مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مُفكرون مسلمون: “الحبِّ لا البُـغض، والحوار لا الصِّـدام، والتعارف لا التناكُـر”

منذ 27 يونيو 2009، ترتفع مئذنة مسجد جديد إلى جوار برج الكنيسة القديمة في بلدة فانغن القريبة من مدينة أولتن في كانتون سولوتورن. AFP

أثنى عدد من كِـبار المفكِّـرين المسلمين على الموقف المُـعلن للحكومة السويسرية ومجلسي النواب والشيوخ وأساقفة سويسرا، والذي يؤكِّـد على حق المسلمين في بناء المآذن ويرفض المبادرة التي أطلقها يمينيون متشدّدون يدعون فيها إلى حظر بناء المآذن في سويسرا.

ويعتقد أصحاب المبادرة أن المآذن “تهدِّد الأمن والسِّـلم الاجتماعي ولا تتناسب مع القِـيم الديمقراطية والليبرالية التي تتمتّـع بها سويسرا”، معترفين في الوقت نفسه بأن “سويسرا بلد تعدّدي ومتسامح ومتنّوع ومنفتح”.

ودعت الشخصيات المسلمة وهي من جنسيات عربية مختلفة في تصريحات خاصة إلى swissinfo.ch الناخب السويسري، إلى أن “يستجيب لنداء دُعاة التسامح والمحبّـة والمساواة، وتوفير الحرية الدينية للجميع والبُـعد عن كل ما يثير التمييز ويؤدّي إلى الكراهية والتنافر بين الناس”، وأن “لا يسمح لهؤلاء المتعصّـبين الذين غلب عليهم التشدّد وضيْـق الأفق، وأن يثِـق في أنه، مهما وجد في بلده من أحزاب متشدّدة أو راديكالية، فإنها لن تستطيع أن تغيِّـر طبيعته المُـنفتحة، كما لن تستطيع أن تُـفقد ذلك المجتمع المتوازن توازُنه، لتدفعه نحو التشدّد ضد هذه الشريحة أو تلك من شرائح المجتمع السويسري”.

وكان سياسيون سويسريون ينتمون إلى حزب الشعب السويسري (يمين متشدّد) وإلى حزب مسيحي صغير مُـحافظ (الاتحاد الديمقراطي الفدرالي)، أطلقوا في غرّة مايو 2007 مبادرة شعبية تدعو إلى حظر بناء المآذن في سويسرا. ويسمح الدستور الفدرالي بالإستفتاء الشعبي لتعديل بعض موادِّه، لكنه يرهن ذلك بجمع 100 ألف توقيع في ظرف 18 شهرا، وهو ما استطاع أصحاب المبادرة إنجازه بجمعهم 113 ألف توقيع قبل حلول الموعد القانوني. وفي 29 نوفمبر الجاري، سييدلي الناخبون بأصواتهم في استفتاء شعبي على المبادرة (لتضمين/ أو رفض إضافة) مادّة في الدستور تحظُـر بناء المآذن.

وفي سياق المتابعة الإعلامية لهذه المسألة التي أسالت الكثير من الحبر واللعاب داخل سويسرا وخارجها، استطلعت swissinfo.ch آراء عدد من كبار المفكِّـرين والمختصين في الشأن الإسلامي، مثل الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، والمفكر الإسلامي الموريتاني الدكتور محمد مختار الشنقيطي، والفقيه الأصولي والمفكر الإسلامي العراقي الدكتور طه جابر العلواني، والمفكر الإسلامي السوري الدكتور خالص جلبي، والمفكر الإسلامي السعودي الدكتور مسفر القحطاني، فكان هذا التحقيق.

زحف الأسلمة يهدِّد هوية المجتمع؟

السؤال الأول: بعض الذين أطلقوا المبادرة يقولون إنه “إجراء احترازي واستباقي” لما يرونه زحفا للأسلمة على المجتمع السويسري، ويضعون هذا في إطار الدِّفاع عن الهوية المسيحية أو المسيحية اليهودية للمجتمع السويسري، وبحجّـة أن هوية البلد مهدّدة. فما ردّكم على هذا الطرح؟

في البداية، يستهل الدكتور القرضاوي كلامه بقوله: منذ شبابنا ونحن نعلَـم عن سويسرا أنها بلد الحياد والأمان والحرية، وأن مَن أراد أن يفرَّ من بلد مضطهد فيه ليُـقيم في بلد حر آمن، فليذهب إلى سويسرا، ومَن أراد أن يضع أمواله في بنوك آمنة، فليضعها في بنوك سويسرا، وأن سويسرا لا تعارض أي دِين. وقد أُنشِـئ في مدينة جنيف بسويسرا من قديم، أكثر من مسجد وأكثر من مركز إسلامي. وأعتقد أنها كانت رسول سلام ومودَّة بين سويسرا والمسلمين في أنحاء العالم، وذهب مئات الآلاف من المسلمين إلى سويسرا مطمَـئنِّين أن بها مساجد يستطيعون أن يؤدُّوا فيها صلواتهم بحرية وأمان.

وأضاف الدكتور القرضاوي: “استغربتُ كثيرا حين قرأتُ عن هذه الضجّـة التي تُـثار حول بناء المآذن في مساجد سويسرا، بدعوى أنها دِفاع عن الهُويَّة المسيحية أو المسيحية اليهودية للمجتمع السويسري الذي غدَت هُويَّته مهدَّدة أمام الزّحف الذي يريد أسلمة المجتمع السويسري التي تبدأ ببناء المئذنة وتنتهي بفرض أحكام الشريعة!! وهذا في الواقع، إغراق في الوهم وشطحات الخَـيال. فالمئذنة إنما هي شعار يُعلم الغريب والسائح العربي والمسلم، أن هنا مسجدا يمكنه أن يصلِّي فيه، ثم هي دليل على تسامُـح البلد، وأنه بلد يقبل (التنوُّع) و(التعدُّدية) في الأديان والحضارات، وقد ضربت سويسرا مثلا واضحا في ذلك، إذ قامت على عدَّة عـروق وعدَّة لغات: ألمانية وفرنسية وإيطالية”.

متّـفقا مع الشيخ القرضاوي، يضيف الشنقيطي: “الهَـوَس بالهُـوية والخوف عليها ظاهرة ثقافية غير صحية، وهي موجودة في العديد من المجتمعات الإسلامية والمسيحية اليوم. ومن الملاحظ في التاريخ أن المجتمعات القوية الواثقة من نفسها لا تخشى على هويتها، بينما تميل المجتمعات المهزوزة إلى الانكِـفاء والخوف من الغريب والجديد”.

فيما استدرك العلواني قائلا: “قد أفهَـم أنّ سويسرا غالبية أهلها نصارى وفيها أقلية يهودية وأقلية مسلمة، فلماذا تصبح اليهودية – وهي غير النصرانية – جزء من تلك الهوية اعترافا بالأقليّة اليهوديّة، ولا يلتفت إلى أنّ الأقلية المسلمة في وجودها، لا ينبغي أن تكون أقلّ شأنا في التأثير في الهُـوية السويسرية من اليهودية. كما أن تحديد الهوية بدقّـة يقتضي أن يخبرنا هؤلاء عن مكوِّناتها بتفصيل لكي يعرفوا ونعرِف العناصِـر الأساسية في تكوين تلك الهوية والعناصر التي ينبغي استبعادها لحماية تلك الهوية أو الدفاع عنها.

ولنفرض أنّ هناك زحفا للأسلمة، فبأي معنى ينظرون لهذا الزّحف؟ فحين يشترون البترول من بلاد المسلمين ويكنزون أموال المسلمين في بنوكهم ويستقطبون طلاّبا وسياحا مسلمين ويبيعون للمسلمين بضائعهم من الساعات وغيرها وتذهب شركاتهم إلى بلاد المسلمين! لما لا يُـعدّ ذلك زحفا للأسلمة أو تداخلا معها، ويُـعدّ بُـروز رأس مئذنة، ذات شكل جميل، يضفي على أي موقِـع يكون فيه جمالا وبهاء، خطرا على الهوية؟! مع أن فيه إشارة للتنوّع والتعدّد التي تُـعتبر مفخرة من مفاخر المجتمع السويسري.

وما أضعف تلك الهُـوية التي يهدِّدها رمز جمالي ثقافي مشترك! ولماذا لم يعتبر الإسبان أن وجود الآثار الإسلامية، وما أكثرها، يشكل تهديدا لهويتهم النصرانية؟! ولماذا احتضنوا ذلك كله واعتبروه جزءً من تُـراثهم، مع أن في ذلك تذكيرا دائما ومستمرا بأن إسبانيا هي أندلس المسلمين، وما إلى ذلك؟! فحجّـة هؤلاء ضعيفة للغاية ولا تستحِـق الضجّـة المُـثارة حولها”.

واختتم القحطاني بقوله: “يجب أن نفهم أن الإسلام الحقيقي لا يعني التصادُم، بل التعايُـش والتعارف على أساس قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [سورة الحجرات – الآية 13). فوجود التواصل بين الشعوب والقبائل قديما والدول حديثا، أمر ضروري، والإسلام جعل قاعدة الحوار والتواصل مبنيا على التعارف، وأساسه المعرفة والقِـيم، وليس التحدّي والانتقام، والشعب السويسري متنوّع الأعراق ولا يمارس تعصّـبا في ذلك، ومن ثَـم، فإن هذه المواقِـف تشكِّـل خطرا على هوية المجتمع السويسري القائم على التعدّدية والتعايش السِّـلمي.

الجالية المسلمة والحوار مع الغرب!

السؤال الثاني: معلوم أن النقاش ظاهرة صحية لأنه يسمح لجميع الأطراف بأن يدلوا بآرائهم حول الموضوع، وقد برز خلال النقاش حول المبادرة ثلاثة أطراف: (طرف يؤيِّـد المبادرة الداعية لحظر بناء المآذن، وطرف يرفض المبادرة، وطرف يعبِّـر عن مخاوفه من أن تبدأ الحكاية بالمآذن وتنتهي بالمطالبة بفرض الشريعة). فأين الجالية المسلمة بالغرب من هذا الحوار الدائر بالغرب؟ وإلى أي مدى هي معنية بهذا الحوار والنقاش؟

يستهل الدكتور العلواني الإجابة قائلا: “لنفرِض أن ذلك سيحدُث، فيُـفترض أن البلد ديمقراطي وأن أهله جميعا يتحاكمون إلى دستور وقوانين اختاروها بأنفسهم والتزموا بها بشكل ديمقراطي منفتح غير مغلق. فالإطار الديمقراطي السّـليم كفيل بأن يستبعد ما يصطدم مع الدستور والقوانين وأعراف الأكثريات ويشكل تهديدا لهم وللهوية المشتركة التي يتعذّر أن تحكم الأقلية الأكثريات في أي نظام ديمقراطي”.

مؤيدا للعلواني، يضيف القرضاوي: “المسلم ليس مطالبا بإقامة الشريعة في بلد غير مسلم، وإذا كانت أغلب البلاد الإسلامية لا تطبّق الشريعة، فكيف يطمع المسلم أن يقيمها في سويسرا وما ماثلها؟! والمسلم في سويسرا يستطيع أن يصلِّي في مسجد بغير مِـئذنة، ولكنه إذا علِـم أنه مُرغم على ذلك وأن القانون يحظر ذلك عليه وأنه فعل ذلك عداوة له، سيشعر أنه عُـنصر غريب في هذا البلد وأنه مرفوض من أهله، وسيؤثِّـر ذلك حتْـما بالسلب على ولائه للوطن، وهذا ليس في مصلحة أيِّ مجتمع أن يحسَّ بعض مواطنيه أنهم غيْـر مرغوب فيهم، وخيرٌ من هذا أن نؤيِّد كلَّ ما يدعو إلي ثقافة الحبِّ لا البُـغض، والحوار لا الصِّـدام، والتعارف لا التناكُـر.

والإسلام ينظر إلى البشرية جميعا على أنها عائلة واحدة، منتسبة من جهة الخلق إلى ربٍّ واحد، ومن جهة النّـسب إلى أب واحد. “كلُّكم لآدم، وآدم من تراب”، وخصوصا أهل الكتاب ينظر إليهم الإسلام نظرة خاصَّة، فشرع مؤاكلتهم ومصاهرتهم، فيبيح للمسلم أن تكون زوجته وربة بيته وشريكة حياته وأم أولاده، مسيحية أو يهودية، وأن يكون أجداد أولاده وأخوالهم وخالاتهم وأولادهم، مسيحيين أو يهودا، لهم حقوق ذوي القُـربى. وفي القرآن الكريم سورة كاملة عن السيدة (مريم) العذراء، وأخرى عن أسرة المسيح اسمها (آل عمران). ولا يقبل إسلام المسلم ما لم يؤمن بموسى وعيسى، وبالتوراة والإنجيل، بل شرّع الإسلام للمسلمين أن يقاتلوا من أجل حماية المعابِـد اليهودية والنصرانية: {وَلَوْلا دَفع اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبيعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ} [الحج: 40]”.

متفقًا مع القرضاوي والعلواني، يرى الشنقيطي أن هذا الأمر يمسّ حياة الجالية المسلمة في الغرب في الصميم، فأي تقنين لسابقة من سوابق التحيّـز الدّيني – مثل هذه – يُـعتبر خسارة للجالية المسلمة.

بينما يقول القحطاني: “من وجهة نظري، فإن الجالية الإسلامية في سويسرا لا ينبغي أن تجعل من بناء المآذن قضية رئيسية في أولوياتها الدّعوية والمعرفية. فبناء المآذن في الشريعة لا يمثل أولوية ولم يرد فيه دليل ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه، وإنما هي قضية مصلحية في إعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وليس في فن المِـعمار والتميّـز في البناء، وبما أن القضية أصبحت إشكالية، فيمكن أن نأخذ بدائل للتميّـز الإسلامي بشكل آخر مثل: الأخلاق والمؤسسات والمعارض التعريفية، مما يكفله النظام دون إشعال توتّـر وعصبيات. فالشريعة فيها قاعدة اعتبار المآلات، بمعنى عدم فعل أمر يترتّـب عليه مفاسد أكثر من المصلحة المجلوبة”.

الأقلية المسيحية والمعاملة بالمثل

السؤال الثالث: بعض المواطنين السويسريين يقولون إن الأقلية المسيحية في البلدان الإسلامية لا يتِـم التعامل معها بنفس الأريحية التي يطالب بها المسلمون في بلداننا! فبِـماذا يمكن الرد عليهم؟

يعتبر الدكتور الشنقيطي أن “كلامهم في هذا حق، لكن أريد به باطل. حق، لأن أغلب الأقليات المسيحية لا تتمتع بحرية كاملة في الدول المسلمة، وقد دعوتُ في محاضرة عن “الإسلام والدولة المدنية” مؤخرا – بثتها قناة “الجزيرة مباشر” – إلى إلغاء القيود الدستورية التي تمنع غير المسلمين من تقلد المناصب العليا في الدول المسلمة، بما في ذلك منصب رئيس الدولة، لأن الناس لم يعودوا على دِين ملوكهم، بل على دِين دساتيرهم، والدستور هو الذي يحدِّد شكل إدارة الدولة، بغضّ النظر عن ديانة الرئيس”.

واستطرد الشنقيطي قائلا: “وأما كون كلامهم أريد به باطلا، فهو أن التحيّـز ضد الأقليات المسيحية لا يبرر التحيّـز ضد الأقليات المسلمة، ولو كان دافع هؤلاء هو إنصاف المسيحيين لَـدافعوا عن حقوق المسيحيين ولَـضغَـطوا على حكومتهم في سبيل ذلك بدل السّـعي إلى التضييق على المسلمين، لكن إثارة حقوق المسيحيين في الدول المسلمة تذكير لنا نحن المسلمين بأن أي تضييق على حرية مواطنينا من ديانات أخرى، مناف لقِـيم الحق والعدل، وهو يسلبنا السلطة الأخلاقية في الدفاع عن حقوق المسلمين في العالم”.

مختلفًا مع الشنقيطي، يرى العلواني أن “ما يحتجّـون به من أن الأقليات المسيحية في البلدان المسلمة لا تتمتع بالحريات التي يريد المسلمون في الغرب أن يتمتعوا بها، محض افتراء، إذ ما من بلد مسلم إلا وفيه آلاف الكنائس. فمصر التي لا يزيد عدد الأقباط فيها عن 7%، فيها ما يزيد عن ثلاثة آلاف كنيسة، إضافة إلى الجامعات والمدارس والأديرة وما شاكل ذلك، ونحن لا نريدهم أن ينظروا للمسلمين إلا على أنهم “مواطنون” لهم ما لبقية المواطنين من حقوق يضمنها الدستور، وعليهم مثل تلك الواجبات.

ويرى القرضاوي أن “ما يُـقال من أن الأقلية المسيحية في البلدان الإسلامية لا يُتعامل معها في البلدان الإسلامية كما يطالب المسلمون أن يُتعامل معهم في البلدان الأوروبية، كلام غير صحيح. فالأقليات المسيحية مَـثلا في مصر وسوريا والسودان وغيرها، لها كنائسها الذي يُـعتبر بعضها قِـلاعا شامخة وبروجها تناطح السحاب، ومنهم وزراء ووكلاء وزارات وغيرهم من ذوي المناصب، وقد كان رئيس الوزراء في سوريا في بعض الدورات، مسيحيا، وكان مقبولا لدى الشعب المسلم أكثر من المسلمين، وهو الأستاذ فارس الخوري السياسي المعروف”.

بعيدا عن النقاش الذي أثاره العلواني والقرضاوي والشنقيطي، يقول د. مسفر القحطاني: “نحن نعتبر أي سوء في التعامل مع غير المسلمين على أساس الدِّين، مشكلة، ولا يبرر خطأ سوء التعامل الذي يقع في بعض بلادنا، خطأهم في سوء التعامل معنا”.

الجالية المسلمة والقدرة على التعايش!

السؤال الرابع: الجدل حول الجالية المسلمة في الغرب (المهاجرة لأسباب متعدِّدة)، وحول قدرتها على التعايش والتأقلم مع الواقع، وحول وضعها، يزداد يومًا بعد يوم. فما تقييمكم لقدرة الجالية المسلمة بالغرب على التعايش والتأقلم مع الواقع القائم حولها؟

يبتعد الدكتور جلبي عن الجدل قائلا: “لو أردت رأيي لربّـما ذهبت باتجاه عدم بناء المساجد، وليس المآذن (!!)، لأنها تثير هلَـع الأوروبيين ولا تنفع المسلمين. فأنا شخصيا أميل إلى بناء مراكز إسلامية متواضِـعة جدا، كما فعل المصطفى (ص) في المدينة، ببناء مسجد من سعف النخيل، وهي في سويسرا، لا مانع بكرتون وخشب بسيط مضغوط، بشرط العزل الجيد واحتواء أكبر عدد من المهتمِّـين والقيام بدعوة إنسانية بين الغربيين في التّـبادل الثقافي، أكثر من الوعظ من طرف واحد، فلهم دينهم ولنا دين”.

ويضيف جلبي: “من المُـهم فهْـم شروط الفعالية عندهم لنقلِـها إلينا، أكثر من نشر نموذج شرقي مشلول بين أظهرهم، فنزيدهم خبالا فوق الخبال، من تعاطَـف معكم، انطلق من مبادئ التسامح التي نادى بها من قبل جان لوك. فالعبرة في المفاهيم الإسلامية هي نقل الجيد والإيجابي ومحاولة تنقيح التراث من مفاهيم خطيرة، تتعلق بالمرأة والمساواة وحقّ الآخر في البقاء وخرافة حدّ الردّة والمحرّم، وما شابه من المعوّقات القاتلة التي تَـحرّر منها السويسريون منذ أمَـد بعيد”.

فيما يدافع القرضاوي قائلا: “الأقلية المسلمة في الغرب استطاع معظمها أن يتأقلم ويعتبر نفسه جزءا من هذه المجتمعات وأن ينشِـئ في السنين الأخيرة مؤسسات تعينه على حسن التعايش والتلاحم مع هذه المجتمعات، منها: “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا” و”المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث” والكليات الأوروبية الإسلامية وغيرها، وبعضهم أصبحوا أعضاء في البرلمانات أو لوردات أو في مجالس الشيوخ، وربما وزراء، وبعضهم يعيش في مستويات اقتصادية واجتماعية مُـتدنِـية، كما في فرنسا، وعلى الجميع أن يعاوِنهم لتعليم الجاهِـلين وتشغيل العاطلين وتقويم المنحرفين. وبعضهم ينقصه الوعْـي الدِّيني ويرتكب أشياء لا يجيزها الإسلام، ونحن في المجلس الأوروبي للإفتاء، نُـرشّد بفتاوانا هذا السلوك الأعوج ونحرص على أن نعلِّـمهم الإسلام الصحيح الذي يوجب عليهم أن يحترموا نظام المجتمع ويحافظوا على حُـرماته كلها. فالمسلم من سَـلِـم الناس من لِـسانه ويده، والمؤمن من أمّـنه الناس على دمائهم وأموالهم. وقد طالبناهم في بياناتنا كلها أن يتفاعلوا مع المجتمع ويندمِـجوا فيه، دون أن يفرّطوا في عقيدتهم”.

متفقًا مع القرضاوي، يرى الشنقيطي أن “الجالية المسلمة تملك من الديناميكية ما يجعلها قادِرة على التأقلم، لكنها تحتاج وقتا. فهي جالية متنوِّعة تنحدر من أعراق وثقافات وبلدان شتّـى، والوقت جزء من صيرورتها إلى كيان متماسِـك قوي، ذي هوية غربية وإسلامية في ذات الوقت”.

ويغوص العلواني في التاريخ قائلا: “حين أرى النظرة الغربية للمسلمين، سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي، لا أشعر بتفاؤل كبير حول مصير الوجود الإسلامي في الغرب، لأن النظرة الغربية للمسلمين متأثِّـرة بشكل كبير بالرُّؤية الصهيونية اليهودية إلى العرب المسلمين، وهي في حالة صِـراع دائم ومستمرّ، ومع أن العرب واليهود سامِـيون، إلا أن قوانين حماية السامية اقتصرت على الصهاينة واليهود ولم تشمل العرب المسلمين (؟!). وما لم ينتهِ الصِّـراع الصهيوني اليهودي العربي، فستبقى الدِّعايات والإعلام الصهيوني نشِـطة في مقاومة الوجود الإسلامي بالغرب”.

ويختتم القحطاني الردّ على هذا السؤال بقوله: “لا مناص على الجالية المسلمة في الغرب عموما، وفي سويسرا على وجه الخصوص، من الإندماج الإيجابي وتحقيق المواطنة الواعية والمحافظة على الهُـوية، دون الذوبان”.

رسائل للناخب السويسري والجالية المسلمة!

السؤال الخامس: ما هي الرسالة التي توجِّـهونها إلى كلٍ من الناخب السويسري والجالية المسلمة المقيمة في سويسرا؟

يستهل القحطاني الرسائل بقوله: “رسالتي للناخب السويسري أن يختار من يحقّـق للمجتمع والفرد السويسري متطلّـبات المرحلة القادمة من المحافظة على الرفاهة والأمن والتعايُـش الإيجابي بين الأقليات والمواطنين. ورسالتي للجالية المسلمة المقيمة في سويسرا، أن تجتمع كلِـمتهم في ترشيح الناخب الذي يحترم حقوقهم ووجودهم وأن أي تفرّق في الأصوات، لن يخدم أيا من التجمعات الموزّعة على أساس فِـكري وإقليمي. وأظن أن هذه الإنتخابات فُـرصة للتوحد حول أفضل المرشحين المناسبين للمصالح الإسلامية والعربية”.

ويلتقط الشنقيطي الخيط فيقول: “أحيِّـي موقف الحكومة السويسرية ومجلس الشيوخ وأساقفة سويسرا على الموقف المُـنصف النّـبيل من هذا الأمر، وأطالب الناخب السويسري بأن لا يخذِلهم في ذلك. وأطالب الجالية المسلمة بالعمل بجِـد وروح حضارية في سبيل التغلّـب على هذه المُـعضلة، دون ردّات فعل زائدة، تضُـر ولا تنفع”.

أما العلواني فيُـطالب الناخب السويسري بأن يتذكر جيِّـدا أن بلده سويسرا هي بلد تعدّدي ومتسامح ومتنوّع ومُـنفتح وسياحي، وأن يثِـق في أنه، مهْـمَـا وجد في بلده من أحزاب متشدِّدة أو راديكالية، فإنها لن تستطيع أن تغيِّـر طبيعته المُـنفتحة، كما لن تستطيع أن تفقِـد ذلك المجتمع المتوازِن توازُنه لتدفعه نحو التشدّد ضدّ هذه الشريحة أو تلك من شرائح المجتمع السويسري.

ويضيف: “أقترح على الجالية المسلمة في سويسرا أن يقوم المهندسون المسلمون في سويسرا بتصميم مآذن تجمع بين الخلفية الإسلامية للمآذن والأبعاد الحضارية والقِـيم التي يتبنّـاها المجتمع السويسري. فلقد عرف العالم الإسلامي تنوّعا وتعدّدا في أشكال المآذن. فهناك مآذن تأخذ شكل قلم الرّصاص ومآذن تأخذ أشكالا قاجارية فارسية ومغولية وآسيوية وعربية ومآذن تأخذ شكل منائر الموانئ، وأتمنى أن أجد في سويسرا مآذن تنبِّـه إلى الخصوصيات السويسرية في هندسة وأشكال المآذن، لينتقل هذا النقاش من الجانب الدِّيني الضيق المتشدّد اليميني، إلى الجانب الحضاري، وأتمنى أن أرى تصميما لمئذنة سويسرية يسهم فيها مهندسون مسلمون وغير مسلمين”.

ويختتم القرضاوي بقوله: “رسالتي للناخب السويسري أن يستجيب لنداء دُعاة التسامح والمحبّـة والمساواة، وتوفير الحرية الدينية للجميع والبعد عن كل ما يُـثير التّـمييز ويؤدّي إلى الكراهية والتنافُـر بين الناس، وأن لا يسمح لهؤلاء المتعصّـبين الذين غلب عليهم التشدّد وضيق الأفق. فالناس في الحقيقة كلّـهم إخوة. وقد نسوا أن العالم تقارَب حتى أصبح قرية واحدة. أما رسالتي إلى الأقلية المسلمة في سويسرا، فأن يتعاملوا مع المجتمع على أنهم جزء لا يتجزّأ منه وأن يعطوا الوطن الذي يعيشون فيه ولاءهم بإخلاص ويعملوا بإتقان وأمانة لرفعته، ولا يبالوا بهؤلاء المهيِّجين والمحرِّضين على البُـغض، بل يدعوهم بالحِـكمة والموعظة الحسنة ويحاوروهم بالتي هي أحسن، كما علّـمهم القرآن الكريم، ولا ييْـأسوا من إقناعهم، وإذا أسِـيئ إليهم سامحوا من أساء إليهم، كما قال تعالى: {ادْفَعْ بالتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَة، كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصل:34]”.

أجرى الاستطلاع من القاهرة: همام سرحان – swissinfo.ch

هناك أربع مآذن في سويسرا، وهي مُشيّـدة حاليا في جنيف وزيورخ وفينترتور (Winterthur) وفانغن (Wangen) بالقرب من مدينة أولتن.

المئذنة الرابعة توجد في فانغن Wangen، بالقرب من مدينة أولتن (Olten)، وهي تتكوّن من هيْـكل من الحديد الصّـلب بارتفاع ستة أمتار، وقد تَمّـت المُوافَقة عليها من طرف السلطات المعنِـية بعد فَترة طويلة من النِّـزاعات القضائية وتمّ تثبيتها على سطح مبنى المركز الإسلامي في فنغن في حفل أقيم في بداية شهر يناير 2009.

هناك مئذنة أخرى يُخطَّـطَ لإنشائِها في مدينة لانغنتهال (Langenthal) في كانتون برن، لكنّ المعارضين لها يحاولون إسقاط المشروع. وفي بداية يوليو 2009، منحت سلطات المدينة ترخيص البناء، لكن لجنة تحمِـل اسم Stop Minarett تقدّمت باعتراض، متعلّـلة بأن المبنى غير مُـطابِـق لتخطيط المنطقة وأن عدد الأماكن المقرّر تخصيصها لوقوف السيارات، غير كافٍ.

إضافة إلى ذلك، تعتبِـر اللجنة أن المئذنة تُـمثِّـل “تدخّـلا فِـكريا“، مُحيلة إلى قرار صادر عن المحكمة الفدرالية (أعلى سلطة قضائية في سويسرا)، التي رفضت منح ترخيص بناء لصليب مسيحي بارتفاع 7 أمتار في مدينة Gerlafingen في كانتون سولوتورن، مذكِّـرة بأن قمّـة المئذنة المُـزمع بناؤها، سيصل ارتفاعها إلى 9 أمتار.

من جهة أخرى، أعلِـن عن خُـطط لبناء مئذنتين، واحدة في إيمينبروك (Emmenbrücke) في كانتون لوتسرن والثانية في منطقة فيل (Wil) في كانتون سانت غالن، إلا أنه تَمّ التَخلّي عن كِـلا المشروعَين.

وِفقاً لِدراسة أعَـدّها المكتب الفدرالي للأجانب، يوجد نحو 130 مركزاً ثقافياً وأماكن للعِـبادة للمسلمين في سويسرا، وتقع الأغلبية الساحقة لهذه المراكز المتواضعة في مبانٍ عادية أو مخازن ومصانع ومحلاّت مهجورة.

1 مايو 2007: أطلقت المبادرة الشعبية “ضد بناء المآذن” من قبل مجموعة من ممثلي التيار اليميني المحافظ والمتشدد. وتدعو هذه المبادرة إلى تضمين الدستور الفدرالي نصا يحظر بناء المآذن على التراب السويسري.

8 يوليو 2008: أُودعت المبادرة لدى المستشارية الفدرالية في برن بعد أن تمكن أصحابها من تجميع 113.540 توقيعا من مواطنين سويسريين.

27 أغسطس 2008: وجهت الحكومة السويسرية رسالة إلى غرفتيْ البرلمان (النواب والشيوخ) عبّرت فيها عن رفضها القاطع واستهجانها لفكرة حظر بناء المآذن في سويسرا، لكنها أوضحت أن المبادرة لا تنتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي، وبالتالي، فهي سليمة من الناحية القانونية.

4 مارس 2009: ناقش مجلس النواب نص المبادرة وأوصى المجلس (129 صوتا مقابل 50 صوتا) برفض المبادرة من دون أن يقترح بديلا عنها.

5 يونيو 2009: أوصى مجلس الشيوخ السويسري (بأغلبية 36 صوتا مقابل 3 أصوات) برفض مبادرة حظر المآذن في البلاد، بسبب تعارضها مع مبدأيْ التسامح وحرية الاعتقاد الأساسيين.

3 أكتوبر 2009: حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) يُـقرِّر توصية الناخبين بالتصويت لفائدة المبادرة، لكنه يرفُـض تمويل الحملة الانتخابية. واندلاع جدل حول الملصَـق الإشهاري المثير للجدل، الذي أعدّته لجنة المبادرة.

29 نوفمبر 2009: موعد التصويت الشعبي على المبادرة الداعية إلى حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا.

يتوقع على نطاق واسع، أن عدد المسلمين اليوم في سويسرا يتراوح بين 350.000 نسمة و400.000 نسمة (ما يمثّـل 4.5%إلى 5.2%) من مجموع السكان في سويسرا.

مقارنة بسنة 1970، ازداد عدد أفراد الأقلية المسلمة، وبحسب المكتب الفدرالي للإحصاء، كان عدد المسلمين يناهز 16.353 نسمة (ما مثّل آنذاك 0.3% من مجموع السكان).

وفي سنة 1980، كان عدد المسلمين في سويسرا يناهز 56.625 نسمة (0.9% من مجموع السكان).

في سنة 2000، أكد المكتب الفدرالي للإحصاء بأن عدد المسلمين في سويسرا قد بلغ 310.807 نسمة (4.3% من مجموع السكان).

تتميز الأقلية المسلمة في سويسرا بالتنوّع والتعدّد العِـرقي. وإذا كانت غالبية المسلمين في السبعينات تتشكّـل من الأتراك، فإنه قد طغا عليها المنحدِرون من دول البلقان بداية من سنوات الألفية الجديدة. وعموما، يتوزّع أفراد الجالية المسلمة في سويسرا على ما يقارب 100 جنسية.

أما فيما يتعلق بدُور العِـبادة، فيوجد في سويسرا أربعة مساجد ملحقة بها مآذن، (جنيف وزيورخ وفانغن، وفينترتور)، كما حصل المسلمون في لانغنتهال بكانتون برن على حق بناء المئذنة الخامسة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية