مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استقرار الأسعار في سوق السلع الأساسية.. هدف حيوي تُواجهه تحدّيات جمّة

جون فايدر (وسط) رئيس المنتدى الدولي للسلع الأساسية، وعلى يمينه سوباتشاي بانيكباكدي، الأمين العام لمنظمة أونكتاد في الجلسة الإفتتاحية صبيحة يوم 22 مارس 2010 swissinfo.ch

احتضنت جنيف أشغال أول منتدى دولي حول السلع الأساسية تحت إشراف مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. وقد استحوذ قطاع النفط والغاز على القسم الأكبر منه حيث طرح عدد من الوزراء، إشكالية التذبذب في الأسعار وتأثير ذلك على المُصدّر والمستهلك، وحذروا من الدور الذي يلعبه المضاربون في تضخيم عدم الإستقرار في الأسواق.

يتضخ من خلال جدول أعمال الدورة الأولى للمنتدى الدولي حول السلع الأساسية الذي التأم يومي 22 و23 مارس 2010 بقصر الأمم المتحدة في جنيف، بأن العملية ليست بالأمر السهل نظرا لأن ما يعتبره الطرف المنتج للسلع الأساسية مشكلة (أي انخفاض الأسعار) هو ما تتوق إلى تحقيقه تحديدا الدول المستهلكة.
وبما أن الحديث عن السلع الأساسية من منظور مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية يشمل كافة السلع الأساسية أي “الزراعة والحراجة ومصائد الأسماك والفلزات والمعادن والنفط والغاز”، فإن أهمية هذا المنتدى تكمن في البحث عن القاسم المشترك بين الفئتين (المنتجين والمستهلكين) من أجل خلق استقرار في سوق زادت الأزمة الاقتصادية الأخيرة من زعزعتها. وهو الأمر الذي ركز عليه أغلب المتدخلين في كلماتهم مشددين على أن هذا النقاش “يأتي في الوقت المناسب”.

السلع الاساسية، والتمويل، والتنمية

القطاعات المعنية بالنقاش عددها الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية سوباتشاي بانينيتشباكدي وتشمل “التطورات الأخيرة في قطاع الصناعات المنجمية، والإستثمار في الإمكانيات الإنتاجية للسلع الأساسية، واستمرار التذبذب في أسعار السلع الأساسية، والإمكانيات المتاحة للحد من الأخطار المحدقة بإنتاج السلع الأساسية وتسويقها، والمعاملات المالية المتعلقة بتجارة السلع الأساسية والقضايا القانونية المرتبطة بذلك، والسياسات المتبعة من قبل منتجي صناعة الفلزات والمعادن”.

وهذا ما ستتناوله مختلف الورش التي اشتمل عليها جدول أعمال المنتدى بمشاركة نخبة من كبار الخبراء في العالم، والموظفين السامين في منظمات أممية ودولية مثل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبيك)، والبنك العالمي، إلى جانب وزراء مكلفين بتلك القطاعات في عدد من الدول مثل العراق والإمارات وقطر ومالي وإيكوادور.

من القطاعات التي ستستحوذ على القسم الأكبر من النقاش قطاع النفط والغاز الذي خصصت له ورشة تحت عنوان “التطورات الأخيرة في قطاع النفط والغاز”، والذي سيتم التعرض له في جلسة أخرى من خلال طرح مشكلة كيفية تحسين آليات السوق في تحديد أسعار مواد الهيدروكربون. وسيكون قطاع المعادن محور نقاش تحت عنوان “التطورات الأخيرة في أسواق الحديد والصلب والمعادن غير الحديدية”.

كما سيتم التطرق إلى موضوع تأثيرات الأزمة المالية على قطاع السلع الأساسية، إضافة الى طرح مشكلة المضاربة في اضطراب أسواق السلع الأساسية عموما ، وتأثيرات اضطراب أسواق السلع الأساسية على عملية التنمية في البلدان النامية.

“80 دولار للبرميل سعر معقول”

ومثلما كان متوقعا، استحوذ قطاع النفط والغاز منذ البداية على مناقشات المنتدى الدولي حول السلع الأساسية وكان محور تدخل عدد من وزراء الدول المصدرة للنفط والغاز ورئيس منظمة الدول المصدرة للنفط اوبيك.

وزير الطاقة غير المتجددة في إيكوادور ورئيس منظمة اوبيك جيرمانيكو بينتو شدد على أن “قطاع الطاقة كباقي القطاعات الأخرى تأثر بالأزمة المالية والاقتصادية، ولذلك يجب تعزيز الحوار من اجل التوصل الى تدابير متفق عليها خصوصا وان بعض التحديات مثل تأمين التزود بالطاقة وتحقيق التنمية المستدامة لا يمكن التغلب عليهما من خلال جهود قطاع صناعي لوحده او دولة لوحدها”.

وزير الطاقة في دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن دهين الحملي، استغرب أن يتطلب الأمر “المرور بأتعس أزمة مالية واقتصادية لكي يعرف النفط استقرارا في الأسعار”، واعتبر الوزير الإماراتي أن “ما بين 70 و 80 دولارا سعر معقول لبرميل النفط” كما ذكر بأنه “عندما تراجع سعر النفط في عام 2008 إلى اقل من 35 دولارا للبرميل الواحد، كان ذلك دون مستوى تغطية تكلفة معظم مشاريع الإستكشافات الجديدة”.

لذلك يعتبر وزير الطاقة الإماراتي أن “الأسعار الحالية تعتبر حافزا لمزيد من الاستثمار سواء في قطاع الإنتاج وتأمين تزود الأسواق الدولية بالطاقة، او لتشييد البنى التحتية”. ومن أجل الحفاظ على “هذا الاستقرار في الأسعار”، دعا الوزير الإماراتي للطاقة إلى “ضرورة فرض مزيد من المراقبة التنظيمية في الأسواق التي نعتمد عليها بالكامل، والتي لا نسيطر عليها أو التي لا تأثير لنا عليها”.

نظيره القطري وزير الدولة لشؤون الطاقة والصناعة الدكتور محمد صالح السادة، أثار موضوع التباين القائم بين أسعار النفط والغاز. وأوضح في حفل الافتتاح بـ “أنه في الوقت الذي نشاهد فيه انتعاش أسعار النفط في الأشهر الأخيرة، انخفض سهر الغاز الى أقل من الحجم المماثل من النفط”، وطالب بضرورة “فتح حوار بين المنتجين والمستهلكين للتطرق الى هذا الفارق في الأسعار بين النفط والغاز”.

مسؤولية المضاربين

في سياق متصل، شدد عدد من الوزراء والمتدخلين على دور المضاربين في عدم استقرار أسواق السلع الأساسية عموما وسوق النفط بالخصوص.

إذ أشار وزير الدولة لشؤون الطاقة والصناعة في قطر محمد صالح السادة الى “فارق الأسعار الذي عاشته دول الأوبيك بارتفاع الأسعار في شهر يوليو 2008 بثلاثة أضعاف، بعد أن كانت في حدود 50 دولار للبرميل في شهر يناير 2007، والتي عادت للإنخفاض الى حدود 40 دولار للبرميل بعد ستة أشهر من ذلك”، ومع أنه لم يستبعد دور معايير السوق في هذا التأرجح، إلا أن الوزير القطري “لا يستبعد ايضا دور المضاربين” في هذا المضمار.

من جهته، اثار وزير الطاقة الإماراتي محمد بن دهين الحملي دور المضاربين غير التجاريين عندما أشار الى “الترحيب بالمقترحات الأخيرة التي أطلقتها لجنة التجارة للسلع الأساسية في الولايات المتحدة الأمريكية والموجهة لتنظيم عقود الطاقة في إطار صناديق الاحتياط وبنوك الاستثمار والمضاربين الآخرين”.

وبخصوص هذا الدور “المفرط” للمضاربين، اعتبر رئيس منظمة أوبيك والوزير الإيكوادوري جيرمانيكو بينتو أنه “هو الذي أدى الى ارتفاع حاد وتذبذب كبير في الأسعار مما جعل الأسواق تتأثر بعوامل لا علاقة لها إطلاقا بالعرض والطلب”، وذهب إلى أن “أي حوار ناجح في مجال الطاقة يجب أن يركز على القضاء على هذه المبالغة في المضاربة التي طبعت السوق النفطية في السنوات الأخيرة”.

أخيرا، يبدو أن ما ينطبق على النفط والغاز يمكن أن ينطبق على باقي السلع الأساسية الأخرى. فهل سيقوى منتدى جنيف حول السلع الأساسية على تغيير الممارسات باستيعاب الدروس التي كشفتها الأزمة المالية والاقتصادية؟ هذا ما يأمله المشاركون وما شددوا عليه في جل تدخلاتهم. أما السيد سوباتشاي بانيشباكدي، الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية فقد عبر عن أمله في أن تتحول التظاهرة إلى “منتدى سنوي”.

محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch

تشمل منتجات الزراعة والحراجة ومصائد الأسماك والفلزات والمعادن والنفط والغاز.

يرتبط اقتصاد 85% من الدول النامية بقطاع السلع الأساسية.

تعتمد 50% من الدول النامية في صادراتها على السلع الأساسية.

حظي تنظيم المنتدى الدولي حول السلع الأساسية في جنيف بالدعم من الحكومة السويسرية، مثلما ذكر بذلك الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ومعظم المتحدثين في الجسلة الافتتاحية.

يرى بيار فرانسوا اونجر، ممثل السلطات الفدرالية والسلطات المحلية لكانتون جنيف أن هذا المؤتمر سيعزز فرص جنيف كساحة للمفاوضات التجارية والصفقات الدولية في مجال السلع الأساسية.

وقال الوزير بيار فرانسوا اونجر في كلمته الإفتتاحية: “نحن سعداء لاختياركم جنيف وهذا دليل على الأهمية التي تُولى لمدينة جنيف بوصفها ليس فقط المدينة الجامعة للمنظمات الدولية بل أيضا لتطورها منذ مدة طويلة كساحة للصفقات التجارية الدولية في مجال المنتجات الأساسية والشحن”.

وكما هو معلوم، تعتبر جنيف من أكبر الساحات العالمية لإبرام الصفقات النفطية حيث توجد فيها مقار كبريات الشركات المتخصصة في عقد صفقات الحبوب والعديد من المواد الأولية والسلع الأساسية.

وبالمناسبة، ذكر الوزير اونجر أيضا بأن جنيف “تقوم بدور رائد على مستوى القارة الأوروبية في مجال الصفقات النفطية أمام منافس وحيد هي مدينة لندن”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية