مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مهرجان سينمائي يوثق معاناة شعب فلسطين

لخصت الأشرطة الوثائقية المعروضة في المهرجان قضية فلسطين في صراع من أجل البقاء والحرية والعدل والمساواة swissinfo.ch

نظمت جمعية "سـويّـا" السويسرية المعنية بالشأن الفلسطيني بالإشتراك مع المسرح الدولي في زيورخ، أول مهرجان للأفلام الفلسطينية يومي 9 و 10 سبتمبر، كتقليد جديد لفعالية سينمائية ثقافية في زيورخ.

المهرجان تضمن عرض أفلام تسجيلية قصيرة حول معاناة الفلسطينيين في حياتهم اليومية، وتأثير الاحتلال على مستقبل أجيال بأسرها منذ النكبة وحتى اليوم.

“لو أراد شخص أن يتعرف على الحياة اليومية للفلسطينيين تحت الإحتلال وفي المخيمات، فما عليه إلا زيارة مثل هذا المهرجان”، هكذا قالت إحدى الحاضرات لسويس انفو عقب انتهاء عرض الجزء الأول من البرنامج مساء السبت 9 سبتمبر، في قاعة المركز الثقافي لحي أوسرسيل في زيورخ.

وقد تكون الزائرة محقة في تعليقها؛ إذ تناول اليوم الأول من المهرجان مجموعة من الأشرطة تتعرض لمسيرة القضية الفلسطينية من النكبة وحتى صعود حماس إلى السلطة، فتلك العجوز تحكي أيام ما قبل النكبة، وكيف كانت الحياة سعيدة هانئة، مليئة بالأمل والطموح، وكيف كان الناس سعداء بما لديهم.

ويرى المشاهد في تجاعيد وجه تلك العجوز مسيرة أكثر نصف قرن منذ “نكبة فلسطين”، وهي تتذكر القوات الإسرائيلية وهي تقتل وتحرق وتروع الآمنين، وتغوص تلك التجاعيد في ألم بعيد، وهي تستحضر الشهداء ومن سقطوا دفاعا عن الأرض والعرض، وقد نجحت المخرجة الشابة روبي سعيد في أن تجمع في نبرات صوت تلك العجوز معاناة جيل النكبة، بكل ما فيه من ألم ويأس، وبصيص أمل في سلام، سيأتي ربما ولكن لا أحد يعلم متى.

ولم يكن أمام الفلسطينيين سوى الرحيل إلى المخيمات، يبحثون فيها عن ملاذ آمن من بطش المحتل، لكن شريط “الشمس لا تشرق في مخيم اللاجئين” لم يجد من الأمن شيئا في مخيم بلاطة، بل معاناة سكانه المتواصلة ليل نهار، من الرضيع إلى التلميذ والشباب والكهول.

شمس لا تضيء، ونساء في قلعة الموت

الكاميرا التي أدارها شباب المخيم بأنفسهم، تتحرك بتلقائية في أزقته الضيقة، تسجل تعليقات المارة، وحديث العابرين، ونظرات واجمة تبحث عن المستقبل في عيون المجهول. غرف صغيرة وإمكانيات بدائية في كل شئ، ورغم كل هذا الحزن، تشاهد أطفالا يغنون، انتظارا لعودة غائب، أو بحثا عن حلم جميل قد يتحقق يوما ما بزراعة وردة أو شجرة في بستان، قد لا يعتقد من يشاهد هذه الفيلم أن هذا الحلم قد يتحقق يوما ما.. فهؤلاء الصغار يبحثون عن شمس تضيء لهم مستقبل حياتهم، وعندما يرون الكآبة في عيون الكبار، يدركون أن “الشمس لا تضيء في المخيمات”.

صورة قاتمة كئيبة تشرح للمشاهد، في أية أجواء ينشأ الفلسطينيون، والأفكار التي تقذف بنفسها بتلقائية متناهية في عقولهم، وهم يعانون من “ظلال الاحتلال” التي تسجلها أيضا عدسة شباب مخيم بلاطة، انطلاقا من على المعابر، والإهانة والذل الذي يلقاه الفلسطيني هناك بدون سبب أو مبرر، وكيف يقتحم الجيش سوقا متواضعا، أو يقلع الزرع ويقتل الحرث، وترى كيف تتبدل حياتك بشكل كامل لمجرد رغبة هذا الجندي المحتل في أن يشعر بلذة من ألم تلميذ لأن الاختبار الدراسي قد ضاع منك، أو من كهل يتلوى من الألم في انتظار العبور إما لعيادة طبيب أو شراء دواء.

وتوضح الأشرطة إلى أن هذه الأجواء التعيسة لا تدفع إلا إلى رد فعل تلقائي تتولاها عمليات مقاومة يتحول من يمارسونها إلى “مطلوبون ومطاردون”، يحكون من مخابئهم أمام عدسة شباب مخيم بلاطة عن قلقهم من مصير الأهل، وكيف يمكنهم الفرار من قوات احتلال تبحث عنهم لا لشيء إلا لأنهم يحاولون البحث عن حياتهم في أجواء من الحرية والكرامة، وان كانت في بضعة أمتار مربعة.

لكن الفلسطينيين يدركون أن المقاومة صارت إرهابا، ومن يقع في أيادي جنود الاحتلال فما عليه إلا انتظار أشد الهوان في السجون الإسرائيلية، لاسيما عندما تقبع “المرأة في قلاع الموت”، مخلفة ورائها أسرة وأطفالا، أو ربما تضع مولودها في تلك الزنزانة المخيفة، مع ما تصفه واحدة من شهود العيان في الفيلم، بأنها “أحط الألفاظ وأبشع صنوف المعاملة”.

توعية الرأي العام

اغتصاب أرض، فهجرة شعب، ومعاناة البحث عن سلام وأمن واستقرار أصبحت في عداد المجهول، لخصها المهرجان في ساعة ونصف من الأشرطة الوثائقية بعدسة من يعيشون هذا الواقع كل يوم.

وتقول المخرجة تشرينا فون موس مديرة المهرجان لسويس انفو، بأن فكرته جاءت لتحقق عدة أهداف؛ من بينها توعية الرأي العام السويسري بقسوة الحياة اليومية في المناطق الفلسطينية المحتلة، وأنها نتيجة عدم تحقيق العدالة، واستخدم المهرجان لهذا فترة عطلة نهاية الأسبوع، التي قد تكون حافزا لحضور عدد جيد من المثقفين والمعنيين بالأمر.

أما على الجانب الفلسطيني، فترى المخرجة السويسرية، أنها فرصة للشباب القابع هناك تحت الاحتلال للتعبير عن مشكلاته بنفسه بالطريقة التي يعيشها على مدار الساعة، ليدرك أيضا أن الثقافة والفنون يمكن أن تحمل همومه إلى الرأي العام الأوروبي، لذلك تعاون في إنتاج هذه الأفلام مخيم بلاطة للاجئين ووحدة الإعلام الفلسطيني (زاجل) في جامعة النجاح الوطنية في نابلس.

صعوبات في التمويل

وعلى الرغم من القيمة الفنية التي تحملها الأشرطة التسجيلية وأهمية الموضوعات، إلا أن المنظمين فشلوا في الحصول على تمويل أو دعم أية جهة رسمية سويسرية معنية بالشأن الثقافي، فلجأوا إلى الاعتماد على تبرعات خاصة ومساهمات من المتعاطفين مع الشأن الفلسطيني.

في المقابل، يعتقد بعض زوار المهرجان في حديثهم مع سويس انفو، بأن صعوبة التمويل ربما تعود إلى أن موضوعه يحمل أيضا نقدا حادا للسياسة الإسرائيلية من خلال هذا الواقع اليومي الاليم، ولذا فمن المحتمل أن تكون الجهات الممولة قد رأت بأن غياب صوت سلام إسرائيلي قد يؤدي إلى تحويل المهرجان إلى هجوم على الدولة العبرية، فآثرت الإبتعاد عن أية مشكلة أو ما يمكن تفسيره على أنه هجوم على إسرائيل، لاسيما وأن المهرجان يعرض فيلم “مذبحة” الذي يقدم شهادة 6 من جيش جنوب لبنان السابق، تم تأهيلهم للمشاركة في مذبحة صبرا وشاتيلا في نتصف شهر سبتمبر 1982.

وقدم المهرجان في يومه الثاني شريطين باسم “الجدار”، الأول لفرقة الروك الشهيرة بينك فلويد، ومن إخراج ألان باركر، والثاني تسجيلي وثائقي حول الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل في المناطق الفلسطينية المحتلة.

كما اهتمت التظاهرة بمسيرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والشباب والنساء في السجون الإسرائيلية، ونظرة الشارع الفلسطيني إلى المستقبل، وفرص الأمل التي يراها ممكنة للوصول إلى أبسط حقوق الإنسان أي العيش في سلام وأمان.

سويس انفو – تامر أبو العينين – زيورخ

عقد مهرجان نهاية الأسبوع للأفلام الفلسطينية دورته الأولى في 9 و 10 سبتمبر في مدينة زيورخ.

لم يتمكن أي من المسئولين الفلسطينيين من المشاركة فيه بسبب صعوبات بالغة في التنقل والسفر.

قدم المهرجان 14 شريطا تسجيليا عن معاناة الشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى اليوم.

انبثقت جمعية “سـويّـا” في سنة 2004 من مؤسسة المسرح الدولي في زيورخ، ويقول ميثاقها إنها تهدف إلى “فضح الممارسات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، من خلال العمل الثقافي والفني من مسرحيات ومعارض ومهرجانات وأمسيات متخصصة، يشارك فيها الشباب الفلسطيني والسويسريون المهتمون بالشأن الفلسطيني.”

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية