مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مبادرة “الضريبة العادلة”.. احتدام المعركة مع اقتراب موعد الإستفتاء

إذا نالت مبادرة "الضريبة العادلة" ثقة الناخبين السويسريين من المحتمل أن يقرر الأثرياء الأجانب مثل ألفريد شاندلر مغادرة سويسرا. Keystone

مع اقتراب موعد الإستفتاء العام الهادف إلى إجبار الكانتونات على فرض معدل ضريبي أدنى على الأثرياء الكبار، تحوّلت الحملة الإنتخابية إلى ساحة لتبادل التهديدات والتحذيرات بين المؤيدين والمعارضين.

وفي الوقت الذي يقول فيه الحزب الإشتراكي إنه أطلق مبادرته لتحقيق المزيد من العدالة في توزيع العبء الضريبي، تخشى الحكومة ورجال الأعمال من أن يؤدي نجاحها إلى إلحاق الضرر بالإقتصاد السويسري.

وأثارت نتائج سبر للآراء أنجزه مؤخرا معهد gfs.bern ، أشار إلى أن 58% من الناخبين سيصوتون لصالح هذه المبادرة، مخاوف الدوائر الاقتصادية، وأصحاب الشركات. فقد عمدت الدوائر الإقتصادية خلال الأسابيع الأخيرة إلى إطلاق حملة مكثفة لإقناع الناخبين بعدم التصويت للمبادرة عبر لوحات إشهارية عمت الشوارع والأماكن العامة، وإعلانات في الصحف اليومية، ومقاطع فيديو.

إضافة إلى ذلك، هدد بعض كبار رجال الأعمال بمغادرة سويسرا، وترحيل مشروعاتهم إلى خارج البلاد إذا ما أقرّ الناخبون مبادرة الإشتراكيين. وقال ألفريد شاندلر، رئيس شركة شاندلر لصناعة المصاعد الكهربائية متحدثا إلى الصحافة السويسرية نهاية الأسبوع الماضي: “إذا نجحت المبادرة المطروحة للتصويت، سوف أنتقل للعمل خارج سويسرا”. ثم أضاف: “سويسرا تعني الكثير بالنسبة لي، لكن المبادرة سوف تضاعف العبء الضريبي بالنسبة لي بنسبة 70%. هذا ليس من العدل، ولا يمكنني تحمله”.

هذه الكلمات وجدت صدى لها أيضا لدى برنهارد ألبشتيغ رئيس شركة Swisspor، وبيتر شبوهلر رئيس شركة Stadler المتخصصة في صناعة سكك الحديد. لكن من غير المؤكد أن تساعد هذه التهديدات كثيرا معارضي هذه المبادرة، حيث وصفتها جاكلين فيهر، النائبة الأشتراكية بـ “غير المقبولة”، واعتبرتها “نوعا من إبتزاز الوطن” من طرف الأثرياء.

المعدل الضريبي الأدنى

تجبى الضرائب في سويسراعلى المستوى الفدرالي والكانتوني والبلدي، كما تتمتع الكانتونات بحرية كبيرة في تحديد المعدلات الضريبية. وتسود منافسة قوية بين الكانتونات لاعتماد معدلات ضريبية دنيا بهدف جذب الأجانب من أصحاب الكفاءات العالية ومالكي الثروات الطائلة.

هذا السلوك تعرض في السنوات الأخيرة إلى انتقاد شديد من طرف الإشتراكيين لكونه يخدم مصلحة الأثرياء الكبار في البلاد الذين لا تتجاوز نسبتهم 1% من مجموع السكان. وقد جعلت الأزمة المالية الأخيرة التي تبعتها حالة من الركود الإقتصادي هذه القضية على رأس أولويات الإهتمام في صفوف الرأي العام.

ودعا الحزب الإشتراكي السويسري مدعوما من حزب الخضر جميع الكانتونات السويسرية البالغ عددها 26 كانتونا إلى فرض معدل ضريبي أدناه 22% بالنسبة للأشخاص الذين يتجاوز دخلهم السنوي 250.000 فرنك (255.000 دولار أمريكي) وضريبة قدرها 0.5 % بالنسبة للأثرياء الذين تتجاوز ثرواتهم مليونيْ فرنك.

ويقول الإشتراكيون إن العمل بهذه التغييرات التي لن تمس سوى 1% من الأثرياء الكبار في البلاد سوف تجلب النفع للبقية البالغ نسبتهم 99% من السكان. وجاء في بيان سابق للحزب أنه “بعد إقرار هذه التغييرات، لن يكون بإمكان هذه الفئة القليلة التخلي عن مسؤولياتها الإجتماعية، أو الهروب إلى الجنان الضريبية كزيورخ وتسوغ”.

العدالة الضريبية؟

تعرضت المبادرة الاشتراكية إلى انتقاد شديد من مؤتمر الحكومات الكانتونية لكونها تنال من سيادة الكانتونات المترسخة منذ القدم، لكن جاكلين فيهر تعتقد أن الكانتونات سوف تتحرر من ضغط هذه المنافسة القوية فيما بينها لفرض معدل ضريبي أدنى بالنسبة لبقية السكان لاجتذاب المزيد من أصحاب الثروات.

وأضافت النائبة الإشتراكية من كانتون زيورخ أن “هذه المبادرة، وعلى عكس ما يقول مناهضوها، تعزّز إستقلالية الكانتونات، لأنها ترفع عن حكوماتها الضغوط التي تفرضها عليها المنافسة الضريبية غير العادلة، والتي تجبرها على التخفيض المتواصل من معدلات الضريبة لصالح الأغنياء رغما عنها”.

من جهتها، دعت الحكومة الفدرالية إلى رفض هذه المبادرة. وفي سياق هذه الحملة قال هانس رودولف ميرتس، وزير المالية السابق الذي غادر الحكومة في موفى شهر أكتوبر 2010 : “تعد هذه المبادرة بتحقيق أكبر قدر من المساواة، لكن الأمر يتعلق في الحقيقة بمشروع سيء الصياغة، لا يستطيع ان يفي بوعوده. ولا نستطيع ان نتحدث عن عدالة ضريبية عندما نريد أن نرفّع من نسبة الضريبة على 1% من المواطنين، الذين يوفرون في الأصل 35% من الموارد الضريبية العامة”.

عامل الوقت

في سياق متصل، يخشى المسؤولون في شركة KPMG للإستشارات أن تضطر مراجعة القانون الضريبي أصحاب الكفاءات العالية وأصحاب الثروات إلى ترحيل مشروعاتهم إلى خارج سويسرا.

ووفقا ليورغ فالكر، من إدارة مؤسسة KPMG يبدو أن المبادرة قد جاءت في وقت مناسب. فالإتحاد الأوروبي يستحث سويسرا لحظر مكاتب الشركات الوهمية (مكاتب وهمية تفتحها الشركات في مكان ما للتهرب من المستحقات الضريبية في بلدانها الأصلية). وقد تضطر سويسرا قريبا إلى حظر هذه الممارسة، وهو ما يعني ان الشركات الأجنبية التي تريد أن تسجل مقارها في سويسرا لابد أن ترفق مطالبها بأسماء موظفيها الحقيقيين العاملين في مكاتبها.

وأضاف فالكر متحدثا إلى swissinfo.ch: “سوف نشهد أكثر فأكثر إجبار الشركات التي تؤسس مقرات لها في سويسرا على الإعلان عن إدارتها وصانعي القرار فيها”. وقال: “إنني أخشى – إذا ما فقد المعدل الضريبي في سويسرا جاذبيته – أن ترحل تلك المكاتب إلى بلدان أخرى”.

وبالنسبة لفالكر، فإن المعدّل المعتمد الآن والبالغ 34% يحوز على رضى هذه الشركات، برغم أنه ليس المعدل الأدنى على المستوى الأوروبي. ويحذّر يورغ فالكر من أن “الزيادة في معدل الضريبة على المداخيل يبعث برسالة خاطئة إلى العالم الخارجي”.

في الأثناء، يبدو أن مبادرة “الضريبة العادلة” تحظى بدعم في سويسرا. فقد اضطرت الحكومة في كانتون زيورخ في بداية هذا العام ونتيجة إستفتاء عام إلى إنهاء تفاوضها مع الأثرياء الأجانب من أجل إقرار معدل ضريبي إجمالي تفضيلي.

ورغم أن المعدّل الضريبي الإجمالي (الجزافي) لا صلة له بالمبادرة المعروضة على الناخبين السويسريين يوم 28 نوفمبر الجاري، فمن المحتمل أن تُجري كانتونات أخرى العام القادم استفتاءات مشابهة لذلك الذي نظمته زيورخ من قبل، وهو ما يدلل على أن الإرادة العامة تسير في ذلك الاتجاه.

تقوم سويسرا بجباية الضريبة على ثلاثة مستويات: المستوى الفدرالي، والكانتوني، والبلدي. ويبلغ أعلى معدل ضريبي فدرالي 11.5% بالنسبة للأشخاص الذين يحصلون على مداخيل تبلغ أو تفوق 712.500 فرنك سويسري في السنة.

اما الكانتونات والبلديات فتتمتع بحرية كاملة في اعتماد المعدلات الضريبية التي تريد، شريطة مراعاة المعايير المتضمنة في “قانون التنسيق والموائمة لعام 2001”.

لا تنفرد سويسرا باعتماد أسلوب التخفيض في المعدل الضريبي كطريقة لجذب أصحاب الكفاءات العالية وأصحاب الثروات الطائلة.

اعتمادا على مقارنة بين معدلات الضريبة في العالم قامت بها شركة الإستشارات KPMG اتضح أن أعلى المعدلات تتراوح بين 31.4% و29.4% في البلدان المتقدمة.

في سويسرا يصل المعدل الضريبي الأعلى إلى 34%، لكنه يختلف من كانتون إلى آخر. فعلى سبيل المثال، يمكن للأثرياء الكبار توقع معدل إجمالي (على المستويات الثلاث البلدي والكانتوني والفدرالي) في حدود 22.9%. ثم في كانتون شفيتس (23.9%)، وأوبفالدن (24.1%)، وفي آبنتزال (24.8%)، وأوري (25.8%).

توجد أعلى معدلات الضريبة على الأثرياء في جنيف (44.5%)، ثم في جورا (43.1%)، وفي ريف بازل (42.5%)، وفي كانتون فو (41.5%)، ثم في برن (41.2%).

على المستوى الأوروبي، يوجد أدنى معدل ضريبي في بلغاريا (10%)، ثم في روسيا (13%)، وفي عدد من بلدان أوروبا الشرقية .

في المقابل، يوجد أعلى معدل ضريبي على الأثرياء على المستوى الأوروبي في السويد (56%) تليها الدنمرك (55.4%)، ثم هولاندا (52%).

(نقله من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية