مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

من شارون إلى أولمرت .. ما الذي قد يتغير؟

إيهود أولمرت، الذي أصبح رسميا رئيس الوزراء الإسرئيلي بالوكالة يجلس حذو مقعد أرئيل شارون الفارغ في مفتتح اجتماع خاص لمجلس الوزراء في مقر رئاسة الوزراء بالقدس يوم 18 يناير 2006 Keystone

أعلن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، مناحيم مازوز، يوم 17 يناير الجاري أنه بإمكان إيهود أولمرت تولي منصب رئيس الوزراء بالوكالة قانونيا إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية يوم 28 مارس المقبل.

وقرر المستشار القانوني أن فترة العجز المؤقت (لشارون) ستستمر لمدة 100 يوم “يتولى خلالها رئيس الوزراء بالوكالة منصبه، إلا في حال استئناف رئيس الوزراء مهامه”.

مع استمرار الغيبوبة التي دخل فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، وصدور التعليل القانوني لتولي إيهود أولمرت منصب رئيس الوزراء بالوكالة، يعود الفلسطينيون والمراقبون إلى التأمل في حصيلة الحياة السياسية والممارسة العسكرية لشارون وآفاق المستقبل الذي سيتشكل بغيابه عن الساحة الشرق أوسطية.

ربما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون من عيار ثقيل، ثقل الاحتلال الاسرائيلي الرابض على صدور الفلسطينيين منذ عقود.. حيث أثبت شارون على مدار حياة عسكرية وسياسية امتدت لعشرات السنين أنه “البلدوزر” الذي لا يكاد يوقفه .. شيء.

ربما ايضا، ان “اريك الثعلب” كما يصفه خصومه وانصاره، في السر والعلن، قد كرس نفسه على انه احد اقوى زعماء اسرائيل، وانه وصل الى سدة الحكم بالرغم من ارتباطه المباشر بارتكاب مجازر على غرار صبرا وشاتيلا وقبية.

ولعله كذلك، من صنف الرجال، اصحاب الحضور الطاغي، القادرين على ملء مقاعدهم وأزيد، حيث لم يوفر مناسبة لتاكيد ذلك الا واقتنصها، بدءا من تمرده على مرؤوسيه في الجيش ومرورا بمختلف المناصب السياسية التي شغلها.

ظل شارون، يؤكد دوما قدرته غيرالعادية وتحديه المبالغ فيه، وليس مثال تبنيه مشروع الاستيطان اليهودي في الاراضي الفلسطينية، وعمله على تاسيس حزب الليكود وضمان وصوله الى السلطة، الا دليلا دامغا على هذه القدرة.

وبالرغم من هذا، فانه كان ذات الشخص الذي هجر الليكود، عندما لزم الامر، واحيا حزبا آخر، هو “كاديما”، ليتركه الان رهنا بقدرات انصاره واصحابه ومعاونيه على مدار السنين الماضية.

ومع غياب شارون عن الحياة السياسية في اسرائيل والمنطقة، تبدو الصورة وكأن الحيز الكبير الذي شغله رئيس الوزراء الاسرائيلى، مقبل على فراغ ومهدد بتصدعات كبيرة في مسالة الصراع الاسرائيلي العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص.

وثمة أسباب تدعو الى النظر في مثل الاحتمالات، أسباب تاخذ مداها على الجانب الفلسطيني من زاوية المواجهة الاسرائيلية الفلسطينية الاخيرة منذ اندلاع الانتفاضة، وأسباب أخرى ذات علاقة بالملف الداخلي الاسرائيلي.

تداعيات أكثر .. وأخرى أقـل

لا يمكن التقليل من شان آثار السياسة التي رسمها شارون خلال سنوات الانتفاضة الاخيرة، ومنذ توليه رئاسة حزب الليكود في عام 1999، لاسيما وأنها آثار ستظل بادية للعيان على المدى المنظور.

جدار الفصل والعزل، الذي خططت له حكومة شارون ووراحت تنفذه على ارض الواقع، لتتحول الضفة الغربية الى مجموعة من الكانتونات المعزولة، ولتمهد اسرائيل لرسم الحدود التي تريدها خلال اي تسوية قادمة.

ولايغيب عن البال، عملية الانفصال او الانسحاب الاحادي التي نفذها شارون في قطاع غزة، وغاب عنها ولما تكتمل فصولها ولم تظهر كامل تداعياتها على مستقبل قيام دولة فلسطينية مستقلة.

الى جانب ذلك، يظهر محور “عدم وجود شريك فلسطيني” يمكن التفاوض معه، وهو المحور الذي استند اليه شارون في رسم الجدار وتقطيع اوصال الضفة الغربية وفصل قطاع غزة والانسحا ب الاحادي منه.

وقد كان لهذه السياسة تبعاتها الكبيرة والمؤثرة على الجانب الفلسطيني الذي وجد نفسه اليوم وبعد تنفيذ سلسلة الخطوات هذه، في اسوإ حالاته من انقسام داخلي وتدهور في مفهوم السلطة وضبابية في استشراف المستقبل.

ومع دخول شارون غرفة العناية المكثفة وانتقال صلاحياته الكاملة الى نائبه ايهود اولمرت، كان الجانب الفلسطيني يدخل مرحلة اخرى غير واضحة، يحاول الوقوف على ما يمكن ان يكون عليه حال السياسة الاسرائيلية بعد شارون.

الداخل الاسرائيلي

ثمة فارق كبير بين وضع اسرائيل بعد شارون، ووضع الفلسطينيين المربكين في فترة ما بعد الزعيم الاسرائيلي القوي.

اسرائيل، دولة الاحتلال، هي ايضا دولة المؤسسات في داخلها الخاص، وهي قادرة على المضي “كاديما” الى الامام بدون شارون، الذي ترك حزبه الجديد كاديما في أيد أمينة ومجربة.

وان تكن التوقعات، تشير ان حزب شارون الجديد سيضعف من بعده، فان حكمة السياسة الاسرائيلية قادرة على تجاوز ذلك، واذا كان شارون مقنعا في عنفوانه وحياته، فانه كذلك سيكون في مماته من خلال كاديما الحزب.

وهي ليست التجربة الاسرائيلية الاولى في اضافة احزاب جديدة قديمة على خارطة اسرائيل السياسية، اذ لا يمكن حصر جميع الاحزاب السياسية التي تندرج في هذا السياق.

وفي تاريخ اسرائيل حزب ماباي الذي انبثق عنه العمل، وكان ذلك في ظروف اقل ما يمكن ان يقال فيها انه شبيهة بظروف اليوم، كذلك ايضا، استطاع شارون، في الماضي، اجتراح حزب الليكود من حركة حيروت اليمينية المتطرفة.

وهناك المزيد من الامثلة، من راتس وميرتس في اليسار، الى شاس في مثال الاحزاب الدينية وشينوي في الوسط، وكذلك حزب ياحد عند يسار الوسط، حيث استطاعت اسرائيل ان تكون واحدة ولو باحزاب عديدة متجانسة ومختلفة.

ويينما يرقد شارون على سرير المشفى، في حالتي موت وحياة مجهولتين، ثمة حقيقة واحدة تظل ماثلة للعيان ومفادها ان رحيل شارون لايعني الانقطاع ولا يعني التدهور او التراجع.

بل ان الحقيقة الاكيدة الاخرى ان مسيرة شارون العسكرية والسياسية التي امتدت على نحو 60 عاما، قد اسست لسياسة يبدو انها ستكون “الهدي” الذي سيتبعه رجاله من بعده في حزب كاديما.

وكان شارون الذي لم تخنه، خططه وافكاره على مدى عقود، خالجه شعور بانه لامحالة مفارق، فاودع حصيلة عمره السياسي في مشروع حزب اختار له الاسم العكسري “كاديما”، لتظل روحه فيه.

ترك شارون الكثير، وعمل دون كلل، وذهب الى غرقة العناية المكثفة حيث دمرت الجلطة دماغه، لكن دماره الحقيقي يبقى في أنه شكل اكثر وجوه اسرائيل مقاربة مع الاحتلال.

هشام عبدالله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية