مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

صراع سياسي يتحول إلى نزاع عرقي في جنوب السودان

صورة وُزعت يوم 4 مارس 2014 لمُرحلين داخليين من قبيلة الدينكا في جنوب السودان وهم بصدد أخذ قسط من الراحة على ضفاف نهر النيل بعد عبورهم يوم 2 مارس 2014 بواسطة القوارب من مدينة بور إلى مينكامان. Keystone

يبدو أن النزاع القائم في جنوب السودان يتطور من صراع سياسي على السلطة، إلى صراع عرقي خلَّف آلاف القتلى وما بين 900 ألف ومليوني نازح. وفي محاولة لجلب الإنتباه الى مأساة شعب لم ينعم بالإستقلال لأكثر من عامين ونصف، يحاول جبريل ماجيك دينغ آدور، وهو مواطن سويسري من أصل سوداني جنوبي، تحسيس المنظمات الدولية والمؤسسات السويسرية بمعاناة أبناء وطنه الأصلي.

في الوقت الذي تشتد فيه وتيرة المعارك في الصراع القائم جنوب السودان، بين القوات الحكومية بقيادة سلفاكير ميرياديت من جهة (المدعوم من طرف قبيلة الدينكا)، ومعارضه رياك ماشار (المدعوم من طرف قبيلة النوير)، تتعالى بعض الأصوات  للتحذير من مخاطر ترك الأوضاع تتدهور في هذا البلد الفتي الذي انفصل عن جمهورية السودان منذ يوليو 2011.

في هذا السياق، صرح ميلكر مابيك، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنوب السودان: “ما هو تعيس فيما يعرفه جنوب السودان هو ردة فعل شعب جنوب السودان على ما يحدث اليوم هنا من عنف. إنها لمأساة فعلا بحيث أنها حدثت بعد أقل من عامين على استقلال البلاد. الشعب هنا عانى الكثير وكان يأمل فيما هو أحسن، وكان يأمل بعد عقود من الصراع في أن يعرف مستقبلا أحسن”.

هذا الوضع اليائس، هو الذي يرغب جبريل ماجيك دينغ آدور، المواطن السويسري المنحدر من مدينة مالاكال بجنوب السودان، في شرحه وتوضيحه من خلال حديث خص به swissinfo.ch التي التقته يوم 14 مارس 2014 في جنيف على هامش محاولاته للإتصال بعدد من المنظمات الأممية المعنية.

swissinfo.ch

وضع مأساوي في مدن مالاكال و كودوك

يقول جبريل ماجيك دينغ آدوك: “إن الوضع حاليا في ضواحي مدينة مالاكال بعد استعادتها في 2 مارس الحالي من قبل قوات حركة تحرير شعب السودان المعارضة (بقيادة رياك ماشار) (SPLM Opposition) أصبح كارثيا. وقد بلغ عدد النازحين من مدينة مالاكال وضواحيها في اتجاه مدينة كودوك أكثر من مليوني شخص”.
 

وبخصوص القوى المتواجدة على عين المكان، يشير جبريل إلى أن “القوات التي استعادت مدينة مالاكال هي قوات نائب الرئيس السابق رياك ماشار التي تحارب القوات الحكومية بقيادة سلفاكير. ومع أن النازحين هم بنسبة 70% من قبيلة النوير (الشلوك) التي ينتمي إليها رياك ماشار، لكن هناك أيضا نازحون من قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها الرئيس سلفاكير”.   

وفيما يتعلق بالوضع الإنساني، يقول جبريل: “إن اتصالاتي بمن هم على عين المكان تسمح لي بالقول أن هؤلاء النازحين لا يتلقون إلا دعما ضئيلا من منظمات غير حكومية وأنه لا تواجد للمنظمات الأممية بالمرة في مدينة كودوك. وهذا ما دفعني لمحاولة التحسيس بهذا الوضع المأساوي ومحاولة الإتصال بالمنظمات الإنسانية الدولية في جنيف”.

في سياق متصل، تشير التقييمات الحالية لتداعيات هذه الحرب التي يشهدها جنوب السودان منذ شهر ديسمبر 2013 بين الرئيس سلفاكير ميرياديت، ونائبه رياك ماشار (الذي تمت إقالته من السلطة في صيف عام 2013) إلى أنها خلفت، حسب المنظمات الانسانية، آلاف القتلى وحوالي 900 ألف مُرحّل ونازح.

وفي وقت سابق، وصف ميلكر مابيك، رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنوب السودان الأوضاع بقوله: “مئات الالاف من الأشخاص اضطروا للهروب من منازلهم، والآلاف  قتلوا أو جرحوا في المعارك. ونحن لحد الآن نحاول تقديم المساعدة الطارئة، ونحاول انقاذ ما يمكن إنقاذه بعلاج الجرحى، وتقديم المساعدات الطارئة من غذاء ومأوى لمن اضطر إلى مغادرة مسكنه. كما نحاول التدخل لدى الأطراف المتصارعة من أجل السماح لنا بالقيام بمهامنا وفقا لما ينص عليه القانون الإنساني الدولي”.

من نزاع حول السلطة إلى صراع عرقي..

في معرض تقييمه لردود الفعل الخارجية، يرى جبريل ماجيك دينغ آدوك أن المجموعة الدولية “إما أنها لا تعي بما فيه الكفاية خطورة ما يحدث في جنوب السودان، أو أنها تعي ذلك ولا تصدر رد فعل مناسب” عليها.

هذا الشاب المتعاطف مع حركة تحرير شعب السودان المعارضة يذهب إلى أن “المأساة الإنسانية الحالية التي يتسبب فيها الطرفان المتصارعان هي نتيجة لتطبيق سياسة خاطئة من قبل الحكومة الحالية في جنوب السودان” ويخص بالذكر “تحت قيادة سلفاكير ميرياديت” الذي “لم يُولي الأهمية الضرورية للإختلافات الثقافية التي كان يُنبّه إليها رياك ماشار”، على حد قوله.

ولدى سؤاله عما إذا كان هذا الصراع قد تحول من خلاف سياسي بين زعيمين إلى صراع عرقي بين قبيلتي النوير والدينكا، أكد جبريل أن “هذا الصراع لم يكن عرقيا في بدايته ولكنه بدأ يتحول الى ذلك يوما بعد يوم” مضيفا بأن “الإحساس السائد اليوم هو عدم قبول بأنه بالإمكان التعايش بين كل هذه المكونات، ومن  يتحمل المسؤولية في ذلك هم السياسيون الذين رسخوا ذلك في الأذهان اليوم. وإذا لم تتدخل المجموعة الدولية فإن هذا الصراع سيزداد عمقا في طبيعته العرقية “.  

من مواليد مدينة مالاكال بجنوب السودان.  

عاش في سويسرا منذ عام 2001  وتحصل على الجنسية السويسرية.

عاد بعد انفصال الجنوب عن الشمال في عام 2011 للعيش في مدينة جوبا، عاصمة البلد الوليد ومكث هناك لفترة عام ونصف تقريبا.

يعتبر نفسه من أنصار حركة تحرير الشعب السوداني المعارضة “SPLM Opposition” التي يراسها الدكتور رياك ماشار، والتي انفصلت عن حركة تحرير الشعب السوداني بقيادة الرئيس سلفاكير.  

عند اندلاع المواجهات بين الفئتين المتصارعتين في جنوب السودان، قامت القنصلية السويسرية هناك بإعادته إلى الكنفدرالية في ديسمبر 2013.

رغم انتمائه إلى حركة تحرير الشعب السوداني المعارضة، يرى جبريل ماجيك دينغ آدور أن ما يقوم به ليس سوى “التزام شخصي”، يسعى من خلاله إلى “تحريك الضمائر من أجل وقف المأساة الإنسانية في جنوب السودان ودفع المجموعة الدولية إلى التدخل بدل الإشاحة ببصرها عما يحدث”.

وساطة سويسرية مطلوبة

على صعيد آخر، يرى جبريل ماجيك دينغ آدوك أن عودته إلى سويسرا تمثل فرصة للإعلام عن المشكلة القائمة في جنوب السودان والتعريف بحقيقتها من وجهة نظره. وهو ما حاول القيام به بمن خلال الإتصال ببعض المنظمات الانسانية الأممية في جنيف وعدد من الإعلاميين.

مع ذلك، يرى جبريل أن الجهود يجب أن تتركز باتجاه سويسرا وآلياتها المختلفة المختصة في المساعي الحميدة والوساطات بشتى أصنافها. ولا زال يتذكر الدور الذي لعبته سويسرا من خلال وساطتها عبر السفير السابق جوزيف بوخر في ملف جبال النوبة. وقد سبق له أن تعاون مع السفير بوخر خلال تلك الوساطة ويؤكد أن “سويسرا قدمت الكثير أثناء تلك الفترة”.

في هذا الصدد، قال جبريل لـ swissinfo.ch: “بمجرد عودتي في شهر ديسمبر 2013، حاولتُ الإتصال بِخَلَف السفير بوخر الذي أحيل على التقاعد، وقدمتُ عدة وثائق للمسؤولين في إدارة منظمة “سويس بيس” غير الحكومية. وأملي في أن تقوم سويسرا بدور نشط في هذه الأزمة علما وأنها لعبت دورا كبيرا في التحضير لاتفاقية السلام في عام 2005، وأنها متواجدة حاليا في جنوب السودان”.

هدد الداعمون الغربيون الرئيسيون لجنوب السودان يوم الأربعاء 19 مارس 2014 بفرض عقوبات مستهدفة على الطرفين المتحاربين في البلاد وحذروا من أن صبرهم بدأ ينفد قبل يوم من استئناف محادثات السلام التي لم تسفر عن شيء حتى الآن.

ولم تحقق المفاوضات تقدما يذكر بخلاف اتفاق لوقف إطلاق النار وقع في يناير الماضي لكنه انهار لاحقا. ويشكك بعض الدبلوماسيين الغربيين في التزام أي من الطرفين بإنهاء الصراع في ظل إلقاء كل طرف باللوم على الآخر في انتهاك وقف إطلاق النار.

ومن المقرر استئناف المفاوضات التي تتوسط فيها مجموعة الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) لدول شرق افريقيا يوم الخميس 20 مارس في أديس أبابا بعد توقف دام أسبوعين لكن دبلوماسيين قالوا إنه من غير الواضح ما إذا كان الطرفان سيحضران.

وقال بيان مشترك للولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج والاتحاد الأوروبي قرأه دونالد بوث المبعوث الأمريكي للسودان وجنوب السودان “إذا حاولت الحكومة أو أي طرف آخر تقويض عملية السلام وصد زعماء دول إيجاد فسوف يواجهون عواقب”.

وقال بوث وألكسندر روندوس مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص لمنطقة القرن الافريقي إن واشنطن وبروكسل تدرسان “عقوبات مستهدفة” ضد أفراد. ولم يذكرا تفاصيل.

(المصدر: وكالات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية