مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نتيجة جيدة لسويسرا في مجال مكافحة الرشوة

يعتقد خبراء الإقتصاد في سويسرا أن الرشوة لا يمكن القضاء عليها تماما، ولكن يمكن التقليل منها RDB

احتلت سويسرا المرتبة الأولى في الترتيب السنوي لمنظمة الشفافية الدولية للدول الأكثر مكافحة للرشوة، الصادر في برلين في 4 أكتوبر الجاري، في خطوة إيجابية تتناسب مع تشديد الحكومة الفدرالية لقوانين مكافحة الجريمة الإقتصادية.

لكن بعض المراقبين يعتقدون بأن هذه المرتبة لا تعنى المثالية الكاملة، لأن الساحة الإقتصادية لا يمكنها أن تعيش بدون “استثناءآت”.

بعد أسبوع واحد من صدارة سويسرا لقائمة الدول الأكثر قدرة على التنافس في العالم وفقا لتقييم المنتدى الإقتصادي العالمي في جنيف، أعلنت منظمة الشفافية الدولية، عن نتائج تقييمها لهذا العام، لتقع سويسرا في المرتبة الأولى قبل السويد وأستراليا، بينما تحتل روسيا والصين والهند مراكز النهاية.

وبهذه النتيجة تكون سويسرا أكثر دول العالم التي يعتمد اقتصادها على التصدير (وعددها 30)، ابتعادا عن الرشوة، وأحسنت شركاتها اتباع القوانين الإقتصادية والقواعد التجارية، التي تفرض رقابة صارمة من ناحية، ومتابعة ذاتية، من داخل المؤسسات نفسها.

في الوقت نفسه تقع سويسرا في الثلث الأخير في ترتيب الدول الأكثر تصديرا إلى العالم، إذ تمثل الصادرات السويسرية 1,2% من حجم الصادرات حول العالم، بينما تقع ألمانيا (9,5%) والولايات المتحدة (8,9%) واليابان (7,1%) في مراكز متقدمة.

لكن هذه النتيجة ليست إيجابية تماما في حد ذاتها، إذ يبقى الفارق بين الحد الأقصى لدرجة الشفافية (10 نقاط) وما حصلت عليه سويسرا من نقاط (7,81) كبيرا إلى حد ما، أي ما يعني بأن هناك بعض الخلل وأن الصورة ليست شفافة تماما كما يوحي هذا الترتيب.

“مركز متقدم، بدون علامات جيدة”

وتعترف منظمة الشفافية الدولية نفسها في مقدمة التقرير بهذا الفرق، وتقول “لا يوجد فائز حقيقي في هذا الترتيب، بل هناك فوارق واختلافات في تعامل الدول مع ظاهرة الرشوة والجريمة الإقتصادية”.

فوجود هذا الفارق بين النقاط التي حصلت عليها كل دولة والحد الأقصى، يعني بأن هناك ثغرات يمكن النفاذ منها، وكان تعليق الفرع السويسري لمنظمة الشفافية الدولية واقعيا، عندما قال بأن تقييم هذا العام “جاء بمركز متقدم، ولكن بدون علامة جيدة”.

ويتمثل هذا الجانب السلبي، حسب تعليق الفرع السويسري لمنظمة لشفافية الدولية، في مثول 22 شركة سويسرية للتحقيق أمام جهاز الإدعاء العام بتهمة الضلوع في رشوة في فضيحة برنامج النفط مقابل الغذاء، الذي كان يزود العراق المواد الغذائية أثناء فترة الحصار عليه إبان فترة حكم الرئيس السابق صدام حسين، إذ يعتقد الإدعاء العام أن تلك الشركات قدمت رشاوى لنظام صدام حسين في الفترة ما بين عامي 1999 و 2003 للحصول على تعاقدات في إطار هذا البرنامج.

ولسد الثغرات التي يمكن أن تتسلل منها جرائم الرشوة، يقترح الفرع السويسري للشفافية الدولية في سياق تعليقه على تلك النتائج، أن تبدأ الشركات في المراقبة الذاتية، كأن يكون بها منصب للمراقبة والمراجعة أو خط هاتفي ساخن لتلقي البلاغات السريعة حول الإشتباه في وقوع جريمة رشوة.

ومن ثم يمكن وأد الجريمة في مهدها، قبل أن تتشعب وتأخذ أبعادا إقليمية أو دولية، وسيكون هذا الأسلوب أكثر فعالية على صعيد أوسع إذا طبقت الشركات الدولية أو متعددة الجنسيات هذه التوصيات ليس فقط في سويسرا، بل أيضا في فروعها المنتشرة في الخارج، وبالتالي تحافظ تلك الشركات على اسم سويسرا، وتنشر هذه التقاليد اينما كانت.

جهود سويسرية مثمرة

لكن الجزء الممتلئ من الكوب، هو أن جهود كتابة الدولة للإقتصاد وإتحاد الشركات السويسريةفي مكافحة الجريمة الإقتصادية، قد نجحت في وضع العلاج المناسب وسد العديد من الثغرات التي كان المرتشون ينفذون منها.

كما يعتقد السويسريون أن التوقيع على اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة الرشوة وتعديل التشريعات الفدرالية عليه في عام 2000، كان لها أيضا مفعول جيد في في مكافحة الرشوة، إذ لم يمثل سوى شخص واحد أمام القضاء بتلك التهمة.

فهذه المرتبة المتقدمة تنسجم تماما مع النمو الإقتصادي المتصاعد للشركات السويسرية، الذي تؤكده ارتفاع معدلات التصدير، والتوقعات الإيجابية بنمو اقتصادي بمعدلات جيدة مقارنة مع دول الجوار أو حتى مع الإتحاد الأوروبي بأكلمه، وهو ما يرى فيه المراقبون إضافة جديدة للساحة الإقتصادية والمالية السويسرية، إذ تعمل كحافز ضمان إضافي للمستثمرين واصحاب رؤوس الأموال.

ناجحون .. ومرتشون

المشكلة الأخطر حسب رأي الخبراء، هي في أن الصين والهند تحتلان قاع القائمة، وهما اللتان يعتمد عليها الغرب كثيرا في مجالات اقتصادية متعددة، وحصول الأولى على 4,94 نقطة والثانية على 4,62 نقطة، يعني بأن البلدان الغنية تتعامل مع نسبة كبيرة من الشركات والمؤسسات المرتشية.

هذه المخاوف تسري أيضا حسب رأي بعض الخبراء على تركيا، التي حصلت على المركز 27، بينما من المفترض أن تكون ابعد قدر المستطاع عن هذا الترتيب، بحكم أنها على قائمة الإنتظار للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، رغم أن ايطاليا في المركز العشرين وفرنسا في الخامس عشر.

أخيرا حذرت منظمة الشفافية الدولية من أن دفع الشركات المصدرة لرشاوى في خارج بلدانها تظل ممارسة مستمرة، وأكدت أن الدول الغنية تواصل إغراء شركائها وخاصة في الدول السائرة في طريق النمو مثلما هو الحال في أفريقيا مع الشركات الفرنسية والإيطالية، التي عادة ما يُشار إليها بأصابع الإتهام على أساس أنها مصدر هذه الظاهرة، مثلما ورد في دراسة أنجزتها المنظمة وتضمنت مؤشرا للفساد للبلدان المصدرة.

سويس انفو – تامر أبوالعينين

الدول الأكثر شفافية وفقا لترتيب 2006:-
(الحد الأقصى 10 نقاط)
1 – سويسرا 7.81
2 – السويد 7.62
3 – استراليا7.59
4 – النمسا 7.50
5 – كندا 7.46
…..
14 – الإمارات العربية المتحدة 6.62
22 – المملكة العربية السعودية 5.75
….
28 – روسيا 5.16
29 – الصين 4.94
30 – الهند 4.62

منظمة دولية تتخذ من برلين مقرا لها، وتهدف إلى مكافحة الرشوة كجريمة إقتصادية، وليس الكشف عنها، ولكن من خلال تقديم التوصيات والنصائح لكيفية الحد منها أو معالجتها.

لها فروع منتشرة في أكثر من 90 دولة حول العالم، وتأسس فرعها السويسري عام 1995، وهو محايد سياسيا وليس له هدف ربحي، ويحصل على تمويله من خلال التبرعات وإشتراكات الأعضاء.

يصدر الترتيب السنوي للمنظمة بناءا على استطلاع للرأي بين 11232 من قيادات وكوادر الشركات الدولية الكبرى في 125 بلدا بالتعاون مع المنتدى الإقتصادي العالمي (مقره جنيف)، يجيبون فيه عن عدد المرات التي تقوم بها الشركات المعنية بسداد مبالغ لطرف ثالث دون تدوينها في سجلات النفقات، أو دفع أموال لتسهيل معاملات.

نشرت منظمة الشفافية الدولية للمرة الأولى ترتيب الدول الأكثر نجاحا في مكافحة الرشوة في عام 1999 تحت عنوان Bribe Payers Index المعروف اختصارا BPI، ثم نشرت تقريرا ثانيا في عام 2002.

اعتمدت المنظمة في ترتيب هذا العام أسلوبا جديدا في التقييم، لذا لا يمكن مقارنة هذا الترتيب مع ما صدر من قبل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية