مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مؤتمر “جنيف 2” بانتظار جنيف..5!

معاذ الخطيب يترأس اجتماعا عقدته الهيئة العامة للإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في إسطنبول (تركيا) يوم 23 ماي 2013 استعدادا لتوسيع العضوية والإعداد لمؤتمر جنيف 2. Keystone

في حفل عشاء خاص في بيروت، جرى قبل أيام الحوار التالي بين دبلوماسي غربي رفيع (طلب عدم ذكر اسمه) وبين بعض الصحفيين اللبنانيين...

– ما فُـرص نجاح مؤتمر جنيف – 2؟

الدبلوماسي: ضئيلة في الواقع، كما اعترف الوزير جون كيري نفسه. لكن مجرّد انعقاد المؤتمر، مهِـم في حدّ ذاته.

– لماذا؟

الدبلوماسي: لأنه يدُل على أن المجتمع الدولي لن يترُك سوريا لمصيرها وأن الحرب السورية المُستمرة منذ عامين، لن تكون “حرباً منسِية” لا يهتَم بها أحد. ثمّة التزامات دولية مهمّة ستخرُج من هذا المؤتمر، من شأنها على الأقل أن توفّر “الأرضية المناسبة” لأي حلّ سياسي في تلك الدولة.

– لكن هذه الأرضية لن تكون كافية لوقف نزيف الدم الهائل في سوريا، لا بل هي قد تُفاقِمه، لأن الأطراف المُتصارعة، ستتسابق على الحلول العسكرية وعلى محاولة تغيير الوقائع على الأرض، كي تفرض في النهاية شروطها في المفاوضات.

الدبلوماسي: هذا صحيح. لكن في الظروف الراهنة، حيث تركيز الولايات المتحدة مُـنصبّ على ما أسماه الرئيس أوباما “بناء الدولة في أمريكا”، أي الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، وعلى استراتيجية الاستدارة شرقاً نحو آسيا، هذا أقصى ما يمكن أن يقوم به المجتمع المدني في هذه المرحلة.

بروكسل (رويترز) – انهارت يوم الإثنين 27 مايو 2013 محاولات الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق على تزويد المعارضة السورية بالسلاح الأمر الذي جعل بريطانيا وفرنسا في حل للقيام بخطوة منفردة لتسليح مقاتلي المعارضة ابتداء من أغسطس إذا قررتا ذلك.

وحققت بريطانيا وفرنسا ما كانتا تريدانه من جلسة تفاوض مطولة في بروكسل يوم الإثنين 27 مايو ولكن ذلك كان على حساب وحدة الاتحاد الأوروبي. ورفض لندن وباريس الموافقة على حظر السلاح كان يمكن أن تتسبب في انهيار كل العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على سوريا الأمر الذي يسبب إحراجا للاتحاد ويمنح نصرا للرئيس السوري بشار الأسد.

لكن وزراء الاتحاد تمكنوا من تفادي هذا بالاتفاق على إبقاء كل العقوبات ماعدا حظر السلاح على المعارضة. وعقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا التي ستبقى تشتمل على تجميد الأموال وحظر السفر على الأسد وكبار مسؤولي حكومته وكذلك قيود على التجارة ومشروعات البنية التحتية وقطاع النقل.

 وتجادل لندن وباريس منذ شهور بأنه يجب على أوروبا ان تبعث بإشارة مساندة قوية للمعارضين الذين يقاتلون الأسد بالموافقة على إرسال شحنات أسلحة من الاتحاد الأوروبي مع أنهما يقولان إنهما لم تقررا بعد ان ترسلا فعلا اسلحة إلى مقاتلي المعارضة.

 وواجهت لندن وباريس معارضة قوية من الحكومات الأخرى في الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها النمسا والسويد التي جادلت بأن ارسال مزيد من الأسلحة الى المنطقة سيزيد حدة العنف وينشر عدم الاستقرار.

 وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ إن اجتماع الاتحاد الأوروبي أنهى فعليا الحظر على امداد المعارضة السورية بالسلاح. وقال هيغ للصحفيين “ليس لدينا خطط فورية لارسال أسلحة إلى سوريا لكنه يمنحنا مرونة للاستجابة في المستقبل إذا استمر تدهور الوضع”.

 وقال بيان للاتحاد الأوروبي إن بريطانيا وفرنسا تعهدتا بعدم تقديم أسلحة إلى المعارضة السورية “في هذه المرحلة”. ولكن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي قالوا ان هذا التعهد ينقضي فعليا في أول أغسطس القادم.

 وتسعى بريطانيا وفرنسا الى زيادة نفوذ المعارضة في مباحثات السلام المزمعة التي ترعاها روسيا والولايات المتحدة والمتوقع عقدها الشهر القادم في جنيف وذلك بإثارة احتمال أن تقدما أسلحة إلى مقاتلي المعارضة إذا لم تحقق العملية السياسية أي انفراجة.

 (المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 مايو 2013)

جنيف 2.. في طريق مسدود

ماذا يعني هذا الحوار؟ أمراً واحدا يتلخص في أن مؤتمر جنيف – 2 الذي سيُعقد في وقت ما من شهر يونيو المقبل، سيكون نسخة طِبْق الأصل عن جنيف – 1 الذي عُقد هو الآخر في يونيو عام 2012 من حيث المضمون، كما النتائج.

فكما أن جنيف – 1 اكتفى بحديث عمومي عن سُلطة انتقالية في سوريا، من دون أن تتفق الدول الغربية وروسيا على مصير الرئيس الأسد ولا على مستقبل الأجهزة الأمنية والإستخباراتية القوية، لا يُتوقع أن يخرج جنيف – 2 بمحصّلات مُغايرة.

فالأسد لا يزال يكرّر، ليس فقط أنه يرفض التنحّي، بل يُصِرّ أيضاَ على الترشُّح في عام 2014، ونظامه أبلغ موسكو رسمياً أنه يرفُض أن تكون للحكومة الإنتقالية المُفترَضة أي سُلطة من أي نوع كان على أجهزة المخابرات الــخمسة عشر (15) وعلى المؤسسة العسكرية. وكلا هذين الشّرطيْن يضعان مؤتمر جنيف – 2 في طريق مسدود سلفاً.

لكن، وطالما أن واشنطن وبروكسل تَـعِيان تماما العقبات الكبرى التي تعترِض هذا المؤتمر الدولي، لماذا تندفِعان على هذا النّحو الحماسي إلى عقده؟ لسبب واضح: تبرير عدم تطبيق مبدأ التدخّل الإنساني الشهير، الذي تحوّل إلى جذر كل السياسات الدولية بعد سقوط الإتحاد السوفييتي وكل حروب التدخّل في البلقان وإندونيسيا وإفريقيا وليبيا، من خلال الإدِّعاء بأن العمل يجري على قَـدَم وساق، لإيجاد حلول دبلوماسية وسياسية.

وهكذا، يتمكّـن الرئيس الأمريكي من الإفلات من الضغوط الداخلية والخارجية عليه، والتي تفاقمت بعد أن تجاوَز النظام السوري الخطّ الأحمر، الذي حدّده أوباما حول استخدام الأسلحة الكيميائية. كما يتمكّـن الرئيس الروسي  بوتين من مواصلة الإفادة من الحرب السورية، عبْر لعب دوْر بارز على الساحة الدولية، بصفته طرفاً رئيسياً مقرِّراً في مسيرة الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط.

إنها لعبة ماكيافيلية بامتياز، يتخفّى فيها نفض اليد الخفِي من المأساة السورية في ثنايا الضجيج الدبلوماسي الهادر، ويتم خلالها عملياً تأجيل الحلول (التي باتت عالمية بعد أن تدوّلت الأزمة السورية بالكامل) عبْر الإدِّعاء اللّفظي والإعلامي، بأن القوى الدولية “المتفاوضة”، تعجّل بهذه الحلول.

في انتظار الإنهاك الكامل..

كل ذلك سيترك سوريا أمام خيار يتيم: استمرار الحرب إلى أمَد غيْر منظور، على أن يتخلَّلها بين الفينة والأخرى مؤتمر دولي (على نسق جنيف) من هنا، ومبادرات دبلوماسية من هناك (كما تفعل الأمم المتحدة). وهذا سيكون تِكراراً طِبْق الأصل تقريباً للحرب الأهلية اللّبنانية، التي دامت 15 عاماً في الفترة الممتدة ما بين عامي 1975 و1989.

فضلاً عن ذلك، ستكتسِب هذه الحرب مع الوقت، روحاً وكيْنونة خاصتيْن بها على كل الأصعدة. وهكذا سيُولد اقتصاد الحرب الذي ستعتاش منه وعليه كل أنواع الميليشيات لدى النظام والمعارضة على حدّ سواء، فتصبح الحرب هدفاً في حد ذاتها وليس مجرد وسيلة.

وتبعا لذلك ستتسابق القوى الإقليمية على إقتطاع مناطِق نفوذ جغرافية وديموغرافية لها في سوريا، وستجِد الدول الكبرى مصلَحة جلّى لها في تحويل سوريا إلى مغناطيس، يستقطِب كل العناصر الأصولية المتطرّفة في العالم ودفعها إلى معارك لا نهاية لها في ما بينها، كما يحدُث الآن على سبيل المثال بين حزب الله اللّبناني وجبهة النّصرة في بلدة القُصيْر السورية الإستراتيجية.

والحصيلة؟ إنها واضحة. انتظار تحقّق الدّمار الشامل للوطن السوري، قبل أن تتقدّم الدول الكبرى لفرض الحلول، وهذا على أي حال، ما أوضحه ضمنا الدبلوماسي الغربي البارز، حين شدّد على أن دور المجتمع الدولي الآن، يقتصر على توفير “أرضِية الحلّ”، كما حدث في جنيف – 1 وسيحدث بعد قليل في جنيف – 2 . أما الحل نفسه، فيجب أن ينتظر وصول الأطراف السورية المُتقاتِلة إلى مرحلة الإنهاك الكامل، وهذا يمكن أن يحدث.. بعد جنيف – 5!

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية