مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من تيتشينو إلى دبي .. رحلة نجاح متواصلة

swissinfo.ch

جاء إلى دولة الإمارات العربية المتحدة منذ 27 عاما كرجل أعمال سويسري لديه بعض الأفكار الجيدة التي يمكن تطبيقها في تلك الأرض البكر آنذاك.

راقته طبيعة البلاد فبقي بها، وتطورت أعماله حتى ارتبط اسمه بأغلب الأنشطة الاقتصادية السويسرية في الإمارات، ويتولى اليوم رئاسة مجلس الأعمال السويسري.

يبلغ السيد بيتر هارادين من العمر 59 عاما، وهو من كانتون تيتشينو جنوبي سويسرا، ولكنه ينحدر من أصول بريطانية، متخصص في تخطيط الأراضي، ومتزوج ويعيش مع أسرته وابنائه الثلاثة في إمارة دبي منذ 27 عاما.

سويس انفو زارت بيتر هارادين في دبي، ورغم مرضه العضال، فلم ينقطع عن ممارسة أعماله بشكل عادي، سواء في متابعة أنشطة شركاته الخاصة أو مجلس الأعمال السويسري،وأجرينا معه الحوار التالي:

سويس إنفو: لماذا حرصتم على تأسيس مجلس الأعمال السويسري؟

بيتر هارادين: منذ أن بدأت الشركات السويسرية ورجال الأعمال يتوافدون على دولة الإمارات العربية المتحدة عامة، ودبي تحديدا، فكرت مع بعض 7 زملاء في عمل كيان يرعى مصالح تلك المجموعة ويقدم النصيحة للراغبين في الدخول إلى السوق، ثم توسيع نطاق الشركات السويسرية، فكان لزاما علينا تأسيس مجلس الأعمال السويسري، ترأسه أولا رجل الاعمال السويسري بيزان.

سويس إنفو: وما هي أهداف المجلس؟

بيتر هارادين: بالطبع، لم تحتاج المؤسسات السويسرية إلى وجود المجلس في البداية، لانها تواجدت في السوق الإماراتي بفضل سمعتها العالمية، أما دورنا فيتركز في دعم الشركات الصغرى والمتوسطة الراغبة في توسيع نشاطها خارج سويسرا وتحديدا في إمارة دبي وما حولها، حيث أن اغلب تلك المؤسسات لا تعرف طبيعة العمل الاقتصادي هنا في البلاد، ونحن نقدم لها الدعم اللازم لدخول السوق وطرح أنشطتها، علاوة على تقديم نوع من التبادل الثقافي بين سويسرا والإمارات.

سويس إنفو: ما هي نوعيات الشركات والمؤسسات السويسرية التي تحرص على التواجد في دولة الإمارات العربية المتحدة؟

بيتر هارادين: بالطبع البنوك في المقام الأول، ثم تأتي الشركات الهندسية بتطبيقاتها المختلفة، لا سيما في قطاع البناء والتشييد، نظرا للتوسع العمراني الكبير الذي تشهده الإمارات، وكذلك قطاعات بيع الأدوية والمركبات الصيدلانية، وهو مجال على قدر كبير من الأهمية، وهناك أيضا الشركات المتخصصة في التجارة في مجال المواد الغذائية، ولا داعي للحديث عن حضور جميع ماركات الساعات والمجوهرات، فهذا غني عن الذكر، فضلا عن أن وكلاء شركات الساعات السويسرية في دبي يقومون بإعادة تصدير الساعات السويسرية إلى دول أخرى في المنطقة، مما يعني بأن نشاطها يتجاوز دبي والإمارات.

سويس إنفو: هناك توجهات بين بعض الشركات السويسرية لنقل خطوط انتاجها إلى بلدان ذات عمالة رخيصة، فهل تدعمون هذا التوجه أيضا لاستقطاب الشركات السويسرية للإنتاج هنا مثلما تفعلون لدعم الشركات الراغبة في تسويق منتجاتها وتقنياتها في الإمارات؟

بيتر هارادين: بالطبع نحن نهتم أيضا بهذا التوجه، وهناك بعض الشركات التي تدرس حاليا بخطوات جدية نقل خطوط إنتاجها إلى هنا، حيث التسهيلات التي تمنحها الدولة، والعمالة الرخيصة التي لا يمكن مقارنتها مع الأجور في سويسرا، على سبيل المثال في مجال مواد ومعدات البناء الخاصة. وتأتينا بشكل شبه يومي استفسارات من شركات سويسرية متخصصة في هذا المجال حول إمكانيات نقل التصنيع إلى دبي، والسبب في هذا هو رغبتها في التواجد أقرب ما يمكن من السوق، فمواد البناء كما هو معروف يتم انتاجها وتصديرها بكميات ضخمة، وإذا حسبنا تكلفة التصنيع المرتفعة ثم الشحن والنقل، وقارنا هذا مع الإنتاج مباشرة هنا، فستحقق الشركات نجاحا كبيرا بتقديمها أسعارا معتدلة مع تقنية سويسرية فائقة.

سويس إنفو: هل يعني هذا بأن الشركات السويسرية التي تنوى التحول إلى الإنتاج في دبي والإمارات ستقوم بالتعامل مع العمال هنا مثلما تتعامل مع نفس الشريحة في سويسرا من ناحية الحقوق والامتيازات، أم أنها ستنهج هنا اسلوبا مختلفا؟

بيتر هارادين: الشركات السويسرية العاملة هنا تحرص على تطبيق المعايير الأوروبية في تعاملاتها مع المشتغلين لديها، من ناحية الرعاية الصحية والإجازات ومنحة نهاية العام، علاوة على ذلك توجد هنا قوانين صارمة تلزم الشركات بضمان حقوق العمال الأجانب، وإن كانت تختلف عن مثيلاتها في أوروبا.

سويس إنفو: بحكم عملكم كرئيس لمجلس الأعمال السويسري في دبي، وتواجدكم لفترة تزيد عن الربع قرن في هذه الإمارة، فما هي المجالات التي تميزت فيها الشركات السويسرية عن غيرها؟

بيتر هارادين: يمكنني القول بأن كل المنتجات السويسرية التي تتميز بالتقنية العالية الدقيقة والفاخرة أيضا مرغوبة هنا، مثل الماركات الشهيرة، فنحن في مجتمع رأس مالي بنسبة 100% صحيح أنهم يبيعون بضائع مختلفة بأسعار زهيدة أو متفاوتة، ولكن المواطنين لا يقتنون سوى المنتجات الفاخرة التي تحمل أسماء ماركات شهيرة، وهذا يعني بأن المنتجات السويسرية العادية يتم تسويقها هنا بصعوبة، على عكس التي تحمل أسماء ماركات شهيرة وفاخرة في نفس الوقت.

سويس إنفو: وماذا عن المجال التقني، كيف تواجه الشركات السويسرية منافسة مثيلاتها من مناطق أخرى؟

بيتر هارادين: في هذا المجال تتفوق الشركات السويسرية التي تقدم إنتاجا متميزا وبجودة عالية، فالمؤسسات المتخصصة في مجالات تقنية محددة ولها سمعة معروفة، تكون مطلوبة أكثر من الآخرى، لأنها تقدم تقنيات ليست متواجدة لدى الآخرين.

سويس إنفو: ما هي الصعوبات التي تواجهها الشركات السويسرية التي ترغب في العمل هنا؟

بيتر هارادين: يفرض القانون المحلي هنا على الشركات الأجنبية أن يكون لها كفيل، فيكون السؤال الأول من هو هذا الكفيل وكيف يمكن التنسيق والتعامل معه، من هو الجيد وكم يجب أن تدفع له الشركة، يعتقد الكثيرون بأننا لا ندفع هنا ضرائب، ولكن في الواقع فإن تعاملاتنا مع نظام الكفيل هي الضرائب التي ندفعها، ولا أعتقد أن هذا القانون سيتغير، لان قانون الشركات يحتم على الشركة أن تكون أغلبيتها لصالح أحد المواطنين الإماراتيين، ونحن نقدم الاستشارات اللازمة للشركات السويسرية الجديدة التي ترغب في العمل هنا ونوضح لها كل تلك الأمور.

سويس إنفو: وما هي المشاكل الأخرى التي تواجهها الشركات السويسرية في عملها بعد تجاوز تلك العقبة؟

بيتر هارادين: لدينا في سويسرا نظام لتحديد حدود معينة للأسعار في جميع المنتجات تقريبا، وهذا ليس موجودا هنا، ويعني هذا أن الشركات عليها أن تخوض حرب أسعار فيما بينها، ولذلك يجب على المنتجات السويسرية التي تواجه منافسا لها أن تعيد حساباتها أكثر من مرة لتحديد الأسعار النهائية، وفي أغلب الأحيان تكتفي الشركات بهامش ربح يتراوح بين 3 و 5% وهو قليل جدا على عكس الحسابات في أوروبا، ولكن الشركات تعول على أرباحها من البيع بكميات ضخمة، فسوق دبي ليس محليا، بل عربي وآسيوي ودولي ويمتد من شمال إفريقيا إلى أقصى جنوب شرقي آسيا، وهذا يتطلب بالطبع عملا شاقا وجهدا مضنيا.

سويس إنفو: ما هي الأنشطة التي يقدمها المجلس عدا ذلك؟

بيتر هارادين: لدينا موعدان ثابتان خارج جدول أعمالنا المتنوع، الأول قرب نهاية العام مع اقتراب أعياد الميلاد ورأس السنة والثاني في العيد القومي السويسري الذي يكون عادة في أول أغسطس، ولكننا نحتفل به بصفة استثنائية في نهاية إبريل نظرا لحرارة الطقس العالية في شهر 8 ، ويحرص الجميع على المشاركة فيهما، كما نقوم بعمل المعارض المختلفة من حين إلى آخر نستضيف فيها ممثلي الشركات التي ترغب في عرض منتجاتها على السوق المحلية هنا، ونتعاون أيضا مع الجهات الرسمية السويسرية المسؤولة عن دعم وتنشيط الاقتصاد الخارجي، كما لدينا اجتماعا كل شهرين لتحديد أولويات العمل والنشاط، وأحيانا يحل علينا ضيوف من الشخصيات الرسمية المسؤولة مثل كاسبار فيلليغر وباسكال كوشبان، كما نحرص على التواصل مع المجالس التجارية المتخصصة من الدول الأوربية الأخرى، ولكننا لا نستطيع تحديد برنامج عمل ثابت، فالحياة الاقتصادية في دبي تسير بسرعة 300000 كم في الساعة، ولذا فمن المستحيل وضع جدول أعمال ثابت، وهذا يتطلب مرونة عالية في التعامل مع كل تلك المتغيرات، العمل هنا ليس مثلما يحدث في برن حيث كل شيء يتم إعداده وترتيبه بشكل مسبق وبترتيب شديد.

سويس إنفو: أنتم تقيمون وتعلمون هما منذ 27 عاما فما هي انطباعاتكم الشخصية عن دبي والتطور السريع الذي شهدته البلاد خلال تلك السنوات؟

بيتر هارادين: بحكم عملي مهندس لتخطيط الأراضي أتيت هنا لدراسة إمكانية عمل ملاعب لرياضة الغولف، ورأيت مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية وتساءلت كيف يمكن أن يتحقق هذا؟ ثم عرض علي أحد الوجهاء مشروعا لبدء تخضير دبي، وقلت لنفسي بأننا كأوروبيين نأتي إلى هنا حيث الصحراء التي يحن إليها بعضنا/ بينما كان أبناء الإمارات يحلمون برؤية اللون الأخضر والحشائش تنتشر في كل مكان، ولمست إصرار المسؤولين هنا على ضرورة تحويل هذه الصحراء إلى اللون الأخضر، فلم أضيع الفرصة وأخذت بزمام المبادرة وبدأت نشاطي هنا، وأقيم منذ ذلك الوقت مع أسرتي هنا. هذه الرغبة في التنمية والبناء كانت حافزا بالنسبة لي.

سويس إنفو: ولكن كسويسري من كانتون تيشنو الجنوبي كيف أمكنكم التكيف مع العقليات والطباع والعادات والتقاليد هنا، وما هي الصعوبات التي قابلتموها؟

بيتر هارادين: كسويسري من تيشينو ومن أصول بريطانية أنظر إلى نفسي على أنني من العرق اللاتينو، وأتفهم العقلية العربية، اسهل من السويسريين من المناطق الألمانية، وأقول بأن حياتي في شرق سويسرا كانت ستصبح أصعب من حياتي هنا في دبي، فالحياة في سويسرا لها جانب سلبي، فكل مواطن أشبه ما يكون بالشرطي، يتجسس على جيرانه، وهي واحدة من مشكلاتنا في المجتمع السويسري، هنا عندي حرية أكثر من تلك المتواجدة في سويسرا، أتعجب أحيانا من السياسيين في الغرب الذين يتحدثون عن نقل الديموقراطية إلى العالم العربي، فهم لا يفهمون ما يقولون، لأن العقلية هنا لها مفهوم آخر للديموقراطية، ليست مثل تلك التي يمارسها الأوروبيون. وبضفة عامة فأنا لا أشعر أنني غريب، وأعيش بشكل طبيعي وسط أصدقائي ومعارفي، المشكلة الوحيدة هي في ترتيب المواعيد واللقاءات، فلا قيمة لتحديد وقت اجتماع في ساعة محددة، ففي سويسرا على تأخرت عن اجتماعك دقيقة أو دقائق، ينظر لك الجميع وكأنك ارتكبت إثما كبيرا، أما هنا فالوقت ليس هاما، وهذه ثقافتهم، ولكن المواعيد هامة جدا في مجال المنشئات والمباني فهناك التزام بدقة في البدء في المشروعات وتاريخ انتهائها وتسليمها، واعرف الكثير من رجال الأعمال السويسريين الذين يضيقون ذرعا بعدم الالتزام بالمواعيد، ولكن من يرغب في القيام بعمل تجاري هنا، فعليه أيضا القبول بعادات وتقاليد هذا المجتمع.

سويس إنفو: ما هي مشروعات مجلس الأعمال السويسري المستقبلية؟

لدينا علاقات وطيدة مع السفارة في أبوظبي والقنصلية العامة في دبي، ومن خلال البعثة الديبلوماسية السويسرية النشيطة ننسق دائما مع الدوائر الاقتصادية في الكونفدرالية، وسنقوم بعد شهرين بافتتاح مركز جديد لدعم الشركات الصغرى والمتوسطة، والذي نسعى بأن يكون نقطة انطلاق لمجالات أخرى في دبي والإمارات، وبحسن الحظ أن مجلسنا لا يهتم سوى بالعمل التجاري والاقتصادي فقط، ولا علاقة له بالسياسية، علاوة على ذلك نخطط لبناء البرج السويسري، كمقر لكل الشركات السويسرية المتواجدة في دبي، وسيكون في حدود 27 طابقا، وقد رحبت العديد من الشركات والمؤسسات بالمشروع وقررت المساهمة فيه، الذي سيكون تسجيلا للحضور الاقتصادي السويسري في دولة الإمارات العربية المتحدة تحديدا، وفي دبي بشكل خاص.

تامر أبو العينين – دبي – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية