مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نتائج الانتخابات في موريتانيا: موسم “حصاد الرموز”

عملية احتساب أصوات الناخبين في أحد مكاتب الإقتراع في العاصمة نواكشوط يوم 19 نوفمبر 2006 AFP

مع إعلان وزير الداخلية الموريتاني، محمد أحمد ولد محمد الأمين يوم 5 ديسمبر 2006 عن النتائج النهائية للمرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية..

.. تكون معالم الخريطة السياسية في البلاد خلال المرحلة القادمة، قد تحدّدت وتبلورت خطوطها العريضة،

الخريطة الجديدة التي تمخضت عن أول انتخابات تشهدها في البلاد منذ انقلاب 3 أغسطس 2005، الذي أطاح فيه قادة المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بنظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي حمد الطايع بعد أكثر من 20 عاما، قضاها حاكما مطلقا لموريتانيا، جاءت كاشفة عن قوس قزح بألوان الطيف السياسي المختلفة وفسيفساء غير متناغمة، ستشكل بلا ريب، جذوة لتأجيج النقاشات الساخنة تحت قبّـة برلمان، فشلت أي من القوى السياسية في الهيمنة المطلقة عليه، رغم تباين حظوظها في التمثيل داخله، وفشل بعضها الآخر في دخول البرلمان، رغم اعترافها بنزاهة الانتخابات وشفافية العملية السياسية برمتها.

وكشفت النتائج النهائية لهذه الانتخابات كذلك، عن مفاجآت من العيار الثقيل، تمثلت في السقوط المروِّع لبعض الرموز التقليدية من مقرّبي النظام السابق في مناطق نفوذهم التقليدية، وصعود قوى سياسية أخرى لم يكن السياسيون يحسبون لها أي حساب، وهو ما اعتبر تجسيدا واضحا لرغبة الناخبين الموريتانيين في إكمال العملية الانقلابية التي نفذها المجلس العسكري في أغسطس 2005 ضد رأس النظام السابق، وأنهاها الناخبون اليوم بالإجهاز على بقية رموزه عبر صناديق الاقتراع، رغم نجاة بعض منهم من فخّ السقوط بصعوبة بالغة، ضمنت لهم أقلية في البرلمان القادم، ستظل الأصابع موجهة إليها، كلما ذكر الماضي أو عاد الحديث عنه إلى الواجهة، ولو عرضا.

خارطة سياسية جديدة

الانتخابات التي دارت رحى صِـراعها حول 95 مقعدا، هي مجموع مقاعد الجمعية الوطنية الموريتانية، أسفرت عن تقدّم بسيط لأحزاب ائتلاف قوى التغير الديمقراطي – المعارضة سابقا – والمستقلين، مقابل تراجع ملحوظ لأحزاب الأغلبية الرئاسية الحاكمة سابقا في البلاد.

فقد حصلت أحزاب ائتلاف قِـوى التغيير الديمقراطي على ما مجموعه 41 مقعدا مقابل 38 مقعدا للمستقلين، بينما توزّعت بقية المقاعد بين الأحزاب السياسية الأخرى، وكان الحزب الجمهوري أكبر الأحزاب الخارجة عن الائتلاف نصيبا، وذلك بسبعة مقاعد، أما أحزاب الائتلاف، فقد تباينت حظوظها – كما هو الحال بالنسبة لبقية التشكيلات السياسية – حيث تمكّـن حزب تكتّـل القوى الديمقراطية، الذي يقوده زعيم المعارضة السابق ومرشح الانتخابات الرئاسية، أحمد ولد داداه من الفوز بـ 16 مقعدا، متبوعا بحزب اتحاد قوى التقدم اليساري، الذي حصُـل على 9 نواب، فيما احتلّ الحزب الجمهوري الحاكم سابقا في البلاد، المرتبة الثالثة بحصوله على 7 مقاعد.

أما الإسلاميون، الذين دخلوا البرلمان لأول مرة، فقد حصلوا على 5 مقاعد، وهي ذاتها المقاعد التي حصدها حزب التحالف الشعبي التقدمي بقيادة المعارض مسعود ولد بلخير، ويُـعتبر هذا الحزب ثمرة “زواج عُـرفي” بين حركة “الحر”، التي تُـناضل من أجل القضاء على ظاهرة الرقّ في موريتانيا، ومجموعة من القوميين العرب من ذوي التوجهات الناصرية.

أما حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم بقيادة الوزيرة السابقة، الناهة بنت مكناس، (الحزب الوحيد الذي تقوده امرأة في موريتانيا)، فقد تمكن من الحصول على 3 مقاعد، من بينها مقعد لصالح رئيسة الحزب. كما حصل حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني (حاتم)، الذي أسسته مجموعة تنظيم “فرسان التغيير”، التي حملت السلاح ضد الرئيس السابق ولد الطايع وحاولت إسقاطه بالقوة عدة مرات، على ثلاثة مقاعد، تقاسمها القادة السابقون للتنظيم، حيث فاز رئيس الحزب، الرائد صالح ولد حننا، الذي أصبح يُـعرف بأنه “أشهر انقلابي في العالم العربي” بمقعد عن اللائحة الوطنية، بينما حصل مسؤول العمليات السابق في التنظيم، النقيب عبد الرحمن ولد ميني على مقعد عن دائرة نواكشوط، أما المقعد الثالث للحزب، فكان من نصيب زعيم الجناح المدني في التنظيم، مولاي ابراهيم.

وفي سياق عملية “حصاد الرموز”، فشل الوزير المُـخضرم والزعيم التقليدي أحمد ولد سيدي بابا في الحصول على مقعد برلماني في مسقط رأسه بأطار، بينما تمكّـن حزبه من حصد ثلاثة مقاعد، وحصل حزب التجديد الديمقراطي بقيادة اليساري الليبرالي المصطفى ولد اعبيد الرحمن على مقعدين، وتوالت بعد ذلك مفاجآت سُـقوط الكبار، حيث فشل الأمين العام السابق للحزب الجمهوري محمد يحظيه ولد المختار الحسن، الذي أسس حزب “البديل” من حصد أكثر من مقعد واحد، تمكّـن من الحصول عليه بشق الأنفس في مسقط رأسه بمدينة أكجوجت.

كما أخفق حزب الجبهة الشعبية، بقيادة الوزير السابق ومرشح الانتخابات الرئاسية الشبيه ولد الشيخ ماء العينين من الحصول على أكثر من مقعد واحد، كما أخفق حزب اتحاد الوسط الديمقراطي المعروف في الشارع السياسي باسم “كاديما”، الذي أسسه رئيس الجمعية الوطنية السابق، الشيخ سيدي أحمد ولد باب مع عدد من رموز النظام السابق، في تجاوز عتبة المقعد الواحد.

سقوط الكبار

النتائج النهائية للانتخابات التشريعية لم تسفر فقط – كما أسلفنا – عن برلمان مُـلوَّن يختلف عن برلمان ولد الطايع السابق، الذي وصفه أحد الكتّـاب بأنه “ما قال لا قط، إلا في تشهده، لولا التشهد، كانت لاؤه نعم”، بل أسفرت كذلك عن تساقط رؤوس أينعت في زمن الأنظمة السابقة.

فبعد فشل أحمد ولد سيدي بابا، الذي عمل وزيرا في حكومة أول رئيس للبلاد المختار ولد داداه ووزيرا في حكومة ولد الطايع، آخر رئيس للبلاد قبل انقلاب أغسطس 2005 وظل يحتفظ بموقعه كزعيم تقليدي لقبيلته التي ينحدر منها ولد الطايع، في الحصول على مقعد مدينة أطار مسقط رأسه، وهزيمته أمام منافسه المحامي الشاب سيدي محمد ولد محم، فجّـر الإسلاميون وحزب “حاتم” قنبلة عنقودية، يُـتوقع أن تستمر انفجاراتها وتوابعها لفترة طويلة، وذلك حينما تمكنوا من هزيمة رئيس الحزب الجمهوري الشيخ عثمان ولد الشيخ أبو المعالي في مسقط رأسه بمدينة “مقطع الحجارة”، حيث يُـعتبر زعيما روحيا ودينيا وتقليديا بلا منافس، وسقط حليفه في نفس المدينة، السياسي المحنك، وزير الخارجية في آخر حكومة لولد الطايع، محمد فال ولد بلال في نفس المدينة.

وفي شرق البلاد تمكّـنت العزة ابنة الفنان والشاعر الكبير الراحل همام فال، من هزيمة أحد أبرز رموز نظام ولد الطايع، ويتعلق الأمر برئيس الجمعية الوطنية السابق الرشيد ولد صالح، الذي كان يراهن على بُـعده القبلي للعودة إلى البرلمان، لكنه فشل في مسقط رأسه بمدينة العيون، التي ظل خلال الفترة الماضية يحتكر الواجهة السياسية لها.

وفي أقصى الشمال، وبالتحديد في مدينة ازويرات، التي يشكل العرب فيها نسبة 98% من السكان، وقع انقلاب اجتماعي وسياسي غير مسبوق في التاريخ الموريتاني، حيث تمكّـن عامل في مجال تنظيف المراحيض من أصول إفريقية زنجية، من هزيمة وزير النفط السابق وبطل فضيحة “اتفاق وود سايد”، التي هزت الأوساط السياسية والاقتصادية قبل أشهر، زيدان ولد احميدة، وفاز عليه بنسبة معتبرة.

رموز من الماضي في البرلمان

لكن رموزا آخرين من أنصار النظام السابق، نجحوا في تخطّـي حاجز السقوط ودخلوا قبّـة البرلمان بصعوبة بالغة، وفي مقدمتهم، رئيس الوزراء السابق الصغير ولد مبارك، ومدير ديوان ولد الطايع ورجله القوي، لوليد ولد وداد، ورجل الأعمال خداد ولد المختار، ابن عم ولد الطايع، ووزير الدفاع السابق، باب ولد سيدي، وسيواجه هؤلاء بلا شك، وضعا لا يُـحسدون عليه داخل البرلمان القادم.

فبعد أن كانوا سادة العهد الماضي ورموزه الحقيقيين بلا منازع، هاهم اليوم يمثلون أقلية في برلمان دخله عليهم عنوة من نعتوهم في السابق بـ “المجرمين والقتلة والإرهابيين والأصوليين”، لأنهم حاولوا قيادة انقلاب ضد ولد الطايع، كما فعل “فرسان التغيير”، أو لمجرد أنهم عارضوه سياسيا، كما هو الحال بالنسبة للإسلاميين.

فهل سيتحلى هؤلاء بصبر أيوب على ما سيُـلاقونه داخل البرلمان مما لم يألفوه في سابق عهدهم من تبخيس رأي وتسفيه أحلام، أم أن تجربة السيطرة والهيمنة التي عاشوها في السابق، ستنزع بهم نحو التصدّي لصراع تغيّـرت موازن القوة فيه كثيرا وشغرت أمامهم مواقع الدفاع فيه، ليتقهقروا إليها، بعد أن أبعِـدوا عنوة عن خندق الهجوم والغلبة؟

محمد محمود أبو المعالي ـ نواكشوط

نظرة شاملة على تركيبة الجمعية الوطنية الجديدة:
54 مقعدا للأحزاب السياسية.
41 مقعدا للقوائم المستقلة.
نسبة تمثيل النساء: 17 بالمائة.

أحزاب ائتلاف قوى التغيير الديمقراطي (معارضون سابقون): 41 مقعد.
“المستقلون”: 38 مقعد.

تفصيل المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب والتشكيلات السياسية:

تكتل القوى الديمقراطية(أحمد ولد داداه): 16 مقعد.
اتحاد قوى التقدم (اليساري): 9 نواب.
الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي (الحاكم سابقا): 7 مقاعد.
الإسلاميون: 5 مقاعد.
حزب التحالف الشعبي التقدمي (مسعود ولد بلخير):5 مقاعد.
حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم (الناهة بنت مكناس): 3 مقاعد.
حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني (حاتم): 3 مقاعد.
حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة (برئاسة أحمد ولد سيد بابا): 3 مقاعد
حزب التجديد الديمقراطي: 2 مقاعد.
حزب البديل: مقعد واحد.
حزب الجبهة الشعبية: مقعد واحد.
حزب اتحاد الوسط الديمقراطي: مقعد واحد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية