الجالية المسلمة في سويسرا على ما يقارب 100 جنسية.

اما في ما يتعلق بدور العبادة، فيوجد في سويسرا أربعة مساجد، ملحقة بها مآذن، (جنيف وزيورخ، وفانغن، وفنترتور)، كما حصل المسلمون في لانغنتال ببرن على حق بناء المئذنة الخامسة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية