مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مهاجرون عرب: “الإنخراط في الأحزاب السويسرية أسمى درجات الإندماج”

سويسري يؤدي واجبه الانتخابي خلال الإستفتاء العام بشأن طرد المجرمين الأجانب يوم 28 نوفمبر 2010. Keystone

للمرة الثانية، يشارك الأجانب المقيمون في سويسرا، ومنهم نسبة مهمة من العرب، في الإنتخابات البلدية التي تنظم في بعض الكانتونات يومي 13 و20 مارس 2011، لكن لاشيء يدل - للوهلة الأولى - على أن هذه المشاركة الهامة على المستوى الرمزي، ستؤثر بشكل فعّال في النتائج النهائية لهذه المواعيد الإنتخابية.

لقد أصبحت مشاركة المقيمين الأجانب ممكنة في جنيف منذ إقرار مبادرة “أنا مقيم، إذن أنتخب” سنة 2005، وفي كانتون فو بعد تعديل الدستور عام 2003، وكذا الأمر في العديد من الكانتونات الأخرى، مثل نوشاتيل وفريبورغ، وبعض الكانتونات الناطقة بالألمانية.

ورغم أن هؤلاء الناخبين الجدد يمثلون تقريبا ربع القاعدة الإنتخابية (77.000 في جنيف و85.000 في كانتون فو)، فإن مشاركتهم الضعيفة في المحطات الإنتخابية، فضلا عن تعدد اتجاهاتهم وخياراتهم يجعل من المبالغة الحديث عن “كتلة انتخابية” متجانسة أو متقاربة.

ويشير باسكال شاريني، وهو محلل سياسي يُدرس في جامعتي لوغانو ولوزان في حديث أدلى به مؤخرا إلى صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في جنيف) إلى أن “الأغلبية من هؤلاء الناخبين الأجانب يصوّتون لصالح أحزاب اليسار، بإستثناء أولئك المنحدرين من بلدان حكمتها في الماضي أنظمة اشتراكية مستبدة”.

ويُعتبر هذا التوجه المتزايد للمشاركة في المواعيد الإنتخابية لدى الأجانب مؤشرا مهما على تقدم ونجاح إندماجهم في المجتمع. وفي هذا الصدد، يقول باشكيم إحساني، مدير تحرير الموقع الإخباري albinfo.ch، والأستاذ بجامعة لوزان: “من التطوّرات المهمة على الساحة السياسية السويسرية هو هذا العدد الكبير من الألبان الذين أقبلوا على الترشّح على قوائم الأحزاب السويسرية في العديد من المناطق”.

موسى كامينيكا، ألباني يقيم في سويسرا منذ 15 سنة، وحاصل على شهادة جامعية في العلوم السياسية، اختار الترشّح على قائمة الحزب الإشتراكي في مدينة لوزان، وفي تصريحات إلى نفس الصحيفة، يبرر قراره بالقول: “أنا ناشط على المستوى الجمعياتي منذ فترة طويلة، وأجد أن الحزب الإشتراكي يدافع عن القيم التي أؤمن بها، كالسماح للأجانب بأخذ موقعهم اللائق بهم في المجتمع السويسري، ومكافحة الفقر، وتعميم التعليم على الجميع. ومثل العديد من الأجانب الآخرين، لم أعد أرضى بموقع المتفرّج، أريد ان أكون عنصرا فاعلا ومؤثّرا في مجريات الأمور في هذه المدينة حيث أعيش”.

قناعة يتقاسمها عرب كذلك

هذه الظاهرة تشمل اليوم كذلك العرب المقيمين في البلد. ولفترة زمنية طويلة اكتفى هؤلاء بالعمل ضمن هيئات وجمعيات أهلية خاصة بهم أو ذات طابع محلي، إلا أنهم بدؤوا في الإتجاه أخيرا نحو الإنفتاح على الحياة السياسية السويسرية إما بغرض إيصال مطالب وانشغالات أبناء جاليتهم إلى صناع القرار، أو كما يقول عبد المولى لمحنكر، وهو سويسري من أصل مغربي، وناشط جمعوي، سبق أن انتخب عضوا بالمجلس البلدي لمدينة رومون Romont (كانتون فريبورغ) على قائمة الحزب الاشتراكي: “انخرطت في الحياة السياسية لتحقيق مواطنتي، وللإسهام في إدارة الشأن العام”.

أما محمد الجريبي، وهو لاجئ سياسي تونسي سابق مقيم بمدينة رونون Renens (كانتون فو)، فيرى أن الإنخراط في الهيئات السياسية، والترشّح للمحطات الإنتخابية “تطوّر منطقي لكل مهتم بالشأن العام، لأن كل الهيئات الأهلية والسياسية مكوّنات إجتماعية متكاملة، وإن اختلفت تخصصاتها”. وقد سبق لهذا المهندس في مجال الإعلامية أن عمل لمدة سبع سنوات ضمن “اللجنة المحلية لاندماج الأجانب”، وبعد 13 سنة من الإقامة في سويسرا فإن المهم بالنسبة إليه هو “أن يكون الإنسان فاعلا ومؤثّرا أينما وُجد”.

ومن خلال تصريحات هؤلاء النشطاء، يتضح أن خوض هذه التجربة يسبقه ضرورة حصول قناعة وإيمان بالديمقراطية كأسلوب في إدارة الشأن العام، وإستعداد لاحترام أفكار الآخرين، وحقهم في الإختلاف، وإيمان بأهمية الحوار وتبادل الأفكار والتجارب والإحتكام إلى سلامة الفكر والمنطق، وفي مرحلة لاحقة تأتي مسألة اختيار الحزب السياسي المناسب لقناعات الشخص والتصورات والقيم التي يحملها.

أهداف متعددة

على المستوى العملي، تختلف أهداف هذا الإنخراط في الحياة السياسية من حالة إلى أخرى. فهو يمثل بالنسبة لمحمد بنوعطّاف، وهو سويسري من أصل جزائري، يقيم في الكنفدرالية منذ 41 عاما “فرصة تسمح لنا كعرب بتقديم ثقافتنا وأنفسنا، بالطريقة المثلى التي نرضاها، فلا يترك المجال لكي يتصوّر أحد أن المشكلات التي تتسبب فيها فئة قليلة من الأجانب هي بسبب انتماءاتهم الدينية والعرقية”.

البعض الآخر ينظر لهذه التجربة بأنها من صميم الوفاء بواجب المواطنة، ومن باب رد الجميل، وفي هذا يقول السيد الجريبي: “من واجبي كمواطن، وكما منحني هذا البلد حق الإقامة والأمن في وقت العسرة، لابد من رد الجميل الآن عبر المساهمة في خدمته وأفراده سواء كانوا مواطنين أم أجانب”.

ثم هي أيضا فرصة لهؤلاء الأشخاص القادمين من بلدان أخرى في التعرّف على التجربة الديمقراطية السويسرية عبر ممارستها من الداخل، وهو ما يمكّن صاحبها في النهاية من اكتساب خبرة عملية بالإمكان نقلها بعد ذلك للمجتمع الذي ينحدر منه، فيكون صاحبها بمثابة جسرا للتواصل بين عالميْن.

أما بالنسبة لبلد الإقامة، فإن إشراك الأجنبي في إدارة الشأن العام يعتبر أعلى درجات الإندماج، لأن هذا الشخص يصبح يفكّر في علاقته بمحيطه من الداخل، وليس كطرف أجنبي، وقد يأتي هذا الأخير أيضا بمقاربة جديدة لمعالجة قضايا المجتمع، فيقترح حلولا ما كانت لتخطر على بال، أو أن يثير أسئلة كانت ستمر من دون أي تفكير أو توقّف. وبحسب لمحنكر فإن هذه التجربة “لا يمكن أن تكون إلا مربحة للطرفيْن”.

   الأحزاب اليسارية

وباعتبار أن الحديث يتناول الحياة السياسية في سويسرا، يفضّل هؤلاء الناشطين السياسيين العرب عادة خوض تجاربهم من خلال الأحزاب اليسارية كالحزب الإشتراكي، والأحزاب الشيوعية، وحزب الخضر، وهي أحزاب تشتهر بدعمها وتأييدها للأجانب، ولحقوقهم الإجتماعية والإنسانية، وكذلك بمناصرتها لقضايا البلدان الفقيرة، والبلدان المكافحة ضد التبعية والاستعمار خاصة في فلسطين.

وعن أسباب انخراطه في فرع الحزب الإشتراكي بمدينة رومون، يقول عبد المولى لمحنكر: “إخترت هذا الحزب لأنه لا يوجد في هذه المنطقة التي أسكن فيها أكثر يسارية منه، ولأنه ربطتني علاقات شخصية ببعض المنتمين إليه، فضلا عن أنه الحزب الأقرب إلى قناعاتي وميولي الفكرية”.

نفس الدوافع نجدها تقريبا عند السيد الجريبي الذي ينتمي إلى مدرسة فكرية أخرى، ويقول موضحا “إطلعت على برامج الأحزاب السويسرية، فوجدت أن الحزب الإشتراكي يتميّز عنها بمبادئ إنسانية سامية منها مبدأ دولة القانون، والديمقراطية، واحترام الحريات، وفكرة التضامن مع المحتاجين في الداخل والخارج، والحرص على العدالة في الفرص بين المواطنين والأجانب، وبين الرجال والنساء، وكذلك الدعوة إلى حماية البيئة، والحريات الدينية… وهي مبادئ أجدها من صميم عقيدتي كمسلم يعيش في هذا البلد”.

وحتى بنوعطّاف الذي غادر حزب العمل الشيوعي بجنيف، بعد أن رفض هذا الحزب التصويت لصالح منح المسلمين مساحة خاصة لدفن موتاهم بحسب تعاليم دينهم، لم يذهب بعيدا، إذ انضم بعد ذلك إلى الحزب الاشتراكي، باعتبار أنه “جاء من الجزائر في عهد هواري بومدين، وكان النظام الجزائري آنذاك اشتراكي النزعة”، حسب قوله.

رغم كل ما سبق من معطيات، يزداد مع الوقت انجذاب أبناء المهاجرين من الجيلين الثاني والثالث إلى صفوف حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) الذي ترتبط سمعته وللمفارقة بالتشدد ومعاداة الأجانب. ويرجع المحللون هذه الظاهرة إلى افتقار خطاب اليسار السويسري “للروح الوطنية، مما يسمح لليمين بإغراء الأنصار الجدد بالقيم والتقاليد السويسرية العريقة”، على حد تعبير كورت إيمهوف، الخبير في علم اجتماع الأقليات والظواهر الإجتماعية.

من جهته، يؤكد أورس مويلي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة زيورخ على أن “المفردات التي يستخدمها حزب الشعب وحيويته السياسية وطرق عمله البسيطة والمتطورة في نفس الوقت تلبي إلى حد بعيد تطلعات الشباب المنحدرين من أصول أجنبية”.

على المستوى الفدرالي، تقتصر الحقوق السياسية، خاصة حق الإنتخاب والترشح في الحاصلين على صفة المواطنة من الذين يبلغون من العمر 18 سنة فما أكثر. وكان البرلمان الفدرالي قد رفض مشروع قانون ينص على حق الأجانب في الإنتخاب على المستوى الفدرالي في 4 اكتوبر 2001.

يمنح الدستور الفدرالي الكانتونات في المادة 105 صلاحية التقرير بشان منح الحقوق السياسية للأجانب خاصة حق الترشح والإقتراع. ونتوقف هنا عند الكانتونات الكبرى.

 آرغاو:

 رفض السكان في إستفتاء عام سنة 1996 منح الأجانب حق التصويت على المستوى المحلي. .

بازل المدينة:

يعيش في كانتون بازل المدينة ما يقارب 55.000 اجنبي، أي ما يوازي 30% من مجموع سكانه. وقد منح هذا الكانتون لبلدياته صلاحية التقرير بشأن الحقوق السياسية للأجانب المقيمين فيه، لكن جميع البلديات لم تمنح الاجانب هذا الحق حتى الآن. 

برن:

في أبريل 2005، رفض برلمان الكانتون السماح للحكومة في الكانتون  بتخويل البلديات حق التقرير بشان منح الأجانب حق الانتخاب وحقوق سياسية أخرى. وكانت آخر محاولة لمنح الأجانب هذا الحق قد فشلت بعد أن رفضت بنسبة 70% مبادرة شعبية في هذا الغرض نظمت في 26 سبتمبر 2010. 

 

فريبورغ

في فريبورغ، يحق الترشح والإنتخاب بالنسبة للأجانب الذين أقاموا في الكانتون على الأقل لخمس سنوات، وحاملون لترخيص إقامة دائمة. وهذا القانون معمول به في الكانتون منذ مارس 2005.

جنيف

في أبريل 2005، أقر 53% من الناخبين في الكانتون حق الإنتخاب للأجانب الذين أقاموا في الكانتون لمدة 8 سنوات على الاقل. ويأتي هذا بعد رفض أربع مبادرات سابقة بهذا الشأن.

نوشاتيل

اقر كانتون نوشاتيل حق الإنتخاب على المستوى المحلي للأجانب منذ عام 1849، ولا يشترط لذلك سوى الإقامة في الكانتون لعام واحد على الأقل. ومنذ 5 سنوات أصبح الاجانب يتمتعون بحق الإنتخاب على المستوى الكانتوني أيضا.

كانتون فو

أقرت المادة 142 من الدستور الكانتوني الجديد لسنة 2003 بحق الإنتخاب لجميع الأجانب الذين أقاموا في البلاد لمدة 10 سنوات، وفي الكانتون لمدة 3 سنوات على الاقل. أما على المستوى الكانتوني، فلا يحق ذلك إلا للمواطنين السويسريين.

زيورخ

رفضت مبادرتين شعبيتين كانتا تهدفان إلى إقرار حق الاجانب في الترشح والانتخاب وذلك سنتي 1993 و 2007.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية