مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

منظمة حقوقية عربية تستعرض في جنيف “تحديات الربيع العربي”

لا زالت أوضاع السجناء والمعتقلين في ليبيا تثير انشغال المنظمات الحقوقية. هذه الصورة التي التقطت يوم 21 مارس 2012، تظهر مهاجرين أفارقة محتجزين بدون محاكمة في مركز اعتقال بمدينة الكفرة جنوب شرق ليبيا حيث يحتدم القتال في المنطقة بين قبائل محلية. swissinfo.ch

بمناسبة إصدار تقريرها السنوي، شددت منظمة الكرامة لحقوق الإنسان غير الحكومية على "تشقق جدار الخوف" في البلدان العربية بسبب ثورات الربيع العربي التي اندلعت فيه.

وفيما اعتبرت أن التحدي يكمن الآن في مواصلة رصد الإنتهاكات في البلدان التي لم تعرف رياح التغيير، فإنها تعتبر أن وصول معارضي الأمس للسلطة يضعها أمام تحدّ من صنف جديد يتمثل في “رصد إمكانية الانحراف لدى الأنظمة الجديدة”.

منظمة الكرامة لحقوق الإنسان التي تتخذ من جنيف مقرا لها، كانت تعتزم، بمناسبة إصدار تقريرها السنوي،  تنظيم ندوة تحت عنوان “الثورات العربية: نقاط النجاح ونقاط الإخفاق”، لكن منع السلطات السعودية السماح بسفر أحد متحدثيها في هذه الندوة ، وهو الناشط السعودي محمد القحطاني، أدى الى الإكتفاء بتقديم بعض التفاصيل عن محتوى التقرير الذي حرص على التطرق إلى حالة كل بلد عربي على حدة، سواء هبت عليه رياح تغيير الربيع العربي أم لا.

ضحايا الأمس حكام او ثوار اليوم

عند حديثهم عن ثورات الربيع العربي ركز المسؤولون في “الكرامة لحقوق الإنسان” على أن عددا من زعماء ثورات الربيع العربي والناشطين فيها لهم علاقة وصلة بالمنظمة بشكل أو بآخر نظرا لأنهم كانوا من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بالأمس.

وفي هذا السياق، ذكر مايكل روميغ الباحث القانوني بمنظمة الكرامة، الرئيس التونسي منصف المرزوقي الذي استُقبل مرات عديدة في منظمة الكرامة، والمعارض السوري هيثم المالح الذي حصل على جائزة الكرامة لحقوق الإنسان لعام 2010.

أما رشيد مسلي المدير القانوني لمنظمة الكرامة، فأشار الى التحدي الجديد الذي تواجهه المنظمة من خلال وصول “ضحايا الأمس الى مقاليد السلطة اليوم في العديد من البلدان العربية”. ومع أنه اعتبر أن “هذه القيادات الجديدة تحتاج إلى مزيد من الوقت” لإقامة دولة القانون واحترام الحقوق، إلا أنه شدد على أن منظمته “تتابع عن كثب وترصد طريقة تسيير هذه القيادات الجديدة”.

السيد رشيد مسلي أشار أيضا إلى أن “إيقاف أحد أعضاء الكرامة في ليبيا المحامي شربل قبل يومين من 17 فبراير 2011 كان السبب في إثارة الثورة”، وأضاف بان منظمة الكرامة سارعت في بداية هذه الثورات العربية الى تقديم بعض الدعم مثل “تزويد ثوار ليبيا بكتيبات عن معاهدات جنيف لتوضيح كيفية معاملة الأسرى والمدنيين في حالات الحرب، والقيام في بعض الأحيان بدور اللجنة الدولية للصليب الأحمر”.

من الحريات إلى القمع؟

في الوقت الذي ينظر فيه العالم الى ثورات الربيع العربي على اعتبار أنها بداية حقبة جديدة تحتل فيها عملية احترام حقوق الإنسان مكانة بارزة نظرا لأنها كانت من أهم المطالب الجماهيرية التي قامت من أجلها، يرى مسؤولون في منظمة الكرامة أن هذا الربيع قد يتحول إلى “ربيع القمع”، حسب تعبير مايكل روميغ.

وبخصوص الدول التي عرفت ثورات لحد الآن أوردت منظمة الكرامة في تقريرها  تحليلا لوضعية كل بلد. ففيما يخص اليمن ترى الكرامة ان ثورته تميزت “باستخدام مفرط للقوة المسلحة لقمع الاحتجاجات السلمية، مما  أدى الى مقتل وجرح اكثر من الف شخص”، وأن محاولات الاغتيال “لم يسلم منها حتى ممثل الكرامة في اليمن عبد الوهاب الحميقاني”. كما اعتبرت المنظمة الحقوقية أن القمع استهدف فئات مثل “الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان”، وأعربت عن الأسف نظرا لأن “العديد من المسؤولين عن تلك الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان افلتوا من العقاب”.

بخصوص تونس التي أطلقت ثورتها انتفاضات الربيع العربي والتي أسفرت عن مقتل 300 شخص، تقول منظمة الكرامة “ان تشكيل حكومة مؤقتة بقيادة حزب النهضة دفع السلطات الى اتخاذ جملة من الإجراءات تهدف الى القطيعة مع انتهاكات الماضي، والى المصادقة على العديد من الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان”، لكن مع ذلك ترى منظمة الكرامة في تقريرها أن “هناك استمرارا لقمع أجهزة الأمن لبعض التجمعات التي تندد ببطء الاصلاحات، واستمرارها في ارتكاب بعض حالات سوء المعاملة”.

في ليبيا، ترى منظمة الكرامة أن “الاحتجاجات المناهضة للحكومة، تحولت الى نزاع مسلح… وانتهت بعد ثمانية أشهر باعتقال القذافي وإعدامه خارج نطاق القانون”. وأشارت المنظمة إلى أن “هناك تخوفا من تعذر تحقيق المصالحة في ليبيا، وتخوفا من تعذر فرض رقابة على بعض الكتائب المسلحة من قبل السلطات القانونية”. كما اوردت بأن هناك “استمرارا لغياب إجراءات ضمان حقوق المعتقلين، واستمرار القيام بتعذيب وسوء معاملة المحتجزين من طرف بعض الوحدات والكتائب الثورية”.

في مصر، أكدت منظمة الكرامة أن “ثورة 25 يناير أدت إلى مقتل 850 شخص، وانتهت بتنحي الرئيس مبارك في 11 فبراير 2011″، كما أشارت إلى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يتولى تسيير المرحلة الانتقالية “قدم أكثر من 12000 شخص من بينهم قُـصّـرٌ للمحاكمة أمام محاكم عسكرية”.

ومن مخاوف منظمة الكرامة بخصوص مصر” اللجوء الى الاستعمال المفرط للقوة وممارسة التعذيب، وقمع قوات الأمن للتجمعات السلمية التي تندد بمصادرة العسكر للسلطة”. كما تبدي تخوفا من ” إمكانية تمديد حالة الطوارئ، والاستمرار في محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية ، والمساس بحرية التعبير”.

بخصوص سوريا التي لازالت ثورتها مستمرة، أفادت منظمة الكرامة أن “أجهزة الأمن التابعة للمحيط المباشر للرئيس، تقوم بعملية قمع منهجية سواء فيما يتعلق بالمعارضين أو المدنيين”، كما اعتبرت أن “الإصلاحات التي تم الاعلان عنها لم تترجم على أرض الواقع”.

وفي هذا السياق، أشارت المنظمة الحقوقية في تقريرها السنوي إلى أنها “رفعت منذ بداية الأزمة السورية حوالي 3000 حالة اختفاء قسري، واعتقال تعسفي، وقتل خارج نطاق القانون، وتوصلت بالعديد من حالات التعذيب رفعتها إلى بعثة التحقيق التابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان وإلى لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان”.

من جهة أخرى، أعربت منظمة الكرامة عن مخاوفها بخصوص الوضع في سوريا في ظل “الإستمرار في منطق القمع لإخماد المظاهرات الشعبية والإستعمال المفرط لقوة السلاح ضد المدنيين، وإفلات أجهزة الأمن من المتابعة والعقاب”.

دول الإصلاحات “الإضطرارية”

من ضمن الدول التي صنفتها منظمة الكرامة ضمن قائمة الدول التي اضطرت تحت ضغط الشارع لإدخال بعض الإصلاحات، نجد الأردن حيث اعتبرت أن “إصلاحاته المعلنة ضعيفة، وأنه يستمر في فرض اعتقالات مطولة في حق المعارضين بسبب مواقفهم السياسية” كما أشارت إلى أنه “ما زال يقوم بمحاكمات جائرة أمام المحاكم الاستثنائية، إضافة إلى عدم رد السلطات على شكاوى التعذيب”.

بخصوص الجزائر، تقول منظمة الكرامة أن “أحداث يناير 2011 دفعت السلطات الى رفع حالة الطوارئ المطبقة منذ عام 1992 ، واعتماد بعض التدابير في مجال حرية الصحافة وتكوين الجمعيات”، لكنها ترى بأن “بعض بنود حالة الطوارئ مازالت سارية المفعول بدمجها في القانون العام مثل الحظر المفروض على المظاهرات في العاصمة”.

وبخصوص الإنتخابات التشريعية القادمة التي تقول السلطات الجزائرية إنها ستكون “أكثر ديمقراطية وشفافية”، ترى المنظمة أنها “تعبر عن نية السلطات في منع أي نظام ديموقراطي، وأن قانون الأحزاب أدى الى تقييد  الحقوق المدنية والسياسية”. وفيما تصف منظمة الكرامة الإصلاحات التي تمت في الجزائر بـ “السطحية”، اعتبرت أن السلطات مازالت مستمرة “في الضغط على المعارضين السياسيين، وأن أجهزة الأمن مستمرة في ممارسة الإعتقالات السرية”.

الأحداث التي شهدتها سلطنة عُمان “تدخل في إطار ثورات الربيع العربي”، حسب رأي منظمة الكرامة التي تشير إلى أن “الشبان عبروا عن استيائهم من الأوضاع الإجتماعية المتردية”. وأوردت في تقريرها أن السلطات “ردت على ذلك باستخدام مفرط للقوة لفض المظاهرات التي تحولت إلى احتجاجات سياسية مطالبة بمشاركة أكبر للمواطنين في تسيير أمور البلاد”. وتقول المنظمة الحقوقية “إن الحكومة استطاعت نزع فتيل الإحتقان بتنفيذ بعض الإجراءات الاجتماعية”، ولكن ذلك تمّ “على حساب حرية التعبير التي تقلصت بعد المصادقة على قانون الصحافة الجديد”.

وفيما أعربت منظمة الكرامة لحقوق الإنسان عن خشيتها من مواصلة السلطنة “قمع الإحتجاجات السلمية، والاعتقال التعسفي، وتقليص حرية التعبير”، نوهت إلى أنه سبق لها أن أبلغت آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بـ “مقتل اثنين من المحتجين، وباعتقال المئات من بينهم صحفيون وناشطون حقوقيون”.

في المغرب، اعتبر تقرير منظمة الكرامة لحقوق الإنسان أن الملك محمد السادس، وفي سياق رده على حركة 20 فبراير الإحتجاجية، “قام بإدخال إصلاحات شاملة على مؤسسات الدولة، لكن بعض الناشطين تعرضوا للمضايقات وأحيانا للإنتقام”. وترى المنظمة الحقوقية أن وضعية المغرب تتميز بـ “مواصلة الإعتقال في ظروف صعبة، خاصة بالنسبة للمتهمين في قضايا الإرهاب، وضحايا التعذيب والمحاكمات الجائرة”.

أخيرا أعربت المنظمة عن مخاوفها من “مواصلة إفلات المسؤولين عن تلك الإنتهاكات من العقاب”، وذكّـرت بأنها “رفعت العديد من الحالات أمام آليات حقوق الإنسان من ضمنها قضية محمد حسن الشريف الكتاني الذي افرج عنه مؤخرا”.

تميز تقرير منظمة الكرامة لحقوق الإنسان بعدم إغفاله أيا من البلدان العربية بما فيها التي تتجاهلها وسائل الإعلام الدولية لأسباب مختلفة.

في هذه الخانة يمكن ذكر البحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. كما لم تهمل البقية التي قد لا تدخل في الفئات السابقة الذكر مثل العراق وموريتانيا ولبنان والكويت وفلسطين.

بخصوص السعودية والبحرين، ورد في التقرير السنوي للمنظمة “إن الشعب البحريني الذي خرج إلى الشارع للتنديد بالظلم الاجتماعي والمطالبة بإصلاحات سياسية” قوبل بـ “لجوء السلطات لاستعمال العنف”، وبتدخل عسكري من السعودية “بطلب من السلطات البحرينية”. وكان من نتائج ذلك حسب المنظمة الحقوقية أن “لجأت السلطات أمام مخلفات القمع، إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، كشفت انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان، اعترفت بها الحكومة وقبلت الالتزام بتوصياتها على اساس أنها ارضية لتسوية النزاع”.

في المقابل، ترى منظمة الكرامة أن البحرين ما زالت تعرف “مساسا بحرية التعبير وتكوين الجمعيات، وتمارس الإعتقال التعسفي، والمحاكمات الجائرة أمام محاكم عسكرية، والإستعمال المفرط للقوة والعودة الى ممارسة التعذيب”.

بالنسبة للسعودية تعتبر منظمة الكرامة لحقوق الإنسان أن السلطات في الرياض “تتجاهل أي إمكانية للتغيير على الرغم من نداءات المجتمع المدني الملحة في المطالبة بإصلاحات سياسية وبمشاركة المواطنين في تسيير أمور البلاد”.

مع ذلك، يذهب تقرير المنظمة إلى أن “عائلات الضحايا بدأت تكسر حاجز الخوف للتبليغ بانتهاكات السلطات، والمطالبة بالإفراج عن ذويهم، وبالتظاهر سلميا أمام وزارة الداخلية”. وتقول المنظمة الحقوقية بأنها “رفعت خلال هذا العام أكثر من 150 حالة أمام مختلف آليات حقوق الإنسان الأممية بما في ذلك حالة أطفال ونساء اعتقلوا بسبب مشاركتهم في مختلف المظاهرات السلمية” في السعودية.

ومن بين المخاوف التي أعربت عنها المنظمة بخصوص مستقبل الوضع في السعودية “غياب أية مشاركة للمواطنين في الحياة السياسية وانسداد آفاق الإصلاحات” في المملكة.     

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية