مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مبادرة حظر بناء المآذن في سويسرا تثير رد فعل حكومي استثنائي

Keystone

في خطوة غير مُعتادة، أعلنت الحكومة السويسرية بشكل مُبكر جدا عن موقفها من مبادرة شعبية. ويتعلق الأمر بالمبادرة الداعية إلى حظر تشييد المآذن في سويسرا، التي طرحتها أطراف يمينية قومية مُتشددة وسُلمت للمُستشارية الفدرالية في برن صبيحة الثلاثاء 8 يوليو الجاري.

وذكّر رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان في بيان نُشر يوم الثلاثاء أيضا أن “عدة أعضاء من الحكومة الفدرالية عبـّروا علنا عن موقفهم الرافض لحظر بناء المآذن”، كما أكد أن “ليس هنالك شك في أن الحكومة الفدرالية ستدعو الشعب السويسري والبرلمان إلى رفض هذه المبادرة”؛ التي نجحت في تجميع أكثر من 100000 توقيع اللازمة لطرحها في استفتاء شعبي.

بإيداعه للمبادرة التي تحمل زهاء 115000 توقيع، (أي أكثر من الحد الأدنى الضروري لفرض استفتاء شعبي) يكون اليمين المُتشدد السويسري قد حقق انتصارا مرحليا في مسعاه الرامي إلى حظر بناء المآذن في البلاد.

لجنة المبادرة – المُكونة من 14 عضو ينتمون إلى حزب الشعب السويسري (الذي يتمتع حاليا بالأغلبية في البرلمان الفدرالي بعد أن حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة في 21 أكتوبر الماضي على 29% من الأصوات ) ومن عضوين من الاتحاد الديمقراطي الفدرالي (أقصى اليمين) – انتهزت فرصة تسليم التوقيعات الـ114895 للمستشارية الفدرالية يوم الثلاثاء للتذكير مُجددا باعتراضاتها على ما أسمته “تسارع الأسلمة الزاحفة في بلادنا”؛ فهي لا تعتبر المآذن بنايات ذات طابع ديني، بل “رمزا واضحا لمطالبة سياسية-دينة بالسلطة، مما يُشكك بالتالي في الحقوق الأساسية”.

وفي هذا السياق، صرح فالتير فُوبمان، رئيس لجنة المبادرة ونائب حزب الشعب في البرلمان الفدرالي (من كانتون سولوتورن)، أمام وسائل الإعلام “ليس للمئذنة، كبناية، طابع ديني بل هي رمز للإمبريالية”، مضيفا أنه تم تجاوز حدّ (أو خط أحمر) بالنسبة لعدد كبير من السويسريين بعد تقديم المسلمين لطلبات تشييد مآذن في فنغن (كانتون سولوتورن) ولانغنتال (برن) وفيل (سانت غالن) والترخيص الذي مُنح لمئذنة في فنترنتور (زيورخ).

وشددت اللجنة على أن “من يضع الدين فوق الدولة، كما هو الحال في الإسلام، فهو يتواجد في حالة تناقض تام مع الدستور الفدرالي”.

التسامح في خطر؟

وأكـّد أصحاب المُبادرة بأن خطوتهم لا تستهدف مسلمي سويسرا الذين “تمكـّنوا دائما من ممارسة دينهم بحرية لكن بدون مئذنة” حسب تعبيرهم.

غير أن لهجتهم تظل مُتوجسة عموما من هذه الجالية، إذ أعرب دومينيك بايتيغ، نائب حزب الشعب (من كانتون الجورا) عن اعتقاده بأن عملية اندماج المُسلمين توقـّفت حتى في بلدان مشهورة بتقاليدها التسامحية مثل هولندا.

وأضاف بايتيغ بأن الأصوليين لا يتردّدون في إطلاق تهديدات ضد “أقلية من العقول الحـُرة”، من رسامي كاريكاتور ومدافعين عن حرية التعبير الذي يتجرؤون على مقاومة ثقافة دينية “جديرة بالاحترام بالتأكيد، لكنها عنيفة وبالية ومتحيزة جنسيا وعنصرية إزاء المثليين ولا تفصل بين السياسي والديني”، على حد تعبيره.

أما زميلته ياسمين هوتير (من كانتون سانت غالن) فكرّرت نفس الفكرة بنفس النبرة باسم الدفاع عن حقوق المرأة أمام شريعة تفرض نفسها أكثر فأكثر في الغرب، حسب زعمها.

وقد حظيت المبادرة الشعبية “ضد بناء المآذن” بالقدر الأكبر من الدعم في المناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية التي ظهرت فيها ونمت فكرةُ فرض حظر عام وبشكل قاطع على تشييد المآذن في خضم الجدل الذي أحاط بعدة مشاريع من بينها بناء مآذن في فنغن ولانغنتال.

وعلى الرغم من أن معظم أعضاء لجنة المبادرة ينتمون إلى حزب الشعب، فإن هذا الأخير لم يتخذ لحد الآن موقفا رسميا من المبادرة. وأوضح متحدث باسمه في تصريح لصحيفة “تاغس أنتسايغر”، الصادرة بالألمانية في زيورخ يوم 8 يوليو الجاري، بأن حزب الشعب ليس مُجبرا على خوض حملة لدعم المبادرة بما أنه ليس الطرف الذي أطلقها، بل أعضاء فيه كونوا لجنة مُستقلة إلى جانب أعضاء الاتحاد الديمقراطي الفدرالي. وهو موقف رأى فيه المراقبون ابتعاد الحزب (الذي يعاني حاليا من بعض الإنشقاقات والمشاكل الداخلية) من المخاطرة في ملف شديد الحساسية.

المزيد

المزيد

المبادرة الشعبية

تم نشر هذا المحتوى على توفّـر المبادرة الشعبية لعدد من المواطنين إمكانية اقتراح تحوير للدستور الفدرالي. تحتاج المبادرة كي تكون مقبولة (من الناحية القانونية)، إلى أن يتم التوقيع عليها من طرف 100 ألف مواطن في ظرف 18 شهرا. يُـمكن للبرلمان أن يوافق مباشرة على المبادرة، كما يمكن له أيضا أن يرفضها أو أن يعارضها بمشروع مضاد. في كل الحالات، يتم…

طالع المزيدالمبادرة الشعبية

نص مُخالف للدستور؟

ولم يمر إطلاق المبادرة الشعبية ضد تشييد المآذن في سويسرا مرور الكرام. فقد تسببت منذ الإعلان عن إطلاقها في 1 مايو 2007 في اندلاع ضجة داخل البلاد وخارجها، حتى أنها أثارت قلق منظمة المؤتمر الإسلامي. ففي 26 نوفمبر من نفس العام، سلمت الأمانة العامة للمنظمة التي يوجد مقرها في جدة بالمملكة العربية السعودية، مذكّـرة دبلوماسية للسفارة السويسرية في الرياض، طلبت فيها توضيحات بخصوص المبادرة.

وشددت برن في ردها على هذا الاستيضاح في يناير الماضي على أن العديد من أعضاء الحكومة الفدرالية و”عددا مهمّـا” من الأحزاب والمنظمات والخبراء القانونيين، قد عبّـروا عن مواقف منتقدة لهذه المبادرة.

وقد سبق لوزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي-ري أن أكدت معارضة الحكومة الفدرالية لنص المبادرة، متسائلة عن توافق المبادرة مع الدستور.

من جهته، دعا القاضي الفدرالي السابق، جيوسيف ني، البرلمان إلى عدم طرح النص في استفتاء شعبي، لأنه يعتقد بأن المبادرة غير قابلة للتطبيق وتنتهك الحرية الدينية.

ويعتقد دانييل تورير، من جامعة زيورخ، بأن الطابع المُطلق لنص المبادرة يطرح مشكلة بالفعل. فحظر المآذن، أيـّا كان مكانها أو حجمها أو وظيفتها، هو مسّ مُبالغ فيه للحرية الدينية. كما أن نص المبادرة ينتهك أيضا، حسب تورير، قانون حظر التمييز.

لكن أولريخ شلوور، نائب حزب الشعب السابق (من كانتون زيورخ)، يعارض مثل هذا الطرح الذي يعتبره بمثابة رفض للنقاش وللديمقراطية المُباشرة، مضيفا بأنه لا يمكن الاحتجاج بالحرية الدينية كمعيار يُطبـّق على البشرية جمعاء إذا لم يكن يـُحترم على نطاق واسع، لا سيـّّما من قبل البلدان الإٍسلامية.

رد فعل حكومي مُبكـر

وهذه المرة، لم تنتظر الحكومة السويسرية، كعادتها، اقتراب موعد التصويت على المبادرة الشعبية للتعبير عن موقفها منها، بل سارعت، وبصفة استثنائية، صبيحة الثلاثاء 8 يوليو الجاري، وقبل انعقاد المؤتمر الصحفي لأصحاب المبادرة بمناسبة إيداع التوقيعات، إلى نشر بيان أكدت فيه بأنه “ليس هنالك شك في أن الحكومة الفدرالية ستدعو الشعب السويسري والبرلمان لرفض هذه المبادرة”.

ولطمأنة الرأي العام في الخارج، نوه رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان في نفس البيان (الذي يوجد مضمونه الكامل على يسار الصفحة) إلى أن المبادرة “ليست مطروحة من قبل الحكومة أو البرلمان، بل من قبل مواطنات ومواطنين سويسريين”.

ومن جهتها، اعتبرت رابطة الكنائس البروتستانتية في سويسرا، في بيان نشرته يوم الثلاثاء في برن، نص المبادرة “غير مناسب”، مشددة على أن “الاستقطاب هو نهج سيء. وينبغي بالأحرى الانشغال بعملية الاندماج”.

يجدر التذكير بأن أيّ مبادرة شعبية لا تحترم القواعد الإلزامية للقانون الدولي يجب أن تُعتبر باطلة. وتعود الكلمة الأخيرة في هذا المجال للبرلمان الفدرالي الذي يحسم الأمر بعد تسلّـمه لنص المُبادرة واطلاعه على حيثيات موقف الحكومة الفدرالية منها. وبالتالي، فإنه من المحتمل (إذا ما اعتبرت باطلة من طرف البرلمان) أن لا تُطرح مبادرة حظر المآذن أصلا على الإستفتاء الشعبي.

وإذا ما وافق البرلمان على طرح المبادرة على الناخبين والكانتونات، وفي صورة حصولها على موافقة الجانبين (إذ يتطلب إقرار مبادرة شعبية تسعى إلى تحوير فقرة في الدستور الفدرالي موافقة على مستويين: أغلبية الناخبين وأغلبية الكانتونات الست والعشرين)، فإن القضية لن تكون قد حُسمت نهائيا، إذ يمكن لأي مواطن سويسري أن يعترض على رفض الترخيص ببناء المآذن على مُستوى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ.

المزيد

المزيد

الديمقراطية المباشرة

تم نشر هذا المحتوى على يُـستعمل مصطلح الديمقراطية المباشرة لوصف نظام سياسي يمارس فيه الشعب السلطة بشكل مباشر. هذا المفهوم يتعارض مع الديمقراطية التمثيلية التي يفوِّض فيها الشعب سلطاته إلى ممثلين قام بانتخابهم. في سويسرا، هناك آليتان رئيسيتان للديمقراطية المباشرة، وهما المبادرة الشعبية والاستفتاء الاختياري. توصف سويسرا أيضا بأنها ديمقراطية شبه مباشرة، لأن نظامها السياسي يستخدم في الوقت نفسه الديمقراطية…

طالع المزيدالديمقراطية المباشرة

سويس انفو مع الوكالات

يقيم في سويسرا وفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء 340000 مسلم ينحدرون من أكثر من 100 دولة.
يشكل المسلمون وفقا لإحصائيات عام 2000 نسبة 4٫3% من تعداد السكان، بعدما كانو 2.2% في عام 1990.
ينحدر أغلب مسلمي سويسرا من تركيا ودول منطقة البلقان
تتوزع الخريطة الدينية في سويسرا على النحو التالي:
42 % كاثوليك
35 % بروتستانت
11 % ملحدون
4.26 % مسلمون
4.33 % لا يهتمون بالأديان
2 % أرثوذكس
1.41 % ملل ونحل مختلفة
0.24 % يهود

“برن، 08 يوليو 2008 – أخذت الحكومة الفدرالية علما يوم 8 يوليو 2008 بإيداع المبادرة الشعبية ضد بناء المآذن المُزودة بـ 114895 توقيعا (وفقا للأرقام المُقدمة من قبل لجنة المبادرة). رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان يُذكر بأن عددا من أعضاء الحكومة الفدرالية سبق وأن عبروا علنا عن موقفهم ضد الحظر الذي تدعو إليه المبادرة.

وقد أُطلقت هذه المبادرة المطالبة بتسجيل حظر بناء المآذن في الدستور الفدرالي من قبل مجموعة من المواطنات والمواطنين السويسريين. إنها ليست مبادرة من الحكومة أو البرلمان. وتُعارض هذه المبادرة تشييد المآذن، لكنها لا تُشكك في حق كل شخص في ممارسة الدين الذي يختاره. ويجب التذكير أيضا بأن العديد من الكانتونات عبرت بعد عن رفضها لحظر تشييد المآذن.

وليس هناك شك في أن الحكومة الفدرالية ستدعو الشعب السويسري والبرلمان إلى رفض هذه المبادرة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية