مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مساعي إنعاش الإتحاد من أجل المتوسط تصطدم بحاجز التطبيع مع إسرائيل

Keystone

لم تتوصّـل البلدان الأوروبية والعربية إلى اتفاق على اجتماع لوزراء خارجيتها أو حتى لموظفين سامين، لإعطاء دفعة لمشروع "الإتحاد من أجل المتوسط"، على رغم التحركات الدبلوماسية المكثفة التي تقوم بها كل من فرنسا، بصفتها الرئيسة الحالية للإتحاد بالإشتراك مع مصر، وإسبانيا التي ترغب في استضافة الإجتماع الوزاري المقبل، بعدما اختيرت برشلونة مقرا دائما للأمانة العامة للإتحاد.

وكان الاجتماع المقرر للسابع من مارس الماضي مُخصَّـصا للبحث في وسائل إنعاش الإتحاد، إلا أنه تأجّـل إلى آخر الشهر نفسه، ولمّـا تعذر عقده في الموعد الثاني، بقي الوضع عالقا حتى اليوم.

إلا أن وزير الخارجية الإسباني ميغال أنخيل موراتينوس أعدّ خطة لتنشيط الإتحاد، تعتمد على تكريس بعض التنازلات للعرب (التي سبق أن طُرحت في الإجتماع الوزاري في مرسيليا)، مقابل تسليمهم لإسبانيا (والإتحاد الأوروبي عموما)، بقيادة العملية.

وموراتينوس، الذي يـعرف الذهنية العربية من الداخل بعد الفترة التي قضاها في الأراضي الفلسطينية وعواصم المنطقة العربية، بوصفه الموفد الأوروبي الدائم السابق إلى الشرق الأوسط، يُدرك مِـحورية القضية الفلسطينية لدى العرب ويعرف أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة هي التي كسرت جناح “الإتحاد من أجل المتوسط” قبل أن يطير.

وعلى هذا الأساس، اقترح أن يتولى وزير الخارجية الفلسطيني الحالي رياض المالكي (وهو عضو في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين)، الأمانة العامة للإتحاد، بعدما ضمن الإسبان المقرّ الدائم في برشلونة، وهذا يعني أنه قطع الطريق على الأردن الذي كان يبدو الأوفر حظوظا لتولِّـي الأمانة العامة.

توقيت غير مناسب

ومن أجل تمهيد الأجواء لهذا الخيار، قام موراتينوس باتصالات وجولات إلى بعض العواصم المؤثرة في هذا الملف، في الضفتين الشمالية والجنوبية، إلا أن الجانب العربي أبلغه أن الوقت ما زال غير مناسب لإنعاش الإتحاد ما دام الوضع في المنطقة غامضا، لأن العلاقات بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية الجديدتيْـن لم تتبلور بعدُ.

وأبدى مهندس مسار “الإتحاد من أجل المتوسط” هنري غوينو Henri Guaino في مناقشة مع أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي أخيرا، مخاوف عميقة من “وقوع هذا المسار في المطبِّ الذي وقع فيه مسار برشلونة”، وهو يقصِـد أن المشاريع الإقليمية كانت تُعتَـبر مدخلا لتحقيق السلام والإستقرار في المنطقة في إطار مسار برشلونة، بينما العكس هو الذي تمّ اعتماده في الإتحاد من أجل المتوسط.

وأشار غوينو، وهو مستشار ساركوزي، الذي يتولى رئاسة الطاقم المكلف بالملف المتوسطي، إلى أن “المال كان موجودا على الطاولة في مسار برشلونة ومع ذلك، لم نتقدّم”، ويعتقد أن المراهنة مُـمكنة الآن على التقدّم في تحقيق بعض المشاريع المحددة، تمهيدا للوصول إلى توافُـق سياسي لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي.

غير أن هذه الرُّؤية تبدو غير واقعية في الوقت الحاضر على الأقل، نظرا لأن السياسة الإسرائيلية المعتمدة على القوّة، ستستمر في إلقاء ظلالها على الوضع العام، وثانيا لأنه لا أحد من الأوروبيين مقتنع ببذل المال لتمويل المشاريع المتوسطية. واعترف غوينو نفسه أمام لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الفرنسي أخيرا، أن المشاريع الأولى التي تمّ ضبطها في إطار الإتحاد من أجل المتوسط، تحتاج لاستثمارات بقيمة 80 مليون يورو. وطبعا، فإن أوروبا غير مستعدّة لتأمين هذا المبلغ، وخاصة في ظل الركود الحالي، وهو ما يُعمق الشك العربي في نجاح هذا المسار الجديد.

ويعتقد كمال سليم، الصحفي الجزائري الخبير في الشؤون الأوروبية أن الإتحاد من أجل المتوسط “أخفق في الوصول إلى هدفه الحقيقي وغير المُـعلن، وهو تحقيق تطبيع زاحف بين العرب وإسرائيل، فتلك هي الغاية النهائية، بعيدا عن كل تصريحات رنَّـانة عن التضامن بين شعوب الضفتين”.

واعتبر سليم في تصريح لـ swissinfo.ch ، أن الإتحاد بات اليوم رمزا خاويا أكثر منه واقعا مؤسسيا. ويستند هذا التحليل على أن “المِـحور الاقتصادي للإتحاد مُعطّـل، ممّـا جعل الحصيلة الوحيدة سياسية، لكن هذه الحصيلة ظلّـت هزيلة بدورها، لأن الخلاف الجوهري بين العرب وأوروبا يتعلّـق بحل المشكلة الفلسطينية، وهدف “الإتحاد من أجل المتوسط”، هو إقناع العرب بقبول الإعتراف بإسرائيل من دون مقابل، حتى وإن كان المقابل الذي يطرحه العرب هو عرض السلام الذي صاغُـوه في قمّـة بيروت، والذي يُمثل الدرجة الدُّنيا من الحدّ الأدنى”، كما قال سليم.

وفي المقابل، قام الفرنسيون أخيرا بمبادرة تمثّـلت في إطلاق المجلس الثقافي للإتحاد من أجل المتوسط يوم 14 مايو الماضي، بإشراف رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا فيون. ويرمي هذا الهيكل الجديد، الذي يستمر خمس سنوات، إلى تشجيع جميع المبادرات الآتية من القطاعين، العام والخاص، والهادفة لتعزيز التعاون الثقافي بين ضفَّـتي المتوسط.

خلافات أوروبية

ليست العقبتان، السياسية والإقتصادية، المُعرقل الوحيد للمشروع، فهناك جانب ثالث لا يُفصح عنه الأوروبيون، إلا أنه يُعطِّـل تقدّم المسار، وهو متعلق بالخلافات المؤسسية داخل الإتحاد الأوروبي نفسه.

ومنذ الإنطلاق، اعترضت ألمانيا ومعها عدد من بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، على انفراد ساركوزي بالمشروع وفرضوا عليه تعديل صورة الإتحاد وهيكلته كي يكون مشروعا أوروبيا جماعيا، وليس خاصا بالبلدان الأعضاء المطلِّـين على المتوسط فقط.

ورغم أن الجميع سلّم لفرنسا في القمّـة التأسيسية في باريس بتولي رئاسة الإتحاد من الجانب الأوروبي، إلا أن هذه الرئاسة لم تكن مفتوحة، وطالب أعضاء في الإتحاد بنقلها إلى تشيكيا، عندما تولت رئاسة الإتحاد في النصف الأول من العام الجاري، لكن “براغ” فضّـلت التنازل عنها، لأنها قليلة الخِـبرة بالشؤون المتوسطية.

أما السويديون الذين سيتسلمون رئاسة الإتحاد مطلع الشهر المقبل، فأبلغوا أعضاء الإتحاد رغبتهم في تسلّـم رئاسة الإتحاد من أجل المتوسط. وطبعا فإن التداول غير مطروح في الجانب العربي، مما يُؤهل الرئيس المصري حسني مبارك للبقاء في مقعد الرئاسة إلى أن تنعقد القمة المقبلة (التي قد لا تلتئم بتاتا).

أما الأمانة العامة، فتثير بدورها خلافات بين الأوروبيين، من الصّـعب السيطرة عليها. وإذا كان أمر اختيار الأمين العام من الضفة الجنوبية محسوما، فإن المقاعد المخصّـصة للأمناء العامين المساعدين تُسبِّـب تباعدا، لأن بلدين على الأقل يطالبان بمقعد لكل منهما، وهما مالطا التي تستضيف المقر الدائم للجمعية البرلمانية الأورومتوسطية واليونان، بالإضافة للتَّـباين في الموقف من تركيا، التي تطالب بإعطائها منصب أمين عام مساعد، وهذا ليس محل إجماع، لأن بلدان أوروبا الشمالية وألمانيا تُحذِّر من خطر تضخّـم البيروقراطية المتوسطية.

وأفاد عضو الجمعية البرلمانية الأورومتوسطية ونائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية والدفاع في مجلس الشيوخ الفرنسي روبير ديل بيكيا Robert del Picchia سويس أنفو swissinfo.ch، أن الإتحاد الأوروبي اتّـفق على أن لا تتجاوز موازنة الأمانة العامة 80 مليون يورو، وتعهّـد بتأمين نصفها على أن يدفع العرب النصف الآخر، وكشف أن بلدانا أوروبية عدّة لم يُسمِّـها، حذرت من كونها لن توافق على الموازنة، إن كانت مرتفعة.

مع ذلك، يُبدي بعض الفرنسيين تفاؤلا باحتمال إنعاش الإتحاد، ومن بينهم روبير ديل بيكيا، الذي يعتقد أن الإتحاد “نصف مُجمّـد الآن، لكن يمكن تنشيطه من خلال المشاريع”، مُشيرا إلى أن خبراء ودبلوماسيين من البلدان الأعضاء “ما زالوا يلتقون ويعملون من دون الحصول على ضوء أخضر رسمي من المؤسسات”.

كما قلل سفير الإتحاد الأوروبي لدى تونس وليبيا أدريانوس كوتنسرويجتر من حجم العراقيل التي تُعيق انطلاق الإتحاد من أجل المتوسط، معتبرا في تصريح لـ swissinfo.ch، أن حجم تأثير الحرب على غزّة، كان كبيرا، إلا أنه “يحفِّـزنا على أن نعمل أكثر ويفرض على السياسيين في الضفَّـتين إيجاد معابِـر ومنافذ تُحقّـق التجاوز المأمول”، وشدد على أن المنهجية المتمثلة في البحث عن مشاريع مشتركة (بين الضفتين)، باتت ضرورة مؤكّـدة لكامل المنطقة المتوسطية.

غير أن العرب غير متفائلين بمستقبل إنعاش المسار الذي تقِـف دونه عقبات من أنواع مختلفة، لعل أكثرها تعقيدا الصِّـراع العربي الإسرائيلي، الذي لم يتسنّ تحقيق تقدّم نحو تسويته حتى الآن، لا في إطار المبادرات الأمريكية ولا في سياق المشاريع الأوروبية.

تونس – رشيد خشانة – swissinfo.ch

دمشق (رويترز) – ذكر تقرير دولي يوم 2 يونيو 2009 أن التغير المناخي قد يشعل “حروبا بيئية” في الشرق الاوسط بشأن موارد المياه الشحيحة أصلا ويثني اسرائيل عن أي انسحاب من الاراضي العربية المحتلة.

وركزت محادثات السلام الفاشلة بين سوريا واسرائيل على مدى عشر سنوات تقريبا على المياه في مرتفعات الجولان المحتلة والمناطق المحيطة بها. كما ان موارد المياه من نقاط الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين الساعين لاقامة دولة لهم. وفيما يتعلق بالنزاع السوري الاسرائيلي قال التقرير ان بواعث القلق الاسرائيلية بشأن “الامن الغذائي وانخفاض الانتاجية الزراعية قد يغير الحسابات الاستراتيجية بشأن امكان الانسحاب” من مرتفعات الجولان التي احتلتها في حرب عام 1967.

وأضافت الدراسة التي مولتها الدنمرك واجراها المعهد الدولي للتنمية المستدامة وهو منظمة مستقلة مقرها كندا “توقع حروب بيئية مقبلة قد يعني ضمنيا ان طريقة التعامل مع تضاؤل الموارد هي زيادة السيطرة العسكرية عليها”. وتمد الجولان بحرية طبرية خزان المياه الرئيسي لاسرائيل بثلاثين في المئة من مياهها.

وفيما يتعلق بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني أوضح التقرير ان ارتفاع مستوى سطح البحر نتيجة التغير المناخي يهدد بتلويث الخزان الجوفي الوحيد في غزة والذي يمد 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في القطاع بالمياه. والخزان الجوفي الساحلي الذي تشترك فيه اسرائيل هو المورد الوحيد لمياه الشرب العذبة لقطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس). وقال التقرير ان جودة مياهه رديئة للغاية.

وفي الضفة الغربية المحتلة التي يحكمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس تسحب اسرائيل المزيد من المياه من معظم الخزانات الجوفية التي تشترك فيها مع الضفة وتقيد استخدام الفلسطينيين للمياه. وقال التقرير ان تغير المناخ سيقلص موارد المياه في انحاء الشرق الاوسط. واضاف “في منطقة تعتبر بالفعل الاكثر شحا في المياه في العالم تتوقع الانماط المناخية جوا اكثر سخونة وجفافا واقل نمطية في تغيراته.”

وذكرت الدراسة التي ركزت على بلاد الشام وهي المنطقة القديمة التي تضم حاليا سوريا والاردن واسرائيل ولبنان والاراضي الفلسطينية “سيؤدي ارتفاع الحرارة ونقص الامطار الى انخفاض جريان الانهار والجداول وابطاء معدل اعادة امتلاء خزانات المياه الجوفية ورفع منسوب مياه البحر باطراد وجعل المنطقة كلها اكثر جدبا”.

وصدر التقرير هذا الاسبوع في المعهد الدنمركي في دمشق القديمة في اطار الانشطة التي تسبق مؤتمرا كبيرا للامم المتحدة في كوبنهاجن في ديسمبر كانون الاول سيناقش معاهدة جديدة للتصدي لمشكلة التغير المناخي.

وتوقعت الدراسة احتمال ان يؤثر نقص المياه والازمات الناجمة عن تغير المناخ على اقتصاديات بلاد الشام بحلول عام 2050. ويتوقع ان ينمو عدد سكان بلاد الشام خلال 40 عاما الى 71 مليون نسمة من 42 مليونا العام الماضي. ويتوقع ان تزيد الحرارة في المنطقة نفسها بما بين 2.5 و3.7 درجة مئوية في الصيف وما بين درجتين و1 ر3 درجة في الشتاء مما يغير المناطق المناخية ويعرقل الزراعة.

وتعاني المنطقة بالفعل من نوبات الجفاف ومشاكل اللاجئين والتوتر الاجتماعي والبطالة التي تصل الى 27 في المئة وعقود من الصراع بين العرب واسرائيل. وقال التقرير “هذا التراث يعقد بدرجة كبيرة جهود التعاون بخصوص الموارد المشتركة والاستثمار في زيادة كفاءة استخدام المياه والطاقة والاشتراك في طرق جديدة للتكيف مع التغير المناخي والسعي بصدق من أجل عمل متعدد الاطراف.”

وحتى الدول التي تعيش في سلام مثل تركيا وسوريا والعراق تفتقر الى الثقة المتبادلة فيما يتعلق بهذه القضية وهو ما يسفر عن “نهج لا يرى امكانية الكسب الا على حساب الطرف الاخر فيما يخص الموارد ويحد من البيانات المتاحة عن الموارد الطبيعية ويضفي عليها صبغة سياسية ويقلص الحوافز التي تدفع للاستثمار في نظم أكثر فاعلية للزراعة والطاقة والماء ويشجع على حلول وطنية باهظة التكاليف”. والساحل اللبناني الذي يمثل 60 في المئة من النشاط الاقتصادي في لبنان هو عرضة على وجه الخصوص للارتفاع المتوقع في مستوى سطح البحر.

وقال التقرير: “سيؤثر ارتفاع مستوى سطح البحر على البنية الاساسية ويزيد النحر الساحلي وتسلل المياه المالحة الى خزانات المياه الجوفية الساحلية. قد يكون الشريط الساحلي اللبناني الضيق المطل على البحر المتوسط عرضة للغرق والتاكل مع ارتفاع مستوى سطح البحر”. وذكرت الدراسة ان السياحة عرضة ايضا للخسارة بسبب الضرر الذي سيلحق بالشعاب المرجانية في البحر الاحمر وقصر موسم التزلج في لبنان.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 يونيو 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية