مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حبسُ معارض بارز وحملة على صحف وفضائيات ومُدوّنين في الكويت

النائب الكويتي السابق مسلم البراك يتحدث إلى وسائل الإعلام في بيته بعد صدور الحكم عليه من طرف المحكمة العليا يوم 18 مايو 2015. Keystone

بعد تردد دام قرابة شهر أقدمت السلطات الكويتية يوم 13 يونيو 2015 على حبس المعارض البارز مُسلّم البراك في خطوة يتوقع المراقبون أن تؤدي إلى ردود فعل ومضاعفات يبدو أن الحكومة لم تقرأ لها حسابا. 

وكانت محكمة الدرجة الاولى قررت سجن النائب السابق سنتين مع الشغل والنفاذ قبل أن تُخفف محكمة الإستئناف الحكم، في 18 مايو الماضي، إلى السجن عامين مع الشغل والنفاذ أيضا، على خلفية الخطاب الشهير الذي ألقاه البراك في ندوة “كفى عبثا” التي أقامتها المعارضة في ساحة الإرادة أواخر عام 2012 وهو الخطاب المعروف بـ “لن نسمح لك”.

سلسلة من التضييقات

عادة ما تتخذ الانظمة الاستبدادية من الحروب ذريعة لتكميم الافواه وغلق نوافذ التعبير بحجة أن “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” والحرص على “تماسك الجبهة الداخلية”. ومع انطلاق حرب “عاصفة الحزم” في اليمن اشتدت الرقابة في السعودية والدول المشاركة في التحالف وانتشر مناخ من التوجس والحذر، لكنه لم يصل إلى ما وصل إليه في الكويت خلال الأيام الاخيرة، إذ لم تمض أسابيع قليلة على السماح لصحيفة الوطن اليومية، القريبة من المعارضة، بمعاودة الصدور حتى قررت السلطات الكويتية في الخامس من يونيو الجاري غلق ثلاث قنوات فضائية خاصة عُرفت بانتقادها للسلطات.

الدول تنهض بالحريات لا بالقمع والقبض والمصادرة والإغلاق والغرامات
مساعد الشمري، رئيس نقابة الصحافيين الكويتية

تعللت الحكومة بتدني رأس مال شركة “مجموعة الكويت الاعلامية”، التي تتبعُها الفضائيات، إلى ما دون الحد الادنى لتسحب منها الترخيص التجاري، واستطرادا ترخيص البث. وبالرغم من أن مالك القنوات وصحيفة “الوطن” ليس سوى وزير النفط السابق وعضو الأسرة الحاكمة خليفة الصباح، لم تتورع الشرطة عن اقتحام مبنى التليفزيون للتحقق من وقف البث.

أتى هذا الاجراء في سياق سلسلة من التضييقات أبرزها تجريد 18 مواطنا من جنسيتهم وفي مقدمتهم الإعلامي سعد العجمي مدير مكتب قناة “العربية” (تمولها السعودية) في الكويت. ويُعتبر العجمي من الناشطين في حركة العمل الشعبي “حشد” المعارضة، التي يقودها النائب السابق مُسلم البراك. وهذا ليس أول قرار بسحب الجنسية، فقد سبق أن صدر قرار مماثل في حق نشطاء آخرين على رأسهم الداعية الإسلامي نبيل العوضي. وشملت هذه السلسلة من الإجراءات إحالة المغردة رنا السعدون على محكمة الجنايات في قضية أمن دولة، بعدما قرأت على “تويتر” الخطاب الشهير الذي ألقاه البراك في ساحة الإرادة، كما مثل أمام المحكمة نفسها النائب السابق وليد الطبطبائي بتهمة المساس بالذات الأميرية واشاعة أخبار كاذبة، وأرجئت المحاكمتان إلى الرابع من أكتوبر المقبل.

“تويتر” طريق إلى السجن

حملة المحاكمات والملاحقات استمرت ووصلت إلى أعضاء الأسرة الحاكمة. إذ قررت السلطات حبس المغرد عبد الله السالم الصباح عشرة أيام على ذمة التحقيق، ونقلته إلى السجن المركزي بعد اتهامه بـ”الإساءة لأمير البلاد” و”الإضرار بثوابت الأمة والنظام العام” في حسابه على “تويتر”. من هنا يبدو أن العالم الإفتراضي الرحب، بما يُوفره من وسائط اتصال اجتماعي، أعطى أجنحة قوية لأصوات الإحتجاج والرفض التي ارتفعت إلى مستوى جعل من الصعب على الرقابة التحليق في سمائها وإعادتها إلى عالم الإتصال التقليدي، الذي يسهل على الرقابة السيطرة عليه بأدوات تكنولوجية متطورة.

أعلى تلك الاصوات كان بلا شك صوت النائب مسلم البراك الذي ارتفع في تجمع ساحة الارادة في 2012 ليُطلق جملته الشهيرة في وجه أمير الكويت صباح الاحمد الجابر الصباح (83 عاما) “يا سمو الأمير… لن نسمح لك بالحكم الفردي”. وردد المتظاهرون عبارة “لن نسمح لك” أكثر من مرة بعد خطاب البراك الذي انطوى على انتقاد نادر لأمير البلاد.

حل مجلس الأمة سبع مرات

تعتبر تجربة مجلس الأمة في الكويت (1963) أقدم تجربة برلمانية في الخليج، لكنها شهدت صدامات متكررة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية أدت إلى حل المجلس سبع مرات، أولاها في 1976 وآخرها في 2011 بعد فضيحة رشاوى.

وتقاطع المعارضة العمل البرلماني منذ سبتمبر 2012 احتجاجاً على انفراد السلطة بتغيير قانون الإنتخاب في ظل غياب البرلمان، كما رفضت المشاركة في الإنتخابات الأمر الذي جعل المجلس خالياً من أية معارضة جادة منذ ذلك الوقت. وكانت المعارضة حازت غالبية مقاعد المجلس في انتخابات فبراير 2012، لكن المحكمة الدستورية أصدرت قراراً مثيراً للجدل بإبطال المجلس بعد 4 شهور فقط من بدء أشغاله.

وعلى الرغم من أن الكويت تتميز عن باقي دول الخليج بتاريخها العريق في حرية الصحافة وتجربتها البرلمانية المبكرة والقوية، فإن انتقاد الأمير حدث نادر. ولذلك قال الخبير البريطاني في شؤون الخليج كريستيان أولريكسن لـ swissinfo.ch: “إن الاتهامات العلنية اللاذعة التي وجهها مسلم البراك لأمير الكويت شكلت لحظة فارقة في تاريخ الإمارة”. وأشار إلى حدوث أزمات حادة بين البرلمان والحكومة في الماضي أدت أحيانا إلى حل مجالس منتخبة ديمقراطيا، لكن الصراع كان يقف عند سقف الحكومة التي تضم وزراء من أسرة الصباح، من دون المساس بالأمير. ولم تشهد الكويت موجات احتجاج لدى اندلاع ثورات الربيع العربي، غير أن نُذر أزمة سياسية بدأت تتجمع في 2012 مع احتدام الازمة بين البرلمان المنتخب وحكومة يختار أعضاءها رئيس الوزراء الذي يُعيّنه الأمير من بين أفراد أسرة الصباح.

اتحاد المعارضين

المعارضة الكويتية استأنفت منذ مطلع العام الجاري الإعتصامات والتجمعات في ساحة الارادة المقابلة لمجلس الامة كل يوم اثنين (تُطلق عليها الاثنينية). وتمثل جديد الاعتصامات الاخيرة في اتحاد أطياف المعارضين على خمسة مطالب لخصها بيان حصلت swissinfo.ch على نسخة منه على النحو التالي: “حل مجلس الأمة ورحيل الحكومة الحالية وإطلاق الحريات والإفراج عن السجناء السياسيين وإلغاء قرارات سحب الجنسية ومكافحة الفساد”.

إضافة إلى ذلك، لُوحظ أن مكونات المعارضة الرئيسية توافقت للمرة الاولى على لائحة المطالب التي وصفتها بـ”المُلحة”. وهذه المُكونات هي الحركة الدستورية الإسلامية (قريبة من الإخوان المسلمين) وحركة العمل الشعبي والحركة المدنية الديمقراطية وحزب الأمة وحزب المحافظين المدني والتيار التقدمي الكويتي ومظلة العمل الكويتي. ورأى محللون أن هذا الإئتلاف بين اليمين واليسار شبيه بتحالف المعارضة التونسية في ظل حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في إطار ما عُرف بـ “حركة 18 أكتوبر 2005″. واعتبر المحللون أن التقاء القوى السياسية على إصدار بيان يحمل توقيعها كلها تجاوز لمرحلة التوتر والخلافات داخل صفوفها، التي أدت إلى تجميد نشاطها وتحركاتها. لكن ما هي مطالبها بالتحديد؟ لخص بيان القوى السياسية أهدافها بـ”إقامة نظام ديموقراطي برلماني كامل يحقق مبدأ السيادة للأمة ويأخذ من رئيس الدولة (الأمير) صلاحية تعيين رئيس الحكومة ويجعلها للقائمة الفائزة بأكثر مقاعد البرلمان كما في الديموقراطيات الغربية”. أما عن الوسائل فتقول إنها “أسلوب التجمع والإحتجاج السلمي بوصفه الخيار الوحيد لتنفيذ المطالب”.

احتمالات المستقبل

ومن المرجح الآن أن يُؤدي حبس البراك إلى شحذ همم المعارضين الآخرين للمضي قدما في الإحتجاجات، مع عدم استبعاد تراجع الحكومة أسوة بما حصل في الماضي. وفي هذا السياق، ضرب معارض فضل عدم الكشف عن اسمه مثالا بقرار منع الفنان مرسيل خليفة من إقامة حفلة موسيقية بعنوان “تصبحون على وطن” في أبريل الماضي تجاوبا مع تهديدات نائب متشدد، إلا أن الحكومة ما لبثت أن تراجعت عن المنع وصرح أحد مسؤوليها بأنها “حريصة على إقامة الفعاليات الثقافية الراقية وإيمانها بالفن الجاد وترحيبها بالمبدعين في الفن والادب”…

لكن من جهة اخرى، يخشى البعض من أن يتم اللجوء إلى الشحن الطائفي لدق إسفين بين المعارضين، إذ أبصر البرلمان الكويتي في فترات سابقة خلافات وصراعات طائفية وقبلية بين نواب سُنة وآخرين من الشيعة، وصلت إلى حد تبادل اللكمات والضرب بالعُقال، إلا أن بيانات المعارضة الأخيرة نبّهت إلى خطورة إذكاء الصراع الطائفي وشددت على ضرورة احتوائها داخل “عباءة الوحدة الوطنية”. 

تسلسل الاحداث
فبراير 2012: المعارضة تفوز بغالبية المقاعد في مجلس الأمة

يونيو: المحكمة الدستورية تُبطل مجلس الأمة المنتخب

سبتمبر: المعارضة تقرر مقاطعة العمل البرلماني

أكتوبر: ندوة أمام مقر البرلمان حضرها خمسة آلاف شخص وتوجه فيها مسلم البراك للأمير قائلا “لن نسمح لك بالحكم الفردي”.

ديسمبر 2014: الإعلامي سعد العجمي يُبعد من الكويت إلى السعودية وتُسحب منه الجنسية الكويتية.
مايو 2015: محكمة التمييز تُؤيد سجن النائب السابق المعارض مسلم البراك سنتين مع الشغل والنفاذ في قضية أمن دولة، وهو حكم نهائي.

يونيو: وزارة الإعلام تُلغي تراخيص بث ثلاث قنوات تلفزيونية تابعة لمجموعة إعلامية.

يونيو: المغردة رنا السعدون والنائب السابق وليد الطبطبائي يمثلان أمام محكمة الجنايات في قضية أمن دولة بتهمة المساس بالذات الاميرية.

7 يونيو: النيابة العامة تُصدر مذكرة إلقاء قبض وإحضار ومنع من السفر بحق مجموعة الفنطاس أو “غروب الفنطاس” التي تشمل نحو 13 شخصية عامة كويتية من بينها الشيخ أحمد الفهد الصباح نائب رئيس الوزراء السابق.

10 يونيو: المغرد عبد الله السالم الصباح أحد أبناء الاسرة الحاكمة يُحبس عشرة أيام على ذمة التحقيق، ويُنقل إلى السجن المركزي بعد اتهامه بـ”الإساءة لأمير البلاد”.

11 يونيو: محكمة تقرر سجن الإعلامي صالح السعيد لمدة ست سنوات مع الشغل والنفاذ بعد إدانته بالإساءة للسعودية عبر تغريدات في موقع التواصل الاجتماعي.

13 يونيو: حبس النائب السابق مسلم البراك في سجن انفرادي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية