مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في سوريا.. لِمَن المبادرة الإستراتيجية الآن؟

صورة وزعها "مركز حلب الإعلامي" يوم 12 أغسطس 2013، ووثقتها وكالة أسوشايتد برس تظهر حجم الدمار الذي خلفه قصف القوات السورية على منطقة كرم الجبل الواقعة في محافظة حلب. Keystone

هل فقدَ نظام الرئيس الأسد المُبادرة الإستراتيجية في الحرب الأهلية - الإقليمية السورية؟ كل المؤشرات تدلّ على ذلك. فقبل أربعة أشهر، كان النظام يزجّ كل أوراقه الإستراتيجية تقريباً في أتون المعركة: من مشاركة حزب الله اللبناني (ما بين 5 إلى 7 آلاف مقاتل، وِفق تقديرات رسمية فرنسية) في المعارك، إلى دخول وحدات كامِلة من الحرس الثوري الإيراني (كقوّات تدريب ودعم ولوجستيك)، إلى الخِدمة الفعلية والمباشرة مع الجيش النظامي السوري، مُروراً بتدفّق آلاف الشيعة العراقيين والباكستانيين وغيرهم، للمشاركة في القتال إلى جانب الميليشيات المذهبية التي شكّلها النظام.

وفوق هذا وذاك، كان النّظام يوظّـف كل الطاقات التكنولوجية العسكرية والأمنية، الروسية والإيرانية (التخطيط العسكري واستخدام المدافع المدارة إلكترونياً والطائرات من دون طيار وتطوير عمليات القيادة والربط والإتصالات.. إلخ) في عمليات الهجوم الواسعة، التي تمّ تنفيذها على مدى الأشهر الأخيرة.

كل هذه التوظيفات أثمرّت انتصارات واضحة للنظام وحلفائه. فبلدة القصير الإستراتيجية على الحدود مع لبنان، والتي تشكِّـل عقدة الوصْل بين مثلَّـث حمص ودمشق والساحل السوري، سقطت خلال عملية عسكرية مُنسّـقة بشكل جيّد. كما سقط أيضاً حيّ الخالدية المِحوري في حمص، الأمر الذي جعل احتمال سقوط الأحياء القديمة في هذه المدينة التاريخية، التي شكّلت مركز المُقاومة المسلحة السورية قبل نحو ثلاثة أعوام، أمراً مُمكناً ووارِدا.

كما بات وارداً أيضاً فُـرص إعادة فرْض السيْطرة على ريف دمشق، الذي اتّجهت نحوه جهود قوات النظام وحزب الله، بهدف استِكمال الحِزام الأمني الذي أُريد مِنه حماية معاقِل النظام غرب سوريا، في المناطق الساحلية ذات الأغلبية العلوية.

أعلن نائب لوزير الخارجية الروسي يوم الثلاثاء 13 أغسطس 2013، أن المؤتمر الدولي للسلام حول سوريا الرامي إلى جمع مسؤولين في النظام السوري والمعارضة حول طاولة المفاوضات، لن ينظم على الأرجح قبل شهر أكتوبر. وقال نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف، إن لقاءً تمهيديا بين روسيا والولايات المتحدة سيُنظم نهاية أغسطس، لكن جدول الأعمال للنشاط الدبلوماسي، مثقل لشهر سبتمبر.

ونقلت وكالة الأنباء الروسية انترفاكس عن غاتيلوف قوله أن المؤتمر “لن ينظم على الأرجح في سبتمبر، لأن هناك أحداثا أخرى لهذا الشهر”. وأضاف “نؤيد تنظيم مؤتمر في أسرع وقت، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار بعض الحقائق التي قد تؤثر على موعد هذا المؤتمر”.

واتفق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الامريكي جون كيري في شهر مايو 2013 على عقد مؤتمر جنيف 2 الدولي، في حين كان مقاتلو المعارضة يحرزون تقدّما على الأرض. وكانت روسيا إحدى أبرز الجهات الداعمة لنظام بشار الأسد اقترحت أصلا عقد المؤتمر في مايو. ومنذ ذاك، أرجئ المؤتمر مِرارا على خلفية الهجمات المضادّة للقوات الموالية للنظام وتردّد المعارضة السورية في المشاركة فيه. وتصر روسيا على مشاركة إيران التي تدعم الأسد وتزوده بالأسلحة، في المؤتمر.

وقال غاتيلوف إن روسيا والولايات المتحدة ستبحثان في هذا الموضوع نهاية أغسطس “في إحدى العواصم الأوروبية، هي جنيف على الأرجح”. وأعلن لافروف الجمعة في واشنطن، بعد لقاء كيري، أن روسيا والولايات المتحدة اتّفقتا على ضرورة تنظيم مؤتمر سلام حول سوريا “في أقرب فرصة”.

وتسعى روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة منذ ثلاثة أشهر إلى تنظيم مؤتمر جنيف 2، لإيجاد حل سياسي عبر التفاوض بين نظام دمشق والمعارضة. وسيستند المؤتمر إلى الخطوط العريضة لاتفاق دولي وقع في جنيف في 30 يونيو 2012 حول فترة انتقالية سياسية في سوريا، لكنه بقي حِبرا على ورق. وكان يُفترض أن يبدأ الشق الثاني لـ “عملية جنيف”، في يونيو ثم في يوليو، لكنه يُواجه خلافات أساسية حول هدفه والمشاركين فيه، وكذلك استمرار الحرب التي أوقعت أكثر من 100 ألف قتيل خلال عامين ونصف.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية، أ.ف.ب، بتاريخ 13 أغسطس 2013)

تبدّد الـ “يوفوريا”

هذه الإنجازات العسكرية كانت وراء النَّبرة التفاؤلية التي اجتاحت كِبار المسؤولين السوريين في الآونة الأخيرة. فالرئيس بشار الأسد خرج ليُعلن أن “النّصر بات وشيكا”، فيما كان وُزراء وقادة عسكريون سوريون يدعون إلى توقُّـع انتصارات عسكرية جديدة، من شأنها حسْم حصيلة الحرب الراهنة. بَـيْد أن هذه “اليوفوريا” (أي الفرح الغامر) تبدّدت بين عشية وضحاها.

كانت نقطة البداية مع نجاح المعارضة المسلّحة في السيْطرة على مطار مينغ الإستراتيجي في محافظة حلب، في إطار عملية عسكرية كبرى ستكون لها مضاعفات استراتيجية على كلّ، من قُـدرة المعارضة على تحرير أقسام من وحداتها لاستكمال معارك مدينة حلب والشمال، وعلى شيعة سوريا الذين قال حزب الله اللبناني إنه دخل لحمياتهم، لأن مطار مينغ يُشرف على قُـرى تعجّ بعشرات آلاف المواطنين الشيعة.

غير أن المفاجأة الأكبر، تمثّـلت في الهجوم الكاسح الذي شنّته قوات المعارضة في ريف اللاذقية واحتلّت خلاله 11 قرية علوية. كما اعتقلت أكثر من 400 مُواطِن من الطائفة العلوية لم يتمكّنوا من الفِرار من أرض المعركة، وباتت على بُعد 20 كيلومتراً فقط من بلدة القرداحة، مسقط رأس آل الأسد.

هذه العمليات قد لا تغيّر مَوازين القِوى العسكرية في الساحل السوري، وربّما يتمكّن النظام لاحقاً من استعادة السيْطرة على القُرى الإحدى عشر، إلا أن الضربة المَعنوِية له، كانت قاسية للغاية. فهي ستُثير الشكّ في أوساط الطائفة العلوية نفسها حول مدى قُدرته على حمايتها، كما كان يدَّعي منذ اندِلاع الإنتفاضة. كما أنها (أي الضربة) ربما تدفع قِطاعات من المؤسسة الأمنية – العسكرية النظامية إلى بدء الإقتناع بأن آل الأسد غيْر قادرين على حسْم المعركة لصالحهم، وبالتالي، لابد من البحث عن “حلول سياسية” بمنأىً عنهم.

تحوّلات دولية

بيْد أن التطوّرات السّلبية بالنسبة إلى النظام، لا تقتصر على الأمور الميدانية وحدها. ففيما كانت المعارضة تسجِّل هذه النجاحات وتعكِس التقدّم الذي أحرزه النظام، كانت البيئة الدولية الحاضنة له تشهد هزّة عنيفة، تمثّلت في انفِجار الخلافات بين روسيا والولايات المتحدة علناً وبشكل حادّ.

صحيح أن سوريا لم تكن السّبب الوحيد لانفجار الصّراع، حيث لعِب التقارُب الروسي مع الصين ومنح موسكو حقّ اللجوء للموظف الأمني الأمريكي سنودن، الدور الرئيسي في دفع واشنطن إلى قرع أجراس الإنذار بقوّة، إلا أنه يُتوقّع الآن أن تعمد الولايات المتحدة إلى مجابهة روسيا على الأرض السورية، من خلال رمْيِ ثِقلها إلى جانب العناصِر الإسلامية المُعتدلة في المعارضة.

الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المُشتركة الأمريكية، الذي كان قد عارض قبل أسبوعين فقط أيّ تدخل أمريكي في سوريا، غيّر موقِفه أمس الأول (الإثنين 12 أغسطس) خلال زيارته للشرق الأوسط، وألمح بقوّة إلى أن بلاده مستعدّة لدعم المعارضة المُعتدِلة السورية، مُبدِياً في الوقت نفسه، تفهّمه للحاجة التكتيكية لهذه المعارضة لشنّ عمليات عسكرية مُشتركة ضدّ قوات النظام.

وفيما كانت هذه الضّربات العسكرية والدولية تنهال على رأس النظام السوري، كان مدير المخابرات السعودي بندر بن سلطان يحطّ الرِّحال في موسكو لإقناعها بتغيير موقِفها من الحرب السورية. وبالرغم من أن روسيا نفَت أن يكون بندر عرض عليها شِراء صفقة أسلحة ضخْمة بقيمة 13 مليار دولار لقاء ذلك، إلا أن مصادر دبلوماسية عربية في بيروت قالت لـ swissinfo.ch إن بندر عرض في الواقع على موسكو تسويةً سياسية يتِم في إطارها الحفاظ على النظام مع تطويره بما يحفظ المصالح الروسية، على أن يغادر الأسد السلطة عام 2014 حين انتهاء ولايته الحالية.

كما أشارت المصادر نفسها إلى أن سوريا لم تكُن الموضوع الوحيد في محادثات بندر مع المسؤولين الروس، حيث أن القادة السعوديين يشعرون بالقلق من استراتيجية الإستِدارة شرقاً نحو آسيا، التي تنتهجها إدارة أوباما، ويريدون تنويع داعِمي نظامهم الدولييْن، وفي مقدِّمتهم روسيا، وربما لاحقاً الصين، وبالتالي، فإن صفقة الأسلحة المُحتمَلة قد تكون مَدخلاً لعلاقات سعودية – روسية أكثر عُـمقاً وتطوّرا. وهذا بدوره سيقود في خاتمة المطاف، إلى “تغيّر ما” في التوجّهات الروسية الرّاهنة إزاء آل الأسد.

حصان خاسر؟

بالطبع، لا تعني كل هذه المُعطيات أن نظام الأسد بات على قاب قوسيْن من التهاوي. بيْد أن خسارته للمبادرة الإستراتيجية، على رغم كل الأوراق التي حشدها لكسْب المعركة، يُمكن أن تحفّز على القول أن الوقت من الآن فصاعداً، لم يعُد يعمل لصالح بقاء آل الأسد في سوريا.

هذا الأمر صحيح على المستوى الداخلي، وقد يكون صحيحاً قريباً أيضاً في الخارج، حين تُدرِك القِوى الدولية والإقليمية الدّاعمة للنظام، أنه غيْر قادِر على حسْم المعركة لصالحه، وأنها بالتالي، تُراهن على حصان خاسِر.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية