مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ميتسلر تكسرُ تقاليد الصمت السياسي

وزيرة العدل والشرطة السويسرية السابقة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته في هيريساو يوم الأربعاء 9 يونيو 2004 بمناسبة صدور مؤلفها المثير للجدل Keystone

بعد 6 أشهر بالضبط من تضحية البرلمان الفدرالي بها، عادت وزيرة العدل والشرطة السابقة روت ميتسلر إلى الأضواء بمذكرات تكشف المستور وتكسر الصمت المعهود.

وبينما تهافت القراء على المؤلف الذي يدشن سلوكيات جديدة في الوسط السياسي، وجهت بعض وسائل الإعلام انتقادات حادة للسيدة ميتسلر بسبب “افتقارها التام لأية رؤية سياسية”.

لقد كسرت جدران الصمت والغموض، وكشفت النقاب عن الحياة وراء كواليس السياسة الفدرالية، وباحت بأسرار كان “يُفترض” أن تحتفظ بها لنفسها حسب التقاليد العريقة التي التزم بها أسلافها لأجيال عديدة في القصر الفدرالي.

لكن وزيرة العدل والشرطة السابقة روت ميتسلر البالغة من العمر 40 عاما، قررت فرض تقاليدها الخاصة بنشر مذكرات تدشن بلا شك سلوكيات جديدة في الوسط السياسي السويسري. وفي أكثر من 350 صفحة، فرغت الوزيرة السابقة الشابة رصيد السنوات الخمس التي قضتها في الحكومة الفدرالية والتي لم تخل من تجارب مرة.

ولعل التجربة الأمر بالنسبة للسيدة ميتسلر، والأكثر إثارة لفضول القراء والسياسيين أيضا، خاصة أولئك الذين وردت أسماءهم في المؤلف، إقدام البرلمان (أو بالأحرى حزبها الديمقراطي المسيحي) على التخلص منها يوم 10 ديسمبر 2003.

“كبش الفداء”..امرأة

في ذلك اليوم، عرف المشهد السياسي السويسري حدثا غير معهود. فلأول مرة منذ عام 1872، لم يجدد البرلمانُ انتخابَ وزير مباشر. وكانت هذه السابقة من نصيب وزيرة العدل والشرطة روت ميتسلر وحزبها.

ونظرا للنتائج المتواضعة التي حصل عليها الحزب الديمقراطي المسيحي في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر الماضي، ووفقا للحسابات التي تفرضها “الصيغة السحرية” للحكومة الفدرالية، لم يكن بوسع حزب السيدة ميتسلر شغل مقعدين كالمعتاد في التشكيلة التي تضم سبعة مقاعد.

ولم يجد البرلمان حلا آخر سوى التضحية بأحد وزيري الحزب الديمقراطي المسيحي ليتمكن حزب الشعب السويسري اليمني المتشدد- الذي حقق فوزا ساحقا في الانتخابات- من شغل مقعدين في الحكومة الفدرالية، وذلك لأول مرة منذ اعتماد “الصيغة السحرية” عام 1959.

ويذكر هنا أن هذه الصيغة تقوم أساسا على تمثيل الأحزاب السياسية في الحكومة الفدرالية وفقاً لحصتها من إجمالي أصوات الناخبين. وقد تشكلت الحكومة الفدرالية منذ ذلك التاريخ من عضوين عن كلٍ من الحزب الراديكالي والحزب الاشتراكي والحزب الديمقراطي المسيحي مقابل عضوٍ واحد لحزب الشعب السويسري. لكن يوم 10 ديسمبر 2003 قلب الموازين وغيّر التركيبة.

وقد اختار الحزب الديمقراطي المسيحي التضحية بوزيرة العدل والشرطة روت ميتسلر بدل زميلها وزير الخارجية آنذاك ورئيس الكنفدرالية الحالي جوزيف دايس. وهذا ما لم تغفره وربما لن تغفره أبدا السيدة ميتسلر!

تصفية حسابات أم مجرد فضفضة؟

فهي تحكي تفاصيل هذه الحلقة من حياتها السياسية بمرارة في مذكراتها، ولا تتردد في اتهام حزبها بالخيانة وممارسة الضغط عليها للانسحاب والاستسلام رغما عنها. ولا يفلت رئيس الكنفدرالية جوزيف دايس من هذه الاتهامات. فهل هي تصفية حسابات أم محاولة انتقام، أم وسيلة للعودة إلى الأضواء أو مجرد رغبة صدر ضائق في “الفضفضة”؟

في الجزء الأخير من المؤلف، تؤكد الوزيرة السابقة أن الهدف من إصدار هذه المذكرات “لا يتلخص في تصفية حسابات مع الحزب الديمقراطي المسيحي”. وفي تصريح لإذاعة سويسرا الروماندية، شددت السيدة ميتسلر على أن مذكراتها ليست نوعا من العلاج النفسي بعد إبعادها من الحكومة حيث قالت: “إن الهدف من وراء هذا الكتاب لا يكمن في هضم ما حدث، لكن يمكنني القول إن هذا المؤلف ساعدني”.

وتكتب ميتسلر في مذكراتها: “إن هذه الصفحات لن تنصف لا الماضي ولا الحاضر إن أقصت وجهات النظر الانتقادية”. وقد حصد رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي آنذاك فيليب ستايلين كمّا لا يستهان به من انتقادات ميتسلر التي قالت : “إن “الحد من الأضرار” و”السكوت عن القضايا الحساسة” كانت مذهب رئيس الحزب”. كما تضيف في أكثر من مناسبة أن الحزب “كان شبه مشلول”.

انتقادات حادة من وسائل الإعلام

وإن كان ثلثا كمية النسخ المطبوعة من هذه المذكرات قد نفذت بسرعة فائقة من المكتبات، فذلك لا يعني أن كسر السيدة ميتسلر للتقاليد السياسية السويسرية قد راق للجميع. فوسائل الإعلام -التي وجدت نفسها مضطرة للحديث عن هذا المؤلف “الحدث” وبالتالي الترويج له بطريقة أو بأخرى- وجهت انتقادات لاذعة لتصريحات السيدة ميتسلر.

صحيفة “لوتون” الرصينة التي تصدر بجنيف ترى أن الكتاب يوضح أن ميتسلر “لم تفهم أبدا كيف تعمل برن الفدرالية”. بينما لاحظت صحيفة “تاغس أنتسايغر” الصادرة في زيوريخ، أن ميتسلر “لا تتوانى عن توجيه الانتقادات لحزبها لكنها ترسم صورة جميلة لنفسها”.

أما صحيفة “لا ليبرتي” التي تصدر في فريبورغ، فاعتمدت لهجة أكثر حدة حيث قالت إن الكتاب يُقرأ وكأنه حصيلة لنشاطات شركة ما، وذلك في إشارة لمنصب المستشارة القانونية التي شغلته ميتسلر في السابق قبل التحاقها بالقصر الفدرالي. كما تعلق الصحيفة على مضمون المذكرات بالقول إنها تكشف عن افتقارها التام لأي رؤية سياسية أو قدرة على تحليل الأمور.

ولم يتردد كاتب التعليق إيريك رومان في القول: “إن غياب التحليل السياسي في هذه الدعوى التي جاءت في 368 صفحة مذهل”، بعد أن أوضح في بداية التعليق: “لدى قراءة كتاب روت ميتسلر، يدرك المرء لم وقع عليها الإختيار، فهو يؤكد أن ابنة (كانتون) ابنتسل لم تكن سياسية ولو لثلاثة سنتيمات”، وهو مثل سويسري يدل على قلة الخبرة.

قصة عنوان المذكرات

والآن وبعد أن خرجت السيدة ميتسلر عن الأعراف والتقاليد السياسية لبرن الفدرالية، وباعت وستبيع المزيد من مذكراتها التي تحمل عنوان “غريسيني وألبنبيتر”، هل ستتحول إلى شخصية تجسد الشجاعة في مجال كسر التقاليد، أم أنها ستدفع غاليا ثمن فضح الأسرار على المستوى المهني مُستقبلا؟ فهي مازالت شابة والزوبعة التي تثيرها مذكراتها الآن عابرة لا محالة.

أما من يتساءل من قراءنا عن معنى عنوان الكتاب، فله قصة ودلالات. “الغريسيني” هو اسم مُقبلات إيطالية، و”ألبنبيتر” هو اسم ماء معدني من جبال الألب يتميز بمذاق مر. وكانت ثلاجة الوزيرة السابقة روت ميتسلر في مكتبها بالقصر الفدرالي دائما ممتلئة بـ”الغريسيني” و”الألبنبيتر” التي كانت تتقاسمها مع زملائها الذين يعملون إلى أوقات متأخرة من الليل.

واليوم لم يبق من “الغريسيني” سوى الذكرى، ومن ماء “الألبنبيتر” سوى المذاق المر.

إصلاح بخات – سويس انفو

قضت السيدة روت ميتسلر 10 أسابيع في تأليف مذكراتها “غريسيني وألبنبيتر”
نشرت الصحافة السويسرية الناطقة بالألمانية يوم الأحد 6 يونيو مقتطفات من الكتاب
من أصل النسخ الـ20456 للمؤلف، تم بيع 15 ألف منها، أي ما يعادل الثلثين
يعتزم الناشر مارسير شتاينر إصدار نسخ جديدة من الكتاب هذا الشهر
الترجمة الفرنسية للمذكرات والتي ستحمل نفس العنوان ستصدر في شهر سبتمبر أو أكتوبر المقبل

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية