مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مصر.. إيران.. تركيا.. وتفاعلات النفوذ والمكانة فى الشرق الاوسط

Keystone

علاقات الدول ليست كلها سمن وعسل، حتى ولو بدت كذلك في الظاهر، فهناك دائما شيء خفي تدور حوله الصراعات والتنافسات، تبدأ بتحقيق النفوذ ونيل الاعتراف بالمكانة والتأثير المعنوي، وتنتهي بالمكتسبات المادية التي لا خلاف عليها. هكذا هو حال التفاعلات بين أكبر ثلاث قوى في الشرق الاوسط، مصر وتركيا وإيران.

لا يختلف اثنان على أن تركيا فى العامين الماضيين باتت لاعبا رئيسيا فى ملفات الشرق الأوسط الملتهبة، وفرضت نفسها على ملف الصراع العربي الاسرائيلي كوسيط بين إسرائيل وسوريا.

وبينما تحافظ مصر على تأثيرها ونفوذها في الملف الفلسطيني من خلال دعم السلطة الفلسطينية والامساك بملف المصالحة الفلسطينية وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحكومة حماس في غزة، فقد دخلت إيران على الخط بقوة وتقدم كافة أصناف الدعم لحركة حماس وغيرها من الفصائل التي تمارس المقاومة المسلحة في غزة تحديدا.

هذه الصورة المبسطة لتنافس المكانة وصراعات النفوذ بين أكبر ثلاث قوى إقليمية في الشرق الاوسط، تكشف بدورها على أن القضية الفلسطينية تعد بدرجة ما مركز الحركة والأدوار الاقليمية. صحيح أن لكل بلد أدواته وآلياته لتثبيت المكانة وتوسيع مكامن القوة وامتلاك أوراق ضغط من هنا وهناك، بيد أن القضية الفلسطينية يظل لها بريق أخاذ بحكم ارتباطها بمشاعر دينية وسياسية ووجدانية وتاريخية تؤثر على المزاج العام في المنطقتين، العربية والإسلامية.

التصريحات القوية تحقق الرضى الشعبى

وقد لُوحظ إبان الحرب الإسرائيلية على غزة في يناير الماضى كيف أن مجرد تصريحات قوية من مسؤولين أتراك أو إيرانيين فى مواجهة الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى كانت توفر شعورا عاما بالرضى محليا وفيربوع الإقليم أيضا.

وعلى العكس من ذلك، كان الغضب والإستياء من نصيب التحركات المصرية التي قننت فتح معبر رفح، رغم أنها أدانت العدوان الاسرائيلي وعملت على وقفه وساعدت فيالتوصل إلى تهدئة متبادلة بين حماس والجيش الاسرائيلي، ما زالت صامدة حتى الآن رغم الصعوبات العديدة.

لكن، علينا أن نلاحظ هنا أن مصر – وبينما تعتبر التحركات الإيرانية ذات أهداف مناهضة للمصالح الفلسطينية وتعد عقبة أمام المصالحة الفلسطينة ونوعا من التدخلات غير المرغوب فيها في شأن يمس الامن القومى المصرى مباشرة – فإن النظرة المصرية للتحركات التركية تتّـسم بالحيادية ولا تثير القدر نفسه من القلق الذي تثيره لديها التحركات الإيرانية.

بين إيران الراديكالية وتركيا المحافظة

هذه الملاحظة يمكن تفسيرها في طبيعة التحركات الإيرانية واختلافها جملة وتفصيلا عن التحركات التركية. فالأولى، ذات طابع راديكالي، تهدف إلى تغيير المعادلات السائدة وتعمل على تشبيك إيران في كافة الملفات الإقليمية، كجزء من إستراتيجية قوامها نقل الصراعات إلى خارج الأرض الإيرانية إلى أرض الأصدقاء والأعداء والمنافسين على السواء، ومن ثم تصبح إيران لاعبا مشاركا في صياغة المعادلات بصورة مباشرة، كما هو الحال في العراق ولبنان عبر حزب الله، وفي القضية الفلسطينية عبر حركتيحماس والجهاد.

ويمكن اعتبار التمرد الحوثى فى اليمن أحد قنوات مدّ النفوذ الإيراني، مذهبيا على الأقل، في جنوب شبه الجزيرة العربية، وهو ما أشار إليه الرئيس اليمني في تصريحات صحفية مرات عدة.

أما التحركات التركية فيغلب عليها الطابع السلمي التوافقي، فهي تتم برضى الأطراف الأخرى وليست رغما عنهم، وشعارها الشهير يعكس ذلك وقوامه “سلم في الداخل وسلم في الخارج”، ولكن طابعها السلمي المسنود بتفسيرات حضارية، يعكس الهوية التركية الأصيلة المعجونة بالاسلام وتاريخ الخلافة لمدة خمسة قرون، لا ينفي عنها هدف تحقيق المصالح المادية المباشرة جنبا إلى جنب اكتساب نفوذ معنوي يعوض، ولو جزئيا، حالة الرفض الأوروبى لقبول أنقرة عضوا في الاتحاد.

الهدف.. تغيير المعادلات الاقليمية

هذا الطابع السلمي، سواء عبر تحركات رسمية وحكومية أو من خلال أنشطة منظمات المجتمع المدني والأوقاف التركية التي تعنى بنشر الثقافة والتعليم في داخل وخارج البلاد، لا ينفي أنه يهدف إلى تغيير المعادلات في الاقليم ككل، ولكن، وهذا هو الأهم، دون تسرع أو من خلال الإستناد إلى قوى راديكالية كما هو الحال في السياسة الايرانية.

فتركيا تتعامل مع الحكومات الشرعية وتفتح مجالا أرحب لمنظماتها الأهلية التي تنظر إلى ما هو أبعد من الحدود التركية وتحركها قناعات إسلامية سياسية غير هجومية، وتضع في اعتبارها التبادل التجاري والاستثمار المباشر لدى الغير، كأساس لمد النفوذ السلمي والمعنوي.

مصر من جانبها ترى نفسها قريبة من الدبلوماسية التركية المحافظة قياسا للدبلوماسية الايرانية الراديكالية، بل وتدخل معها في شراكات اقتصادية وتفاهمات سياسية بشأن عدد من قضايا المنطقة، وأهمها تسوية القضية الفلسطينية، لكنها لا تعتبر ذلك تشكيلا لتحالف أو لمحور يناهض أطرافا اخرى، كإيران مثلا. فمصر معروفة تاريخيا بكراهيتها للأحلاف والمحاور.

وتركيا من جانبها تركز على علاقات التعاون الثنائي وتمدها إلى الجميع في الاقليم، بما فى ذلك إيران، وهما اللذان يتوافقان على مبدإ استراتيجى يخصّـهما مباشرة، ويتعلق بعدم السماح بقيام كيان كردي في شمال العراق تحت أي مسمى كان. فذلك خط أحمر لا يمكن للكرد عبوره لما له من تأثير مباشر على الوحدة الجغرافية الإقليمية لكليهما.

ملفات خلافية

إلى جانب هذا التوافق الاستراتيجي المهم بين إيران وتركيا، هناك مجالات تعاون رحبة بينهما في مجال الغاز والتبادل التجاري. غير أن الأمور ليست كلها توافقية، فثمة تباين كبير بين موقف تركيا من إسرائيل وعملية التسوية، وبين الموقف الإيراني الرافض لوجود الدولة الإسرائيلية أساسا والداعم لكل أصناف المقاومة الفلسطينية.

ورغم تصريحات الرئيس الايراني أحمدي نجاد بقبول حل الدولتين، “إن قبله الفلسطينيون”، فإن مجمل السياسة الايرانية يختلف عن نظيرتها التركية، ناهيك عن أن تركيا تشترك مع مصر في إقامة نوع من الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، في حين أن إيران في حالة مواجهة معها منذ 30 عاما.

صحيح هنا أن إدارة الرئيس أوباما تطرح حل المشكلات المعلقة مع إيران، خاصة برنامجها النووى وموقفها من المنظمات الفلسطينية الجهادية بطرق ودية، فإن المردود لهكذا سياسة ما زال بحاجة إلى وقت طويل قبل ان يؤتي ثماره، لاسيما وأن إيران مشغولة بانتخاباتها الرئاسية المقبلة، وليس هناك من رد عملي واضح على مبادرات الرئيس أوباما.

وحتى مع افتراض أن تسير الامور بصورة إيجابية بعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يوم 12 يونيو القادم، فلا أقل من عام أو أكثر، يجب أن يمر قبل ان تتبلور أية ملامح لبداية علاقة عادية بين الولايات المتحدة وإيران.

العامل الامريكى

إدخال العامل الامريكي في تحليل التفاعلات الثلاثية، المصرية – الايرانية – التركية له أهميته من ثلاث زوايا؛ الاولى، أن إصرار ايران على التوسع في الاقليم مرتبط بتقديرها لوطأة الوجود العسكري الامريكي في العراق على أمنها المباشر. وبعد ان حققت إيران تمددا كبيرا في الداخل العراقي اصبح هذا الواقع اكثر من مجرد ورقة للمساومة مع واشنطن مستقبلا، إذ بات تمددا استراتيجيا يحمي الجمهورية الإسلامية نفسها من تحولات الزمن، إن اصاب العراق مستقبلا، وهو تمدد لم تحققه لا مصر البعيدة جغرافيا ولا حتى تركيا القريبة جغرافيا، وإن كان واضحا أن أنقرة تعمل على تغيير هذه المعادلة بسياسة ناعمة، قوامها “تعزيز التعاون مع الحكومة المركزية في بغداد”.

الثانية، أنه بينما يمكن لمصر وتركيا أن تطورا علاقاتهما اكثر واكثر مع الولايات المتحدة في ظل إدارة اوباما، استنادا إلى ميراث سابق ومهم ومتشعب، فإن العلاقة الأمريكية – الايرانية المتصورة تنطوى ـ كما في كثير من التحليلات ـ على صفقة قد توفر لإيران اعترافا بمكانة إقليمية في شؤون أمن الخليج وتفسح لها مجالا أرحب للنفوذ السياسي في أمور داخلية لدول الخليج العربية، وهنا نلمح قلق مصر الذي عبرت عنه أكثر من مرة وأرسلت بهذا المعنى أكثر من رسالة إلى إدارة الرئيس اوباما، وربما كانت تصريحات روبرت غيتس، وزير الدفاع الامريكي حول أن أي علاقة مستقبلية مع إيران لن تكون على حساب العلاقة الأمريكية مع أي بلد آخر، دليل على أن هواجس مصر ومعها هواجس الدول العربية الخليجية تؤثر بدرجة ما في الرؤية الامريكية تجاه إيران.

الثالثة، أن التحركات الامريكية تجاه دول المنطقة تلعب دورا مهما في رسم وتشكيل حدود المكانة والنفوذ للقوى الاقليمية، وهو ما يمكن ملاحظته من تنافس مصر وتركيا سلميا على من يكون البلد الذي سيوجه منه الرئيس أوباما رسالته للعالم الاسلامي. وحين زار أوباما تركيا قبل شهر ونصف ووجه خطابا إلى البرلمان التركي، تضمن عبارة يتيمة واحدة تؤكد أن لا نية عدائية امريكية تجاه المسلمين، ظن كثيرون أن هذه هي الرسالة المقصودة للعالم الإسلامى وأن تركيا حظيت بشرف تمثيل هذا العالم، وهو ما استقبلته مصر بقدر من الضيق المكتوم، والذي تغير إلى فرح كبير بعد أن قرر اوباما أن تكون القاهرة هي المكان الذي يوجّه منه رسالته المفصلة للعالم الاسلامي، مبررا ذلك بأن “مصر بدرجة أو بأخرى تعد قلب العالم العربي”، حسب قول المتحدث الرسمي للبيت الأبيض.

هذه الملاحظة الثانية تؤكد أن صراع المكانة والنفوذ، لا يقتصر وحسب على اكتساب الماديات الملموسة، بل يشمل أيضا المنافسة على اعتراف الآخرين بالدور والنفوذ المعنوي، وكلاهما باتا أمران ضروريان في تأكيد الشرعية واكتساب رضى الرأي العام المحلي.

د. حسن ابوطالب – القاهرة – swissinfo.ch

القاهرة (رويترز) – قالت مصادر دبلوماسية إن الرئيس الامريكي باراك أوباما سيوجه خطابا الى العالم الاسلامي من جامعة القاهرة، التي يعود تاريخ انشائها الى مائة عام، لكنها ليست من بين 500 جامعة اختيرت في بحث لتكون الافضل في العالم.

وقال مصدر إن أوباما سيلقي الخطاب في قاعة المؤتمرات الكبرى في حرم الجامعة.

ويهدف الخطاب الذي سيلقيه أوباما في الرابع من يونيو المقبل الى اصلاح علاقات الولايات المتحدة مع العالم الاسلامي، بعد أن تضررت في عهد الرئيس السابق جورج بوش، الذي أمر بغزو أفغانستان بعد الهجمات التي تعرضت لها مدينتي نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر عام 2001.

كما أمر بوش بغزو العراق مبررا الغزو بأن لدى بغداد مخزونا سريا من أسلحة الدمار الشامل، وهو ما تبين أنه ادعاء غير صحيح.

وكانت تقارير رشحت الجامع الازهر لالقاء الخطاب، لكن يبدو أن الادارة الامريكية رغبت في تجنب إعطاء الخطاب طابعا دينيا.

ورشحت تقارير اندونيسيا – التي قضى فيها أوباما سنوات من طفولته مع والدته التي تزوجت مسلما اندونيسيا بعد طلاقها من المسلم الكيني حسين اوباما، والد باراك، لإلقاء الخطاب، لكن البيت الابيض استقر على مصر أكثر الدول العربية سكانا والتي تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل وتقوم بينها وبين واشنطن علاقات تحالف وثيق، برغم توتر في العلاقات خلال حكم بوش الذي استمر ثمان سنوات.

وتحسنت العلاقات في ظل ادارة أوباما وسيقوم الرئيس حسني مبارك بزيارة لواشنطن هي الاولى منذ خمس سنوات قبل مجيء أوباما الى مصر.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 مايو 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية