مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“العراق يحتاج إلى التسامح وإلى الشعور بالإنتماء”

عراقيون مُقيمون في كانتون أرغاو خلال مؤتمر دوري لتجديد أعضاء الهيئة المشرفة على إدارة "المركز الإجتماعي العراقي بسويسرا". ischtar

منذ مقتل 50 شخصا في اقتحام لقوات الأمن العراقية لاعتصام مناهض لرئيس الوزراء نوري المالكي في الحويجة شمال بغداد في أبريل 2013، يشهد العراق تصاعدا كبيرا في أعمال العنف. وهو ما يثير قلقا وانزعاجا شديديْن لدى العراقيين المقيمين بسويسرا، الذين لا يرون أي بصيص للأمل أو نهاية قريبة لهذا النفق المظلم.

فقد قتل منذ بداية العام الجاري نحو ستة آلاف عراقي بينهم 950 في شهر نوفمبر لوحده، وفقا لحصيلة أعدّتها وكالة فرانس برس استنادا إلى مصادر أمنية وعسكرية وطبية، في موجة عنف غير مسبوقة منذ تفجّر النزاع الطائفي مجددا عقب انتفاضة شهدتها المدن ذات الغالبية السنية.
 
وعن هذه الأوضاع المؤلمة التي تمرّ بها بلاد الرافديْن، يقول فائق العبوديّ المبدع والرسام العراقي المقيم بلوزان منذ عشر سنوات: “هذه الأرقام مخيفة ومزعجة، فنحن نرى أهلنا يقتلون كأنهم لا يسوون شيئا، ونرى بلدنا يُدمّر… هذا الموضوع يؤلمني جدا، والمسؤولية بصراحة هي مسؤوليتنا نحن العراقيون جميعا”.
 
نفس العبارات يرددها كذلك خليل البياتي، وهو مهاجر عراقي آخر يقيم بكانتون سولوتورن يؤكّد أن “الأخبار الواردة من العراق تجعله يشعر بحرقة كبيرة”، ويرى أن التدخّل الخارجي في شؤون بلاده هو “سبب القتل والدمار في العراق، فأزلام النظام السابق الذين فقدوا الحكم بسقوط حزب البعث، يتعاونون مع دول الجوار لمنع استقرار الأوضاع هناك”، على حد قوله.

انتفاء مقومات الدولة

ورغم بعد المسافة، يُتابع المهاجرون العراقيون المقيمون في سويسرا مجريات الأحداث في بلدهم الاصلي عن قرب، وتعتصر قلوبهم ألما وكمدا للعنف الذي يفتك باقاربهم. وفي حديث إلى swissinfo.ch، ذكر الرسام التشكيلي العراقي رشيد عبّاس المقيم بمدينة فيفي ( Vevey ) أنه وقبل أن نتّصل به بقليل “بلغه خبر مقتل أحد رجال الدين المعروفين بالفلوجة، وهو من الذين يدعون إلى محاربة الطائفية ومشاريع تقسيم العراق”. ويضيف عبّاس أن “ما يحزّ في النفس، هو أنه لم يعد في العراق شيء اسمه دولة… لقد انتفت، وأصبح العراق محكوما من قبل عصابات، وكل مافيا تسيطر على جزء منه”. فالدولة تنتفي بحسب رأيه “عندما تصبح غير قادرة على حماية مواطنيها”.

نفس التوصيف نجده لدى السيد البياتي، الذي يذهب إلى أن “كل الاحزاب والمجموعات في العراق تركض وراء مصالحها، ولا أحد يفكّر في مصالح البلد”، وهو ما يعكس أيضا “ضعف الرابطة الوطنية” على حد عبارة فائق العبودي وانتفاء الشعور بالحب للوطن والإنتماء للأرض، وبالنسبة إليه، فإن “الكثير من الذين يحكمون العراق اليوم يبيعون الوطن ويحمون الإرهاب ويموّلونه”.
 
رغم تأكيده على أنه لا يُمكن فهم ما يحدث في العراق اليوم بمعزل عن تدخلات البلدان المجاورة له، يُشدد العبودي على أن هذا ما كان ليحصل لولا وجود “حاضنة مناسبة في الداخل مستعدة للتعاون معها”. أما صلاح البياتي، العضو المؤسس للمركز الإجتماعي العراقي بسويسرا، ورئيس منظمة “عشتار” الناشطة في مجال التعليم والإستشارات القانونية، فيذهب إلى أبعد من ذلك ويقول: “هناك جهات دولية مختلفة توظّف السياسيين العراقيين، ولكن الضحية هو الشعب العراقي”.

 عدد العراقيين المقيمين بشكل دائم (حتى نهاية أكتوبر 2013)

العدد الإجمالي: 5.159

الحاصلون على تصاريح  من فئة (C) (إقامة غير محدودة بأجل): 2.533

الحاصلون على تصاريح من فئة (B) (إقامة طويلة الأجل) : 2.625

عدد العراقيين المقيمين بشكل غير دائم (حتى نهاية أكتوبر 2013):

الحاصلون على تصاريح من فئة (L) (إقامة قصيرة الأجل): 4

عدد العراقيين اللاجئين (الحالة في نهاية شهر نوفمبر 2013)

العدد الإجمالي: 2.143

الحاصلون على إقامة مؤقتة من فئة (N) (خاصة بطالبي اللجوء): 379

الحاصلون على تصاريح من فئة (F) (إقامة مؤقتة لأسباب إنسانية): 1.764

المشاركون في برنامج “المساعدة من أجل العودة”: 243

(المصدر: المكتب الفدرالي للهجرة)

الحاجة إلى مستبدّ عادل

رغم صعوبة تصوّر أفق قريب لخروج العراق من النفق المظلم الذي يمرّ به، يرى بعض أبناء الجالية العراقية بسويسرا أنه لا مفر من وجود دولة قوية تضمن أمن مواطنيها وسلامتهم، ما يفترض ضرورة وجود حاكم صاحب قبضة قوية، ولا يهمّ “من أي طائفة أو من أي منطقة كان، بشرط أن يكون محبا للوطن ويشتغل لمصلحته”، وفقا لخليل البياتي.
 
في المقابل، يرى البعض أن هذا الحل غير واقعي في الوقت الحاضر، فالعراقيون، حسب فائق العبودي “قد جرّبوا وأثبتوا فشلهم، وحتى الأجهزة التي شكلوها بعد سقوط صدام حسين، ثبت بالكاشف أنها كانت أجهزة سيئة وفاسدة”، وبالتالي فإنه “لا خيار أمام الشعب العراقي سوى القيام بانتفاضة قوية تُخرج البلاد من أزماتها، وتُوكل السلطة لقوّة متغلبة تعيد الأمور إلى نصابها”. وحسب رأي المبدع العراقي فإن الشعوب العربية لا زالت “غير مهيّأة للديمقراطية، وتجارب بلدان الربيع العربي تقدّم الدليل الساطع على ذلك”.
 
وطبقا لوجهة النظر هذه، فإن استعادة سلطة الدولة بهذه الطريقة ستعيد وحدة البلاد وستضع حدا لنزعات الطائفية والإنقسام التي يُؤكد رشيد عبّاس أنها  “مشاعر غير موجودة بين الناس البسطاء، بل هي نعرات يؤجّجها السياسيون، ويحاولون من خلالها الوصول إلى غاياتهم، وهذا الذي يحدث، وهو ما سيؤدي للأسف إلى زيادة تمزيق العراق”.
 
لكن هذا لوحده يظل غير كاف، لأن ما شهده العراق من ويلات أدى إلى انتشار أمراض نفسية خطيرة، وأصبح الكثير من الناس هناك “غير أسوياء” وفقا للعبودي الذي يعتقد أن كثيرين في العراق اليوم “يحتاجون إلى جيش من المعالجين النفسانيين”.
 
أما السيد صلاح البياتي، فيقول صراحة بأنه “ليس متفائلا بالنسبة للعراق على المدى القريب”، ولكن الحل الوحيد لإنقاذ هذا البلد على المدى البعيد يتمثّل حسب رأيه في “تطوير التعليم، فاليوم يُعاني 50 إلى 60% من السكان في العراق من الأمية مع الأسف”.

انقسام حتى في الخارج

ربما كان بالإمكان أن يقوم المهاجرون العراقيون بدور ما  للتأثير على الوضع في الداخل أو توجيه الأحداث نحو حلّ ما، خاصة وأن جزءً كبيرا جدا من العقول العراقية موزّعة عبر العالم، لكن المشكلة هو أن المهاجرين العراقيين يُوجدون في بلدان متباعدة، ولا توجد نقطة ارتكاز معينة يمكن أن تمثّل نواة لهذا التعاون في ما بينهم.
 
في سياق متصل، لم يسلم المهاجر العراقي من الآثار السلبية المترتبة عن الإنقسام الطائفي الذي بات يشكّل معضلة حقيقية تعيق أي التقاء أو تعاون بين أفراد هذه الجالية، وعن هذا الأمر يقول فائق العبودي: “أحيانا تفكّر في التقدّم بفكرة أو مشروع إنقاذ، فيتوجه إليك هذا الطرف أو ذاك بأنك مع النظام أو مع المعارضة، رغم أن الموضوع في الحقيقة يتعلّق بمصير البلد وليس النظام الحاكم”.
 
هذا التخندق الطائفي كان واضحا في سويسرا خاصة مع بداية الإحتلال الامريكي للعراق في مارس 2003، لكن صلاح البياتي، رئيس “منظمة عشتار للخدمات التعليمية والإستشارات القانونية” يؤكد أن هذه الظاهرة “أصبحت أقلّ حدة مع مرور الوقت، فيما تحولت بعض المنظمات التي كانت تغذي هذا التجاذب الطائفي إلى ممثليات للأحزاب الحاكمة في العراق. أما عموم العراقيين الذين ليس لهم توجّه ديني عنصري أو سياسي، فهؤلاء ليس بينهم أي مشكلة، وعلاقاتهم الاجتماعية تسير على أحسن ما يرام”.

مبادرات مضيئة رغم العتمة

رغم الصعوبات القائمة، نجحت بعض الجمعيات التي ينضوي تحتها عراقيون مقيمون في سويسرا بتحقيق نجاحات لا بأس بها كمنظمة عشتار الأهلية التي تأسست في مدينة بادن بكانتون آرغاو، وهي تنشط منذ عام 2007 من أجل مساعدة الناطقين بالغتين العربية والكردية في مجال الإستشارات القانونية والإندماج والتواصل مع المجتمع السويسري، كما تعمل على بناء جسور بين سويسرا والبلدان العربية، وتُسهم أيضا تعليم اللغة الألمانية لغير الناطقين بها.
 
وفي معرض التشجيع لهذا الجهد المتعدد المجالات والإعتراف به، أفاد رئيس المنظمة أنها تتلقى “مساعدات مالية وأدبية من منظمات مجتمع مدني سويسرية، ومن حكومة كانتون آرغاو، ومن المنظمة السويسرية لمساعدة المهاجرين، ومن مكتب الإندماج بكانتون زيورخ لمساعدة العراقيين هناك على الإندماج والتأقلم مع المجتمع المحلي”.
 
إضافة إلى ذلك، تتعاون منظمة عشتار مع “التحالف الوطني لبناء التفاهم” على مستوى كانتون آرغاو، ومع اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية من أجل تنفيذ مشروعات داخل العراق، كما تبذل جهودا من أجل إنجاح مشروع توأمة بين مدينتي بادن والناصرية من أجل مساعدة قطاع التعليم في العراق وإيواء ورعاية الأيتام. 
 
ومنذ 2004، تأسس المركز الإجتماعي العراقي الذي شدد مؤسسوه منذ البداية على أنه “جمعية ذات أهداف غير ربحية، كما أنه محايد سياسيا ودينيا، ويسعى إلى أن يكون منبرا للحوار ولتبادل الخبرات بين أعضاءه وبين المجتمع السويسري”. ويمكن القول أن هذا الإطار الإجتماعي المعروف بنشاطاته الإحتفالية والثقافية وبإحياء المناسبات العراقية والسويسرية أسهم إلى حد كبير في تجاوز الإستقطابات الطائفية والسياسية وجعل من رابطة الوطن والإنتماء إلى العراق عنوانه الأبرز.

بعد أن زاد عدد العراقيين المتواجدين في سويسرا عن ثمانية آلاف شخص، استدعت الحاجة تأسيس منظمة جامعة تحتضن أبناء العراق من دون أي تمييز ديني أو طائفي أو مناطقي.
 
في بداية عام 2004 تضافرت جهود بعض العراقيين من أجل تأسيس “المركز الإجتماعي العراقي” الذي نصت أهدافه منذ البداية على انه “جمعية لا تنوي الربح وتكون محايدة سياسيا ودينيا”.
 
أعلن المركز أنه يسعى لأن يكون منبرا حرا للحوار وتبادل الخبرات من أجل خدمة الجالية العراقية المقيمة في سويسرا، وكان من أهم اهدافه تنشيط الصداقة بين أعضاءه وبين المجتمع السويسري وتنمية العلاقات بينها وبين الدوائر والمؤسسات الرسمية المهتمة بشؤون الإندماج الإجتماعي ودعم التضامن بين النساء العراقيات والنساء السويسريات المتزوجات من عراقيين.

يقوم المركز أيضا من خلال المجموعة النسائية على تقديم النصح والإرشاد للقادمات الجدد من خلال دعم تواصلهن مع المنظمات السويسرية المختصة والمهتمة بشؤون الهجرة والاجانب.

تهدف الجمعية يضا الى تنظيم الندوات والمحاضرات واقامة النشاطات الثقافية والملتقيات الاجتماعية واقامة دورات لتعليم اللغة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية