مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نتائج الإنتخابات البرلمانية تُبقي الجزائر في منأى عن الربيع العربي.. إلى حين!

عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الذي تحصل على 220 مقعدا في الإنتخابات البرلمانية التي نظمت يوم 10 مايو 2012 في الجزائر swissinfo.ch

عندما أعلن وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية، فوز جبهة التحرير الوطني بأغلبية مقاعد البرلمان، صرخ الصحفيون من شدة الدهشة، عندما علموا أنها حصلت على 220 مقعدا، ولأنهم فهموا أيضا، أن الوضع في الجزائر لم يتأثر برياح الربيع العربي.

قبل إعلان النتائج كانت swissinfo.ch، متواجدة في مكتب عبد المجيد مناصرة، رئيس جبهة التغيير الإسلامي، الذي علم بالفوز الساحق لجبهة التحرير قبل إعلان وزير الداخلية، كما كان يبدو عليه الغضب والدهشة في آن واحد، وصرح قائلا: “لقد ضيع الشعب الجزائري التغيير بنفسه، لأنه رفض المشاركة بقوة في التصويت، وترك المجال للجيش وقوى الأمن، كي تصول وتجول في مكاتب الإنتخاب، وتصوّت حسب ما تلقته من أوامر لحزبي السلطة، جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي”.

وأضاف عبد المجيد مناصرة لـ swissinfo.ch: “هذا برلمان حسني مبارك مكرر، وخطره على استقرار البلد عظيم، لأنه منقطع عن الواقع، والناس لم ينتخبوه، وأعتقد أن القادم أسوأ، و قد يلجأ الجزائريون إلى العنف في الأشهر القادمة، لأن مشاكلهم لن تحل من قبل هذا البرلمان، الذي فُـرض على الجزائريين بالقوة”.

من ناحيتها، وفي سياق الرد على عبد المجيد مناصرة، بخصوص استعمال القوة لفرض البرلمان، ردت وزارة الداخلية الجزائرية، بالقول أن الأحزاب المنهزمة بما فيها حزب مناصرة، قد قبلت بالتمثيل النسبي الذي يمنع على أي حزب دخول البرلمان، إذا لم يفز بأكثر من خمسة بالمائة من الأصوات، كما أن مناصرة وغيره، قد قبلوا فكرة القرعة ما بين الأحزاب المشاركة، لتعيين خمسة مراقبين في كل مكتب انتخابي.

ولئن كان واضحا معنى الإنتخاب النسبي، إلا أن قبول الأحزاب المنهزمة لفكرة القرعة ما بين الأحزاب لاختيار مراقبي الصناديق قد أدى إلى خلط أوراق الجميع، لأنه – وعلى فرض تمتع حزب مناصرة، وحزب العمال لزعيمته لويزة حنون بعدد كاف من المناضلين، يسمح بتغطية كل مكاتب الاقتراع في الجزائر – إلا أن هذا ليس هو حال أحزاب صغيرة فازت في القرعة وتركت آلاف المكاتب فارغة، إلا من رجال الإدارة، لأنها لا تملك العدد الكافي من المناضلين لتأمين القيام بالمهمة.

ويرى ممثل لحزب العدالة و التنمية الذي يرأسه الشيخ عبد الله جاب الله أن “السلطة خططت لكل شيء كي تسير الإقتراع كما تشاء، وكنا نظن أن التغيير في الجزائر ممكن عبر الصندوق، إلا أن هذا لم يحدث”.

أحزاب إسلامية.. لا يثق الشعب فيها

من ناحيته، يرى المحلل السياسي طاهر البليدي، في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أن “السلطات الجزائرية، لم تر تسليم السلطة لغيرها أمرا ذو جدوى، والبلاد لا تعيش ثورة ولا عنفا”، ويضيف طاهر البليدي “أعتقد أن الدولة تريد تغييرا هادئا تقوده هي، لا يزلزل أركان الدولة، لأن تعديل الدستور أمر محتم، لذا فإن أصحاب القرار بقوتهم سيغيرونه كما يرونه مناسبا، دون إزعاج من إسلاميين ويساريين.”

وقد أظهرت هذه الإنتخابات أن الإسلاميين الجزائريين ليسوا بالقوة التي هي موجودة في تونس والمغرب ومصر، بل على العكس من ذلك، هم أضعف من الحزب الحاكم. وفي هذا الصدد، يبرّر علي بلحاج، الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، هذه الهزيمة في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “الهزيمة أمر متوقع، لأنها أحزاب إسلامية تعاملت مع السلطة وتعاونت معها وشاركتها في الحكم، ولا يمكن للشعب أن يثق في أحزاب كهذه، ومسألة إعادة بناء الثقة تحتاج إلى وقت، لكني أظن أن هزيمة الأحزاب الإسلامية، إنما هي نتيجة حتمية لابتعادها عن الشعب الجزائري وهمومه”.

من ناحيته يرى الشيخ عبد الله جاب الله، أن هزيمة الأحزاب الإسلامية لا تعبر عن قوتهم الحقيقية على أرض الواقع “لأن النظام قرر التدخل لصالح الأحزاب التي تخدمه ولا تخدم الصالح العام للشعب الجزائري، وأتوقع أن تكون لهذه الإنتخابات آثار سلبية على الإستقرار في البلاد”.

“جيل الثورة.. طــاب” (أي نضُج جنانه)

وفي المركز الدولي للصحافة في الجزائر العاصمة، التقت swissinfo.ch بصحفيين جزائريين، رددوا نفس الفكرة، وهي أن نتائج هذه الانتخابات، إنما هي تمهيد للإنتخابات الرئاسية المقبلة. فالرئيس القادم لابد أن يكون من حزب جبهة التحرير الوطني، لأنها الفائز الأكبر، والصراع سيحتدم ما بين قادة الجبهة وزعمائها كي يحصلوا على فرصة الترشح والفوز بالإنتخابات.

غير أن العجيب في نتائج برلمانيات هذا العام، هو تضعضع فرص أحمد أويحيى في الفوز برئاسة الجزائر، لسببين. الأول، هو نتيجته الضعيفة جدا، بالمقارنة مع جبهة التحرير التي فازت بـ 220 مقعدا، في حين فاز حزبه التجمع الوطني الديمقراطي بـ 68 كرسيا فقط.

أما السبب الثاني، فهو اقتناع “أهل القرار” في الجزائر، حسبما يبدو أن أويحيى قد يصبح عائقا كبيرا على الأمن والإستقرار في البلاد إذا ما أصبح رئيسا، وهذا احتمال بعيد بالنظر إلى الشعبية السيئة لأويحيى، وهو خصم توجس منه قادة جبهة التحرير الوطني خيفة في الفترة الأخيرة، خاصة عندما أعلن الرئيس بوتفليقة لمقربيه قبل أشهر، أنه لن يترشح لعهدة رئاسية رابعة بسبب كبر سنه والمرض الذي يُلمّ به، وهو الأمر الذي أعلنه بوتفليقة أمام الملأ في خطاب شعبي بمدينة سطيف يومين قبل موعد الإقتراع، وجاء على لسان بوتفليقة: “إن جيل الثورة الذي حكم البلاد قد طاب، أي نضج جنانه” وكرر هذه الجملة ثلاث مرات.

العد التنازلي.. هل بدأ؟

رغم كل شيء، يجب أن يُقاس الفرح بالفوز الذي أظهرته جبهة التحرير الوطني بمعطيات المرحلة الحالية، حيث أجمع المراقبون على أنه قد يكون الرصاصة الأخيرة للنظام الجزائري كي يبدأ عملية إصلاح سياسي واقتصادي ومعيشي حقيقية، وإلا، فإن النتيجة قد تكون إحباطا عاما بسبب عدم تغير الأمور.

ومع أن بعض المراقبين يرى أن هذا الإحتمال ممكن، إلا أنه قد يدل في نفس الوقت، على أن جبهة التحرير قد تلقت هدية مسمومة بشكل متعمد وأن عدم نجاحها في تلبية مطالب الجزائريين هذه المرة، قد يعني انهيارها وزوالها إلى الأبد، وهو أمر ترغب في حدوثه تيارات جزائرية كثيرة.

في المقابل، يبدو أن الإصرار (من طرف الدولة العميقة مثلما يزعم البعض) على فوز جبهة التحرير واستبعاد أويحيى من سباق الرئاسة وإشراك جبهة القوى الاشتراكية لزعيمها حسين آيت أحمد في الإنتخابات، وهو الحزب المعارض الرئيسي في البلاد بلا منازع، قد يعني أن العد التنازلي لخلافة بوتفليقة أصبح أمرا واقعا، وأن الرئيس القادم للجزائر قد تم اختياره، بما أن حزبه قد اختير، ليبقى العامل الأخير في المعادلة: متى ينفذ صبر الجزائريين وسط كل هذه المستجدات؟ أم أن هذا السؤال لا ينبغي طرحه أصلا ما دامت الجزائر مختلفة عن باقي الدول العربية، وهي في منأى عن الربيع العربي… إلى حين.

اكد رئيس المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب) المنتهية ولايته في الجزائر يوم الاثنين 14 مايو 2012 أن الفضل في فوز حزب جبهة التحرير الوطني في الانتخابات التشريعية يعود للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كما جاء في مقابلة مع صحيفة الشروق نشرت يوم الاثنين.

وقال عبد العزيز زياري رئيس المجلس والقيادي في حزب جبهة التحرير في المقابلة “النتائج التي حصل عليها الحزب هي نتائج الرئيس بوتفليقة ولا فضل لبلخادم (عبد العزيز، الامين العام للحزب) او لغيره في النتيجة المحققة”.

وتابع “رغم ما يقال عن تجذر الحزب في أوساط الجزائريين، فيجب أن نعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله”.

واوضح زياري الذي لم يترشح لهذه الانتخابات بسبب خلاف مع الامين العام للحزب “220 مقعدا في البرلمان القادم، تودع في حساب الرئيس بوتفليقة، ولا تحسب لأي شخص آخر، فحديث الرئيس عن انتمائه السياسي في خطابه بسطيف رجح الكفة لجبهة التحرير، ونداؤه كان واضحا واعتقد ان المواطنين فهموا الدعوة الصريحة التي اطلقها الرئيس”.

واضاف “لا يجب ان نحجب الشمس، فالجميع يعلم ان بوتفليقة هو الرئيس الشرفي لجبهة التحرير، وتصويت الجزائريين لصالحها كان استجابة لرغبة الرئيس”.

وكان بوتفليقة وجه نداء في مدينة سطيف (300 كلم شرق الجزائر) الى الجزائريين للتصويت بقوة يوم الأحد العاشر من مايو. وقال ان “حزبي معروف ولا غبار عليه”، بدون ان يذكر حزب جبهة التحرير الوطني، بحسب الصحف.

وفاز حزب جبهة التحرير الوطني بـ 220 مقعدا يليه حليفه التجمع الوطني الديموقراطي الذي حصد 68 مقعدا، اي ما مجموعه 288 مقعدا، ما يعني اغلبية مريحة في البرلمان تتيح تمرير كل القوانين، واولها تعديل الدستور الذي وعد به بوتفليقة في خطاب 15 ابريل 2011 عندما اعلن اصلاحاته السياسية.

وقال زياري ان الشعب الجزائري “قال لا للمشروع الإسلاموي، وانا كمواطن قبل ان اكون مسؤولا، اعتبر ان استجابة الجزائريين للرئيس (…) كانت ردا صريحا، حاسما ورافضا للمغامرة بتجريب المشروع الإسلاموي”.

واضاف “نحن لا نرفض الآخر وسنقبل بها (الاحزاب الاسلامية) شريكا، وليس صاحبة مشروع لأنها حاولت استنساخ تجربة ما اصطلح عليه بالربيع العربي”.

ولم تحصل الاحزاب الاسلامية السبعة مجتمعة الا على 59 مقعدا.

وهدد رئيس حزب العدالة والتنمية الاسلامي المتشدد عبد الله جاب الله بثورة في الجزائر على الطريقة التونسية لاحداث التغيير الذي فشل فيه الاسلاميون عن طريق الإنتخابات. بينما قال ابو جرة سلطاني المقرب من الاخوان إن “الربيع العربي في الجزائر صار مؤجلا”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية فرانس برس بتاريخ 14 مايو 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية