معرض "ملتقى الفكر والحريات" بالجزائر
قررت وزارة الثقافة الجزائرية تسمية معرض الجزائر الحادي عشر للكتاب، بملتقى الفكر والحريات.
وبسطت إجراءات دخول العناوين وحصرت الممنوعات في بعض الكتب، دون غيرها، غير أن المحصلة النهائية، أثبتت كالعادة، أن مراقبة دخول الكتاب صعبة جدا، شأنها شأن مراقبة دخول المخدرات.
ما يُلاحظ على معرض هذا العام، هو تمثيل الشركات الفرنسية بوسطاء جزائريين، أشاعوا جوّا من الراحة النفسية التي مكّـنت ملتحين ومتحجّـبات من شراء كتُـب وقواميس عربية فرنسية لأبنائهم.
وفي تصريح خاص لسويس إنفو، أكد مستورد شاب وسط الزحمة، أن زبائنه هم من المدن الكبرى، وخاصة من العاصمة ومدن القبائل الثلاث البويرة وتيزي وزو وبجاية.
على أن هذا المنطق، يُصادف عند دخول مبنى القاعة الرئيسية، حيث يُشاهد المرء على يساره مُـجمل المؤسسات الرسمية التي لديها منشورات، مثل وزارة الشؤون الدينية أو المحافظة السامية للغة الأمازيغية.
سألت سويس إنفو السيد كريم جمال، المشرف على مقـر المحافظة في المعرض عن سِـر اختيار الحرف اللاتيني في نشر اللغة البربرية، فقال: "هذا إجماع وطني وليس بربري كما تعلمون، اختيار الحرف اللاتيني مردّه إلى رغبتنا في التقدم إلى الأمام لا العودة إلى عهد التخلف والتقوقع".
رأي لا يشاركه فيه الشاب جمال، الذي لم يكمل دراسته الثانوية، حيث صرح لسويس إنفو بأنه: "بربري من العاصمة وأن دُعاة الحرف الأجنبي لا يعرفون أنهم سينفرون الجزائريين من قراءة البربرية"، مضيفا: "هناك بعض الصحف الرياضية الذكية، مثل جريدة الهداف، التي تكتب الأخبار الرياضية بالعربية والبربرية بحرف عربي، لقت رواجا واسعا لدى الشباب".
سلطة المتدينين
من ناحية أخرى، شكل الكتاب الديني المحلي والمستورد، سِـمة المعرض بلا منازع، الأمر الذي دفع ناشري الكتب العلمانية إلى الإجماع على الرأي، دون أن يلتقي بعضهم ببعض، على أن هذه السِّـمة لا تخدم انتشار كُـتبهم في السوق الجزائرية، التي يلقى فيها الكتاب رواجا لا بأس به.
يقول خالد زغلول، مدير نشر دار مصر المحروسة لسويس إنفو: "معرض الجزائر الدولي للكتاب موعِـد هام للعارضين والناشرين، ولكن الكُـتب الدينية فيه أوسع انتشارا من نظيرتها العلمانية، لأسباب عديدة لا دخل للناشرين فيها، غير أننا نتمنى أن تتغير هذه الصفة بما يخدم الثقافة والكتاب في الجزائر".
لقد كان من أبرز المدعوّين إلى حضور المعرض، الصحفية الإيطالية جوليانا سيجرينا، التي كانت توقع للقراء على كتابها الجديد حول الأوضاع في العراق وقصة أسرها هناك قبل عامين، وسألت سويس إنفو جوليانا سيجرينا حول مسألة انتشار الكتاب الديني، فقالت: "هذا أمر يجب أن ينتبه له، ولا يهم أن يُقرأ بالعربية أو الفرنسية، لأن الجزائر بلد عربي ومن الطبيعي أن يُقرأ فيه باللغة العربية، لكن يجب أن نوضِّـح أن الإسلاميين يملكون شبكة واسعة من العلاقات والدعم المادي ويرخِّـصون من حين لآخر أسعار كُـتبهم، التي يعرضونها".
وتضيف جوليانا سيجرينا: "المتدينون يملكون السلطة على المساجد والكنائس، ويوزعون الكتب فيها مجانا، ولإعادة الأمور إلى طبيعتها، يجب نشر الكتاب العِـلماني في الأماكن البعيدة في الجزائر، وعلى الناشرين أن يعوا هذا الأمر، كما أن الكتابة بالعربية لا تعني أنك إسلامي، فأنا أعرف كُـتّـابا علمانيين جزائريين يكتبون بالعربية، ولكنهم ليسوا إسلاميين مثل الكاتب الجزائري واسيني الأعرج".
شـــد وجــذب
لم يخلُ المعرض من شد وجذب بين الحكومة من جهة، وبعض الناشرين وبعض ممثلي الدول من جهة أخرى. فكتب إيرانية كثيرة بقيت محجوزة لسبب مجهول في الميناء، وناشرون آخرون سُحِـبت كتبهم لأنها تحريضية، في حين ركّـزت الصحافة الجزائرية على محتويات بعض الكتب، التي لم تتمكن وزارة الشؤون الدينية من مراقبتها.
على أن هذا المسعى، قد كشف للمرة الألف أن مراقبة دخول الكتاب أمر مستحيل، بسبب صعوبة المهمة من جهة، ولأن وزارة الشؤون الدينية لا تملك الإمكانات البشرية والعلاقات الوطيدة مع مختلف مؤسسات طبع ونشر الكتاب في العالم من جهة أخرى.
ومع أن معرض الكتاب في حدّ ذاته يمثل موعدا ثقافيا هاما، إلا أنه مثل الانقسام الحاد بين مؤسسات النشر الخاصة والمؤسسات العمومية، التي تُـشرف عليها الدولة. فمجمل من كرّمهم التلفزيون الحكومي عن طريق الإشهار لكُـتبهم أو لإسهاماتهم، رسميون أو على صلة بالرسميين، وكل من كرّمتهم دُور النشر الخاصة، معارضون أو قريبين منهم.
على أن الواقع داخل قاعات العرض قد أثبت أن الجمهور لا يُـبالي بهذا ولا بذاك في صورة مثيرة للانتباه، حيث أن الناس الكثيرين الذين حضروا مثلوا جمهورا فرح بمقدمه العارضون، لكن الاتجاهات السياسية وتناقضاتها لم تستفد كالعادة من هذا الحضور.
أسعار الكُـتُـب
أما أسعار الكتب، فهي غالية بعض الشيء، والسبب حسب أشرف منصور، المشرف على جناح دار الإسراء للنشر و التوزيع: "غلاء الكراء وقلة الخدمات التي يُـفترض أن تعرضها الجهات الرسمية على خلاف ما هو موجود في كل من تونس والمغرب، ويؤثر غلاء الكراء وقلة الخدمات على سعر الكتاب، فلو أننا حصلنا على التفهم اللازم من الجهات الرسمية، لأمكن للقارئ الجزائري أن يشتري كتبنا بما يتناسب وقدرته الشرائية".
في المقابل، تنافس الكتاب المطبوع في الجزائر مع نظيره القادم من خارجها، بسبب تحسّـن مردود المطابع الجزائرية، ولأنها وجدت الحلّ الذي طالما سعت إليه، وهو حق طبع العناوين الصادرة في الخارج داخل الجزائر.
وحول هذا الموضوع، صرح محمد ماضي، مدير دار القصبة للنشر لسويس إنفو: "القارئ الجزائري لا يفضل الكتاب المستورد على الكتاب المطبوع محليا، بسبب اختلاف العناوين، ولأننا نفاجئه بالجديد كل مرة. وعلى هذا الأساس، أمكننا تحسين أدائنا مع مرور السنوات".
لقد أبرز معرض هذا العام، أن اتجاه قراءة الجزائريين في تحسن، وأن قيود دخول الكتب وطباعتها قد أرخت سدولها قليلا، على أن العودة إلى عهد المقروئية الضخمة التي كانت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي مرهونة بسعر الكتاب، الذي لا يلقى حظ الدعم الذي تمنحه الحكومة للخبز والحليب، رغم أنه يفوقهما أهمية ونبلا.
هيثم رباني - الجزائر
المعرض الدولي للكتاب في الجزائر
انطلق معرض الجزائر الدولي الحادي عشر للكتاب بالجمعية الجزائرية للمعارض بمشاركة 668 دار نشر ويتواصل إلى غاية 10 نوفمبر.
وقد بلغ عدد دور النشر المشاركة في الحدث 668، وهو مستوى غير مسبوق، يمثلون 23 بلدا. وقد ارتفع عدد دور النشر الجزائرية من 67 في عام 2005 إلى 120 في السنة الحالية. وبلغ العدد الكلي للكتب المعروضة 80 ألف كتاب تستهدف 30% منها الأطفال والشباب.
وجاء في برنامج الحدث، أن معرض السنة الحالية يجري أثناء احتفال البلاد بذكرى اندلاع ثورة نوفمبر التي تعتبر عملا خالدا لمعانقة التحرير في 1 نوفمبر عام 1954 الذي منح فرصة أمام الجميع للمشاركة في ثورة الجزائر لوضع الكلمة على الورق تحقيقا لمعركة الحرية.
ومن بين أحداث المعرض الأخرى تنظيم سلسلة من المؤتمرات بقيادة أخصائيين جزائريين وأجانب حول الكتاب والتاريخ ولقاءات حول مساهمات عظماء المفكرين والكتاب في نشر مبادئ الكفاح والتحرير في أرجاء العالم وحفلات توقيع كتب. وقد تميّزت الأيام الأولى للمعرض بالاهتمام الواسع بالكتب الدينية بوجه خاص.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
تم إيقاف التعليقات بموجب هذه المقالة. يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.