مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مطالبة بـ “تحقيق محايد” في سوريا لتحديد هوية من يطلق النار!

مازال أنصار الإصلاح في سوريا يؤمنون بإمكانية التغيير من الداخل، وهذه المتظاهرة في بيروت تلخص ذلك جليا Keystone

في الوقت الذي تتبادل فيه السلطات السورية التهم مع منظمة هيومان رايتس ووتش حول هوية المسلحين الذين عرقلوا وصول الإسعافات لجرحى متظاهرين، قامت منظمات حقوقية سورية بمطالبة السلطات بـ"فتح تحقيق محايد لتحديد هوية من يطلق النار سواء كانوا حكوميين أو غير حكوميين".

ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات في سوريا وارتفاع حصيلة القتلى بالرصاص الحي بعد أحداث درعا وبانياس بحيث وصلت، حسب تقديرات صحفية، إلى حوالي 200 قتيل، بدأت ترتفع أصوات عديدة للإدانة أو للتحذير من مخاطر الافراط في الاقتصار على الرد الأمني لمعالجة مطالب التغيير التي يعبر عنها الشارع السوري.

من هذه الأصوات، صوت المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافي بيلاي التي قالت على لسان المتحدثة باسمها رافينا شامدساني يوم الثلاثاء 12 أبريل الجاري في جنيف: “إننا قلقون جدا من الأخبار التي تفيد بارتفاع عدد المتظاهرين الذين قتلوا من قبل قوات الأمن السورية، وكذلك للاعتقالات المكثفة التي طالت المدافعين عن حقوق الإنسان والمضايقات التي يتعرض لها الصحفيون”.

و بعد أن ذكرت بأن “استخدام القوة لم يعمل على التهدئة في المنطقة”، قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان: “إننا نناشد السلطات لكي تضع حدا للاستخدام المفرط للقوة وبالأخص إطلاق الرصاص الحي ضد المتظاهرين بطريقة سلمية”.

تحذيرات دولية رغم ممارسة السلطات لسياسة القسوة واللين

وبدأت عدة عواصم دولية في التحذير من مخاطر التصعيد في الوقت الذي تمارس فيه السلطات السورية، من جهةـ سياسة القسوة، بتصعيد حملات الاعتقالات لتطال حسب العديد من المنظمات الحقوقية مدافعين ونشطاء حقوق الإنسان وأدباء وصحفيين إضافة إلى مئات المتظاهرين، وتمارس، من جهة أخرى، سياسة اللين باستقبال الرئيس السوري لعائلات ضحايا مدينة دوما والإفراج عن حوالي 190 من المعتقلين  الذين شاركوا في مظاهرات يوم الجمعة الماضي.

فقد أدانت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء “القمع المثير للغضب”، مطالبة الرئيس السوري  بشار الأسد بـ “احترام حقوق السوريين”. وقال الناطق باسم الرئيس الأمريكي جاي كارني في بيان صحفي: “إن التصعيد في عمليات القمع التي تقوم بها الحكومة السورية تدعو للغضب، والولايات المتحدة الأمريكية تدين بقوة المحاولات الهادفة لقمع المتظاهرين المسالمين”.

من جانبها، نصحت بريطانيا رعاياها بـ “العدول عن القيام بأية زيارات غير ضرورية لسوريا”. أما المتواجدون منهم في البلد فنصحتهم بـ “التزام الحذر أثناء تنقلهم في الأماكن العمومية”. وكان وزير الخارجية البريطاني قد  أدان يوم الاثنين أعمال العنف التي استهدفت المتظاهرين  واصفا إيها بـ “العمل غير المقبول”.    

نفس الخطوة اتخذتها فرنسا التي اكتفت بتحذير رعاياها “من التواجد في بعض المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق  ومدن مثل درعا وحمص وبانياس واللاذقية”.

لكن دمشق حصلت على دعم من طهران للأطروحة التي تقدمها بخصوص طبيعة ما يجري؛ إذ عبرت وزارة الخارجية  الإيرانية في بيان لها عن “إدانتها لوجود مؤامرة غربية في سوريا يحيكها الغرب”. وقال  الناطق باسم الوزارة رامين مهمانبرست: “إن ما يحدث في سوريا هو نتيجة لتصرفات عدوانية يقوم بها الغرب وبالأخص الأمريكيون والصهاينة”.   

وقد حمل مهمانبرست وسائل الإعلام الغربية  مسؤولية “تضخيم مطالب فئات ضيقة لكي تصبح وكأنها مطالب الغالبية” على حد قوله.

جدل حول هوية من يطلق النار في سوريا

التفسير الرسمي لتساقط القتلى بهذه الأعداد، والذي تمسكت به السلطات السورية منذ بداية الاحتجاجات قبل أربعة أسابيع، هو أن ذلك “من صنع مجموعات مسلحة”.

وقد حاول التلفزيون السوري دعم هذه الرواية بتقديم لقطات (من بعيد) لملثمين بزي مدني يطلقون النار “على المتظاهرين وقوات الأمن”، كما جاء في تعليق التلفزيون.

لكن منظمة هومان رايتس ووتش المدافعة عن حقوق الإنسان خطت خطوة إضافية بتوجيه الاتهام لقوات الأمن في كونها “منعت مسعفين من الوصول الى جرحى ومصابين من المتظاهرين يوم 8 ابريل لنقلهم للمستشفيات في درعا وحرستا بالقرب من دمشق”.

وقالت مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة سارة ليا ويتسون في بيان: “إن منع وصول الاسعافات الطبية الضرورية لأشخاص مصابين يعتبر انتهاكا للالتزامات الحكومية باحترام وحماية حياة الأشخاص”. واختتمت مديرة هيومان رايتس ووتش تصريحاتها قائلة: “إن القادة السوريين يتهمون المحتجين بالتحريض على الانشقاق في صفوف المجتمع السوري، ولكن العنف الذي تقوم به قوات الأمن هو الذي يلحق أكبر ضرر بسوريا”.

وردت السلطات السورية يوم الأربعاء على ذلك ببيان لوزارة الداخلية تتهم فيه “بعض وسائل الإعلام بتلفيق اتهامات لا اساس لها من الصحة مفادها أن السلطات السورية منعت جرحى من الوصول الى المستشفيات للعلاج”. وأوضحت بهذا الخصوص أن “رجالا مسلحين هم الذين منعوا يوم 8 ابريل في درعا سيارات الإسعاف من نقل 34 شرطي أصيبوا بجراح في هذه المدينة”.

وأضافت وزارة الداخلية السورية في بيانها أن “مجموعة مسلحة هي التي قطعت الطريق المؤدية الى بنياس يوم الأحد (10 ابريل) لمنع سيارات الإسعاف من الوصول للعسكريين الذين أصيبوا بجراح”.

منظمات حقوقية تطالب بتحقيق محايد

ولحسم هذه المشكلة ورفع الغموض حول من يطلق النار في سوريا، طالبت عدة منظمات حقوقية سورية السلطات بفتح تحقيق محايد تشارك فيه منظمات المجتمع المدني.

وهذه المنظمات الموقعة هي الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمرصد السوري لحقوق الإنسان، والمركز السوري للدفاع عن معتقلي الرأي والضمير، والمنظمة العربية للإصلاح الجنائي في سورية، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية، والمنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية.

فقد أصدرت هذه المنظمات بيانا  تدين فيه “الاعتداء الذي تعرضت له وحدة من الجيش السوري على طريق اللاذقية – بانياس على ايدي مجموعة مسلحة، وأسفر عن سقوط عشرة قتلى وأكثر من خمسة وعشرين جريحا”.

وطالبت المنظمات الحقوقية السلطات السورية بـ “الكشف عن هوية هذه الجماعات المسلحة وتقديمها إلى القضاء المختص مهما كان انتماءها ومرجعيتها”.

ولتأكيد طبيعة التحقيق المطلوب، قالت هذه المنظمات: “نطالب بتشكيل لجنة تحقيق قضائية محايدة بمشاركة ممثلين عن المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، تقوم بالكشف عن المتسببين عن العنف والممارسين له، وعن المسؤولين عن وقوع ضحايا (قتلى وجرحى) سواء أكانوا حكوميين أم غير حكوميين وإحالتهم الى القضاء ومحاسبتهم”.

فهل سيجد هذا الكلام آذانا صاغية لدى السلطات السورية؟ أم سيُكتفى بالرد عليه، مثلما يتردد في أوساط المراقبين، من خلال تسريب اعترافات  لمشتبه فيهم عبر وسائل الإعلام الرسمية؟

عمان (رويترز) – قال محام مدافع عن حقوق الانسان يوم الاربعاء ان قوات الامن السورية ألقت القبض على 200 شخص من سكان بلدة ساحلية مع اتساع نطاق احتجاجات لم يسبق لها مثيل ضد حكم الرئيس بشار الاسد 

وقال المحامي الذي اتصل بسكان في بلدة البيضة الواقعة على بعد 10 كيلومترات جنوبي مدينة بانياس على ساحل البحر المتوسط “هم أحضروا طاقما تلفزيونيا وأجبروا الرجال الذين قبضوا عليهم على ان يهتفوا ( بالروح.. بالدم نفديك يا بشار) اثناء تصويرهم.”

  

واضاف المحامي الذي لم يشأ ان ينشر اسمه ان الاحداث وقعت يوم الثلاثاء. ومضى قائلا “سوريا هي الدولة البوليسية العربية بامتياز. لكن النظام ما زال يراقب رد الفعل الدولي وعندما يشعر أن رد الفعل قد ضعف فانه سيصبح أكثر دموية.”

ورد الاسد على الاحتجاجات الاخذة في الاتساع بمزيج من القوة -حيث قتلت قواته الامنية محتجين عزلا- ووعود باصلاحات ومحاولات لارضاء الاقلية الكردية والاغلبية السنية. لكن الدعوات العلنية الواسعة المطالبة بالحرية والقضاء على الفساد لم تفتر همتها في اسبوعها الرابع.

وقال نشطاء ان افرادا من الشرطة السرية السورية وجنودا حاصروا بلدة البيضة يوم الثلاثاء ودخلوا المنازل ملقين القبض على الرجال ممن تقل اعمارهم عن 60 عاما. واضافوا ان اصوات اعيرة نارية سمعت في وقت سابق من اليوم وان رجلا قتل.

  

وقالوا ان البيضة استهدفت لان سكانها شاركوا في مظاهرة في بانياس الاسبوع الماضي ردد خلالها المحتجون هتافا يقول “الشعب يريد اسقاط النظام” وهي الصيحة التي زأر بها المحتجون في الانتفاضتين التونسية والمصرية اللتين أطاحتا برئيسي البلدين.

وقال أحد النشطاء ان بعض المقيمين في البيضة كان بحوزتهم أسلحة وان مواجهة مسلحة اندلعت فيما يبدو. لكن امام مسجد في بانياس قال ان سكان البيضة لم يكونوا مسلحين في غالبيتهم وانهم يدفعون ثمن دعوتهم السلمية الي الحرية.

  

وقال مدافع عن حقوق الانسان في بانياس ان افرادا من الشرطة السرية قتلوا اربعة اشخاص في المدينة يوم الاحد وهو ما زاد التوتر في البلد الذي تسكنه غالبية سنية وتحكمه أقلية علوية.

  

وكلت بانياس -التي يوجد بها احدى مصفاتين نفطيتين في سوريا- مغلقة خلال الليل وتمركزت حوالي 20 دبابة قرب المداخل الشمالية والجنوبية للمدينة.

وقالت الجماعة الرئيسية المعنية بحقوق الانسان في سوريا ان عدد قتلى الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية والمناهضة للاسد وصل الى 200 قتيل ودعت جامعة الدول العربية الى فرض عقوبات على النظام الحاكم. واضافت جماعة اعلان دمشق في رسالة يوم الاثنين الى الامين العام لجامعة الدول العربية ان انتفاضة سوريا شهدت سقوط 200 شهيد ومئات المصابين وعدد مماثل من الاعتقالات.

وشجبت قوى غربية – تحاول ابعاد سوريا عن محور مناهض لاسرائيل مع ايران وجماعة حزب الله اللبنانية – العنف ضد المتظاهرين وحثت الاسد على اتخاذ خطوات أسرع نحو تنفيذ اصلاحات مثل رفع حالة الطوارئ.

ويقول الاسد ان الاحتجاجات جزء من مؤامرة خارجية لزرع الفتنة الطائفية. وقالت ايران حليفة سوريا ان الاحتجاجات ليست حدثا عفويا لكن نتيجة لتدخل أجنبي.

  

ومنذ اندلاع الانتفاضات في تونس ومصر كثفت السلطات السورية حملة اعتقالات للمنشقين ونشطاء المجتمع المدني. وقال نشطاء وشهود ان السلطات بدأت موجة من اعتقال المتظاهرين ثم اطلاق سراح بعض منهم في وقت لاحق.

(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 13 أبريل 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية