مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل اقترب موعـد “معركة دمشق”؟

صورة التقطت يوم 27 فبراير 2014 تظهر مدنيين لدى مرورهم بجوار مبنى دمرته براميل البنزين التي ألقت بها طائرات حكومية يوم 26 فبراير على ضاحية الأنصاري قرب مدينة حلب شمال سوريا. Keystone

قال نشطاء سوريون يوم الأربعاء 19 مارس 2014 إن مقاتلي المعارضة استولوا على سجن يقع خارج مدينة درعا مهد الإنتفاضة السورية التي دخلت هذا الشهر عامها الرابع وأطلقوا سراح عشرات السجناء. وسيطر المقاتلون على سجن غرز المركزي على مشارف درعا قرب الحدود مع الأردن بعد اشتباك مع قوات الرئيس بشار الأسد.

طيلة الأشهر القليلة الماضية، كانت الأنباء تتواتر باستمرار عن قرب فتح جبهة العاصمة دمشق، إنطلاقاً من درعا والحدود الجنوبية لسورية مع الأردن التي يبلغ طولها نحو 375 كيلومتر بيد أن شيئاً من هذا لم يتحقق، عدا المكاسب الجغرافية المحدودة التي حصدتها قوى المعارضة المسلحة، وبشكل متواصل أسبوعياً تقريباً، في منطقتي الجولان ودرعا ومؤخراً في السويداء. هذا في حين كان جل تركيز المعارضة والقوى الدولية والإقليمية المعارضة للنظام السوري الحالي، منصباً على الجبهة الشمالية المتاخمة للحدود التركية، لا الجبهة في الجنوب.

مؤشرات جديدة

في الأثناء، يبدو أن الأمور مقبلة على تغييرات كاسحة في الآتي من الأيام. وهناك مؤشرات عدة لا واحد على ذلك:

 

المؤشر الأول: الإنهيار شبه الكامل لأي فرصة للوفاق الأمريكي- الروسي حول التسوية السياسية في سوريا، في أعقاب كلٍ من فشل مؤتمر جنيف 2 الذي أنحى المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي بلائمته (أي الفشل) على النظام السوري، وانفجار الأزمة الأوكرانية ومعها شبح عودة شكل من أشكال الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن.

ويُجمع العديد من المحللين الغربيين على توقع قيام الولايات المتحدة الآن برمي بعض ثقلها وراء المعارضة المسلحة في جنوب سوريا، من جهة بهدف تمديد خطوط المجابهة مع روسيا (التي يستنزفها، كما إيران، الدعم الكثيف للنظام السوري المُفلس) إلى الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى لتعديل موازين القوى في بلاد الشام إلى درجة تكفي لإقناع الرئيس بشار الأسد بالعودة إلى طاولة مفاوضات، لكن هذه المرة مع استعداد للتوصل إلى تسوية ما.

المؤشر الثاني: تأكيد ديفيد أغناتيوس، الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” المُقرّب من دوائر البنتاغون، قبل أيام، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي. أي. آي) تدرب وتخرّج 250 عنصراً من المعارضة السورية شهرياً، يتوجهون بعدها إلى القتال في الجبهة الجنوبية. هذا في حين سرت أنباء غير مؤكدة بأن القوات الخاصة الأمريكية تدرّب أيضاً العديد من كوادر المعارضة المسلحة السورية على الحرب ضد الإرهاب في قاعدة عسكرية خليجية.

وتشير تقارير نشرتها صحف أمريكية عدة أن المعارضة السورية في الجنوب طالبت (وحصلت على) مدافع رشاشة ثقيلة ستمكّنها قريباً من إسقاط الطائرات المروحية، هذا في حين كان أغناتيوس يؤكد أن المملكة السعودية أرسلت بالفعل إلى الأردن صواريخ مضادة للطائرات، لكن هذه الدفعة لم تُسلَّم إلى المعارضة بانتظار الضوء الأخضر الأمريكي.

المؤشر الثالث: القرارات التنظيمية الأخيرة التي اتخذها الإئتلاف الوطني السوري، والتي انتقلت بموجبها القيادة العسكرية للمعارضة من الحدود التركية إلى مدينة الرمثا على الحدود الأردنية، عبر تعيين عبد الإله البشير النعيمي قائداً والعقيد المنشق هيثم نفيسي (وهو أحد قادة جبهة ثوار سورية التي يتزعمها جمال معروف، النجم الصاعد في المعارضة المسلحة السورية) نائباً له.

هذه الخطوة التنظيمية، التي أسفرت عن تشكيل “غرفة عمليات” واحدة للجبهة الجنوبية بدعم من الأجهزة الأمنية الأمريكية والأوروبية والعربية، بقيادة النعيمي، والتي ستنسِّق نشاطات نحو 30 ألف مسلح ينتمون إلى تنظيمات رئيسة، وينشطون في منطقة شاسعة تمتد من ضواحي دمشق شمالاً إلى الحدود الجنوبية لسوريا ومرتفعات الجولان.

المزيد

المزيد

مرة أخرى يجد الأردن نفسه في “عين العاصفة”

تم نشر هذا المحتوى على وما من شك في أن الأردن يمر بمرحلة صعبة للغاية نتيجة لتضافر عدد من التقلبات في الإقليم، فإصرار اسرائيل على “يهودية الدولة” كشرط لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، والتحرش الإسرائيلي بالأردن فيما يتعلق بالوصاية الاردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، وتطورات الأوضاع في سوريا، وتدهور العلاقة بين قطر وحلفاء الأردن في منطقة الخليج، عوامل تجمّعت وأدت…

طالع المزيدمرة أخرى يجد الأردن نفسه في “عين العاصفة”

إلى دمشق..

“يتم التحضير الآن لحملة عنيفة للغاية ضد النظام. الطرق نحو دمشق والمناطق المحاصرة ستُفتح قريبا. لقد تم إحراز الكثير من التقدم مؤخراً في جبهة الجنوب، وستسمعون قريباً عن المزيد من المناطق المحررة”.

هكذا تحدث ليث حوران، الناطق باسم “كتائب اليرموك”، وهي إحدى الفرق العاملة في الجنوب. وهو رأي يبدو أن محللي صحيفة “فاينناشال تايمز” الرزينة يتبنونه. إذ ذكروا (انظر عدد 6 مارس 2014) أن “مقاتلي المعارضة السوريين وداعميهم الدوليين يُعدّون العُدّة لهجوم على دمشق انطلاقاً من الجنوب، في ما يمكن أن يكون تحولاً دراماتيكياً في استراتيجيات الحرب السورية”.

لقد بات واضحاً الآن أن الجهود الغربية والعربية لدعم المعارضة “المعتدلة”، تتركز الآن على بناء هيكلية واستراتيجية لـ”جبهة جنوبية” يُعاد تعريفها من جديد، ولها شبكة قوات تنتشر من الحدود الأردنية إلى الريف المحيط بدمشق. وبالتالي، لم يعد اهتمام هذه الجهود ينصب على من سيزوّد بالسلاح، بل على البنى التنظيمية والتخطيط العسكري.

وفي هذا الصدد، يقول تشارلز ليستر، المتخصص في شؤون تنظيمات المعارضة السورية في مؤسسة بروكينغز، أن “ثمة إدراكاً في الولايات المتحدة والغرب بأن شمال سوريا أصبح معقداً للغاية في هذه المرحلة، حيث أنه لم يعد محتملاً أن تسيطر القوى المعتدلة على المنطقة ضد المتطرفين أو أن تحقق مكاسب ضد نظام الأسد. وهذا أدى إلى فهم آخر بأن الجنوب مفتاح أكثر واقعية لتحقيق نجاحات عسكرية يقودها معتدلون”.

ويضيف ليستر أن دمشق تبعد 500 كيلومتر عن أقرب نقطة في جبهة الشمال، في ما لاتبعد دمشق سوى 120 كيلومتراً عن جبهة الجنوب. والهدف الرئيس من وراء الإندفاعة المتوقعة للمعارضة المسلحة نحو دمشق هو السيطرة على الطريقين الرئيسيين اللذين يربطان العاصمة بالجنوب على طول طوبوغرافيا مسطحة.

علاوة على ذلك، فإن فتح جبهة الجنوب، سيخفف الضغط كثيراً على جبهة الشمال، الأمر الذي سيمكّن قوى المعارضة المعتدلة هناك من تصفية الحسابات مع “داعش” وبعض أجنحة جبهة النصرة.

أشرس المعارك..

كيف سيرد النظام السوري على هذه الخطط التي باتت علنية؟

الردّ بدأ بالفعل، وقد تجسّد في انتقال حملة البراميل المتفجرة من حلب ومناطق الشمال إلى مناطق الجنوب. كما يجب ألا ننسى هنا أن النظام حشد منذ بداية الإنتفاضة السورية قبل سنوات ثلاث زهاء 40 في المائة من وحداته المقاتلة في دمشق، لإدراكه أن بقاءه يعتمد أولاً وأخيراً على سيطرته على العاصمة.

كل هذه العوامل مجتمعة ستجعل – حسب توقعات الخبراء والمحللين – المعركة المقبلة في “الجنوب – دمشق” من أشرس المعارك وأقساها، وأيضاً من أكثرها قدرة على تغيير المعادلات وقلب الإستراتيجيات كافة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية