مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تساؤلات في الإمارات حول “العثمانية الجديدة”

سيدة تركية ترفع في مظاهرة احتجاجية نظمت يوم 25 مايو 2014 في أنقرة، لافتة كتب عليها "إرهاب دولة" مرفقة بصورة لشاب لقي حتفه جراء طلق ناري من طرف قوات الأمن قبل أيام. Keystone

اعتقد أعضاء وفد تركي ضمّ نحو 14 باحثاً وأكاديمياً، أنهم سيجِدون في أبو ظبي، حيث عُقد يومي 18 و19 مايو 2014مؤتمر بعنوان "تركيا ومستقبل النموذج والدور" بدعوة من "مركز الإمارات للسياسات"، آذاناً تسمع وتُنصِت، لا ألسنة تناقش وتُجادل وتُواجه، وبالتالي، كان يكفي أن يطرح هؤلاء أو معظمهم على الأقل، أفكاراً بديهية عن المُعطيات التركية الرّاهنة والتاريخية، كي ينتهي بالنسبة إليهم النقاش ويُغلق باب الإجتهاد.

بيد أن حسابات البيدر لم تتطابق مع معطيات الحقل، إذ تقدَّم المشاركون العرب في المؤتمر، وجلّهم من دول الخليج، بمداخلات معمّقة وتحليلات موضوعية وأسئلة دقيقة، أدّت إلى بروز فجْوة عميقة وواضحة في المستويات الأكاديمية والبحثية بين كِلا الطرفين.

هذه المداخلات هي التي أسفرت في الواقع عن نجاح مرموق لهذا المؤتمر المُغلق، الذي توزَّعت أعماله على مسألة الشخصية والهوية التركيتين وعلاقتها بالسياقات التاريخية لصعود التيار الإسلامي التركي، والتحوّلات الراهنة في المشهد الإستراتيجي والسياسي التركي (بما في ذلك مستقبل العلويين والأكراد الأتراك)، ومستقبل العلاقات التركية – الغربية والدور التركي الإقليمي المُحتمل بعد الربيع العربي، وأخيراً دور الإقتصاد والتنافس على خطوط الطاقة في السياسة الخارجية التركية.

“الإنفجار”

مُعطيان إثنان ساهما في إسباغ سِمة النجاح على نِقاشات هذا المؤتمر. الأول، نجاح إدارة المؤتمر في التِقاط المسألة الرئيسية لـ “القضية التركية” الرّاهنة، المتمثّلة في أزمة الهوية الطّاحنة التي تعيشها تركيا هذه الأيام بين التيارات العِلمانية والإسلامية والطائفية والإثنية، ثمّ دفع كل المشاركين إلى تركيز الانتباه عليها، وهو ما أدّى إلى محصّلة مُدهشة تمثلت في تفجّر ما يمكن أن يكون “حرباً أهلية باردة” بين المشاركين الأتراك الذين ينتمون إلى كل التيارات المتصارِعة في بلاد الأناضول.

فقد انبرى على سبيل المثال، ممثلو الأقلية العلوية، التي يُقال أنها تضم ما بين 10 إلى 12% من إجمالي الشعب التركي (74 مليون نسمة وفق إحصاء عام 2010)، إلى التنديد بما وصفوه بالتمييز الذي يُمارس ضدّهم في البلاد، خاصة منذ أوائل ستينيات القرن العشرين، على رغم أنهم كانوا من أشدّ أنصار الدولة التركية الحديثة. وبالطبع، كان بدِيهياً أن يُبدي هؤلاء قلقاً أعمَق إزاء الهوية التركية الجديدة، التي يحاول حزب العدالة والتنمية الحاكِم منذ موفى 2002 بلْورتها، من خلال عقْد قِران الهوية العثمانية الإسلامية على الهوية القومية الكمالية.

ممثلو الأكراد في المؤتمر كانوا أكثر حِدّة حتى من العلويين في إبداء الإمتِعاض من بُطء حزب العدالة والتنمية في تلبية مطالبِهم، على رغم صفقة السلام التي أبرموها معه منذ أكثر من سنة. وهنا أيضاً، كانت إشكالية الهوية التركية تطرح بقوّة، لأن جهود العدالة والتنمية لدمْج الاكراد في إطار الهوية العثمانية الجديدة، تصطدِم بمُمانعة مُطلَقة من القوميين الأتراك العِلمانيين، الذين يرفضون أصلاً الإعتراف بالأكراد كعِرق مستقِل ويصرون على تسميتهم “أتراك الجبال”.

أما ممثلو حزب العدالة والتنمية في المؤتمر، فقد خيّم على مُداخلاتهم ونِقاشاتهم بعض القلق والتوتّر، ما عكس بجلاء طبيعة الأزمة الرّاهنة التي يواجهها الحزب في الداخل التركي.

حين جاء الأمر لتقييم مستقبل النّزعة “العثمانية الجديدة” ودورها في المنطقة العربية، كان واضحاً  أن كل الأطراف تقريباً تتّفق على أن النّكسات التي تعرّض إليها الإخوان المسلمون في مصر والذين دعَمهم حزب العدالة والتنمية، فاقَمت إلى حدٍّ كبير من أزمة الهوية في الداخل التركي، ما أسفر عن تراجُعٍ واسعٍ للحيوية الجيو – سياسية التركية السابقة في المنطقة العربية، وهي الحيوية التي دفعت آنذاك العديد من المُراقبين (بمن فيهم كاتب هذه السطور) إلى الإستِنتاج بأن الحِقبة العثمانية عادت بالفعل إلى المنطقة، وهي تتمنْطَق هذه المرة بمزايا القوة الليِّنة أو الناعمة (Soft power) لا بحِراب فرق الإنكشارية الشهيرة.

بيد أن بعض المشاركين نبّهَ إلى ضرورة عدم القفز إلى نتائج متسرّعة، قِوامها أن تركيا الأردوغانية ستُواصل اتباع سياسة خارجية تُهيمن عليها الأيديولوجيا. وأعادوا إلى الأذهان، أن جلّ تاريخ تركيا استند دوماً إلى عامليْن إثنين: الأولوية القصوى للمصالح القومية والبراغماتية في حدودها القصوى أيضاً، بغضّ النظر عمّن يحتلّ مقر “الباب العالي”، سواء أكان إسلامياً عثمانية أو علمانياً كماليا أو إسلاماً أردوغانياً، كما الأمر الآن، وبالتالي، توقّع هؤلاء أن يغيّر أردوغان قريباً توجّهاته إزاء الإخوان المسلمين العرب، بعد أن تحوّلواً من “كنز” للمصالح التركية إلى “عِبْء” عليها.

“تركيا الجديدة”

هذا عن معطى النجاح الأول. أما المعطى الثاني فهو يتعلّق بالعملية التخطيطية والتنظيمية للمؤتمر. وهنا اتفق العديد من المشاركين، والذين ناهز عددهم الخمسون، على أمرين إثنين: الأول، أن مركز الإمارات للسياسات قدّم، رغم حداثة عهده (عمره أقل من سنة) نموذجاً راقياً لعمل مراكز الأبحاث على مستوى التخطيط، والتحضير، واختيار المحاور، والهيكلية التنظيمية، والأهم على مستوى الإدارة الدقيقة للجلسات والحوار حول تركيا.

بيد أن مسألة التمخضات التركية الراهنة، والتي يبدو أنها ستستمر ردحاً من الزمن، تحتاج إلى المزيد من النقاشات والمؤتمرات العربية – التركية المشتركة، لسببين إثنين: الأول، أن معركة الهوية الطاحنة اليوم في هذه الدولة الإسلامية الكبرى، ستكون هي نفسها غداً معركة باقي الدول الإسلامية الباحثة هي الأخرى عن التوازن بين التراث والحداثة والأصالة والمعاصرة. والثاني، أن التطورات في “تركيا الجديدة” (إذا ما جاز التعبير)، والتي تتمحور حول دورها في “عمقها الإستراتيجي” في الشرق الأوسط الكبير، ستترك تأثيرات جيو- استراتيجية ضخمة وعميقة على كل هذا الأقليم، مهما كان مصير أو مستقبل حزب العدالة والتنمية الحاكم حاليا.

وهذان المعطيان كانا واضحين تماماً لدى كل المشاركين، عرباً وأتراكاً هذه المرة، في مؤتمر أبوظبي.

اتهم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يوم الثلاثاء 3 يونيو 2014 الصحافة الأجنبية بما فيها قناة سي ان ان بممارسة نشاطات “تجسس” والسعي إلى اثارة اضطرابات في بلاده، بعد أعمال عنف يوم السبت 31 مايو في اسطنبول. وقال اردوغان في كلمته الاسبوعية أمام نواب حزبه انه “تم الإمساك بالمتزلفة سي ان ان (…) متلبّسة” بجريمتها.

واوقف مراسل القناة الاخبارية يوم السبت 31 مايو الماضي لفترة قصيرة عندما كان ينقل مباشرة تغطية انتشار أمني هائل أمرت به السلطات في ساحة تقسيم باسطنبول لمنع التجمعات في الذكرى الأولى لانتفاضة يونيو 2013 ضد الحكومة. وأفرج عن ايفان واتسن الذي اوقفه شرطيون بالزي المدني، سريعا بعد تفتيش هويته، مع اعتذارات الشرطة.

وقمعت قوات الامن يوم السبت بشدة في اسطنبول وانقرة آلاف المتظاهرين الذين تحدوا قرار السلطات حظر الإحتفال بذكرى اضطرابات غيزي، واعتقلت العديد منهم.

وقال اردوغان إن وسائل الاعلام الاجنبية “لا علاقة لها بحرية الصحافة. لديهم مهمة ويتحركون كجواسيس”، مؤكدا ان “وسائل الاعلام الدولية وصلت الى اسطنبول لاطلاق نداءات استفزاز مبالغ فيها، لكنهم عادوا بخفي حنين”. وقد هاجم رئيس الحكومة خلال اضطرابات السنة الماضية التي أسفرت عن سقوط ثمانية قتلى وأكثر من ثمانية آلاف جريح، الصحافة الأجنبية واتهمها بالمشاركة في “مؤامرة” على نظامه. وتنتقد منظمات الدفاع عن حرية الصحافة تركيا بانتظام لانتهاكها حرية الصحافة.

وفضلا عن الصحافة هاجم رئيس الوزراء أيضا يوم الثلاثاء 3 يونيو المعارضة التي قال إنها “تدخن الحشيشة” وتتآمر عليه. ويُتوقع أن يُعلن اردوغان الذي حقق حزبه فوزا كبيرا في الإنتخابات البلدية التي جرت في الثلاثين من مارس الماضي ويحكم البلاد بلا منازع منذ 2003، ترشيحه الى الإنتخابات الرئاسية المقررة في 10 و24 أغسطس 2014.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 3 يونيو 2014)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية