مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مصيرُ النمساويـيْن وخلطةُ الحسابات الإقليمية

السفير الجزائري في مالي عبد الكريم غريب (وسط) و نظيراه الألماني رينارد شفارتزر (يسار) والفرنسي ميشيل ريفيران دو موتون خلال لقاء دبلوماسي بوزارة الخارجية بباماكو يوم 24 مارس 2008 في محاولة لايجاد حل لقضية الرهينتين النمساويتين AFP

سواء نجحت السلطات النمساوية في إنقاذ السائحين المخطوفين أم لا، فإن هذه القضية قد زادت في حجم مخاطر استهداف تنظيم القاعدة للمصالح الحيوية التونسية.

وبالرغم من أن الجهات الرسمية قد نفت بوضوح احتمال اختطاف السائحين من داخل التراب التونسي، فإن ذلك لم يقلل من احتمالات أن يجدد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي محاولاته لتهديد الاستقرار الأمني والاقتصادي لتونس.

تقاذفت كل من تونس والجزائر خلال الفترة الأخيرة المسؤولية عن اختطاف السائحين النمساويين قبل أكثر من شهر. فبعد إعلان تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الاختطاف، مؤكدا بأن ذلك قد تم في تونس، سارع ناطق رسمي في تونس بنفي ذلك، مشيرا بأن العملية قد تكون تمت بعد مغادرة السائحين للتراب التونسي من جهة الجنوب، في إشارة إلى الجزائر.

لكن وزير الداخلية الجزائري نور الدين زرهوني أعاد تأكيد ما سبق أن صرح به رئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم قبل أيام حين قال بأن بلاده غير معنية بقضية النمساويين الذين لم يخطفا من داخل الجزائر ولا يوجدان على أرضها.

مع ذلك، فالمؤكد أن السائحين دخلا إلى تونس عن طريق ميناء حلق الوادي، والذين اختطفوهما ينتميان إلى تنظيم جزائري مسلح. كما أن أي خلاف تونسي جزائري سيصب في صالح خصمهما المشترك.

لا شك في أن تحديد مكان الاختطاف له دلالاته. فإن تم داخل التراب التونسي فذلك من شأنه أن يعيد الأسئلة التي سبق أن طرحتها جهات متعددة عندما انفجرت أحداث مدينة سليمان. وهي أسئلة لا تزال تنتظر أجوبة نهائية وواضحة، حول الكيفية التي تمت بها عمليات التسلل والتدريب وتهريب الأسلحة، وتشكيل التنظيم؟

أما الجانب الآخر من الفرضية، فيخص حماية الأجانب. وهو أمر نجحت فيه السلطات الأمنية التونسية إلى حد كبير منذ وقوع حادثة معبد “الغريبة” اليهودي بجزيرة جربة في 11 أبريل 2002، وأدت إلى مقتل عديد السواح الألمان والفرنسيين.

وبما أن تونس تستقبل سنويا ما لا يقل عن خمسة ملايين سائح، فإنه يخشى أن يستغل أتباع تنظيم القاعدة أي خلل أمني لاصطياد بعض الأجانب، وتحويلهم إلى رهائن لمقايضة حكوماتهم. وفي نفس الوقت، يتم توجيه ضربة قاسية للاقتصاد التونسي من خلال محاولة تدمير القطاع السياحي مثلما حصل في مصر.

“صراع مفتوح مع النظام التونسي”

ما يلاحظ في هذا السياق أنه بالرغم من إبراز وسائل الإعلام الغربية والعربية لخارطة تونس كلما تعرضت لخبر السائحين المخطوفين، إلا أنه لم تتوفر مؤشرات تشير إلى إلغاء حجوزات مبرمجة من قبل وكالات الأسفار. ولعل ذلك يعود إلى أن السائحين النمساويين لم يتعرضا للخطف فيما يبدو من داخل فندق أو في فضاء عامر بالسكان، وإنما حصلا بعد توغل سيارتهما داخل الصحراء لممارسة هوايتهما المفضلة، وبالتالي هناك احتمال جدي بأنهما وقعا في منطقة يسيطر عليها عناصر تابعين لتنظيم القاعدة بعد تجاوز الحدود التونسية.

المؤكد في هذا الصدد أنه يوجد أكثر من مؤشر يدعو إلى الاعتقاد بأن ما يسمى بتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي قد وضع على أجندته الدخول في صراع مفتوح مع النظام التونسي الذي يصفه بـ “النظام المرتد”.

ولا يُعرف عدد التونسيين المنتمين لهذا التنظيم أو الذين لهم صلة بقادته، لكن الثابت أن هناك تنسيق قائم بين هذا التنظيم وبعض “الخلايا النائمة” الموجودة بتونس أو التي يشكلها تونسيون يقيمون في دول أخرى.

ولا تُعرف الأسباب التي جعلت تنظيم القاعدة عموما، وفرعه المغاربي خصوصا، يتجنب توظيف أحداث مدينة سليمان ويجيرها لصالحه، إلا أن وبعد اختطاف السائحين النمساويين، تمت المطالبة بإطلاق سراح عدد من المعتقلين زعم هذا التنظيم بأنهم من رجاله أو أنصاره. وهي المرة الأولى التي تحاول جهة مسلحة ممارسة الضغط على النظام التونسي لمقايضته على معتقلين بالسجون المحلية.

وكان واضحا بأن السلطات التونسية لن تفاوض في هذا الشأن، حتى لو طلبت منها ذلك حكومة صديقة مثل الحكومة النمساوية. فذلك من شأنه أن يعرض السياسة الأمنية التونسية للإرباك والابتزاز. وإذ لا تزال أسماء المساجين المطلوب الإفراج عنهم لم تحدد بعد بصفة نهائية، غير أنه لا يستبعد في أن يندرج ذلك ضمن الحرب النفسية التي أراد تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي أن يشنها على النظام التونسي.

وما يخشاه البعض هو أن يؤثر ذلك على مصير الشاب المحكوم عليه بالإعدام، صابر الرقوبي (24 عاما)، في ما يسمى بقضية أحداث مدينة سليمان. إذ بالرغم من أن الرئيس بن علي قد أكد في خطابه الأخير موقفه من مسألة تنفيذ عقوبة الإعدام، وامتناعه عن الإذن بذلك بما لديه من صلاحيات دستورية، وذلك بـ “إبدال عقوبة الإعدام بعقاب آخر”؛ وهو ما تم في حالات عديدة، وأضاف “كلما سمحت الظروف الموضوعية التي تأخذ في الاعتبار حقوق الضحايا ومشاعرهم وتأثيرات العامل الزمني والحالة الجزائية والاجتماعية للمحكوم عليهم”.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى مقتل ضابط في الجيش ومسؤول أمني خلال الاشتباكات، غير أن ملف المحكوم عليه بالإعدام – حسبما يؤكده المحامون – جاء خاليا من أي دليل يحمله ولو جزئيا مسؤولية المشاركة الفعلية في القتل.

مخاوف من التجاذب بين واشنطن والجماعات المسلحة

مؤشر آخر يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن هذا التنظيم الجزائري المسلح الذي يمر بصراعات داخلية، يحاول منذ أن غير اسمه توسيع دائرة عملياته حتى يكتسب مقومات المنظمة الإقليمية، وحتى يعوض خسائره داخل الجزائر. وهو ما يفرض عليه تنزيع مصادر استقطاب عناصره، ومناوشة بقية حكومات المنطقة، بدء من موريتانيا وصولا إلى تونس.

أما بالنسبة لليبيا، فالمفاوضات الجارية بين سيف الإسلام والجماعة السلفية الليبية التي يوجد معظم أعضائها بالسجون، قد وضعتها ليبيا خارج منطقة العمليات. يضاف إلى ذلك ما يمكن أن تقوم به مؤسسة القذافي من وساطات مع حكومات غبية من أجل إطلاق سراح رهائن محتملين.

كذلك يعمل تنظيم القاعدة على استدراج الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إقامة قاعدة عسكرية بمنطقة شمال إفريقيا. وهو ما تسعى إليه إدارة بوش منذ أشهر، وترفض الاستجابة له بعض الحكومات وفي مقدمتها الحكومة الجزائرية، خوفا من أن يزيد ذلك من المخاطر ويضعف من سيادة الدول.

وفي المقابل يعتقد قادة تنظيم “القاعدة” بأن ذلك من شأنه أن يخلق بؤرة صراع جديدة مع أمريكا، ويساعد على استنزافها عسكريا، في حين أن الإدارة الأمريكية ترغب في استثمار ما تثيره القاعدة من مخاوف وتهديدات أمنية لتدعم وجودها في إفريقيا عموما، وبالأخص بمنطقة المغرب العربي. وحالة التجاذب هذه بين واشنطن والجماعات المسلحة تثير مخاوف الحكومات الأوروبية، نظرا لحجم مصالحها في منطقة شمال إفريقيا، إلى جانب خشيتها من تزايد حضور وتدخل أمريكا في شؤون هذه المنطقة، سعيا منها للوصول إلى النفط الجزائري وخلق حالة تنافس عسكري واقتصادي مع دول جنوب أوروبا التي تربطها أكثر من علاقة استراتيجية مع حكومات المغرب العربي.

في ضوء ما تقدم، فإن مصير السائحين النمساويين سيكون مهما بقطع النظر عما يبدو على السطح من محاولات التهرب من المسؤولية. ومن هنا، فإن قيام ليبيا بأي دور في هذا السياق سترحب به حكومات عديدة، لأنه في صورة تعرض الرهينيتين لأي خطر، فإن ذلك ستكون له تداعيات على أكثر من صعيد وعلى أكثر من بلد.

صلاح الدين الجورشي – تونس

باماكو (رويترز) – قالت جماعة في الولايات المتحدة تراقب منتديات الانترنت الاسلامية يوم الاثنين 24 مارس 2008 إن تنظيما تابعا للقاعدة يحتجز سائحين نمساويين رهينتين في الصحراء مدد مهلة تلبية مطالبه من الحكومة النمساوية لأسبوعين.

وقالت جماعة سايت انتلجنس غروب إن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي مدد المهلة إلى السادس من أبريل نيسان قائلا إنها مهلة اخيرة.

ويطالب الخاطفون بالافراج عن عشرة متشددين محتجزين في الجزائر وتونس مقابل الافراج عن الرهينتين. وقالت مصادر أمنية جزائرية إن الخاطفين يطلبون أيضا فدية.

وكانت النمسا قالت مساء الاحد 23 مارس إن المهلة مدت فيما يبدو من منتصف ليل الاحد لكنها لم تذكر تفاصيل اخرى.

ورفض بيتر لونسكي تيفنتال، المتحدث باسم وزارة الخارجية النمساوية، يوم الاثنين أن يؤكد تاريخ أحدث تمديد للمهلة. ونقلت عنه وكالة الانباء النمساوية قوله إنه لا يمكنه “الخوض في عدد الايام.”

ونقلت جماعة سايت انتلجنس غروب عن بيان للخاطفين نُشر في موقع للاسلاميين على الانترنت انه اذا لم تلب المطالب قبل انقضاء المهلة الجديدة “فاننا نكون قد استنفدنا ما بوسعنا.”

وأضاف البيان “ولتتحمل النمسا وتونس والجزائر بعدها مسؤولية حياة المختطفين.”

ويتابع موقع سايت انتلجنس غروب في لندن.

وأمضى دبلوماسيون نمساويون أسبوعا في مالي في محاولة للافراج عن أندريا كلويبر (43 عاما) وفولفجانج ابنر (51 عاما) اللذين يعتقد أنهما محتجزان في مخبأ لاسلاميين في منطقة كيدال قرب حدود مالي مع الجزائر والنيجر.

وقال وزير خارجية مالي، مختار واني، إن الحكومة لم تتأكد بعد مما إذا كان النسماويان محتجزين في اراضيها.

وأضاف في اجتماع مع دبلوماسيين أجانب “حتى هذه اللحظة لم يتأكد للاجهزة المعنية وجود هذين الرهينتين في أراضي مالي … لكن البحث جار على قدم وساق.”

وقال الوزير إن رئيس مالي، أمادو توماني توري، استقبل مبعوثا نمساويا لمناقشة أفضل السبل لضمان الافراج عن الرهينتين، غير أنه شدد على أن حدود مالي مع الجزائر التي يبلغ طولها 1276 كيلومترا معزولة وجبلية، ومن الصعب الوصول اليها.

وكان بعض المسؤولين الماليين قد قالوا إنه من المحتمل أن يكون الخاطفون قد نقلوا الرهينتين إلى جنوب الجزائر بعد تصاعد العنف الانفصالي في شمال مالي الاسبوع الماضي.

وعقد القتال الذي دار على مدى ثلاثة أيام بين جيش مالي والمتمردين الطوراق وانتهي يوم الاحد جهود تحديد مكان السائحين النمساويين.

وزاد الغموض تصريح نسب إلى سياسي نمساوي كبير قال إن أحد أبناء الزعيم الليبي معمر القذافي يشارك في المفاوضات، لكن مؤسسة القذافي التي يرأسها سيف الاسلام القذافي أصدرت بيانا تنفي أي دور لها.

وحذرت القاعدة من أن أي محاولة للقيام بعملية عسكرية لاطلاق سراح المخطوفين قد تسفر عن موتهما.


(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 24 مارس 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية