مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مَـن هي “أمّ” الثورات العربية الرّاهنة وما هي مصائـرها؟

هل تسير الثورات العربية نحْـو ربيع حتْـمي أم أنها عُـرضة إلى خريف الانتكاس والنكوص؟ Keystone

الآن، وقد بدأت ثورات الحرية والمواطنة تتجَـذّر في الأرض العربية، ربّـما حان الوقت لطرح "الأسئلة الباردة" والعقلانِـية حول طبيعة هذه الثورات:

هل ثمة تجارب تاريخية سابقة تفرّعت منها؟ وكيف تتطابق هذه أو تختلف مع التجارب الحالية؟ ثم، في ضوء التاريخ أيضاً، ما المصائر المُـحتملة للثورات العربية: هل هي تسير نحْـو ربيع حتْـمي أم أنها عُـرضة إلى خريف الانتكاس والنكوص؟

أول ما يقفز إلى الذِّهن مع طرْح هذه الأسئلة، هو بالطبع التجربة الليبرالية المديدة التي عاشتها الشعوب العربية طيلة قرْن ونيف، والتي كانت فيها “المانترا” (الكلمة السِّحرية)، كما الأمر الآن، هي الحرية. ولذا، ثمة ضرورة للتوقف أمام هذه التجربة الماضية لمحاولة استِـقراء المستقبل منها. فالتاريخ، على أي حال، لا يؤمن بالانقطاع ولا يعترف به. والظواهر الاجتماعية، مهْـما كان شكلها، لا تولَـد من فراغ.

نحن الآن في منتصف القرن التاسع عشر

العرب يعيشون في إطار الدولة العثمانية، كما كان الأمر طيلة أربعة قرون. وطالما أن الأمر على هذا النحو، كانت إشكالاتهم الفِـكرية بسيطة ومحدّدة، وكانت مطالِـبهم أكثر وضوحاً وتحديداً: الحرية. الحرية في كل شيء. الحرية ممّـن؟ حسناً، ليس “من” الدولة العثمانية، بل “في” داخلها. هكذا كان الوضع على الأقل حتى الحرب العالمية الأولى، بفعل الشرعية الضَّـمنية والعلَـنية التي كانت الإمبراطورية العثمانية تحوزها في قلوب العرب (المسلمين) وعقولهم.

الحرية عنَـت، تحرير العقل والفِـكر والإرادة، كما عنَـت التقدّم والسَّـير في رِكاب التاريخ المُـندفع إلى الأمام، دوماً عبْـر الإصلاح. الحرية أيضاً عنَـت في بعض جوانبها، حقوق العرب المتساوية مع الأتراك في إطار الدولة الواحدة.

هذه الأجواء مهّـدت لبروز حِـقبة ليبرالية في المنطقة العربية منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى ما بعد الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة، لكن هنا الصورة بدأت تتعقّـد بفعل الدخول المباشِـر للاستعمار الأوروبي إلى المنطقة. فقد اختلطت المفاهيم وتعدّدت الأولويات، وبات الصِّـراع من أجل الغرب، صراعاً ضدّه في الوقت نفسه.

لَـدى جيل الليبراليين العرب الأوائل، كانت ثمّـة محاولة لحلّ هذه الازدواجية المُـؤلمة عبْـر شعار “أوروبا متقدّمة علينا، تكنولوجياً وحضارياً أيضاً، فلنتحوّل جميعاً إلى أوروبيين”، وهذا شعار نجح في شق طريقه إلى التنفيذ في تركيا الكمالية وحدها، لكنه تعثّـر في الشرق العربي، بسبب اقتصاره على بوْتَـقة نخْـبَـوية ضيّقة، هذا إضافة إلى اصطدامه بقِـوىً أخرى كان عداؤها للاستعمار الأوروبي قد بدأ يدفعها إلى إدارة الظَّـهر للفِـكر الليبرالي برمّـته، وهذا تجسّد، ليس فقط، في حركة الإخوان المسلمين، بل أيضاً في الحركات القومية التي آثرت الطبعات الإيطالية والألمانية من الفِـكر القومي الأوروبي على الطبعة الأنغلو – فرنسية، وهو خِـيار ستكون له مضاعفات مدمّـرة على الحركات القومية العربية لاحقاً.

عاش العرب إذن، عصْـراً ليبرالياً حقيقياً منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى فترة قصيرة ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وكان هدير هذا العهْـد، الصّـادح بالحرية، يزداد قوّة مع التطوّرات الجِـسام التي كانت تهزّ أركان المنطقة آنذاك، من تآكل الدولة العثمانية إلى أفُـولها النهائي مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وصولاً إلى سقوط الدول العربية، الواحدة تِـلو الأخرى، بين براثِـن الاحتلال الأوروبي. لكن، ما السمات الفكرية والفلسفية لذلك العصر؟

بلا فلسفة

الواقع، أن الليبراليين العرب، وهم النّـغمة السائدة في أنشُـودة تلك الحِـقبة من أواسط القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، لم يهتمّـوا كثيراً بالبحث بالفلسفة الليبرالية أو بأصولها، بل فهموها كما يريدون أن يفهموها: نِـداء للحرية المطلقة، كما كانت في أوروبا القرن الثامن عشر، ولم يلتفِـتوا إلى ما طرأ عليها من تطوّرات لاحقاً بفعل الثورة الفرنسية مع شعارها المشهور “لا حرية لأعداء الحرية”.

كانت الحرية هي التعويذة التي رأى فيها المثقّـفون والمفكّـرون، الحل الشافي الكامل لكل أمراض المجتمعات الإسلامية “اللامعقولة واللاإنسانية”، لا بل كان الليبرالي العربي أكثر تعصّـباً بما لا يُـقاس للحرية من زميله الأوروبي، لأن المجتمع الذي يعيش فيه، يتناقض حرفاً بحرف مع مفهوم الحرية. وعلى أي حال، تميّـز الليبرالي العربي عن غيْـره بميزتيْـن:

الأولى، ناتجة عن دفاعه عن الحرية ضدّ خصومها داخل مجتمعهم، وهذا ما دفعه إلى القول بأن الإسلام في صميمه، دعوة إلى الحرية. كل شيء في الحياة الإسلامية يناهِـض الحرية، ليس من الإسلام الحقيقي. والثانية، هي إرادة تأصيل الحرية في عُـمق المجتمع والتاريخ الإسلاميين. ولذلك، فهو لا يشاطر رأي جون ستيورات ميل وغيره، القائل بأن دعوة الحرية محدّدة تاريخياً بعهد النهضة الأوروبي.

لكن، لكي تنتشر الأفكار الليبرالية في المجتمع الإسلامي، كان لابد من استحضار الأبطال الإسلاميين. وهكذا، يصبح الفقيه أبو حنيفة، بطل الحرية والتسامح، كما يُعتبر أبو ذر الغفاري من أبطال الديمقراطية الاشتراكية.

الشكل الذي اتّـخذته هذه الموجة الليبرالية العارمة، شمل أشكال التعبير الصحفية والأدبية والقانونية والدِّينية كافة. الليبراليون رأوْا الحرية في كل مناحي الحياة، وهذا ينطبق على المصلحين الإسلاميين، كمحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وخير الدِّين التونسي، كما على الكتّاب العِـلمانيين، كلطفي السيد وطه حسين وحسين هيكل وطاهر الحداد.

يقول رفاعة الطهطاوي، البطل الفكري لمرحلة محمد علي باشا: “الحرية الطبيعية، هي التي خُـلقت مع الإنسان وانطبع عليها. فلا طاقة لقوة بشرية على دفعها من دون أن يعد دافعها ظالماً”. ويقول المفكر الإصلاحي السوري عبد الرحمن الكواكبي: “الحرية هي شجرة الخُـلد وسقيها قطرات من الدّم المسفوح”. ويكتب لطفي السيد: “خلقت نفوسنا حرّة، طبعها الله على الحرية. فحريتنا هي نحن، هي ذاتنا ومقوّم ذاتنا، هي معنى أن الإنسان إنسان. وما حريتنا إلا وجودنا، وما وجودنا إلا الحرية”.

أما المفكر التونسي خير الدِّين التونسي، فهو اعتبر أن كل شيء يناهِـض الحرية، لا يمتّ إلى الإسلام في شيء”. ويفسّر الكاتب المغربي عبد الله العروي هذه الظاهرة بقوله: “في حين كان جون ستيوارت ميل يفقد التفاؤل الذي ميّـز أساتذته في القرن الثامن عشر، كان الكتّاب العرب في العهد الليبرالي يتغنّـون بالحرية وكفى. يرفعون شعارها ولا يتصوّرون أن تكون هي مشكلة عِـوَض أن تكون حلاّ لجميع المشاكل. والسبب في هذا الإهمال، اجتماعي لا علاقة له بنباهة الأفراد وحدّة أذهانهم. كان المجتمع الإسلامي في حاجة إلى نشر دعوة الحرية، أكثر مما كان في حاجة إلى تحليل مفهومها. ومن هنا، نشأت خصوصية علاقة المفكِّـرين بالليبرالية”. حسنا. لكن، لماذا تعثَّـرت ثم انهارت ثورة الحرية هذه؟

أسباب التعثّـر

ثمّـة أسباب عديدة: أولها، وربما أهمّـها، أن الحركة الليبرالية لم تستطِـع أن تتجسَّـد في برنامج سياسي قابل للتطبيق. ثم أنها اضطرّت للعمل في ظروف بالغة الصعوبة. فهي من جهة، منتمِـية في معظمها إلى غرب عصر الأنوار الذي عرفته وتأثرت به، وهي من جهة أخرى، كانت تعيش تحت وطأة غرب آخر يأخذ شكل الاستعمار والسيْـطرة والقمع. وعلى رغم أن الحركة الليبرالية السياسية نجحت في عهد زعيمها الوطني المصري سعد زغلول في الدّمج بين شعارَيْ الديمقراطية والاستقلال، إلا أن عدم نجاحها في انتِـزاع الاستقلال الكامل، جعلها تلعَـب في النهاية في ملعب السيطرة البريطانية على السلطة والقرار، وهذا أمر تكرّر في لبنان وسوريا والعراق.

وثمّـة سبب آخر أورده برنارد لويس: “كون الحركة الليبرالية محدودة بنُـخبة صغيرة متغرّبة، ليست لديها قاعدة دعم حقيقية في المجتمع ككل. ولكونها أجنبية في كلٍّ من المفهوم والمَـظهر، كانت هذه النخبة غيْـر فعّالة في كل شيء وغيْـر قادرة على استجلاب ذكريات الناس حول الماضي كي يتجاوبوا مع حاجاتهم في الحاضر، ولإشعال آمالهم في المستقبل”.

هذا الرأي قد يتضمّـن بعض الظُّـلم لهذه الحركة. صحيح أن بعض أطرافها اندفع بحماسة إلى مواقف استعدى فيها الأكثرية الدِّينية عليه، لكن الصحيح أيضاً أن الحركة الليبرالية العامة سيطرت على المناخات الفكرية والسياسية والثقافية لأكثر من 50 عاماً. وبالطبع، لن تتمكَّـن هذه الحركة من فعل ذلك، إذا ما كانت أقلية معزولة لا قاعدة حقيقية لها في المجتمع.

وهناك تفسير ثالث، تقدّم به محمد حسنين هيكل. فبرأيه أن “المشروع التنويري لعصر الخِـديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر في مصر، كان العصر الذي تبدّت فيه بشائر التعليم وبشائر العمران والاهتمام بالفنون وبشائر إنشاء صحافة عربية. وقد انتهى هذا المشروع التنويري بالغزو البريطاني سنة 1882. كما أن التجربة شبه الليبرالية التي أعقبت ثورة 1919 في مصر، وبصرف النظر عن الظروف والملابسات التي أحاطت بها، بدأ ضربها بكتيبة دبّـابات بريطانية.

بيْـد أن التحليل الأشمل لتعثّـر المشروع الليبرالي، أورده ستيفن هامفريز (STEPHEN HUMPHREYS) في معرض بحثه عن أسباب بروز الأنظمة العسكرية التوتاليتارية في الشرق الإسلامي، وهو يعدد الأسباب الآتية:

(أ): انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، التي أفرزت النهاية المفاجِـئة لنظام سياسي عُـمره قرون وكان على وجه العموم مقبولاً بوصفه الإطار الشرعي للعمل السياسي من جانب الشعوب المسلمة في البلقان والأناضول والأراضي العربية الشرقية.

(ب): فشل الأنظمة الجديدة في مصر والهلال الخصيب في كسب الشرعية الحقيقية لنفسها في الفترة بين تشكيلها نحو عام 1920 وبين السنوات التي تلَـت الحرب العالمية الثانية.

(ت): تصاعُـد التوتّـرات الاجتماعية والاقتصادية التي ظهرت، أولاً بوضوح في الثلاثينيات، وتفاقمت خلال العقدين التاليين.

(ث): الضربة النهائية جاءت مع الأداء العسكري والسياسي الكارثي للأنظمة العربية حديثة الاستقلال في أول حرب عربية – إسرائيلية عام 1948.

البنت والأم

هذه إذن، أسباب انهيار التجربة الليبرالية الأولى. ماذا الآن عن التجربة الحالية؟ هل ستتمكّـن من النجاح، حيث فشلت “أمّها قبل قرن ونيف”؟

الفُـرص تبدو كبيرة حقا لأسباب تعود إلى فروقات هامة بين الثورتين. أوّل هذه الفروقات، وربما أهمّـها، أن ثورة الحرية الراهنة تقوم بها شعوب بأسْـرها، وليس نُـخب كما كان الأمر مع ثورات القرنيْـن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين. الشبكات الاجتماعية هنا، لا الفرد الزعيم أو المُلهم أو الحزب القائد، التي تسهّـل ولادتها أدوات الإعلام الاجتماعي من فيس بوك وتويتر ويوتيوب، هي التي تقود الثورة. ولذا، تجد الأنظمة السُّـلطوية صعوبة جمّـة في إجهاض الانتفاضات، ما يفسّـر تهاويها السريع في مصر وتونس (والعد مُـستمر).

هذه الظاهرة، أي وقوف الأحزاب والقيادات السياسية، خلْـف الجماهير لا أمامها، قد يكون لا سابق لها في العصور الحديثة. فمن الثورتيْـن الفرنسية والأمريكية في القرن الثامن عشر، إلى الثورات الأوروبية في منتصف القرن العشرين، وصولاً حتى إلى كلٍّ من الثورة البلشفية والانتفاضات العالمثالثية، كانت هناك دوماً عصبة سريّة تُخطّـط للثورة وتقودها في كل مراحلها.

بيْـد أن رأس الثورات العربية الحالية، هو نفسه جسمها وعقلها هو نفسه قلبها، وهذا ما محا المسافة بين الدولة والمجتمع المدني، إلى درجة بات فيها هذا الأخير هو الأساس للمرة الأولى في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية.

ثاني هذه الفروقات، أن ثورات الحرية الحالية لا تعيش البتّـة مأزق العلاقة الفكرية – الثقافية والإستراتيجية – السياسية مع الغرب. فهي، وعلى عكس شقيقتها، لم تستلهم شعار الحرية من الفلسفة الليبرالية الغربية، بل هي استنبتته من معاناتها الخاصة مع القمع والاضطهاد والاستبداد. الحرية هنا، هي نبتة محلية بامتياز، تضرب جذورها عميقاً في كل التاريخ الشرقي، الساعي أبداً إلى الحق والعدالة والمساواة.

هذه النقطة بالغة الأهمية، لأن أحد الأسباب الرئيسية لانهيار الثورة الليبرالية الأولى، كان موقفها المُلتبس من غرب كان ليبرالياً وإمبريالياً في آن، وهذا ما أفقدها القُـدرة على توضيح الرُّؤية وأجهَـض في نهاية المطاف إمكانية التحرّر من الاستعمار الغربي (كما حدث مع ثورة الوفد الوطنية في مصر).

الثورات الراهنة لا تعاني البتّـة من مشكلة من هذا النوع، العكس هو الصحيح، حيث الحرية في الداخل ستكون وثيقة الارتباط بالتحرّر من الخارج، وهذا ما بدأت تُثبِـته ثورتا مصر وتونس عبْـر الخطوات الحثيثة، التي تُتَّـخذ الآن لتصفية الحساب مع مرحلة التبَـعية المطلقة السابقة. كما أن هذا التطوّر سيتجلّـى بوضوح أكثر، حين تستكمل هاتان الثورتان بناءهما الديمقراطي، حيث ستكون إحدى الأولويات الكبرى للبرلمانات المُـنتخبة، إعادة النظر بالعلاقة مع “إسرائيل” (بما هي ذروة التجلّـي الاستعماري الغربي) وبالقضية الفلسطينية برمّـتها.

ثالث الفروقات، هو أن الثورات الحالية، وبسبب نبتتها الذاتية الديمقراطية العميقة، ستقطع دابِـر التطرّف الأصولي، هذا في حين أن الثورات الليبرالية الأولى، وبسبب نخبَـويَـتها المُـغلقة، كانت التمهيد الحقيقي لبروز التيارات الفاشية والدِّينية المتطرِّفة.

بالطبع، لا تعني كل هذه المعطيات الإيجابية أن كل شيء سيلمع ذَهباً في ثورات الحرية الراهنة. فالمراحل الانتقالية إلى الديمقراطية في كل بلد، ستكون صعبة وشائكة وحتى عُرْضة إلى انتكاسات. لكن، ومع ذلك، المقوِّمات التي تملكها هذه الثورات، ثرِية وغنِـية وستمكِّـنها في نهاية المطاف من تغيير وَجه التاريخ، وهو تغيير آتٍ لا ريب فيه.

القدس (رويترز) – وراء ترحيب اسرائيل الفاتر بالانتفاضات الشعبية التي اجتاحت جيرانا عربا مثل مصر وتونس يبرز تساؤل قائم منذ فترة طويلة.. هل يمكن أن تكون الاضطرابات السياسية كافية لدفعها لمهاجمة ايران؟

في حين أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو التزم الصمت بشأن خيار الحرب الذي سينهك الجيش الاسرائيلي تقول مصادر قريبة منه ان طبول الاحتجاجات الداعية للديمقراطية تزيد انتباهه الى مرور الوقت على برنامج ايران النووي.

ويلقى احتمال حدوث وفاق بين الأنظمة الموالية للغرب من القاهرة الى الخليج وبين ايران صدى في نفس نتنياهو الذي يرى في الجمهورية الاسلامية تهديدا عالميا.

وبدأت تلوح في الافق قرارات دفعت رئيسا سابقا للمخابرات الاسرائيلية (الموساد) الى التهكم علنا من فكرة شن غارات جوية على ايران ووصفها بأنها “فكرة غبية” تعرض اسرائيل للخطر. وفسر كثيرون ذلك على أنه تحذير لنتنياهو كي يتراجع.

وقال مستشار للحكومة الاسرائيلية “من المؤكد أن الربيع العربي يعزز من يجادلون بأننا في هذا وحدنا ضد ايران بكل ما يستتبعه هذا على صعيد التخطيط”.

وقلل ارتفاع أسعار النفط الذي تعد ايران واحدة من اكبر منتجيه في العالم من تأثير العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على طهران والتي أيدتها اسرائيل بحذر. كما هزت ارتباطات الادارة الامريكية المتزايدة في الشرق الاوسط ثقة الاسرائيليين في قدرة اكبر حليفة لهم على التعامل مع عدوتهم.

وقال المستشار الاسرائيلي “هناك وجهة نظر معارضة (في حكومة نتنياهو) وهي الامل في أن الثورة السياسية قد تصل الى ايران ايضا مما يبدد التهديد النووي”. واستطرد قائلا “لكن هذا لا يتمتع بثقل كبير.”

وحتى اذا ألحقت الغارات ضررا دائما بالمنشات النووية الايرانية فسيكون على اسرائيل التعامل مع تداعياتها من عمليات انتقامية مباشرة الى صراعات حدودية وتوبيخ خارجي.

وقال مئير داجان الجنرال المتقاعد بالجيش الذي ترك منصب مدير الموساد في يناير كانون الثاني بعد أن شغل هذا المنصب لثماني سنوات امام منتدى للموظفين الاسرائيليين يوم الجمعة 6 مايو “مهاجمة المفاعلات من الجو فكرة غبية لن تكون لها فائدة”.

وأضاف في نص مكتوب لحديثه تناقلته وسائل الاعلام “سيكون من المحتمل نشوب حرب اقليمية تنطلق خلالها صواريخ من ايران ومن حزب الله في لبنان.”

ولدى سؤاله عن التصريحات قال مسؤول أمني اسرائيلي وزميل لداجان ان من المرجح أنها تستهدف نتنياهو وترمي الى تشويه خيار الحرب امام الرأي العام.

وحين كان داجان مديرا للموساد أوصى باستخدام مزيج من الضغوط الدبلوماسية والاعمال التخريبية مع ايران التي تنفي السعي لامتلاك قنبلة نووية. وقال المسؤول الامني الاسرائيلي ان وجهة نظر داجان شاركه فيها الرئيس السابق لهيئة الاركان العامة للجيش الاسرائيلي اللفتنانت جنرال جابي اشكينازي الذي تقاعد في فبراير شباط.

وقال المسؤول “مع رحيل الحرس القديم ومع تلمس خلفائهم لطريقهم يبدو أن داجان شعر بأنه لا يوجد ثقل موازن كاف” لصقور ايران في الحكومة.

ومنذ رحيل اشكينازي طور الجيش نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ والذي يوصف بأنه حائط الصد في وجه السلاح الرئيسي الذي يستخدمه حزب الله وحركة المقاومة الاٍسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة.

وفي حين أن حماس على غرار حزب الله حليفة لايران فان لديها حافزا اضافيا لتفادي القتال مع اسرائيل هو اتفاق الوحدة الذي أبرمته مع حركة فتح المدعومة من الغرب في اطار مسعى فلسطيني لاعلان دولة مستقلة.

ونفى نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي موشي يعلون أن تؤثر اراء داجان على عملية صنع القرار داخل الحكومة. لكنه وبخ مدير المخابرات السابق لتقويضه الاستراتيجية الاسرائيلية والامريكية المتعلقة بالتهديد بشن هجمات لردع ايران والحفاظ على جدية القوى العالمية الاخرى تجاه دبلوماسية الازمة.

وقال يعلون لراديو اسرائيل “كي يقتنع النظام الايراني بالتخلي عن قدرته النووية يجب أن يقدم له الاختيار بين الحصول على قنبلة وبين البقاء. وهذه التصريحات لا تساعد في وضع ايران امام هذه المعضلة.”

ومهما كانت حقيقة ما يحدث خلال مناقشات مجلس الوزراء المغلقة فان حكومة نتنياهو بعثت برسائل متضاربة بشأن ايران.

وحين سئل وزير الدفاع ايهود باراك الشهر الماضي عن التقارب الفلسطيني في مقابلة أذيعت قال ان على اسرائيل التركيز على تحديث “القدرة على العمل في ايران والقدرة على الدفاع عن أنفسنا من الصواريخ.”

واختلفت لهجته حين قال لصحيفة اسرائيلية بعد ذلك بأيام ان من غير المرجح أن تهاجم ايران المسلحة نوويا اسرائيل التي يعتقد أنها تملك الترسانة النووية الوحيدة بالمنطقة.

وترك يعلون احتمال التعلل بذريعة مفتوحا وقال “آمل أن يرى الايرانيون مؤامرة اسرائيلية في هذا. هذا قد يفيد”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 مايو 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية