مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أزماتٌ مستمرة على طريق المصالحة الداخلية ومع الإحتلال

فلسطينيون مدعومين بإسرائيليين ونشطاء سلام دوليين ينصبون يوم 11 يناير 2013 خياما على مساحة من الأراضي المهددة بالإفتكاك لإنشاء مستوطنات يهودية غير بعيد عن مدينة القدس. Keystone

ليس للمشهَـد الفلسطيني مثيل، إذ لا تنفَـكّ الأزمات تتري والأمور تسير إلى مجهول آخر في محيط عربي إسلامي، موغل في التوتر وعدم الإستقرار. وبالرغم من إشارات هنا وهناك حول تقدّم في مسألة المصالحة الداخلية والتّسوية السياسية مع إسرائيل، إلا أن التفاصيل لا تشي بأي شيء من ذلك.

وليس بوسْـع أيّ مسؤول فلسطيني، على جبهتيْ “الممانعة” و”المُوالاة”، أن يقدِّم صورة واضحة حوْل ما يجري، أو ما يُـمكن أن يترتَّـب على بعض الخُـطوات، الآخذة في التبلْـوُر، لاسيما لقاءات ما يُـسمّى بالمصالحة بين حركتيْ فتح وحماس، وكذلك احتمالات التقدّم على جبهة السياسة مع إسرائيل.

ولم يكن بوُسع أحد المُـقرّبين من الرئيس محمود عباس أن يُـعلِّـق على زيارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما المُـنتظرة في شهر مارس المقبل، إلا بالقول “حتى المسؤولين الأمريكيين الذين الْـتقيناهُـم حتى الآن بخصوص الزيارة، لا يعرفون بالتحديد ما الذي يحمله أوباما؟”.

وأضاف المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته، في حديث إلى swissinfo.ch: “صحيح أن الضغوط التي قادتها الإدارة الأمريكية على الجانب الفلسطيني عشية الذهاب إلى الأمم المتحدة لنيْـل لقَـب عُضو مُراقب لفلسطين، قد خفت، لكن لا شيء في الأفُـق على الإطلاق”.

أوباما ذاته، لم يأتِ على ذِكر الفلسطينيين، من قريب أو بعيد، خلال خطابه يوم االثلاثاء 12 فبراير 2013 عن “حالة الاتحاد” أمام مجلسيْ الشيوخ والنواب، والذي فصَّـل فيه ما أنجزه خلال العام الماضي وما يريده للسنة القادمة. الرئيس الأمريكي كرّر طبعا في خطابه، وقوف بلاده إلى جانب إسرائيل وأمنها.

رفض ليهودية الدولة الإسرائيلية

وبخلاف  بعضِ التكهّـنات غيْـر المؤكَّـدة، حول نية أوباما جمْع الرئيس الفلسطيني عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في لقاءٍ معه عند زيارته المُرتقبة، فإنه لا دليل على احتمالات إحياء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المُجمّـدة منذ سنوات، بسبب مواصلة سياسة الإستيطان الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المُحتلّـة.

لقد كرّر نتانياهو العائد إلى سدّة الحُكم بائتلاف حكومي جديد، غَـداة زيارة الرئيس الأمريكي، موقِفه من التسوية السياسية مع الفلسطينيين، وقال في تصريح نشرته صيحفة “معاريف” الإسرائيلية، إنه مع حلٍّ من خِلال “إطار يتمثل بدولة فلسطينية منزوعة السِّلاح، تعترف بالدولة اليهودية، وإجراء مفاوضات دون شروط مُسبَـقة”.

هذا الموقف سيُعيد المفاوضات إلى المُربّع الأول الذي توقّـفت عنده، حيث يرفض الفلسطينيون العوْدة ثانيةً إلى المحادثات مع إسرائيل، دون وقْـف الاستيطان. إضافة الى ذلك، فإن الفلسطينيين مُسلّحون الآن بالإعتراف الدولي بدولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القُدس الشرقية، الأمر الذي رفضته جميع الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة.

وفي تصريحات لتلفزيون محلّي، قال المسؤول الفلسطيني السابق نبيل عمرو إن “سياسة منظمة التحرير، لا يُمكن أن تعترِف بيهودية الدولة الإسرائيلية، كما طالب نتانياهو، ولا يوجد لدى السّلطة أيّ استعدادٍ للاعتِراف بها”.

وأضاف عمرو أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي يضع شروطاً تعْجيزية في ملَـف المفاوضات والقضية الفلسطينية، لرفض اعتِراف السّلطة بيهودية إسرائيل”. وقال إن نتانياهو “يسعى للوصول إلى تثبيت أن فلسطين هي دولة إسمية لا فِعلية في المحافِـل الدولية، أما الفلسطينيين فيريدون دولةً صاحِبةَ سِيادة، يحْكمون فيها بإرادتهم”.

الملف الداخلي الشائك

وفي حين تبْدو الصورة قاتِمة على الجبهة مع إسرائيل، فإن الشأن الفلسطيني الدّاخلي ليس بأفضل حال على الإطلاق. وبعد لقاءات وإرهاصات ومحاولات لِبَـث الحياة في الحوار الوطني، التقت الفصائل والحركات الفلسطينية، بزعامة كلٍّ من حركتيْ حماس وفتح في القاهرة مؤخّرا.

وفي الوقت الذي سبق فيه اللِّقاء تصريحات مُتفائلة، فإن الأطراف خرجت بانطِـباعات مُتناقضة ومُختلفة، أعادت الأمور إلى خانة التشاؤُم. ولم يستطِع عُضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومُمثلها في الحوار، أن يخرج من حالة التناقُـض هذه، عندما تحدّث للصحفيين في رام الله عن نتائج لقاء القاهرة.

وبدأ الأحمد حديثه بانتقادِ وسائل الإعلام، التي وصف تغطيتها للِّقاء بأنها مُتشائِمة، لكنه لم يتمكّـن من تقديم ما يُبدِّد هذا التشاؤم وقال: “الكل يُـقرّ بالتقدّم، ولكن لن يحلّ موضوع الانقسام وكل مظاهره بشكل جِذري، إلا بعد تشكيل حكومة واحدة لتطبيق القوانين”.

وحتى الآن لم تفرز جميع اللقاءات المُتعاقبة، بما فيها لقاء الدوحة العام الماضي، عن توافُـقٍ لتشكيل الحكومة، التي يُـفترض أن تكون الخطوة الأولى نحو إنهاء الانقسام. وقال الأحمد: “تشكيل الحكومة يعني إنهاء الانقِسام بالشكل القانوني والسياسي، أما الانتخابات، فمن شأنها أن تُـعزِّز طبيعة النظام السياسي وتفتح الأبواب أمام الشراكة والمُصالحة، ونزْع الغِطاء القانوني والسياسي عن الانقسام”.

لكن المسؤول الفلسطيني عاد وقال: “قضيتنا مستعصية بكلّ جوانِبها، وكل شيء مستعص، بحاجة لحلول استِثنائية، وعلينا أن نتعامَل بشكل موضوعي وعَـقلاني. فالوضع السياسي سيتْـرُك آثاره، وهناك المواقِف الإسرائيلية، وإصرارنا على أنه لا انتخابات دون القُدس، وماذا سننتخب، رئيس سلطة أم رئيس دولة؟ وماذا سننتخب، مجلسا تشريعيا أم مجلسا تأسيسيا للدولة؟”.

أزمة مالية.. وتململ اجتماعي

من جهة أخرى، نشر الكاتب المُقرّب من حماس مصطفى السياسي، مقالة في صحيفة “فلسطين” الإسلامية الصادرة في غزّة جاء فيها: “علينا أن لا نُمارِس التّحريض الخفِي، ونعمَل على شيْطنة القِوى الفلسطينية، ونُظهِـر عوْراتها وكأنها كلها أخطاء، وتجنّب الحديث عن إيجابيات قامت بها، سواء اتَّفقنا معها أو اخْتلفنا، فلا يوجد في السياسة والمُقاومة والتحرير، نجاح مائة بالمائة، كما أنه لا يوجد فشَل مائة بالمائة ويستمِر العمل حتى تتحقّق الأهداف”. 

ويزداد الموقِف الفلسطيني إرباكا مع تواصُل الأزمة المالية، التي تُعاني منها السلطة الفلسطينية، جّراء تأخّر وصول المساعدات الدولية وتعطيل إسرائيل تحويل أموال الضريبة والجمارك، التي تجبيها نِيابة عن الفلسطينيين بمُوجب اتِّفاق أوسلو.وقد تركت الأزمة آثارها بشكلٍ كبير على رواتِب موظّفي السّلطة الفلسطينية، التي تُعتبَـر المُحرِّك الأساسي للاقتصاد الفلسطيني الهَـشّ.

ولم تُنفِّـذ الدول العربية والإسلامية حتى الآن، بنود خطّة شبكة الأمان التي وعَـدت من خلالها بتوفير 100 مليون دولار شهريا، لدعم خزينة السلطة الفلسطينية الفارِغة والعاجِزة، عن تسديد متطلَّـبات التشغيل الحكومية الأساسية.

أخيرا، تواجه الحكومة الفلسطينية، برئاسة سلام فياض، انتقادات حادّة بعدَم الكفاءة وتوفير ميزانيات لمسؤولين ولأغراض غيْر أساسية، في الوقت الذي تقول فيه إنها لا تملِك ميزانية لصرْف رواتِب موظّفيها. وتقود هذه الحملة، نقابة الموظفين في الوظيفة العمومية واتحادات ونقابات عمالية، نفّذت إضرابات تُهدِّد المسيرة التعليمية والخدمات التي تقدِّمها الحكومة في مجالات الصحة وغيرها.

بدأ الفلسطينيون في قطاع غزة والضفة الغربية تسجيل أسمائهم يوم الإثنين 11 فبراير 2013للتصويت في انتخابات تأجّلت طويلا تهدِف إلى رأب الصّدع المرير المُستمر منذ قرابة ست سنوات بين حركتيْ فتح وحماس المتنافستين.

ولكن مع عدم تحديد موعد حتى الآن، سواء للإنتخابات التشريعية أو الرئاسية، ومع استمرار التشاحُن بين الكُتل السياسية الرئيسية حول عملية المصالحة، فإن احتمالات التوصّل إلى وحدة دائمة تبدو بعيدة المنال، مثل أي وقت مضى.

واصطف مئات الفلسطينيين في طوابير أمام مراكز التسجيل، للتأكد من وجود أسمائهم على القوائم في حالة إجراء أي انتخابات، رغم ان الكثير من المواطنين يتشكِّكون في إمكانية حدوث انفراج سريع. وقال مواطن يدعى نعيم دغمش (56 عاما) أثناء تسجيل اسمه في سجلات الناخبين في غزة “الأمل ضئيل جدا، يعني مثل أمل إبليس في دخول الجنة”.

وكانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي سيْطرت على قطاع غزة من حركة فتح المنافسة لها في حرب أهلية عام 2007 قد منعت في السابق لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية من العمل في القطاع، لكنها تراجعت في أعقاب محادثات توسّطت فيها مصر بين حماس وفتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس والتي لا تزال تهيْمن على الوضع في الضفة الغربية المحتلة.

لكن مسؤولين قالوا إن أحدث اجتماعات عُقدت في القاهرة في مطلع الاسبوع، سارت على نحو سيِّء، حيث لم يتم التوصل إلى اتفاق حول تشكيل حكومة وِحدة أو على تعديل منظمة التحرير الفلسطينية، أعلى هيئة فلسطينية، لاتخاذ القرار.

وقال اسماعيل هنية، رئيس وزراء حكومة حماس في غزة في بيان بعد اجتماعه مع حنا ناصر، رئيس لجنة الإنتخابات المركزية، إن “الحوارات في القاهرة لم تحقِّق الانطِلاقة المرجُوة منها، ولكنها لم تنهار”.

وتقول لجنة الإنتخابات المركزية إن إنطلاق عملية تحديث سجل الناخبين يهدِف إلى السّماح لما يقدّر بنحو 700 ألف فلسطيني بتسجيل أسمائهم لتُضاف إلى اسماء نحو 1.5 مليون فلسطيني مسجلين بالفعل. ومن المقرّر استكمال العملية بحلول يوم 18 فبراير الجاري ويمكن حينئذ، من الناحية النظرية، الدعوة لإجراء انتخابات بعد ثلاثة أشهر.

للتذكير، أجريت آخر انتخابات فلسطينية عام 2006 وفازت فيها حركة حماس، مما أنهى هيْمنة حركة فتح وأثار بواعِث قلق القِوى الغربية، التي تعتبر حماس منظمة إرهابية بسبب رفْضها نبذ العنف أو الاعتراف بإسرائيل. وأكّدت الحرب الأهلية، التي اندلعت بعد ذلك بين حماس وفتح، أن الفلسطينيين أصبحوا منقسِمين، جغرافيا وسياسيا.

وأجرى الفلسطينيون انتخابات محلية في الضفة الغربية في عام 2012 وسط شعور بالقلق على التراجع المتزايد للديمقراطية. وقاطعت حماس تلك الإنتخابات وتشكو من تعرّض أنصارها للاعتقال والسِّجن بشكل متكرِّر بأيدي قوات حركة فتح. وألقى كل جانب باللّوم على الطرف الآخر، في عدم إحراز تقدم خلال المحادثات التي جرت مؤخرا في القاهرة.

وقال المحلل السياسي في غزة طلال عوكل “كِلا الطرفين غيْر مستعدّين لتقديم التنازلات اللاّزمة لكي يلتقِيا في منتصف الطريق، وما زالا متخوِّفان من فِكرة تقاسُم السلطة والشراكة السياسية الحقيقية”.

ونقلت وكالة رويترز يوم 11 فبراير 2013 قول باسم الزبيدي، المحلل السياسي في الضفة الغربية: “إنه في حين أن تسجيل الناخبين مسألة إجرائية، فلن يمكن بسهولة التغلّب على الخلافات بين الحركتين فيما يتعلق بالقضايا الأمنية. وأضاف “المصالحة لا تزال بعيدة المنال”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 فبراير 2013)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية