مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مبارك يتخلى عن رئاسة مصر ويكلف الجيش بإدارة شؤون البلاد

11 فبراير 2011: نزل ملايين المصريين إلى ميدان التحرير في القاهرة (الصورة) وإلى الساحات العامة والشوارع في شتى أنحاء البلاد ولم تغرب شمس يوم الجمعة إلا بالإعلان عن رحيل الرئيس مبارك عن الحكم وتسليمه السلطة إلى القوات المسلحة Keystone

غمرت البهجة المصريين يوم الجمعة 11 فبراير بعد الإعلان عن تنحي الرئيس المصري حسني مبارك وخرجت مصريات الى الشرفات في شوارع القاهرة وأطلقن الزغاريد. وقال شاهد إن رجالا تدفقوا من البيوت الى الشوارع تعبيرا عن شعور غامر بالفرحة بخروج مبارك (82 عاما) من الحكم الذي أمضى فيه 30 عاما. وضج ميدان التحرير وسط القاهرة بمظاهر فرح المحتجين الذين اعتصموا فيه لنحو أسبوعين. وخرج مئات الالوف من سكان الاسكندرية الى الشوارع في مسيرات احتفالية.

وكان عمر سليمان نائب الرئيس المصري أعلن أن الرئيس حسني مبارك قرر التنحي عن السلطة وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد. وقال سليمان في كلمة مقتضبة بثها التلفزيون المصري “في هذه الظروف العصيبة أعلن الرئيس تنحيه عن السلطة”.

ويأتي قرار مبارك بالتنحي عن السلطة بعد 17 يوما من الاحتجاجات المليونية شهدتها القاهرة وعددا من المدن المصرية تطالبه بالرحيل و التنحي عن الحكم . وكانت مصادر رسمية قالت في وقت سابق إن مبارك غادر هو وعائلته من العاصمة القاهرة إلى شرم الشيخ لقضاء فترة نقاهه .

وكان الرئيس المصري اعلن مساء الخميس تفويض سلطاته الى نائبه عمر سليمان بعد ان طلب من مجلس الشعب اجراء تعديلات دستورية تستهدف خصوصا رفع القيود التعجيزية المفروضة على الترشح لرئاسة الجمهورية ووضع حد اقصي لمدة البقاء في الرئاسة.

وخرجت حشود غير مسبوقة بعد الصلاة بعد ظهر الجمعة في معظم مدن مصر للمطالبة برحيل مبارك ونظامه معلنين ان تفويضه سلطات غير كاف.

وفي محاولة لتهدئة الغضب الذي اثاره خطاب مبارك، اصدر الجيش المصري قبيل ظهر الجمعة بيانا اكد فيه انه “يضمن” الاصلاحات السياسية التي اعلنها مبارك، غير ان هذا البيان زاد المحتجين احباطا على احباط.

وتشهد مصر منذ الخامس والعشرين من يناير الماضي تظاهرات غير مسبوقة تطالب برحيل مبارك الذي يتولى السلطة منذ ثلاثة عقود. وسقط قرابة 300 قتيل عندما حاولت قوات الامن قمع التظاهرات في ايامها العشرة الاولى. ومنذ الثالث من فبراير الجاري، تتيح قوات الجيش المنتشرة في الشوارع للمحتجين التظاهر بشكل سلمي من دون تدخل.

البيان الثاني للقوات المسلحة

وكانت القوات المسلحة المصرية أعلنت في وقت سابق من يوم الجمعة أنها تضمن إنهاء حالة الطواريء السارية في البلاد منذ 30 عاما وإدخال إصلاحات سياسية وافق عليها الرئيس حسني مبارك بعد تفجر احتجاجات الغضب على الفقر والفساد والقمع في البلاد قبل 18 يوما.

وقال بيان أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهو الثاني في يومين ان المجلس يضمن “تنفيذ الاجراءات الآتية.. أولا.. إنهاء حالة الطوارىء فور انتهاء الظروف الحالية.. الفصل في الطعون الانتخابية وما يلي بشأنها من إجراءات.. إجراء التعديلات التشريعية اللازمة وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في ضوء ما تقرر من تعديلات دستورية.”

 وقال مبارك في آخر خطاب له ألقاه مساء الخميس 10 فبراير بعد تصاعد الاحتجاجات ضده التي قتل فيها 300 شخص وأصيب ألوف اخرون انه أمر بتنفيذ الاحكام التي ستصدر من محكمة النقض ببطلان انتخابات لمجلس الشعب التي أجريت العام الماضي. ومن الممكن أن تبطل محكمة النقض الانتخابات في نحو 159 دائرة انتخابية. لكن المحتجين طالبوا بحل مجلسي الشعب والشورى التي قال معارضون وحقوقيون ان مخالفات واسعة شابت انتخابات كل منهما. وقرر مبارك أيضا إجراء تعديلات في الدستور يمكن أن تصل لحد الغاء أي قيود على ترشح المستقلين والحزبيين لمنصب رئيس الدولة. وتدعو الاصلاحات الدستورية أيضا لتقييد فترات الرئاسة واشراف القضاء على الانتخابات العامة لضمان نزاهتها.

وأضاف بيان المجلس الاعلى للقوات المسلحة “ثانيا.. تلتزم القوات المسلحة برعاية مطالب الشعب المشروعة والسعي لتحقيقها من خلال متابعة تنفيذ هذه الاجراءات في التوقيتات المحددة بكل دقة وحزم حتى يتم الانتقال السلمى للسلطة وصولا للمجتمع الديمقراطي الحر الذي يتطلع اليه أبناء الشعب.”

وكان عمر سليمان نائب الرئيس المصري قال خلال حوار مع جماعات وأحزاب معارضة نظم الأسبوع الماضي ان صدور الاحكام في الطعون الانتخابية واجراء الانتخابات في الدوائر التي ستبطل الانتخابات فيها وعقد مجلس الشعب لاقرار التعديلات الدستورية محل البحث يجب ألا يتجاوز سبتمبر أيلول المقبل موعد اجراء انتخابات الرئاسة.

وتابع بيان المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي تلاه مذيع على شاشة التلفزيون الرسمي “ثالثا.. تؤكد القوات المسلحة على عدم الملاحقة الامنية للشرفاء الذين رفضوا الفساد وطالبوا بالاصلاح (من المحتجين) وتحذر من المساس بأمن وسلامة الوطن والمواطنيين. “كما تؤكد على ضرورة انتظام العمل بمرافق الدولة وعودة الحياة الطبيعية حفاظا على مصالح وممتلكات شعبنا العظيم.”

ويشير البيان بذلك الى أن المجلس الاعلى للقوات المسلحة يطالب المحتجين بوقف احتجاجاتهم في مختلف أنحاء البلاد. وقال المجلس الاعلى للقوات المسلحة انه أصدر البيان “نظرا للتطورات المتلاحقة للاحداث الجارية والتي يتحدد فيها مصير البلاد وفي اطار المتابعة المستمرة للاحداث الداخلية والخارجية وما تقرر من تفويض للسيد نائب رئيس الجمهورية من اختصاصات وايمانا منا بمسؤولياتنا الوطنية بحفظ واستقرار الوطن وسلامته.”

محاولة للإجابة عن سؤال محير

وقبل ساعات من الإعلان عن تخليه عن الحكم، ظل المصريون والعرب والمراقبون في شتى أنحاء العالم يتساءلون في حيرة: لماذا يصر الرئيس المصري محمد حسني مبارك على التمسك بالسلطة، رافضًا التنحي عن الحكم، رغم مطالب المصريين له في الداخل والخارج بترك الحكم، ورغم ندءات حلفائه في الولايات المتحدة وأوروبا له بتسليم السلطة، وسط إصرار ملايين الشباب الذين أطلقوا الثورة في 25 يناير 2011، متخذين من ميدان التحرير نقطة ارتكاز لثورتهم التاريخية؟

وفي محاولة للتوصل إلى إجابة عن هذا السؤال – اللغز؛ التقت swissinfo.ch صباح الجمعة 11 فبراير 2011 في القاهرة (أي قبل فترة وجيزة من إعلان عمر سليمان عن تخلي مبارك عن الحكم) كلا من الخبير النفسي الدكتور محمد المهدي؛ أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، والدكتور مصطفى كامل السيد؛ أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ مدير مركز بحوث التنمية بالعالم الثالث، والدكتور محمد البلتاجي؛ العضو السابق بالكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، وعضو البرلمان الشعبي لائتلاف المعارضة، والكاتب الصحفي أسامة سرايا؛ رئيس تحرير صحيفة الأهرام، والخبير العسكري والاستراتيجي اللواء أركان حرب دكتور زكريا حسين؛ الرئيس الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية العليا، والدكتور عبد الله الأشعل؛ المساعد الأسبق لوزير الخارجية، والخبير في القانون الدولي… فكان هذا التحقيق الذي أصبح بعد لحظات من نشره جزءا من التاريخ المتحرك لمصر في هذه الأيام.

لأنه.. عنيد ومتوحد مع الكرسي!

في البداية؛ يقدم لنا الدكتور محمد المهدي قراءة تحليلية للسلوك النفسي لشخصية الرئيس مبارك؛ فيوضح أن “الرئيس لديه درجة عالية من العناد تلازمه طوال فترة حكمه، وقد ظهرت هذه الصفة في أقصى درجاتها اليوم بعدما توحد مع كرسي الحكم، لمدة ثلاثين عامًا، حتى أصبح جزءًا منه”؛ مشيرًا إلى أنه “لا يسمع إلا صوته، ولا يرى إلا رأيه، ويسير دومًا عكس إرادة الشعب، ويصدر من القرارات دومًا ما لا يرغب فيه الشعب ولا يتمناه؛ وذلك في كل القضايا الداخلية والخارجية”.

ويقول المهدي؛ أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر؛ في تصريحات خاصة لـ” swissinfo.ch”: “فإذا ما انتظر الناس رحيل وزير ما، بعدما أذاقهم الويلات تمسك الرئيس به، معاندًا؛ حتى أنك لتجد عددًا كبيرًا من الوزراء والمسؤولين والوجوه المبغوضة شعبيًا قد عمّرت طويلا في فترة حكمه؛ فهذا وزير منذ عشر سنوات، وذاك منذ 15 سنة وذلك أمضى قرابة ربع قرن في منصبه، والأمثلة على ذلك كثيرة، فهذا صفوت الشريف (رئيس مجلس الشورى، والأمين العم السابق للحزب الحاكم)، وذاك حبيب العادلي (وزير الداخلية السابق)، وهذا فاروق حسني (وزير الثقافة السابق)، ….إلخ”.

ويضيف المهدي: “كما أنه يحتقر الشعب، ويتعالى عليه بشده، وينظر إليه على أنه قاصر، لايعرف مصلحته، وأنه الوحيد دون غيره الذي يعرف المصالح العليا للوطن، وهي سمات نفسية، وطباع شخصية نشأ عليها وترسخت بداخله، وعززتها ظروف الحياة المصرية، والعقلية القديمة التي كانت تميل إلى تأليه الحكام، ثم استقرت وتصلبت بشكل شديد”؛ معتبرًا أنه “يتعامل مع كرسي الحكم كوظيفة، ومن ثم فهو لا يرغب في تركها، ويتشبث بها لآخر لحظة، كما تساوره التساؤلات حول: ماذا بعد ترك الكرسي؟، أين سأذهب؟، وهل سيحاسبني الشعب؟، وأين سأعيش بعد ترك السلطة؟، …إلخ، فهو يرى أن كل ماكان يفخر به يطير في الهواء كالدخان، فكم ادعى أنه خدم الوطن، وها هو يسمع بأإذنه الشعب يصرخ مطالبًا أياه بالرحيل”.

ويختتم المهدي حديثه قائلا: “الرئيس اليوم في مرحلة حرجة من عمره؛ وهو يرى تاريخه كله يحترق أمام عينيه، ويشعر بهذ الكم الكبير من الكراهية، وربما يشعر الرئيس اليوم أن نجله (جمال) وأصدقاءه وبطانته قد ورطوه في موقف لا يحسد عليه، خاصة وأنه قائد عسكري من الصعب عليه أن يعترف بالهزيمة، ومن ثم فهو يريد أن يستبقي شيئًا يحفظ به تواجده؛ ويريد أن يرسل رسالة للداخل والخارج بأنه يرتب البيت من الداخل؛ فيعدل بعض مواد الدستور، وينفذ أحكام القضاء بشأن بطلان عضوية بعض النواب، ويصدر القرارات لمحاسبة الفاسدين، حتى وهو مهزوم يرى أنه ما زال القائد المسيطر على الأمور، وهو وهم كبير”؛ مؤكدا أنه “لا يفعل ذلك حبا في الوطن، وإنما حبا لذاته، ونرجسيته المتضخمة”؛ ومعتبرًا أن “هذه التركيبة النفسية هي ما تفسر تشبثه بالسلطة وتمسكه بالكرسي حتى آخر نفس، ومن ثم لا بد من إبعاده لأنه لن يبتعد من تلقاء نفسه”.

لأنه.. ليس رجل سياسة!!

متفقًا مع الملامح النفسية التي رسمها المهدي؛ يرى الدكتور مصطفى كامل السيد أن: “الرئيس مبارك متشبث بالسلطة لأنه في الأصل ضابط طيار، فهو رجل عسكري يعتبر أن المواجهة مع الشعب هي معركة حربية، ومن ثم فإنه لا يريد أن ينسحب من المعركة مهزومًا، وهذا يعود إلى تركيبته النفسية الخاصة كرجل عسكري”؛ مشيرًا إلى أن “الأمر كان سيختلف لو كان مبارك رجلا سياسيًا؛ لأن الرجل السياسي دبلوماسي بطبعه، يؤمن بالحوار والتفاوض، ولا يرى حرجًا أن يقدم بعض التنازلات خلال التفاوض”.

ويقول السيد؛ أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ في تصريحات خاصة لـ” swissinfo.ch”: “شخصية الرئيس مبارك تؤكد أنه يحتفظ بردود فعل العسكريين، وهو مغرم بالمفاجأة، يحتفظ بقراراته بعيدًا عن الآخرين، ودائما لا يبادر وإنم ينتظر اللحظة الأخيرة، وقراراته ردود أفعال، كما أن خبرتنا به طوال الثلاثين عامًا أنه لا يتشاور مع أحد، وإنما يأخذ قراراته بنفسه”؛ معتبرًا أن “الرئيس له تصور عما يعتبره سيادة وطنية، ومن ثم فهو يرى أن قبول طلب الخارج بالتنحي عن السلطة نوع من التنازل عن السيادة الوطنية!، رغم أن مطالب الخارج هذه المرة جاءت متوافقة مع مطالب الملايين من أبناء الشعب الذين يصرون منذ 17 يومًا على تنحي الرئيس عن منصبه”.

ويضيف السيد الذي يشغل منصب مدير مركز بحوث التنمية بالعالم الثالث أن “الرئيس مبارك يتصور أن لعبه على الجانب العاطفي للشعب المصري سيصرف غالبية الشعب عما يطالب به الثوار المتظاهرون في ميدان التحرير، بعدما يستدر عطفهم ببعض العبارات الجياشة؛ لكنني لا أعتقد ان الوقت ليس في صالح الرئيس؛ لأنه كلما طال الوقت كلما زادت الضغوط، وتنوعت الأساليب، خاصة بعدما شعر المتظاهرون أنهم يحققون في كل يوم نصرًا جديدًا؛ ولهذا أستطيع أن أؤكد لكم أن العلامة النهائية ستكون رحيل مبارك عن السلطة إلى الأبد”؛ متوقعًا أن “المواجهة ستستمر؛ والضغوط ستتواصل وتتزايد من الداخل والخارج؛ وكلما زاد الضغط كلما ضعفت عزيمة الرئيس، وكلما اقترب موعد التنحي”.

لأنه.. يخشى المحاسبة والمحاكمة!

متفقًا مع السيد والمهدي فيما ذهبا إليه؛ يرى الدكتور محمد البلتاجي أن “الرئيس مبارك معزول عن شعبه، لا يستمع لنصائح من نصحوه بالتنحي عن السلطة، من الداخل أو الخارج؛ كم لم تصله رسالة الشعب، أو أنها وصلته لكنه لم يستوعبها جيدًا، أو أنه لا يقدر خطورة ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في البلاد جراء عناده”؛ متعجبًا من أنه “مازال يراهن على إمكانية عودة عقارب الزمان إلى الوراء، وتحديدا إلى ما قبل يوم الثلاثاء 25 يناير 2011”.

ويقول البلتاجي؛ العضو السابق بالكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين؛ في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “الرئيس يخشى المحاكمة على ما اقترفه في حق الشعب، على مدى 30 عامًا، قاسى خلالها من مرارة الفقر والبطالة والمرض والتعذيب، كما أنه يخشى المحاسبة على الثروات الطائلة التي جمعها خلال فترة حكمه، امتصاصًا من دم الشعب الذي يعاني الأمرّين، وعما اقترفه وزراؤه ورجال الأعمال الذين أطلق يدهم في البلد يعيثون فيها فسادًا”؛ مشيرًا إلى أن “الشعب المصري اليوم يصر في لغة واحدة على تغيير النظام بأكمله، وتغيير النظام لن يكون إلا برحيل الرئيس مبارك عن سدة الحكم”.

ويختتم البلتاجي؛ عضو البرلمان الشعبي حديثه قائلا: “الجيش المصري يؤيد مطالب الشعب ويراها مشروعة، وهو حتى الآن في موقف محايد، وقد جاء بيانه الثاني والذي أكد فيه أنه ضامن لإلغاء حالة الطوارئ وتنفيذ أحكام القضاء بشأن النواب المطعون في شرعيتهم، وإجراء التعديلات الدستورية بردًا وسلامًا على الشعب، لكن عليه الآن أن يتدخل لمصلحة الوطن، ويجبر الرئيس على التنحي عن السلطة”؛ مشيرًا إلى أن “الملايين يتدفقون اليوم (الجمعة 11 فبراير) على ميدان التحرير، وهناك تجمع كبير يقترب من العشرين ألفًا يتظاهر أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون بمنطقة ماسبيرو، وتجمع آخر أمام قصر الرئاسة بمصر الجديدة، كرمزين للنظام، ولن يبرح المتظاهرون الميدان حتى يتنحى الرئيس”.

لأنه.. محاط بكل مظاهر القوة!

متفقًا مع البلتاجي والسيد والمهدي؛ يرى اللواء أركان حرب زكريا حسين أن “الرئيس مبارك يتشبث بالسلطة لأنه يستشعر أنه محاط بكل مظاهر القوة؛ التي يمكنها أن تثبت دعائم حكمه، وتعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الخامس والعشرين من يناير؛ فإلى جانبه كل أجهزة المخابرات، وعلى رأسها رئيس جهاز الاستخبارات العامة اللواء عمر سليمان، الذي قربه منه بتعيينه نائبًا له، وفوضه مؤقتًا بالقيام باختصاصاته، فضلا عن المؤسسة العسكرية؛ التي هي أكبر قوة حقيقية بمصر، وعاشر قوة عسكرية على مستوى العالم”؛ معتبرا “أنهم جميعًا يدينون له بالولاء، وهو يحركهم كما يريد، هذ بالطبع إلى جانب جهاز الشرطة وفي مقدمته قطاع أمن الدولة”.

وأضاف الدكتور حسين؛ الرئيس الأسبق لأكاديمية ناصر العسكرية العليا؛ في تصريحات خاصة لـswissinfo.ch: “كما قام الرئيس بخطوة استباقية؛ بضمه الفريق أحمد شفيق؛ وزير الطيران في الحكومة السابقة إليه بتعيينه رئيسًا لمجلس الوزراء، وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، وشفيق كان قائدًا لسلاح الطيران، وتربطه علاقة قوية بكل قيادات سلاح الطيرن، بما له من قوة وقدرة على السيطرة على الأوضاع، وقد ظهر هذا من خلال استعراض القوة بإطلاق عدة طلعات جوية تحوم في سماء ميدان التحرير، فوق ؤوس المتظاهرين”.

وقال حسين: “مبارك بقوته هذه يواجه شبابًا أعزل، وهذا ما يجعله يرفض التنازل عن السلطة، ويصر على المقاومة، لأن التنازل يقتضي أن يكون هناك توازن في المواجهة، مع تفوق لطرف على آخر، فيقوم الطرف الأضعف بالتنازل للطرف الأقوى، ومن ثم فإنه لن يتنازل ما دام يشعر بأنه الطرف الأقوى”؛ مذكرًا بأنه “سارع إلى الإجتماع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إبان انطلاق الثورة، ليضمن ولاء المؤسسة العسكرية، التي ينتمي إليها، وقد استطاع الرئيس أن يكسب مزيدًا من الوقت؛ حتى تتمكن القوات المسلحة من الإنتشار في كل أرجاء الوطن، وبعدها يتمكن من السيطرة على الموقف”.

ويختتم حسين حديثه بقوله: “الرئيس مُصِرٌ على تنفيذ أجندته الخاصة، ورغم ما يقال فإن عناصر القوة المحيطة به تجعله ثابتًا بعض الشيء، غير متعجل في اتخاذ قرار التنحي الذي يطالب به الشعب من الداخل، ويلمح له حلفاؤه من الخارج”؛ مشيرًا إلى أن “الرئيس يعلم أن قرار الرحيل ستتبعه قرارات أخرى، كالمحاسبة والمحاكمة، خاصة وأنه يستشعر أنه غير مرغوب فيه، لكنه ينتظر اللحظة المناسبة لكي يرحل رحيلا آمنًا، يحول دون متابعته ومحاسبته وربما محاكمته”.

لأنه.. لا يتخيل نفسه بعيدًا عنها!

في سياق متصل ومتفقًا مع حسين والبلتاجي والسيد والمهدي؛ يرى الدكتور عبد الله الأشعل أن “الرئيس مبارك يتشبث بالسلطة لأنه أدمن الجلوس على الكرسي، حتى أصبح من الصعب عليه أن يتخيل نفسه بعيدًا عن السلطة؛ ولأن هذه السلطة هي التي أتاحت له الثراء الفاحش، حيث تشير التقارير إلى أن ثروته تتراوح بين 40 – 70 مليار دولار (!!)، في وقت يعيش فيه قرابة 60% من الشعب تحت خط الفقر”؛ معتبرًا أنه “يراوده الأمل أن يمتد الحكم إلى أسرته، وأن يورث نجله السلطة”.

وقال الأشعل؛ المساعد الأسبق لوزير خارجية مصر؛ في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “ما قام به الرئيس من تغييب لنجله جمال عن المشهد السياسي المتأزم، وإبعاده عن الحزب، ما هي إلا إجراءات تكتيكية؛ الهدف منها امتصاص غضب الشعب، على أمل أن تهدأ الأمور، ويتمكن من الإمساك بزمام السلطة من جديد، ليعيد كل شيء إلى وضعه القديم، ويعيد ترتيب الأوراق لتصعيد نجله جمال”؛ مشيرًا إلى أن “كل هذه مناورات، وتلك هي طبيعة الرئيس مبارك، فهو في الأول والأخير رجل عسكري، وطيار حربي، يجيد المناورة وتبديل الأوراق، كما أنه لم يف يومًا بما وعد الشعب به، طوال ثلاثة عقود، هي فترة حكمه”.

ويضيف الأشعل؛ الخبير في القانون الدولي أن “الرئيس يتشبث بالسلطة لأن نظامه ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين رتبتا مصالحهما على وجوده هو اليوم، ونجله جمال من بعده غدًا، غير أن الإنفجار المفاجئ للثورة الشعبية أدى إلى إرباك حساباته، ودخول الولايات المتحدة وإسرائيل في “حسبة برمة”، وهو ما دفعهما إلى إعادة ترتيب الأوراق من جديد لمرحلة ما بعد مبارك”؛ مؤكدًا أن “إسرائيل تلح على أمريكا لعدم مواصلة الضغط على مبارك بالرحيل”.

ويختتم الأشعل حديثه مع swissinfo.ch قائلا: “أما الولايات المتحدة فترى أن مبارك قد انتهى فعليًا، وأن نظامه قد انهار، وأنه لم يعد صالحًا للمرحة المقبلة، ولهذا فمن غير المنطقي المراهنة عليه مجددًا، كما أنها ترى أن نائبه السيد عمر سليمان هو الأجدر بتحقيق مصالحها، ومصالح ربيبتها إسرائيل، لتاريخه الطويل معهما”؛ معتبرًا أن “الرئيس يريد أن ينتقم من الشعب، ولذا فهو يحاول ان يكسب الوقت بقدر المستطاع أملا في حدوث ضغوط من الشعب على المتظاهرين ليتراجعوا، ثم يأمر أجهزته الأمنية بالإنقضاض على الشباب المتظاهرين والقضاء عليهم”.

فعليًا.. الرئيس خارج السلطة!!

مختلفًا مع كل من سبقوه؛ يرى الكاتب الصحفي أسامة سرايا؛ رئيس تحرير الأهرام القاهرية، أن “الرئيس مبارك لم يستمسك بالسلطة، وإنما يتمسك بالشرعية، خوفًا على مصر من الفوضى، وحتى يضمن أمن مصر واستقرارها، وقد أعلن الرئيس منذ بداية الأزمة أنه لا يتمسك بالسلطة، وأنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية لقادمة، المقررة في سبتمر من العام الجاري”؛ معتبرًا أنه “من الناحية العملية فالرئيس مبارك خارج السلطة منذ يوم 10 فبراير، كما أنه فوض نائبه السيد عمر سليمان في القيام بالإختصاصات الرئاسية، تلبية لرغبات الشباب الذين يصرون على تنحي الرئيس عن منصبه”.

وقال سرايا؛ القريب من النظام الحاكم؛ في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “الرئيس استجاب لكل ما طلبه الشباب المتظاهرون، في ميدان التحرير، من حيث المضمون، وهو التخلي الفعلي عن السلطة، ولكنه كان حريصًا على أن تتم المطالب وفقًا للدستور؛ فهو قد نفذ جوهر المطلوب وإن لم يكن بالشكل المطلوب”؛ مشيرًا إلى أن “الرئيس تحمل على نفسه كثيرًا، وقد كان بوسعه أن يفعل مثلما فعل غيره (في إشارة منه إلى هروب الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي)”.

وأضاف سرايا أن “الرئيس تعامل مع الموقف كربان سفينة، وآل على نفسه أن يتحمل كل هذه الضغوط؛ من الداخل والخارج، ليصل بالسفينة إلى بر الأمان، فهو لم يفكر مطلقا في ذاته، ولا تنس أنه في الأساس قائد عسكري وطيار حربي”؛ مختتمًا بقوله: “إنه يمتاز بالحكمة في الفعل، والإتزان الانفعالي في ردود الفعل، وهي خصائص وسمات أساسية يجب أن تتوفر فيمن يقود طائرة فما بالك بمن يقود أمة تربو على الثمانين مليونًا”.

القاهرة (رويترز) – تدخل الجيش المصري بقوة أكبر في الصراع بين الرئيس حسني مبارك وحشود غفيرة من المحتجين تطالب بتنحيه الآن.

وعرض الجيش مجموعة من التنازلات يوم الجمعة 11 فبراير لكنه لم يصل الى حد إنهاء حكم مبارك المستمر منذ 30 عاما. وأشار الجيش في بيانه الثاني يوم الجمعة الى ان الرئيس سلم سلطاته الى نائبه في اليوم السابق في اشارة فيما يبدو الى ان هذا يجب ان يرضي المتظاهرين.

لكن لم يتضح على الفور ما اذا كان الجيش وعمر سليمان نائب الرئيس والرئيس السابق للمخابرات وهو عسكري سابق يعملان في تناغم كامل.

وتشكل الاضطرابات المتصاعدة بسبب رفض مبارك التنحي اختبارا لولاءات القوات المسلحة التي قد يكون عليها بعد ذلك ان تختار بين ان تحمي قائدها الاعلى او تسقطه.

وقالت القوات المسلحة في بيانها الثاني الصادر يوم الجمعة انها ستضمن اجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وانها ستضمن انهاء قانون الطواريء فور انتهاء الظروف الحالية وهو قانون يعارضه المصريون العاديون لانه استخدم في خنق المعارضة.

وأصدرت القوات المسلحة بيانها في مسعى لانهاء الازمة التي تحيق بمصر قبل قليل من صلاة الجمعة التي قال المحتجون انها ستكون نقطة لانطلاق احتجاجات حاشدة لاجبار مبارك على التنحي.

ولم يرض في البداية بعض المتظاهرين بوعود الجيش. وقال أحد المحتجين في ميدان التحرير “هذا ليس مطلبنا. لدينا مطلب واحد هو ان يتنحى مبارك.”

ولم يعد كثير من المصريين مستعدين لتصديق الوعود حتى لو أتت من الجيش الذي يقف بالقرب من قلب السلطة طوال ستة عقود.

وقال حسين جوهر وهو طبيب (46 عاما) انه لا يفهم كيف يعد الجيش بأشياء لا يقررها غير مبارك وحده بالرغم من نقل بعض السلطات الى سليمان. وتساءل “على أي أساس يقول الجيش انه سيستجيب لمطالب الشعب.. هل الجيش تولى السلطة ام انه يضغط فقط على مبارك للاستجابة لهذه الرغبات.. “هذا سيدخلنا في نفق مظلم. مبارك سلم السلطة فقط ولم يتنح عن السلطة. يمكنه دوما ان يسحب كلامه. لماذا نثق فيه..”

وتفادت حتى الان قوات الجيش التي تحرس قصور مبارك الرئاسية وميدان التحرير فتح النار على المتظاهرين الذين يريد كثيرون منهم ان يقصي الجيش مبارك عن السلطة.

وقال المعارض المصري محمد البرادعي في مقابلة صحفية “الجيش يلعب دورا محوريا. حتى الان التزم الحياد الى حد بعيد لكن يجب أن ينحاز الجيش الان للشعب. خلال الانتقال في مصر نحتاج الى الجيش للدفاع عن المراحل المبكرة للديمقراطية.”

وبدا الجيش لفترة قصيرة يوم الخميس 10 فبراير انه قاب قوسين او أدنى من اتخاذ قرار مصيري حين اجتمع المجلس الاعلى للقوات المسلحة في غياب مبارك القائد الاعلى ووعد “بحماية الامة” لكن لم يتبع ذلك بأي تحرك.

وبعد ساعات قال مبارك للامة مجددا انه سيظل في السلطة حتى سبتمبر ايلول القادم وان كان فوض سلطاته لسليمان.

وخرج من الجيش المصري الرؤساء الاربعة الذين حكموا مصر منذ ان اطاح انقلاب عسكري عام 1952 بالملكية التي دعمتها بريطانيا القوة المستعمرة السابقة لمصر.

واختبرت عمليات الانتشار التي قام بها الجيش في الشوارع منذ 28 يناير كانون الثاني مدى تماسكه. لكن نواياه السياسية تظل غير واضحة.

وقال برايان كاتوليس من مركز التقدم الامريكي بواشنطن وهو مستشار غير رسمي للبيت الابيض الامريكي أمس الخميس “يبدو لي ان الجيش يرسل اشارات متباينة. هذا يشير بالنسبة لي الى بعض الانقسامات الداخلية المحتملة.”

وعمد الجيش المصري وقوامه 470 ألفا والذي يحصل على مساعدات أمريكية بنحو 1.3 مليار دولار في العام الى ان ينأى بنفسه تدريجيا عن السياسة منذ السبعينات. والآن يمكن للصراع بين مبارك (82 عاما) والمحتجين المصريين على اقصائه عن السلطة ان يجبر الجيش على الدخول الى الاضواء مجددا.

وقال انتوني كوردسمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن “رغم ان الجيش المصري ربما كان الوسيط النهائي في وقت الازمات السياسية الكبرى الا انه في النهاية قوة عسكرية لا حكومة امر واقع مثل الحال في الجزائر”. وأضاف “انهم (ضباط الجيش) لا يهيمنون على الاقتصاد والحكومة المدنية ومثلهم مثل باقي المصريين يخضعون لعميات مراقبة تقوم بها أجهزة المخابرات المصرية القمعية.”

وألقى بالفعل بعض الضباط من ذوي الرتب المتوسطة الذين انتشروا قرب ميدان التحرير سلاحهم وانضموا الى صفوف المتظاهرين.

وقال ضابط في القوات المسلحة المصرية ممن انضموا الى المحتجين في ميدان التحرير ان 15 ضابطا اخر انضموا ايضا الى المتظاهرين المطالبين بتنحي مبارك. وقال الرائد أحمد علي شومان يوم الجمعة لرويترز في اتصال هاتفي بعد صلاة الفجر ان حركة تضامن القوات المسلحة مع الشعب قد بدأت.

وهناك عامل اخر هو الرسائل التي يتلقاها الجيش من حليفته الوثيقة الولايات المتحدة. وقال وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس يوم الثلاثاء “يمكنني القول انهم (الجيش) ساهموا في تطور الديمقراطية وفيما نراه في مصر.”

وامتدح غيتس الجيش لضبطه النفس قائلا انه تصرف بشكل “نموذجي” خلال الانتفاضة المناهضة لمبارك وان قالت جماعة أمريكية مدافعة عن حقوق الانسان ونشطون مصريون ان قوات الجيش احتجزت عشرات المحتجين وانتهكت حقوقهم خلال فترة الاحتجاز.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 فبراير 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية