مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مرة أخرى: هل تشهد تونس انفراجا؟

عكس النخبة السياسية والحقوقية، يتركز اهتمام أغلب العائلات التونسية هذه الأيام بنتائج امتحانات آخر السنة في الثانويات والجامعات AFP

فجأة، وبدون مبررات واضحة، قرّر الرئيس بن علي وضع حدٍّ للحصار المالي، الذي عانت منه طويلا "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" المستقلة.

ولم يكتف برفع الحظر عن الدعم المالي، الذي تلقّـته الجمعية من الاتحاد الأوروبي، ولكن أضاف لذلك تقديم مِـنحة رئاسية للجمعية في حدود خمسين ألف دينار تونسي…

حصل ذلك دون تغيير من قِـبل الجمعية في مواقفها السياسية، وإن تفاعلت بشكل إيجابي مع القرار وسارعت بتوجيه رسالة شكر وتقدير. وقد نفت رئيسة الجمعية لسويس أنفو أن تكون هذه المنحة مشروطة أو أنها جاءت نتيجة مفاوضات سرية أو تعهّـد من قِـبل الهيئة المديرة بتقديم تنازلات، واكتفت بالإشارة إلى أن الجمعية سبق وأن وجّـهت رسالة إلى رئيس الدولة عن طريق السيد منصر الرويسي، المسؤول عن الهيئة العليا لحقوق الإنسان، شرحت فيها الصعوبات المالية التي كانت تواجهها.

هذا الإجراء أثار تساؤلات في أوساط المجتمع المدني وجعل البعض يذهبون بعيدا في صياغة بعض الفرضيات ضمن سياق عام، لا يزال يعتبره الكثيرون فاقدا للحيوية السياسية.

تشكل جمعية النساء الديمقراطيات جزءً حيويا من أوساط المجتمع المدني الرافض لهيمنة الحزب الحاكم على شبكة الجمعيات والفضاء العام، ولهذا، تصنّـف من زاوية السلطة، بأنها جمعية “معارضة”، رغم رفض الجمعية التنسيق مع الأحزاب السياسية، حتى القرارات التي اتّـخذت لصالح المرأة في عهد الرئيس بن علي، تعتبرها النسويات “جزئية ومحدودة “. فما الذي دفع بالسلطة إلى إنقاذ هذه الجمعية، التي كانت في حالة احتضار؟

“خطوة هامة لكنها غير كافية”

هناك ثلاث احتمالات تتداولتها الأوساط المعنية بتطورات الأوضاع المحلية، أولها، محاولة السلطة احتواء النداءات المتكررة من قبل منظمات دولية أو هيئات حكومية غربية.

فالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، باعتباره أهم داعم للجمعية وللرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، قد أصبح كثير الإلحاح على ضرورة رفع الحظر عن المساعدات المالية، التي قدمها لهذه المنظمات وِفق اتفاقية الشراكة الموقعة بين الاتحاد والحكومة التونسية، كما أن القرار الأخير جاء على إثر زيارة أدّاها وفد من الكونغرس الأمريكي برئاسة النائب الديمقراطي جون تانر، هذا الوفد الذي صرح بأنه معجب بالتجربة التونسية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، غير أنه اعتبر في الآن نفسه بأن تونس مؤهلة لتتمتع بمزيد من الحريات.

وقد لوحظ بأن الرئيس بن علي قد استقبل بمُـفرده أعضاء الوفد واستمع لملاحظاتهم، خاصة وأنهم جاءوا لتداول الرأي حول كيفية تقديم الدعم لمواجهة الحضور المتزايد لتنظيم القاعدة في منطقة المغرب العربي. فالأمريكيون، حسبما ورد على لسان مساعد وزيرة الخارجية ديفيد ولش في مداخلة له أمام لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس يوم 6 يونيو 2007، قلقون من تنامي مشاعر الكراهية لهم في دول المغرب العربي، وعلاقة ذلك بتفاقم خطر الجماعات المسلحة.

الاحتمال الثاني، افترضه البعض، عندما ربطوا بين قرار الدعم الرئاسي لجمعية النساء الديمقراطيات وبين الإعلان عن تأسيس جمعية ثقافية هي الأولى من نوعها في تونس للدفاع عن اللائكية.

هذه الجمعية، التي تتهيأ لتقديم طلب الاعتراف بها قانونيا، تشارك في عضويتها عديد النسويات البارزات، مثل رئيسة الجمعية السيدة خديجة الشريف، ويعكس ميلاد هذه الجمعية حالة الخوف المتزايد في هذه الأوساط من صعود الإسلاميين ومن موجة التديّـن المحافظ، التي اتسعت رُقعتها بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.

يفترض أصحاب هذا الاحتمال بأن النظام قد استشعر من جديد ضرورة دعم جبهة المعادين للإسلاميين، كما سبق وأن حدث في مطلع التسعينات، لكن في انتظار الاعتراف بهذه الجمعية، فإن كثيرا من المعطيات قد تغيّـرت عمّـا كانت عليه من قبل.

فالعديد من النسويات، وإن لم يُـغيِّـرن جوهريا من موقفِـهن المناهض للإسلام السياسي، غير أنهن أصبحن يعتقدن بأن مقاومة الإسلاميين يجب ألا تكون على حساب الحريات وحقوق الإنسان، وهو ما أكّـدته خديجة الشريف في تصريحها لسويس انفو بأنه “لا تغيير في سياسية الجمعية ومواقفها”، مؤكِّـدة بأن الجمعية متمسِّـكة بالربط بين دفاعها عن النساء وبين مسألة الحريات والديمقراطية، كما اعتبرت بأن القرار الذي اتخذ “خطوة هامّـة، لكنها غير كافية، إذا ما استمر مناخ الحريات على ما هو عليه”.

الاحتمال الثالث، هو أن تكون السلطة قد بدأت تفكِّـر في تغيير تعاملها مع الحالة السياسية العامة في البلاد، هذه الفرضية، التي يحاول الكثيرون تصديقها في تونس ويبحثون لها عن دلائل، مهما كانت بسيطة وهامشية. فالجمود السياسي بلغ درجة مثيرة للحيرة، حتى داخل أوساط الحزب الحاكم.

بين يأس وأمـــل

وبدون التقليل من أهمية إسعاف جمعية النساء الديمقراطيات، فإن هناك إجماع حول الاعتقاد بأنه لا يمكن الحديث عن بداية انفراج حقيقي في الساحة السياسية التونسية، إلا من خلال تسوية ملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وإطلاق سراح من تبقّـى من مُـعتقلي حركة النهضة.

فيما يتعلق بملف الرابطة، لم يسجل أي معطى جديد. فمنع وصول أعضاء الرابطة إلى المقر الجهوي للاتحاد العام التونسي للشغل بمدينة القيروان، حيث التَـأم اجتماع تضامُـني للتنديد بالحصار المضروب على هذه المنظمة الحقوقية، كشف عن إصرار السلطة على مواصلة عزل الرابطة وتفتيت أواصِـرها وإضعاف هياكلها، لكن في مقابل ذلك، تتجه نية الهيئة المديرة للرابطة نحو إطلاق حِـوار صريح داخلي، يشمل جميع الأعضاء ويتناول مختلف القضايا الخلافية.

أما بالنسبة لحركة النهضة، فقد عقدت مؤتمرها الثامن في ظروف صعبة وفي أجواء كشفَـت أكثر من أي وقت مضى عن اتساع الخلافات الداخلية حول عدد من القضايا الأساسية بسبب حالة العجز عن تخفيف حالة القمع والتهميش، رغم مرور 17 عاما من تاريخ المواجهة مع نظام الرئيس بن علي.

وبالرغم من أن البيان الخِـتامي نزع نحو الأسلوب الوِفاقي ليُـرضي جميع الفرقاء، إلا أن قراءة ما بين السطور، تؤكِّـد أن الحركة تقف عند مفترق طرق، إذ عبر الشيخ راشد الغنوشي عن نيته في اقتفاء أثر السيد أحمد نجيب الشابي، الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي، وذلك بعدم تجديد ترشحه لرئاسة الحركة، غير أن أغلبية بسيطة تمسّـكت به وأعادته إلى القيادة، ولعل في ذلك رسالة غير مباشرة للسلطة، التي كانت ولا تزال تدفع في اتجاه التضحية بالغنوشي بدون مقابل واضح أو مؤكد.

ورغم أن الحركة حمّـلت السلطة مسؤولية الانسداد السياسي وبرأت نفسها من التّـهم الموجهة لها بأنها شريك في دفع البلاد نحو المأزق الراهن، إلا أنها عبّـرت في بيانها الختامي عن استعدادها للتصالح مع النظام وطيّ صفحة الماضي، إذا ما ضمنت إطلاق سراح مساجينها ولم يقع إسقاط حقها في العمل السياسي.

من جهتها، تجنبت السلطة كعادتها، التعليق على بيان الحركة متجاهلة اليد الممدودة نحوها، حيث تُـفيد كل المؤشرات بأن إعادة ترتيب أوضاع الساحة الإسلامية المحلية لا تزال غير مطروحة على أجندة الرئاسة، وإن كان ملف مساجين حركة النهضة قد يكون من بين الإجراءات التي سيُـعلن عنها بمناسبة مرور 20 عاما على حكم الرئيس بن علي.

هكذا تستمر النّـخبة السياسية التونسية، موزّعة بين اليأس من وضع يتحرك ببطء شديد، وكأن البلاد مقطوعة عما يجري في بقية أجزاء منطقة المغرب العربي من حراك وتحديات خطيرة، وبين أمل في أن تُـقيِّـم السلطة مسارها بعد عشرين عاما من التحكّـم الكامل وبسهولة عجيبة، في جميع مفاصل المجتمع والدولة، وتعطي المجال لولادة مشهد سياسي جديد.

صلاح الدين الجورشي – تونس

يُـسيطر التجمع الدستوري الديمقراطي (الذي تأسس على يد الحبيب بورقيبة عام 1934، ويحكم تونس منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1956) على جميع دواليب السلطة، كما يهيمن على مجلسي النواب والمستشارين والمجالس البلدية.

يبلغ عدد الأحزاب السياسية المعترف بها في تونس، 9، وهي بالإضافة إلى الحزب الحاكم، حزب التجديد (الشيوعي سابقا) وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية والاتحاد الديمقراطي الوحدوي والحزب الاجتماعي التحرري (وهي ممثلة جميعا في البرلمان) والحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وحزب الخُـضر من أجل التقدم.

من أهم الأحزاب السياسية المحظورة في تونس، حركة النهضة وحزب العمال الشيوعي التونسي والمؤتمر من أجل الجمهورية فيما لا زالت جمعيات ومنظمات غير حكومية ناشطة مثل المجلس الوطني للحريات بتونس والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين وجميعة أتاك غير مرخص لها قانونيا.

تنفي السلطات وجود سجناء سياسيين لديها، لكن المنظمات الحقوقية التونسية والدولية تؤكد أن عشرات الأشخاص، معظمهم من أعضاء حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية المعتدلة، لا زالوا يقبعون في السجون التونسية، وقد اعتُـقل بعضهم منذ عام 1990.

تقول أوساط الحقوقية داخل تونس إنه قد تم في الأشهر الأخيرة اعتقال المئات من الشبان الذين يشتبه في تعاطفهم مع التيارات السلفية أو الجهادية في أعقاب المواجهات المسلحة التي جدت في ضواحي العاصمة في الأسبوع الأخير من 2006 والأيام الأولى من عام 2007.

تتعرض المنظمات غير الحكومية والجمعيات والهيئات المستقلة المرخص لها (مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات)أو المحظورة (مثل المجلس الوطني للحريات بتونس وهيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات ونقابة الصحفيين التونسيين والجمعية التونسية لمناهضة التعذيب ومركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة واتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل والمرصد الوطني لحرية الصحافة والإبداع والنشر وغيرها) للعديد من التضييقات إلا أن السلطات تغض الطرف في بعض الأحيان عن عدد من أنشطتها واجتماعاتها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية