مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مدير يبحث عن .. فيلسوف!

يأمل المتابعون للدورة الفلسفية التي تنظمها جامعة لوتسيرن لمسيري الشركات والمؤسسات المختلفة من أن تساعدهم على مواجهة تعقيدات العالم الذي ينشطون فيه. swissinfo.ch

ما الذي يدفع عشرات رجال الأعمال وكبار مسؤولي الشركات للتزاحم على التسجيل في جامعة لوتسيرن هذه الأيام؟ ابحث عن هيغل ونيتشه وماكيافللي تجد الجواب!

منذ شهر أبريل الماضي، يتابع عشرون شخصا تزيد أعمارهم عن الأربعين عاما دروسا من نوع فريد في جامعة لوتسيرن وسط سويسرا.. يجمع بينهم الإنتماء إلى فصيلة المسيرين للمؤسسات الإقتصادية والقدوم من الأنحاء المتحدثة بالألمانية وسط وشمال وشرق سويسرا.

هذه الدورة التكوينية التي تستمر عاما كاملا تتركز على دراسة عدد من النصوص الفلسفية ومحاولة ربطها بسياقات عملية ترتبط بالممارسة اليومية لشؤون الإدارة والتسيير في المؤسسات والشركات الإقتصادية.

ويرى الخبير الإقتصادي رونيه سيغريست (الذي أطلق الفكرة رفقة الفيلسوف مارتين براسير) أن مبرر إقبال “الكوادر” الكبير على التسجيل في هذه الدورة التكوينية قد يعود، في عالم يتسارع إيقاعه بشدة ويتغير باستمرار، إلى ما تتيحه الفلسفة عموما من إمكانية للتفكير المعمّق حول عملهم اليومي بعد الإبتعاد مسافة عنه.

وبما أننا دخلنا المجال الفلسفي، يمكن القول أن متابعة دروس هذه الدورة التي تمزج بين النظريات والأفكار والتدريب على التفكير والتحليل والإستنباط توفر فرصة ثمينة لأشخاص لا يجدون في زحمة أعمالهم الوقت للتوقف والنظر إلى الأمور “نظرة جوية” استشرافية بل يغفلون في معظم الأحيان عن النظر في “المرآة العاكسة” ليتأكدوا من الطريق الذي تم قطعه!

هذه “النظرة الجوية” للأمور – حسب وصف بعض المشاركين – تسمح بالكشف عن الآليات والهياكل التي تؤسس لأي حدث أو التي تتحكم في أي وضعية معقدة. لذلك فان محصّلة دراسة ومناقشة نصوص فلسفية مختارة يمكن أن تساعد المسؤولين في شتى الدوائر والتخصصات على التصرف أو رد الفعل بشكل أفضل وربما على تحسين “جودة” عملية اتخاذ القرار.

فهم الآليات..

وهذا هو محور الدروس التي يتلقاها متابعو هذه الدورة الذين هم من رجال الأعمال أو من مديري الأعمال الذين يتميزون ب” حرية واسعة في اتخاذ القرار” على حد قول السيد سيغريست. لذلك فان الهدف ليس تلقينهم ما يجب القيام به بل مساعدتهم عبر الآليات التي توفرها المقولات الفلسفية من “دراسة ما الذي يمكن أن يحدث في صورة اتخاذ قرار ما” على حد قول الأستاذ المشرف على الدورة.

وتندرج هذه الدورة، التي تستمر عاما كاملا على امتداد مائتين وأربعين ساعة، في سياق ما يعرف بالتكوين المستمر ويتطرق برنامجها إلى أربعة محاور فلسفية كبرى وهي السلطة و”الفرد والمجموعة” والحقيقة و”الفضاء والزمن”، يمكن أن تترجم بالمفردات الإقتصادية المتداولة إلى “فن القيادة” و”الشخصية” و”التواصل” و”التنظيم”.

ومن بين الفلاسفة الذين ينكب الطلبة العشرون الذين يتابعون الدورة الأولى على دراسة ومناقشة نصوصهم المرتبطة بهذه المحاور نجد ماكيافيللي وديكارت ونيتشه وفرويد وسيمون دو بوفوار وميشال فوكو. وعلى الرغم من غياب نصوص عدد من مشاهير الفلاسفة مثل كارل ماركس في هذه الدورة الأولى إلا أن ” المهم ليس الفيلسوف بل الفكرة” مثلما صرح لسويس إنفو السيد سيغريست.

ويقول أحد المشاركين في الدورة الأولى، الذي يشغل منصب مدير للموارد البشرية في أحد المصارف المحلية، أن اهتمامه بالفلسفة يعود إلى نهاية مرحلة الدراسة الثانوية وأنه حرص على التسجيل في هذه الدورة الأولى من أجل “إدماج بعد ثالث رفيع المستوى” في عمله إلى جانب المعادلات الإقتصادية والنفسية.

ويعتقد هذا “الطالب” أنه سيتمكن في نهاية الدورة من الغوص في المسائل بشكل أفضل أثناء الحوارات التي يجريها مع المترشحين الجدد للعمل في مؤسسته ومن القيام بدور “المسير” للفريق الذي يعمل معه بصورة أحسن. كما يؤمل أن تساعده الرؤى الفلسفية المتنوعة على الربط بين آليات اتخاذ القرارات بما يحولها إلى سلسلة منطقية من الخطوات المترابطة مع بعضها البعض وبما يمكنه من مراعاة الحالات الخاصة أو الإستثنائية في خضم العمل اليومي.

الفلسفة .. للجميع

ويقدم المشاركون العشرون في الدورة الأولى (ثمانون في المائة منهم ذكور) من هذا التكوين المبتكر من جميع الآفاق المهنية. فمنهم العاملون في المجال الصناعي وقطاعات الخدمات بما في ذلك الهندسة المعمارية والمعلوماتية إضافة إلى أصحاب المهن الطبية والإدارية وحتى الكنسية!

ومن الملفت أن الغالبية الساحقة لهؤلاء الطلاب تقدم من الأنحاء الوسطى والشمالية لسويسرا وأن أعمارهم لا تقل عن الأربعين وأنهم يتحملون مسؤوليات في تخصصات متنوعة في مؤسسات يتراوح عدد العاملين فيها ما بين شخص واحد وآلاف الأشخاص.

وأكد السيد رينيه سيغريست في تصريحات لسويس إنفو أن إعداد هذه الدورة الدراسية التي تمزج بين الفلسفة وإدارة الأعمال قد استغرق ثلاثة أعوام وأنه لا يوجد نظير لها في جامعات البلدان المتحدثة باللغة الألمانية، باستثناء جامعة بايروث في ألمانيا المجاورة التي أدرجت منذ سنة دروسا تمزج بين الفلسفة والإقتصاد للطلبة المبتدئين. لكنه لم يستبعد في المقابل إقدام كليات الإقتصاد وإدارة الأعمال والتسيير في المستقبل على إدراج مادة الفلسفة في برامجها التكوينية الأساسية.

من جهة أخرى يُـرجع السيد سيغريست سبب الإقبال الكبير على التسجيل في هذا التخصص الجديد الذي تقترحه جامعة لوتسيرن إلى ندرة إمكانيات التكوين المستمر في سويسرا للذين تتجاوز أعمارهم الأربعين. وقال إنه من المحتمل أن تضاف إليها بعض المواد الأخرى كالأخلاقيات (التي تدرس منذ مدة في نفس الجامعة) لتتحول إلى تكوين متكامل يختتم بشهادة معترف بها من طرف السلطات الفدرالية.

كمال الضيف – سويس إنفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية