مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإنتخابات البرلمانية المصرية بين التعجيل والتأجيل والمقاطعة

في خطوة مفاجئة، أحالت محكمة القضاء الإداري القانون الخاص بانتخاب المجلس النيابي إلى المحكمة الدستورية العليا (الصورة) للنظر في مدى دستوريته. Keystone

جاء قرار القضاء الإدارى بوقف تنفيذ قرار الرئيس محمد مرسي بالدعوة الى الإنتخابات وإحالة قانون الإنتخابات مرة أخرى للمحكمة الدستورية "للبت فى التعديلات التى اتخذها مجلس الشورى ومدى اتساقها مع الدستور" بمثابة مفاجأة للكثيرين، أحبطت البعض واسعدت البعض الآخر.

المُحبطون وعلى رأسهم الحرية والعدالة وجماعة الاخوان المسلمين ومن ورائهم حزب الوسط الذى شكله منشقون سابقون على الإخوان، رأوا فى الحكم سابقة مناقضة للمتعارف عليه فى عدم وقف قرارات الرئيس باعتبارها قرارات سيادية، ودعوا الرئيس للطعن على الحكم. أما السعداء فكانوا كثيرين بداية من جبهة الإنقاذ ونهاية بحزب النور السلفى الذى طالب من قبل بضرورة إعادة القانون المعدل للمحكمة الدستورية للبت فى صلاحية التعديلات التى تم إجراؤها.

وتكتمل السعادة لهؤلاء لأن الحكم القضائى قد أقر الإنتقادات التى سبق وأن أعلنوها مرارا وتكرارا بشأن عدم صلاحية القانون لإجراء انتخابات نزيهة ولكونه مُفصّلا لإنجاح أنصار تيار بعينه (الاخوان تحديدا)، ولكونه لم يكتمل دورته الإجرائية وفقا للدستور الذى وضعه الإسلاميون أنفسهم، وأيضا لأنه لم تتم إعادته مرة ثانية للمحكمة الدستورية لإبداء الرأى فى التعديلات التي أقرها مجلس الشورى. أو بعبارة أخرى، أن الحكم القضائى جاء مؤيدا لكل الإنتقادات السياسية والقانونية التى استندت إليها جبهة الإنقاذ فى تبرير قرارها بمقاطعة الإنتخابات.

فسحة من الزمن للتقارب

الأهم من ذلك هو أن إعادة القانون المعيب مرة أخرى للدستورية من شأنه أن يتيح فسحة من الوقت لعل الرئيس وجماعة الاخوان يستمعون فيها إلى المطالب الشرعية بإجراء حوار وطنى متكامل لإنهاء حالة الإحتقان السياسى المتصاعدة فى البلاد، ومن ثم اتخاذ الخطوة الضرورية بتهيئة بيئة سياسية طبيعية تسهم فى إنجاح الإنتخابات وتسمح بمشاركة الجميع دون إقصاء.

المهم أن الرئاسة اعلنت أها لن تطعن، أي أنها ستترك مجلس الشورى يتخذ الإجراءات القانونية ويعيد القانون مرة اخرى للمحكمة الدستورية حتى لا يتم وقف الإنتخابات لاحقا.

لقد بدل قرار القضاء الإدارى المعادلات السياسية على نحو كبير، وإن كان قد أضفى مشروعية أخلاقية وقانونية على قرار جبهة الانقاذ بمقاطعة الإنتخابات، فإنه يعطى فرصة لتعديل التكتيكات المتبعة للجميع. ومن هنا فهو قد يمثل فرصة لإحداث التوافق وإنهاء الإستقطاب، بشرط ان يلجأ الرئيس مرسى إلى افنفتاح على المعارضة والتفاوض معها.

قالت الرئاسة المصرية إنها ستحترم حكما صدر يوم الأربعاء 6 مارس 2013 من القضاء الإداري بوقف تنفيذ قرار أصدره الرئيس محمد مرسي بالدعوة لانتخابات مجلس النواب اعتبارا من أواخر أبريل مستبعدة الطعن على الحكم.

وكان المستشار القانوني للرئيس المصري قال في وقت سابق لرويترز إن الرئاسة ستطعن على الحكم.

وأربك الحكم خطط إجراء الانتخابات التشريعية التي كان مقررا أن تجرى على أربعة مراحل وأثار المخاوف من إرجاء الانتخابات في وقت تواجه فيه البلاد قلاقل سياسية وأزمة اقتصادية.

وقال بيان أصدره مكتب مرسي “تؤكد رئاسة الجمهورية احترامها الكامل لحكم محكمة القضاء الإداري الذي صدر اليوم بوقف الانتخابات البرلمانية وإحالة قانون الانتخابات إلى المحكمة الدستورية العليا إعلاء لقيمة دولة القانون والدستور وتحقيقا لمبدأ الفصل بين السلطات”.

 وحكمت محكمة القضاء الإداري في القاهرة يوم الاربعاء 6 مارس بوقف إجراء الانتخابات التي دعا لها مرسي وأحالت قانونا جديدا خاصا بإجرائها إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر في مدى دستوريته. وفي حساب الرئاسة على تويتر ذكرت الرئاسة إن الطعن على الحكم غير مُرجّح.

 ويسود الإرتباك السياسي مصر منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة عام 2011. وكانت أحزاب مصرية كثيرة قالت إنها ستقاطع الإنتخابات.

 (المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 مارس 2013)

التعجل.. كارثة وخيبة!

كان أنصار الرئيس محمد مرسى متعجلين إجراء الإنتخابات، باعتبارها فرصة للفوز بأكبر نسبة مقاعد نيابية فى غياب الأحزاب ذات التأثير فى الشارع، ومن وجهة نظرهم فإن ذلك من شأنه أن ينهى حالة الإنقسام والإستقطاب السياسى الراهنة، وأن يستعيد الإستقرار المنشود وإكمال بناء المؤسسات السياسية والدستورية.

بعبارة أخرى كان الاخوان متعجلين السيطرة على البرلمان الجديد، ثم الحكومة ومن قبل الرئاسة، وبذلك يكتمل ثالث التمكن من مصر “كخطوة على طريق بناء الخلافة الاسلامية”، وفقا لما بشّر به د. محمد بديع مرشد جماعة الاخوان المسلمين فى لقاء مع عضوات الجماعة. ولعل ذلك يفسر حالة الحزن التي شابت تعليقات رموز الاخوان وحزب الحرية والعدالة على الحكم القضائي بوقف الإجراءات الإنتخابية.

أما المقاطعون فكانت ولا زالت لهم الكثير من الحجج، منها أن مجمل البيئة السياسية والحالة الأمنية المتردية لا تسمح بإجراء انتخابات نزيهة تعبر عن طموحات المصريين واختيارهم الحر. ومن أبرز المقاطعين “جبهة الإنقاذ” التى تتشكل من عدد مهم من الأحزاب السياسية ومنها حزب الوفد والدستور والتجمع والمؤتمر والديمقراطى الإجتماعى والجبهة الديمقراطية، ومن الرموز السياسية ومنها محمد البرادعى وعمرو موسى والسيد البدوى وحمدين صباحى.

وكانت الجبهة حسمت قرارها بالمقاطعة الكاملة للإنتخابات استنادا إلى موقف مبدئى يتعلق بعدم توافر شروط نزاهة الإنتخابات فضلا عن عيوب قاتلة فى قانون الإنتخابات وعدم حيادية حكومة هشام قنديل التى يسيطر عليها وزراء من الإخوان، وضرورة تغيير النائب العام “ذى التوجهات الإخوانية”، وفقا لتصريحات قادة الجبهة، وطبقا لما جاء فى بيان صادر عقب اجتماع لقادة الجبهة يوم الثلاثاء 5 مارس 2013.

إضافة إلى ذلك، قررت الجبهة تنظيم حملة شعبية كبيرة لتدعيم المقاطعة وشرح أسبابها للمواطنين فى مسعى لنزع الشرعية عن الإنتخابات وعن البرلمان المقبل، وكشف النظام الحاكم باعتباره “نظاما استبداديا تسيطر عليه جماعة لا وضع قانونى لها” بالرغم من أن رئيس البلاد ينتمى إليها جملة وتفصيلا.

دلالة التوقيت

كان لتوقيت قرار المقاطعة أكثر من دلالة، فقد جاء بعد يومين من انتهاء زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، ومن ثم اعتبر بمثابة ردّ على ما ذكر بأن الوزير الأمريكى حثّ بعض رموز المعارضة التى قبلت اللقاء معه منفردا مثل عمرو موسى، أو مع مجموعة من السياسيين مثل أيمن نور ومحمد أبو حامد وجميلة اسماعيل وغيرهم، على المشاركة فى الإنتخابات المقبلة “كخطوة ضرورية لاستكمال مؤسسات النظام الجديد”، الأمر الذى أثار تكهنات بأن جبهة الإنقاذ قد تتعرض لانقسامات داخلية بشأن المشاركة فى الإنتخابات بدلا من مقاطعتها، خاصة وأن عددا من أعضاء حزب الوفد ونوابه السابقين فى البرلمان الأخير دعوا الجبهة إلى إعادة النظر فى قرار المقاطعة، وفى حال عدم الإستجابة فعلى الوفد المشاركة منفردا لأنه من الخطورة بمكان أن ينعزل الحزب عن الحياة السياسية لمدة خمس سنوات مقبلة، ويترك الاخوان والسلفيين يسيطرون على البرلمان والحكومة والرئاسة فى آن واحد.

لكن المناقشات بين قادة الجبهة انتهت إلى أن المقاطعة فى ظل الظروف الراهنة هى الأكثر حكمة، فمن جانب ستعد رفضا صريحا للتدخلات الأمريكية التى عبر عنها الوزير كيري، ومن جهة ثانية سوف تكشف حدود الإستبداد الإخوانى فى النظام الراهن، وتنزع عنه شرعية سياسية وشعبية هو فى أشد الحاجة إليها لخداع المواطنين بأهليته للحكم منفردا، خاصة وأن نُـذُر الصدام الشعبى تتزايد وتنبىء بثورة شعبية شاملة قد تطيح في نهاية المطافة بالحكم القائم. ومن جانب ثالث، فإن المشاركة فى الإنتخابات بدون وجود ضمانات حقيقية لنزاهتها وشفافيتها وبدون قانون مكتمل الأركان وتقسيم عادل للدوائر الإنتخابية يتضمن ضوابط واضحة للدعاية وعدم توظيف الإدارة المحلية أو استغلال المساجد لصالح مرشحي الإخوان، ستُعدّ نوعا من الإنتحار السياسي للجبهة، وخطوة فى سبيل تسليم البلاد على طبق من فضة للجماعة تفعل بعدها ما تريد من تغلغل فى كافة مفاصل الدولة لسنوات طويلة مقبلة.

غليان فى مدن كبرى

وأيا كانت المبررات التى استندت إليها جبهة الانقاذ لتأكيد مقاطعة الإنتخابات، فمن الضرورى اعتبار حالة الغليان السائدة فى عدد من المحافظات المصرية كبورسعيد والمنصورة والسويس والزقازيق وفى بعض مناطق بالقاهرة منذ 25 يناير 2013 وحتى الآن، أحد الأسباب الجوهرية التى رفعت من أسهم قرار المقاطعة، كنوع من تأييد التحركات الشعبية المناهضة لحكم الرئيس محمد مرسى، خاصة وأن الإتجاه الغالب لدى المكونات الشبابية فى الجبهة يتلخص في “تصعيد المواجهة مع الرئيس مرسي وجماعته وصولا إلى إسقاط النظام الساعي إلى أخونة الدولة ومفاصلها الأساسية ويتجاهل تحقيق أهداف الثورة من عدالة اجتماعية وحرية ومشاركة وإعادة بناء المؤسسات لاسيما الأمنية منها”، بحسب رأيها.

والحق أن هذه المواجهات الآخذة فى الإتساع فى أكثر من بقعة ومدينة تتداخل فيها مطالب بالعصيان المدنى ومظاهرات من أجل حقوق فئوية تخص أصحابها وقناعات متصاعدة بمواجهة الاخوان نظرا لسياستهم فى الهيمنة والمغالبة ولفشلهم الذريع فى الحكم، وعوامل أخرى تتعلق بالحكم القضائى المنتظر صدوره فى القضية المعروفة إعلاميا بمجزرة بورسعيد التى راح فيها 72 من مؤيدى النادي الأهلي، حيث ينتظر مشجعو النادى صدور أحكام قوية ومشددة في جلسة التاسع من مارس الجاري بحق المتهمين من رجال الأمن تحديدا.

وفى هذا السياق، تقوم مجموعات مُشجّعى النادي بتحركات عنيفة أحيانا ورمزية أحيانا أخرى تأخذ شكل حصار لعدة ساعات ضد وزراة الداخلية ومديريات وقوى الأمن ومنشآت عامة ذات وضع خاص مثل البنك المركزى ودار القضاء العالي ومحطات المترو وميادين متعددة و”كوبرى أكتوبر” الحيوي فى قلب القاهرة وأخيرا محاصرة منازل بعض وزراء الداخلية السابقين والوزير الحالى للتحذير من مغبة صدور أحكام أقل مما يرضون به. وفي كل هذه التحركات، لا يخلو الأمر من عنف متعمد واستخدام أسلحة وتخريب للمنشآت ومواجهات مع الأمن ووقوع مصابين وقتلى وقطع الطرق والمواصلات العامة.

بحث عن توافق وطني

في المحصلة، تبدو البيئة السياسية المحتقنة والأمنية المنفلتة في مصر غير مؤهلة لإجراء الإنتخابات، فهي بحاجة أولا لحصول نوع من التوافق الوطني بما يُساعد على تهدئة بين الرموز والقوى السياسية المختلفة والتوصل إلى “تصور مقبول من الجميع” بشأن خطوات التحول الديمقراطى وإعادة بناء المؤسسات، ومن ثم تأجيل زمني محدود للإنتخابات يتيح إعادة النظر فى عدد من القضايا الجوهرية مثل تعديل قانون الإنتخابات وضمانات الرقابة المحلية والدولية وتعديل الدوائر الإنتخابية والإتفاق على ضمانات تعديل المواد الدستورية المختلف عليها، وهو ما تحقق جزئيا بعد الحكم القضائى بوقف إجراء الإنتخابات لحين البتّ فى دستورية القانون وتعديلاته.

خلاصة القول أن ثمة هدية من القدر جاءت للقوى السياسية من أجل الحوار والتوافق، فهل ستقبل جماعة الاخوان والرئيس مرسى تلك الهدية لاستعادة التوازن السياسى لمصر كلها، أم أنها ستضيّع الفرصة ويستمر الإحتقان والإستقطاب؟ لننتظر ونرى.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية