مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مرة أخرى يجد الأردن نفسه في “عين العاصفة”

يوم 11 مارس 2014، نفذ محامون وقضاة أردنيون إضرابا داخل قصر العدالة لمطالبة الحكومة بترحيل السفير الإسرائيلي وبالإفراج الفوري عن الجندي أحمد الدقامشة واحتجاجا على مقتل القاضي رائد زعيتر من طرف جنود إسرائيليين على جسر ألينبي، نقطة العبور بين الأردن والضفة الغربية Keystone

لم يمر مقتل القاضي الاردني رائد الزعيتر قبل أكثر من أسبوع على يد جندي اسرائيلي مرور الكرام، فالأردنيون شعروا بمرارة ما اعتبروه إهانة اسرائيلية أخرى توجه للاردن، وصب الشارع الاردني جامّ غضبه ليس فقط على إسرائيل وإنما أيضا على ما اعتبره "تخاذلا رسميا" حيال القضية برمتها.

وما من شك في أن الأردن يمر بمرحلة صعبة للغاية نتيجة لتضافر عدد من التقلبات في الإقليم، فإصرار اسرائيل على “يهودية الدولة” كشرط لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، والتحرش الإسرائيلي بالأردن فيما يتعلق بالوصاية الاردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، وتطورات الأوضاع في سوريا، وتدهور العلاقة بين قطر وحلفاء الأردن في منطقة الخليج، عوامل تجمّعت وأدت إلى الرفع من حدة التحديات التي دفعت بالمملكة الهاشمية لتكون هذه الأيام في عين العاصفة.

إسرائيل والوضع الأردني الداخلي

الحديث عن “خطة – إطار” يمكن أن يطرحهاجون كيري،  وزير خارجية الولايات المتحدة في قادم الأيام قلبت الأوراق في الأردن بعد أن هبّت قوى سياسية مختلفة للدفاع عن مصالح الأردن ضد ما اعتبر “تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن”. فقد اعتبرت أغلب القوى السياسية الفاعلة في المملكة أن إصرار إسرائيل على يهودية الدولة من شأنه أن يُفضي إلى “توطين اللاجئين” الفلسطينيين بالاردن، وهنالك من اعتبر ذلك “توطئة لوطن بديل” للفلسطينيين.

أكثر من ذلك، فقد تراشق الأردنيون الإتهامات فيما بينهم بخصوص خطة كيري ومآلات القبول بيهودية الدولة. وفي هذا السياق، يلاحظ الكاتب الصحفي ماهر أبو طير أن “مستوى التراشقات الإقليمية في الاردن وبين مكونات البلد، وتحديداً بين النخب، وبعض العامة، مستوى مؤسف جداً، والصراع المفترض مع الاسرائيليين، على خلفية مقترحات كيري، التي لم يتم اعتمادها بعد، يتحول إلى صراع سياسي بين مكونات الأردن”.

وقد زاد من مخاوف الأردنيين قيام أحد أعضاء حزب الليكود بطرح قضية الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس على طاولة النقاش. وكما هو معلوم، تمنح المادة التاسعة من معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية الاردن حق الوصاية على هذه المقدسات، وبالتالي فإن قيام الكنيست بمناقشة الأمر وبحث إمكانية سحب ولاية الأردن عنها شكل دليلا اضافيا لدى الكثير من الاردنيين بأن إسرائيل تتحرش بالأردن. تبعا لذلك، ارتفعت حدة مخاوف الأردنيين الذين ربطوا المسألة بيهودية الدولة وبإمكانية تحويل الاردن إلى وطن بديل للفلسطينيين. وهنا ثار الملك وأعلن عن غضبه واتهم جهات بعينها بإثارة الفتنة، كما هدد بالكشف عن أسماء الذين يُروّجون للوطن البديل في الأردن.

مع ذلك، بقي الشارع الاردني – وبالرغم من التطمينات الملكية المتعلقة بصلابة الجبهة الداخلية وقوة الأردن التفاوضية – متوجّسا من كل ما تقوم به إسرائيل أو تعلن عنه، وبالتالي يمكن فهم ردة فعل الشارع الاردني على قيام جندي اسرائيل بقتل قاض أردني بدماء باردة، فجدد البرلمان الأردني الطلب من الحكومة طرد السفير الإسرائيلي وإطلاق سراح الجندي أحمد الدقامسة الذي قتل سبع فتيات اسرائيليات في حادثة الباقورة الشهيرة عام 1997، ولا زال معتقلا في السجون الاردنية.

ماهر أبو طير، كاتب صحفي

الصراع المفترض مع الإسرائيليين على خلفية مقترحات كيري التي لم يتم اعتمادها بعدُ، يتحول إلى صراع سياسي بين مُكوّنات الأردن 

الأزمة السورية واللاجئين

على مدى السنوات الثلاث الماضية، اتخذ الاردن موقفا حذرا حيال الأزمة السورية بالرغم من المحاولات الخليجية لدفع عمان للتورط في الأزمة. وبشكل عام، ما كان يمكن للأردن أن يتصرف بشكل مُغاير بالنسبة لسوريا وبخاصة وأن الولايات المتحدة كانت وما زالت مترددة في كيفية التعاطي مع الملف السوري. صحيح أن الأردن يعتبر النظام السوري سببا رئيسا بالأزمة وأن بقاء بشار لن يكون ممكنا، إلا أنه يرى في الوقت ذاته أن هناك نتظيمات إرهابية يجب أن لا يُسمح لها بالوصول إلى السلطة في دمشق لما تحمله من أجندات خطرة ولما تشكله من تحد أمني للأردن ذاته.

في الفترة الحالية، يشكل استمرار تدفق اللاجئين السوريين إلى الاردن تحديا كبيرا أمام الحكومة. فبعد مرور ثلاثة أعوام على بدء الأزمة السورية لجأ إلى الاردن ما يقارب من 585 الف سوري (اي ما يقارب من 10% من سكان المملكة). وفي تقرير نشرته في عددها الصادر يوم الاحد 16 مارس 2014، نقلت إحدى اليوميات عن بيان مشترك لمنظمات الأمم المتحدة في الأردن أن “20 بالمائة من اللاجئين السوريين يعيشون في الأردن داخل مخيمات اللاجئين، بينما يقطن الأغلبية في القرى والبلدات والمدن في جميع أنحاء المملكة، حيث زاد هذا في الضغط على الخدمات الصحية والتعليمية والنظافة والموارد المائية”.

في الأثناء، يرى مراقبون أنه من المستبعد أن يُقدم الأردن على أي خطة عسكرية لتغيير موازين القوى في سوريا إلا اذا كان ذلك ضمن توجه دولي وتحالف يكون على رأسه الولايات المتحدة، غير أن ما تسعى عمان لتحقيقه هذه الأيام هو تأمين مساعدات نقدية لمواجهة استحقاقات استضافة اللاجئين السوريين. وقد شكل هذا الهم مدخلا هاما لفهم تحركات الأردن الرسمي تجاه قضية اللاجئين السوريين.

أخيرا، هناك من يُحذر من “تحديات أمنية مرتقبة” في قادم الأيام نتيجة لفشل المجتمع الدولي في تقديم المساعدات الضرورية التي يحتاجها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في الأردن.

الاخوان المسلمون وأزمة الخليج

ما من شك في أن الأردن يتفق مع السعودية بشأن الموقف من الاخوان المسلمين، فبالرغم من أن علاقة النظام الاردني مع الاخوان المسلمين غير عدائية، إلاأن الثورة المضادة التي شنتها السعودية ضد الربيع العربي وضد الاخوان المسلمين أراحت الأردن قليلا. غير أن عمان تفاجأت من اندلاع الأزمة الخليجية الأخيرة التي أفضت الى استدعاء ثلاث دول خليجية (السعودية، البحرين، والامارات العربية المتحدة) لسفرائها من دولة قطر التي ما زالت تدعم الاخوان المسلمين وبخاصة في مصر.

واستباقا لأي خطوة اردنية قد تأتي تأييدا للموقف السعودي، قام السفير القطري في عمان بزيارة رئيس الوزراء الاردني، وهي زيارة لافتة نظرا لتوقيتها. وفي هذا الصدد، يقول الكاتب الصحفي ماهر أبو طير: “الأردن لم يبلور موقفا سلبيا من قطر لأن العلاقة بالأساس هي فاترة بين عمان والدوحة ولأن الاردن ينظر إلى المسألة في إطار العتب الخليجي الذي لن يتحول إلى قطيعة بين مكونات البيت الخليجي الواحد”، حسب رأيه.

ولأسباب موضوعية لا يمكن للأردن أن يتخذ موقفا غير الحياد من هذا الخلاف، كما أن “السعودية لم تطلب منه  أن يتخذ موقفا مغايرا لذلك”، مثلما يقول المحلل السياسي جهاد المحيسن، الذي يضيف بأن الأردن “لا يُمكن له أن يُجرّم الاخوان المسلمين لأسباب داخلية وأخرى تاريخية ترتبط بالعلاقة التاريخية والتحالفية بين الحركة الإسلامية والنظام الأردني”، على حد قوله.

خلاصة القول، لقد تركت مجمل التقلبات والتطورات التي عصفت بالإقليم أثرا كبيرا على الأردن الذي يُعاني من انكشاف استراتيجي واضح حدّ من هامش مناورة رأس الدولة ووضع السياسة الخارجية للبلاد في موضع الإنتظار وردات الفعل بدلا من المبادرة الإيجابية. ويبدو أن الأيام القادمة ستكون حُبلى بالتطورات التي “قد تُجبر الأردن على مغادرة مُربّع الحياد التام”.

زار العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني مساء الأحد 16 مارس 2014 عائلة القاضي الاردني رائد زعيتر الذي قتل برصاص الجيش الاسرائيلي يوم الاثنين الماضي (10 مارس) من “أجل تقديم العزاء”، حسبما أفاد بيان صادر عن الديوان الملكي الاردني.

وأظهرت صورة نشرتها صحيفة “الرأي” الحكومية الملك عبد الله وهو يعانق والد رائد زعيتر كتب عليها “الملك عبد الله الثاني يُواسي والد الشهيد رائد زعيتر لدى تقديم جلالته العزاء في الشهيد الذي قضى برصاص جنود الاحتلال الاسرائيلي الاثنين الماضي”.

وقتل القاضي في محكمة صلح عمان رائد زعيتر (38 عاما) وهو أب لطفلين ويتحدر من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية يوم الاثنين 10 مارس 2014 برصاص الجيش الاسرائيلي على معبر اللنبي الذي يصل بين الضفة الغربية المحتلة والاردن.

واعربت اسرائيل يوم الثلاثاء 11 مارس عن اسفها لمقتل زعيتر، فيما حملت الحكومة الاردنية نظيرتها الاسرائيلية “المسؤولية الكاملة” عن هذا الامر واصفة ما جرى بانه “جريمة بشعة”.

وكان مجلس النواب الاردني أمهل الحكومة الاردنية حتى الثلاثاء المقبل (18 مارس) للرد على مطلبه بطرد السفير الاسرائيلي من عمان وسحب السفير الاردني في تل ابيب ردا على مقتل القاضي زعيتر.

كما طالب المجلس بالافراج عن الجندي الاردني احمد الدقامسة المسجون منذ 13 مارس 1997 بعد ان اطلق النار من سلاح رشاش على طالبات اسرائيليات كن في رحلة عند الحدود الاردنية الاسرائيلية فقتل منهن سبعا وجرح خمسا وإحدى المدرسات. ووقعت العملية بعد ثلاث سنوات تقريبا من توقيع الاردن على معاهدة سلام مع اسرائيل. وطالب حزب جبهة العمل الاسلامي، الذراع السياسية للاخوان المسلمين وابرز احزاب المعارضة في الاردن واحزاب ونقابات بإلغاء معاهدة السلام بين البلدين التي وقعت عام 1994.

وشهد محيط السفارة الاسرائيلية في منطقة الرابية غرب عمان خلال الايام الماضية مظاهرات شاركت فيها الحركة الاسلامية واحزاب يسارية وقومية تنديدا بمقتل القاضي الاردني وللمطالبة بطرد السفير الاسرائيلي من عمان.

(المصدر: وكالة الصجافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 17 مارس 2014)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية