مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“إيروندال”.. خطاف سويسري يُبشّر بربيع إعلامي في أفريقيا

إذاعات إيرونديل
صورة لمقدمي النشرة الإخبارية من أستوديو كالانغو في نيامي، عاصمة النيجر. hirondelle

تتميز مؤسسة إيروندال (الخطاف أو السنونو) السويسرية غير الربحية بالدور المحوري الذي لعبته ومازالت في دعم نشوء محطات إذاعية محلية في عدة بلدان أفريقية، وفي بلدان تشهد نزاعات، كاليمن وسوريا، وهي تتجه حاليا إلى إطلاق إذاعة في كل من نيانمار وبنغلادش، ويُعتقد أنها ستركز على أخبار أقلية الروهينغا المُبعدين من بلدهم الأصلي. 

وعلى مدى السنوات الماضية، حققت تجربة المحطات المحلية المدعومة من إيروندالرابط خارجي نجاحا كبيرا جعلها تتبوأ المراتب الأولى في نسبة الإستماع، مُتقدمة بشكل واضح على الإذاعات العمومية، وخاصة في مالي والنيجر وأفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية.

وقبل أسابيع، أتاحت فعاليات “منتدى الصحافة الدوليةرابط خارجي” الذي عقد دورته الأخيرة أيام 15 و16 و17 نوفمبر 2018 في العاصمة التونسية الإطلاع على بعض تلك التجارب وإجراء حوارات مع المسؤولين عن ثلاث محطات إذاعية، بالاضافة لمدير التحرير في مؤسسة إيروندال ميشال بوريه Michel Beuret. وشرحت سوزان نزوبو Suzanne Nzobo رئيسة تحرير محطة “راديو أوكابيرابط خارجي” Radio Okapi في الكونغو الديمقراطية لـ swissinfo.ch كيف أن فريقها الصحفي يتوجه بالدرجة الأولى الى من يحتاجون إلى المعلومة من الأهالي وليس إلى السياسيين.

لا مكان للشراكات

تابعت مؤسسة إيروندال مشاريع محطات في ثمانية عشر بلدا عبر العالم، وبعض المشاريع اضمحلت بينما انبعثت مشاريع أخرى، والحصيلة اليوم بحسب مدير التحرير في مؤسسة إيروندال ميشال بوريه هي ثمانية مشاريع في سبعة بلدان من بينها ميانمار وبنغلادش. ولم تستطع إيروندال اتباع الأسلوب الذي توخته في البلدان الافريقية، إذ أن السكان الروهينغا اقتُلعوا من مجتمعاتهم وفروا من بلدهم فلا يمكن الإعتماد على إذاعات محلية لبناء شراكات. وتباشر إيروندال حاليا بث برامج ترفيهية وموسيقية للتخفيف من آلام المُهجَرين الروهينغا، معتبرة أنهم ليسوا بحاجة لمن يصف لهم المأساة التي هم غارقون في جحيمها يوميا بلا ماء ولا مرافق ولا كهرباء.

شرح وتفسير

ويتألف فريق المحطة من ستة أشخاص بينهم أربعة صحافيين موزعين بحسب المناطق اللغوية، لكنهم لا يغطون الأحداث السخنة على غرار الصحافة التقليدية، وإنما يشتغلون على الخلفيات من أجل الشرح والتفسير. 

وتعتمد المحطة على أربعين مراسلا، وهي تنتج برامج ثم ترسلها عبر خدمة واتساب أو ويترانسفير إلى المراسلين لكي يبثوها عبر المحطات الجهوية والمحلية النائية. ومن القضايا التي اهتمت بها المحطة الاعتداءات الجنسية وانتهاكات الحقوق الانسانية بجميع أصنافها. وتم تقديم مساعدة إلى المُعتدى عليهن من منظمات إنسانية وحقوقية محلية. 

وأوضحت سوزانا أن الاذاعات المحلية لا تقتصر على مراكز المدن وإنما توجد أيضا في مناطق نائية من الكونغو، ومن هنا فإن التعاون مع إيروندال كان بمثابة تأهيل وتدريب للصحفيين العاملين في تلك المحطات، الذين لم تُتح لهم فرصة دراسة الاعلام في المدارس والجامعات. 

وشددت سوزانا على أن المبادئ والقيم المهنية تظل هي نفسها إن كانت المحطة في مدينة أو في قرية نائية، وهي الحياد والعدل في توزيع الوقت والموضوعية والتوازن. وأضافت أن الاذاعة “تنتج أيضا حوارات مع الشباب والنساء حول قضايا الحريات وحقوق الانسان والانتخابات وغيرها في شكل فيديوات قصيرة ونضعها على صفحتنا في شبكة فيسبوك أو على منصتنا «daily motion» وكذلك على اليوتوب”.

وقالت بلهجة حماسية “في هذا البلد من يكسب الشباب والنساء إلى جانبه فقد ملك البلد كله”. ونحن نركز على تغطية نشاطات الشباب والنساء، مع التشجيع على إرسال البنات إلى المدارس ومحاربة تزويج القاصرات، ونشرح للجمهور الواسع أن تلك العادات ليست من الاسلام في شيء خلافا لما يحاول أن يُروج له البعض.

النجيري أبو بكر
أبو بكر من نيجيريا hirondelle

أما محطة “إذاعة النيجر”رابط خارجي  أو Studio Kalangou فتعتبر من أحدث المحطات التي ساعدت “إيروندال” على بعثها، إذ انطلق بثها في يناير 2016، وهي تحظى حاليا بأوسع شبكة تغطية للتراب النيجري، فهي تتجاوز إمكانات التغطية التي تملكها الاذاعة الرسمية، لأنها تبث عبر الأقمار الإصطناعية. وقال رئيس التحرير في المحطة أبو بكر ديالو لـ swissinfo.ch:  “إن الاذاعة عقدت شراكات مع نحو ثلاثين محطة محلية وتجارية، وهي تبث بلغات النيجر الخمس وتعتمد على ثلاثين مراسلا، كما تستخدم واتساب للوصول إلى جمهور أوسع”. 

وأضاف ديالو أن مصداقية المحطة تعززت لأنها تلتزم الحياد، ولا تبث تعاليق ولا تنشر افتتاحيات، وإنما تكتفي بنقل الأخبار إلى المستمعين وتترك لهم حرية الإستنتاج والتعليق.  

تحت الدرس

تعكف مؤسسة إيروندال على البحث في إطلاق مشروع أو مشاريع في ليبيا، لكن الدراسة طالت بسبب الوضع غير المستقر في هذا البلد، وبالتالي صعوبة تحديد نوع الشراكة الممكن إقامتها هناك. ولكي ينجح أي مشروع من هذا النوع لابد من تعاون المواطنين وتحصيل ثقتهم مثلما حدث في البلدان الافريقية الأخرى، لكن ليبيا الحالية مقسمة عمليا إلى ثلاث مناطق كبرى على الأقل، وهو ما فرض التريث على ما يبدو لتحديد من أين يكون البدء؟ وهل الناس مُرحبون في بنغازي مثلا؟ وهل التبو معنيون بمحطات إذاعية اليوم أم لا؟

مع ذلك ساعدت إيروندال في إقامة “إذاعة روزنةرابط خارجي” في سوريا. غير أن بوريه أوضح أنه من الصعب تركيز قاعة تحرير ثابتة في بلد تهزه الصراعات والحروب مثل سوريا، “لذا اضطررنا لإجلائها إلى باريس، مع استمرار الاعتماد على نحو ثلاثين مراسلا داخل الأراضي السورية” كما قال. 

كان عدد العاملين لدى إطلاق بث المحطة في 2013 أكثر من ستين فرد موزعين بين المناطق التي تسيطر عليها جماعات المعارضة المسلحة والمناطق التي تخضع للحكومة. واليوم بعد خمس سنوات خسرت المحطة نصف الصحفيين فبعضهم قُتل وبعضهم الآخر مفقود والبعض الثالث فضل الانسحاب خوفا من عقاب النظام. وتقول رئيسة التحرير لينا الشواف “إن الناس يتفادون الاستماع إلى برامجنا مخافة التعرض للقمع”.

نصف السكان

وعرفت محطة “نديكي لوكا” Ndeke Luka رابط خارجيفي أفريقيا الوسطى، المدعومة من إيروندال، نجاحا مماثلا منذ تأسيسها في سنة 2000، حتى غدت اليوم المحطة الأولى في البلد، إذ يستمع نصف السكان تقريبا إلى برامجها.  وعزا بريس نداغوي Brice Ndagoui رئيس التحرير المساعد في الإذاعة في تصريحه لـswissinfo.ch نجاحها اللافت إلى أنها تلعب دور الوسيط بين المواطنين والسلطات. وأوضح أن المحطة أصبحت تتبوأ حاليا الرتبة الأولى، وهي إذاعة ناطقة باللغتين الفرنسية والسانغو، ويستمع لبرامجها نصف سكان البلد. وأضاف أن بعض المستمعين يتصلون بالمحطة للسؤال عن أشخاص فقدوا الاتصال بهم، وبما أن صيتها واسع، يكتشفون بعضهم البعض بعد سنوات من التباعد.

يتألف طاقم محطة “نديكي لوكا” من عشرين صحافيا و24 مراسلا جهويا وثمانية مُنشطين يعملون بصفة دائمة، وتبث على مدار أربع وعشرين ساعة، وتكون البرامج مباشرة من الخامسة والنصف صباحا إلى التاسعة مساء، وبعد ذلك تُبث إعادات حتى الفجر. وأوضح رئيس التحرير أن مؤسسة إيروندال هي التي تتكفل بالبحث عن تمويلات للمحطة، وهي تحصل عليها في غالب الأحيان من الاتحاد الأوروبي أو الصندوق السويسري للتنمية وبعض المُمولين الآخرين.  

فراغ ورعب

مع ذلك تعرضت الاذاعة إلى الاعتداء على أيدي المتمردين خلال المحاولة الانقلابية التي جرت في 2013، ولوحظ أن صمتها أشاع في البلد شعورا بالفراغ والرعب. وبعد عودتها إلى البث شعر المتمردون أن عليهم التعاطي معها ومدها بأخبارهم ووجهة نظرهم لكي يطلع عليها الرأي العام. ووصف الاذاعة بكونها “تحولت إلى مؤسسة حقيقية في البلد”. 

وبحسب جهاز قياس الاستماع فإن إذاعة “نديني لوكا” هي الأكثر شعبية في أفريقيا الوسطى إذ يُقدر عدد المستمعين إليها بـ2.5 مليوني مستمع، مما يعني أن 64% من الشعب يتابع برامجها. إلا أن بريس نداغوي مازال متشائما، وعزا تشاؤمه إلى أن 60% من أراضي البلد توجد في قبضة جماعات مسلحة على ما قال. وأكد أن الاذاعة تدعو ممثلين من الجماعات الاثنية الصغيرة التي شردتها الصراعات إلى التعبير عن مواقفها، ووضعت لهم برامج تحض على الحوار وإعادة النظر في علاقاتهم مع المجموعات الأخرى باعتبارهم جميعا أبناء أفريقيا الوسطى.

رئيس التحرير من إفريقيا الوسطى
بريس نداغوي Brice Ndagoui رئيس التحرير محطة “نيدي لوكا” من إفريقيا الوسطى hirondelle

الخبر المستقل

وختمت swissinfo.ch الحوارات مع رؤساء التحرير الثلاثة بحوار مع مدير التحرير في مؤسسة إيروندال ميشال بوريه Michel Beuret قال فيه إن المؤسسة تعمل منذ 1995 في ثمانية بلدان من أجل تأمين الخبر المستقل غير الحزبي الذي يحظى بالصدقية، وتقديمه إلى المجتمع المحلي الذي يواجه عادة أزمات، من أجل تمكين المواطنين من اتخاذ القرارات الملائمة في حياتهم اليومية، ولعب دورهم باعتبارهم مواطنين، والمشاركة في حل الأزمات والمساهمة في إرساء مجتمع أكثر هدوءا. 

وأضاف بوريه أن إيروندال تمارس صحافة مفيدة ودقيقة ومسؤولة، وهي تعمل في ظروف تغلب عليها النزاعات الأهلية أو الأزمات الانسانية. وتحرص المؤسسة على إشراك السكان المحليين ومختلف الشرائح الاجتماعية والتيارات السياسية في النقاش العام وتُتيح تلك البرامج مساحات تمكن كل فرد من التعبير عن رأيه، وتوفر فرصة للبحث معا عن حلول للمشاكل يتفق عليها الجميع.

وأوضح أن الدافع إلى بعث هذه المؤسسة “كانت المجزرة التي حصلت في رواندا عام 1995، وكان هناك صحافي لاحظ أن خلف الحرب الأهلية محطةٌ إذاعيةٌ أوغرت صدر جزء من الشعب على الجزء الآخر. وبعد سنوات من تغذية الحقد والضغينة تفجر الصراع. هذا الصحافي أعرفه جيدا، وهو الآن مُتوفى، وقد تساءل طالما أن إذاعة استطاعت أن تصنع كل هذا الدمار فلم لا تستطيع إذاعة أخرى ملتزمة بالمبادئ المهنية أن تصنع العكس وتُبشر بالتآخي والسلم وتمنع اشتعال حروب وصراعات أهلية مدمرة؟”. 

من هنا بدأ تجميع وبث أخبار موثوق منها ومتوازنة وانطلق البث في شرق الكونغو في 1995، وأفضى ذلك إلى ما نسميه اليوم مؤسسة إيروندال التي قامت بتغطية جلسات المحكمة الجنائية الدولية عن طريق 20 ألف برقية، ثم جرى تأسيس محطة “راديو أوكابي” Radio Okapi في الكونغو أيضا، وأتت قوتها من كونها تتكلم باللغات المحلية. وأوضح أن التسويق أمر ضروري ولذلك فإن هذه الاذاعة ومثيلاتها أقامت شراكات مع الاذاعات الرسمية بلغ عددها في مالي على سبيل المثال سبعين شراكة مع إذاعات محلية، ويرتفع العدد في فترات الانتخابات إلى مئتين وثمانين شراكة، وهذا يعني أنه لم يبق متر واحد من تراب مالي لا يصله الارسال.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية