مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نتيجة استفتاء تركيا تـحـُـدّ من سلطات العسكر لكن التحديات.. مـسـتـمـرة!

عززت نتيجة الإستفتاء على تحوير الدستور الموقف السياسي والإنتخابي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 2002 Keystone

انتهت "موقعة" الاستِـفتاء على التّـعديلات الدستورية في تركيا، إلى نتائج تاريخية بكل معنى الكلمة. انتصر مؤيِّـدو الإصلاحات بنسبة 58% وعارضها 42%، فيما بلغت نِـسبة المشاركة في الإستفتاء رقما قياسيا ناهز 78% من الناخبين، وهي نسبة تفوق كل نِـسب الاستفتاءات والإنتخابات السابقة في البلاد.

وإذا كان مِـن معنىً لنِـسبة المشاركة العالية هذه، فهو أن الشعب التركي تواق إلى أن يرى في بلاده نظاما يتمتّـع بخصائص مُـعاصرة من الديمقراطية والحرية والمساواة. وجاءت النتيجة مؤكدة نجاح خِـيار الشعب في هذا الإتِّـجاه.

الإصلاحات، التي قدّمها حزب العدالة والتنمية قبل ثلاثة أشهر إلى البرلمان، وفشل في تمريرها بغالبية الثُّـلثيْـن، دفع بها إلى الشارع، حيث “الكلمة الأخيرة للأمة” وِفقا للشِّـعار الذي رفعته الحكومة، وهو شعار اشتهَـر به في الخمسينيات رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس، الذي أعْـدِم عام 1961 في أول انقلاب عسكري شهدته تركيا الكمالية.

الإصلاحات بطبيعتها مهمّـة جدا، بحكم أنها تغلب الطبيعة المدنية للنِّـظام على مسحته العسكرية السابقة وتضع الخيار الديمقراطي في مواجهة الخِـيارات الإنقلابية وغيْـر الشرعية. وقد لخص رئيس الحكومة الموقف حينما قال في “خطاب النّـصر” الذي ألقاه مساء الأحد 12 سبتمبر أمام حشد من أنصاره بأن “حِـقبة الوصاية العسكرية انتهت وأن المفهوم الانقلابي قد هُـزم.. الإصلاحات التي أقرّت، كانت مكسبا لكل تركيا وليس فقط لحزب العدالة والتنمية. انتصرت تركيا بانتصار الخيار الديمقراطي للشعب”.

وإذا كانت المعارضة قد عملت على تحويل الحملة الانتخابية بشأن الإستفتاء عن مقاصِـدها الإصلاحية وحوّلتها إلى معركة سياسية لإسقاط أو إضعاف اردوغان، فهي – وبالنظر إلى النّـتائج التي أسفر عنها الإستفتاء – ارتكبت خطأً كبيرا، إذ أنه باستطاعة اردوغان الآن أن يقول للمعارضة إنه إذا كانت المعركة سياسية.. فقد انتصر فيها انتصارا مُـذهلا.

انتصار اردوغان

وهنا يمنح هذا الانتصار اردوغان زخما كبيرا، لكي يذهب إلى الانتخابات النيابية في صيف العام المقبل بثقة أكبر، وقد يذهب أيضا بثقة كبيرة إلى أن يكون الرئيس المقبل للجمهورية، ليكون أول رئيس منتخب مباشرة من الشعب، خصوصا أن الحملة التي قادها على امتِـداد أشهُـر الصيف في طول تركيا وعرضها في مناخ حار جدا، وخلال شهر رمضان، كانت أشبه بـ “بروفة” لحملة رئاسية مُـحتملة.

المشكلة اليوم أيضا، أن المعارضة قد أسْـقِـط بيدها وهي التي كانت تأمل بنتيجة أفضل وأن تفوز الإصلاحات بنسبة أقـل، إن لم يكن إسقاطها. أما الأكراد، الذين دعَـوْا إلى مقاطعة التصويت، فمن الواضح أنهم يُـغرِّدون خارج سرب الحِـراك الإجتماعي التركي ولا زالوا يريدون إقامة حُـكم ذاتي في مناطقهم، بمعْـزل عن المُـتغيِّـرات التي تشهدها البلاد.

تقول التعديلات، التي أقرها الاستفتاء، بتغيير بنية المحكمة الدستورية وزيادة عدد أعضائها من 12 إلى 17 عضوا، وهذا سيُـحدِث تَـحوُّلا في توازُنات القوة داخلها، بحيث تخرج من أن تكون أداة معطّـلة لكل التعديلات الدستورية المقترحة في البرلمان، وتخرج من أن تكون أداة عرقلة للإصلاح، ومن أن تُـنصّـب نفسها (في بعض الأحيان) مكان السلطة التشريعية. بهذا التعديل، تنكسِـر إحدى أهم ادوات “الدولة العميقة”، التي كانت تتحكّـم بالسلطة السياسية في تركيا وتُـعرقل عملها على مدى حقب مديدة.

إصلاحات

الإصلاحات طالت أيضا بنية مجلس القضاء الأعلى، أي الترفيع في عدد أعضائه من 17 إلى 22 عضوا، وهو المجلس الذي كان يتحكّـم بالقُـضاة ويتدخّـل في عملهم ويطرد مِـن دون أي وجه حقّ أو اعتراض القُـضاة الذين يتعارضون مع توجّـهاته.

والإصلاحات طالت القضاء العسكري، الذي لم يعُـد من مهمّـته حصريا محاكمة العسكريين، حيث أصبح ذلك من صلاحيات المحاكِـم المدنية في حالات لا تتعلّـق بمُـخالفات عسكرية داخلية. إضافة إلى ذلك، لم يعد لمجلس الشورى العسكري الأعلى، حرية التصرّف بطرد الضبّـاط والجنود من الجيش، من دون أي مراجعة. وأصبح للمطرودين الحقّ باستئناف قرار طردِهم أمام المحاكم المدنية، وهنا يجدر التذكير بأن المطرودين خلال السنوات الماضية، يعدّون بالمئات.

ونتيجة للإصلاحات التي أقرها الناخبون الأتراك، لم يعُـد للمُـدّعي العام الحقّ برفع دعوى إغلاق الأحزاب أمام المحكمة الدستورية، حيث أصبح ذلك يتطلّـب موافقة مجلس النواب. وفي حال أغلَـقت المحكمة الدستورية حِـزبا، فلن يسْـري ذلك على النواب المنتمين إليه الذين لن تسقُـط عهدتهم النيابية تحت أي ظرف، إلا في حالات ارتِـكاب جرائم، إذ أن مَـن أعطى التفويض للنائب، وهو الشعب وحده الذي له الحق بسحب هذا التفويض منه (النائب)، وهو ما لا يكون إلا في الإنتخابات النيابية.

إضافة إلى ذلك، تُـصفّي التعديلات المعتمدة الحساب السياسي والجزائي مع قادة انقلاب 12 سبتمبر 1980 عبْـر إلغاء المادة المؤقتة في الدستور رقم 15، والتي كانت تمنع مُـلاحقة قادة الإنقِـلاب أمام المحاكم. أما على الصعيد الاجتماعي، فتمنح الإصلاحات الموظّـفين والعمال المزيد من الحريات النقابية وحقّ التنظم والإضراب، كما تمنح المراة والطفل والمُـعوَّقين، حقوقا واسعة.

تعديلات دستورية

تنقل التعديلات الدستورية، التي أقرها الإستفتاء، تركيا من مرحلة إلى أخرى. والأكيد أن ما قبل 12 سبتمبر، هو غير ما بعده، لكن الخطوات المُـنجزة على أهميتها الكبيرة، ليست كاملة برأي كثيرين في تركيا يرون أنها بحاجة إلى استكمال، ذلك أنه لا يمكن معالجة تركة ثقيلة عمرها 80 عاما أو أكثر، عبْـر إصلاح واحد أو عشرة.

تجدر الإشارة أيضا إلى أن خطة الإصلاح التي تحقّـقت لم تأت من فراغ، بل سبقتها خطوات إصلاحية عديدة منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في نهاية عام 2002. وهو ما يعني أن الإصلاح مسار يتحقق بالتدريج، خصوصا في بلد كان مُـكبّـلا بالسياسات الاستِـبدادية والمتطرِّفة للعسكر وفريق من غلاة العِـلمانيين، لذا، فإن ما هو مطلوب من اردوغان بعد استفتاء 12 سبتمبر، سيكون كبيرا – حسب المطلعين على الساحة السياسية التركية – لأنه لا يمكن لرئيس الوزراء أن يكتفي بعد الآن بخُـطوات متواضعة ويبدو أن الخطوة المقبلة ستتمثل في إعداد دستور جديد للجمهورية التركية، قد يكون جاهزا قبل الإنتخابات النيابية في صيف 2011 أو بعدها.

تحديات بوجه ادوغان

الأكيد أن التحدّي الفِـعلي أمام اردوغان يبدأ الآن، ذلك أن ما هو مُـتبقٍّ من تحديات أمام الإصلاح، كبير جدا ويتعلّـق بكُـتل شعبية ضخمة. أول هذه التحديات، المسألة الكردية التي يتوجّـب أن تُـعالَـج جِـذريا، خصوصا في ظل مطالبة الأكراد بحُـكم ذاتي، إذ أن الاعتراف الكامل بالهُـوية الكردية ووضْـع ضمانات لها في الدستور، ليست مسألة سهلة بالنسبة لأردوغان وحزبه الحاكم. أما المسألة الثانية، فهي المطالب الصادرة عن الأقلية العلوية، حيث لم تعترف الحكومة حتى الآن بأي مطلَـب لهم.

وهاتان الكُـتلتان السكانيتان اللَّـتان لا يقل مجموعهما عن 30 مليونا (12 مليون كردي و18 مليون علوي، عِـلما أن هنالك حوالي 4 ملايين كردي علوي في الوقت نفسه)، وعلى اردوغان أيضا أن يواجه تحدِّي المطالب الصادرة عن الأقليات غيْـر المُسلِـمة، ولاسيما المسيحيين، في الإعتراف بعالمية بطريركتهم في اسطنبول وغيرها من المطالب. ومما يرفع من سقف التحدِّي أمام اردوغان، أن الاتحاد الأوروبي يؤيِّـد جميع هذه المطالب، ويَـعتبِـر تحقيقها شرطا من شروط انضِـمام تركيا إليه.

إن ما تحقق من إصلاح جزئي – عبر هذا الإستفتاء – يجب أن يكون حافزا أمام اردوغان لاستِـكماله إلى أبعد مدى، خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي أشاد بالتعديلات التي أقرّها الإستفتاء. وإذا كانت كُـرة الإصلاح لا تزال في ملعَـب تركيا، فإن الأوروبيين مُـطالَـبون أيضا بتسهيل انتِـقال تركيا إلى مرحلة جديدة جدا، عبْـر إزالة بعض العقبات أمامها، ومنها الموقِـف من القضية القبرصية.

ضعف الإستبداد وتعزيز الديمقراطية

إن ما تحقق من إصلاح، هو خطوة إضافية على الطريق الأوروبي لتركيا. وبقدر ما تضعف قوى العسكر والاستِـبداد داخل تركيا، تتعزّز الديمقراطية وتتَّـسع الحريات، وفي ذلك مصلحة أكيدة لحزب العدالة والتنمية وكل المُـنادين بتركيا أوروبية. إن تركيا الأوروبية، ستقوي أيضا موقعها ودورها في محيطاتها الأخرى الشرق أوسطية والمشرقية والإسلامية.

ولا شك أن اردوغان، الذي واجه ضغوطا خارجية قوية خلال الأشهر القليلة الماضية، ولاسيما بسبب مواقِـفه من القضية الفلسطينية وانتقاداته لإسرائيل، سينظُـر إلى الاستفتاء على أنه تفويض شعبي جديد لسلطته، وبالتالي، ستكون النتائج ورقة قوية يُـمكن توظيفها، إن أراد، لمواجهة هذه الضغوط تحت شعار أن مواقِـفه من فلسطين تحظى بدعم شعبي واسع. والأكيد أيضا أن النتائج ستكون دافِـعا إلى استكمال سياسة الإنفتاح التي بدأتها أنقرة على المشرق، ولاسيما مع الجيران المباشرين لتركيا، مثل سوريا وإيران.

اسطنبول (رويترز) – احتفل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يوم الاثنين 13 سبتمبر 2010 بفوزه في استفتاء على الإصلاحات الدستورية، مما يعزِّز فرصه بالفوز بفترة ثالثة على التوالي في السلطة، في انتخابات مقررة خلال عشرة أشهر.

ولم يكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يعلن فوزه في الاستفتاء، حتى أذكى مخاوف العِـلمانيين المتشددين، حين قدّم مذكرة تفيد بأن حزبه الذي ترجع جذوره إلى الإسلام السياسي، سيشرع على الفور في وضع دستور جديد للبلاد.

ومن المقرّر أن تعلن اللجنة الانتخابية يوم الاثنين النتائج الرسمية للاستفتاء، لكن قنوات الأخبار التلفزيونية قالت، إن نسبة التأييد بلغت 58%، مقابل 42% صوتوا بـ “لا” وبلغت نسبة الإقبال على المشاركة في الاستفتاء 77% بين 50 مليونا يحِـق لهم الإدلاء بأصواتهم.

وصوت الأتراك في الذكرى الثلاثين للانقلاب العسكري، الذي وقع عام ،1980 وشحذ اردوغان الرأي العام وراء تغيير الدستور الذي كتب خلال الحُـكم العسكري للبلاد من خلال تذكير الأتراك بالحُـكم الاستبدادي الذي نشأ مع تولّـي الجنرالات الحُـكم. وقالت صحيفة صباح، الموالية للحكومة “تركيا تنظف عار الانقلاب”.

ويخشى معارضون أن يكشف حزب العدالة والتنمية الحاكِـم عن أجندة إسلامية، إذا فاز بفترة ثالثة في السلطة خلال الانتخابات المقرّرة بحلول يوليو القادم، وإن نفى اردوغان أي خطط للعدول عن السياسة العلمانية الرسمية لتركيا المعاصرة.

وقال اردوغان يوم الأحد 12 سبتمبر، بعد أن حقق انتصارا جديدا لحكومة يقودها إسلاميون محافظون في صراع على السلطة مع خصوم عِـلمانيين بشأن توجّـه البلاد، إن “الفائز اليوم هو الديمقراطية التركية”.

وصوَّر اردوغان الإصلاحات بأنها محاولة لتعزيز الديمقراطية في تركيا ومساعدة جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ومُـعظم حزمة الإصلاحات غير مثير للجدل، ولكن منتقدين عِـلمانيين يقولون إن تغيير الطريقة التي يتم بها تعيين كبار القضاة، سيجرد السلطة القضائية من دورها في الإشراف على السلطة التنفيذية وسيفقِـدها استقلالها.

ويعتقد منتقدون أن حزب العدالة والتنمية سيمرر الآن تشريعات دون خوف من أن تعطلها المحكمة الدستورية، كما فعلت عام 2008، حين حاولت حكومة اردوغان إلغاء حظر مفروض على دخول المحجّـبات الجامعات، ولكن المحكمة الدستورية أحبطت هذا التحرك.

ويُـصوِّر حزب العدالة والتنمية، الليبرالي بشأن القضايا الاقتصادية والمحافظ بشأن الأمور المتعلقة بالسياسة الاجتماعية، نفسه على أنه المرادف الإسلامي للأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا، وينفي اتهامات خصومه بأن لديه برنامجا إسلاميا، رغم أن جذوره ترجع إلى أحزاب إسلامية حُـظِـرت أواخر التسعينات من القرن الماضي.

وكسبت حكومة اردوغان قلوب الكثير من الأتراك بقيادتها لحملة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والإشراف على إصلاحات وعلى نمو اقتصادي غير مسبوق حول تركيا، إلى نجم متلألئ بين الأسواق الناشئة.

ورحّـب ستيفان فولي، مفوض التوسع بالاتحاد الأوروبي، بموافقة الناخبين الأتراك على الإصلاحات الدستورية بوصفها “خطوة في الاتجاه الصحيح” في جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

واكتمل الأداء الضعيف للمعارضة العلمانية بعدم تمكن زعيم الحزب العلماني المعارض كمال كيليجدار أوغلو من الإدلاء بصوته في الاستفتاء. وأصدر الحزب بيانا قال فيه إن زعيم الحزب لم يكن على عِـلم بقواعد تقيد الأماكن التي يمكن أن يصوت فيها أعضاء البرلمان. وعلّـق الحزب العِـلماني آماله على كيليجدار اوغلو، ليعلي مكانة حزب مؤسّـس تركيا العِـلماني مصطفى كمال اتاتورك قبل انتخابات العام القادم.

وكان زعيم الحزب العِـلماني قد صرّح أمس بأن الحكومة اتّـخذت “خطوة كبيرة” في اتِّـجاه السيطرة على السلطة القضائية وأن حزبه سيُـعارض محاولات حزب العدالة والتنمية، لاحتكار السلطة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 سبتمبر 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية