مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حصيلة المواجهات في الأنبار قد تحدّد مآل الإنتخابات العراقية

مُسلحون معارضون للحكومة العراقية يستعرضون أسلحتهم في صورة جماعية التقطت لهم يوم 8 فبراير 2014 قبل توجّههم للقيام بدورية في مدينة الفلوجة التي تبعد 65 كيلومترا عن العاصمة بغداد Keystone

يُواجه رئيس حكومة العراق السيد نوري المالكي تحديا كبيرا يتمثل في سعيه إلى استعادة ثقة الشارع العراقي توطئة للفوز في الإنتخابات البرلمانية القادمة، ويبدو أن رهان المالكي في تحقيق ذلك يرتبط بإحراز انتصار أمني وبخاصة بعد أن تصاعدت حدة المواجهات في محافظة الأنبار وفي المدن العراقية ذات الكثافة السنية التي اندلعت فيها مظاهرات مناهضة لحكومته.

في هذا الصدد، يقول السيد محمد الحسيني، الباحث الأردني ورئيس “مركز هوية” أن رئيس الوزراء العراقي “يُوظف ما يجري في الأنبار لتعزيز فرصه الإنتخابية من خلال الظهور وكأنه رجل العراق القوي، ما يُحرج بعض القوى السياسية الشيعية التي قد تلجأ للتصويت لقائمة المالكي”.

لا يُساور أحد الشك في أن العلاقة بين حكومة نوري المالكي وسُنّة العراق ما زالت متوترة، حيث يشوبها انعدام الثقة المتبادلة خصوصا وأن الرجل أوغـل – حسب البعض – في سياساته الطائفية التي أعاقت المصالحة السياسية المطلوبة لاستقرار العراق واستعادة دوره في الإقليم. ومن الواضح أنه يسعى اليوم إلى ولاية ثالثة بعد أن وطّــد علاقاته بطهران، لكنه يُواجه في الوقت ذاته مشكلة تتمثل باحتمال خسارته الإنتخابات القادمة بعد أن تخلت عنه بعض القوى السياسية والدينية الشيعية، وهناك من يذهب إلى أن تأجيج الوضع في محافظة الأنبار ومناطق السنة عموما وإصرار المالكي على حسم عسكري للموقف يصبّ في تصورات رئيس الوزراء بأن هذا يُمكن أن يُشكل مدخلا لتوحيد الشيعة خلفه (بعد أن فقد دعم التيار الصدري والمجلس الأعلى الشيعيين) ما قد يمنحه فرصة حقيقية للفوز في الإنتخابات القادمة وتشكيل الحكومة المقبلة.

وفي مقابلة خاصة مع جريدة الغد الأردنية الصادرة يوم 9 فبراير 2014، صرح الدكتور إياد علاوي، السياسي العراقي البارز ورئيس القائمة العراقية أن “سياسات المالكي هي السبب فيما يجري في مناطق العرب السنة”، وذكر أن هناك “توجها لإزاحة نوري المالكي عن الحكومة” العراقية، كما ذهب علاوي إلى أن العراقيين “لن يسمحوا بأن يبقى نوري المالكي في السلطة”، وهو موقف يُشكل نقطة التقاء بين علاوي والتيار الصدري والمجلس الأعلى والأكراد. في الوقت نفسه، يرى علاوي أن الإحتجاجات التي اندلعت في محافظة الأنبار “مشروعة” وأنها جاءت بعد أن أهمل حكام العراق المطالب المشروعة تحت ذريعة أن “الإعتصامات ملاذ للقاعدة والإرهاب، وهذا غير صحيح”، على حد قوله.

نوري المالكي: المشكلة أم الحل؟

في الواقع، هناك نسبة معقولة من العراقيين (وبخاصة الشيعة وحتى بعض العرب السنة) التي تنظر إلى نوري المالكي كسياسي وطني عراقي مستعد للتصدي للعنف والتطرف الطائفي، غير أن الكثير من العرب السنة وحتى الأحزاب الكردية ينظرون إلى المالكي وكأنه صدام حسين الجديد الذي يتلاعب بكل الأوراق لضمان بقائه السياسي. أما المأخذ الأهمّ لدى خصومه فيتمثل في “محاولته الإمساك بكل خيوط اللعبة السياسية وانتهاج سياسة طائفية”، حسب زعمهم.

في هذا السياق، يقول الباحث حسن أبو هنية، الخبير في الجماعات الاسلامية أن ما “يحدث في الأنبار نتيجة منطقية لعراق ما بعد الإحتلال، فالعملية السياسية الفاسدة التي يُديرها المالكي، والتي وضع أسسها الإحتلال الأمريكي عام 2003، وعلى الرغم من انسحاب قواته عام 2011، لا تزال آثار الإحتلال فاعلة في توليد الأزمات والصراعات الطائفية، فسياسات الهوية هي الركن الأهم من العملية السياسية، والإنقسام الهوياتي الإثني بين العرب والكرد والطائفي بين السنة والشيعة يتحكم في مسارات الدولة التي بات فيها المُكوّن العربي السني مهمشا ومهملا ومعزولا ويعامل كأقلية، إذ لم تجلب محاولات العرب السنة الإنخراط في العملية السياسية سوى مزيد من التهميش والشعور بالظلم والتمييز”.

هناك مأخذ آخر على مواقف نوري المالكي لها أثر على الإقليم بشكل عام، ويرى فيها البعض امتثالا لرغبات طهران. فما من شك بأن بقاء نوري المالكي في منصبه يصبّ في مصلحة جمهورية إيران الإسلامية التي تراهن عليه لعدد من الإعتبارات الواقعية، فالرجل مُتحالف مع ايران، وحوّل العراق إلى ممر آمن للمساعدات الإيرانية المُوجّهة إلى نظام بشار الأسد، وهي مساعدات حيوية مكنت سلطات دمشق من الصمود طيلة سنوات الثورة السورية.

وبالرغم من عدم رضى الإدارة الأمريكية عن الدور الذي يلعبه المالكي في الأزمة السورية “إلا أنها ترى فيه الشريك الأفضل ضمن معطيات المعادلة السياسية العراقية”، على حد تعبير الباحث حسن أبو هنية. مع ذلك، فإن هناك انطباعا عاما في الولايات المتحدة يتمحور حول المالكي شخصيا، حيث يعتبره البعض هناك “سببا في الأزمة”.

وقبل أيام قليلة، حمّل الكونغرس الأمريكي نوري المالكي مسؤولية تراجع الأوضاع الأمنية في العراق. وحسب ايد رويس، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، فإن المشكلة “تكمُن في سياسات المالكي التي أجّجت مشاعر العرب السنة”. وخلال جلسة استماع عقدت مؤخرا في واشنطن، قال رويس: “يجب أن يعلم العراقيون أن علاقتهم بايران وبطء عملية المصالحة السياسية مع الأقليات العراقية تثير قلقا جديا في الكونغرس”.

في المقابل، لا تفضي هذه النتيجة بالضرورة إلى إعادة النظر في علاقة إدارة أوباما مع حكومة نوري المالكي التي تحارب أيضا تنظيم “دولة الإسلام في العراق والشام” (داعش)، فهناك تصور أمريكي يتعلق بضرورة تقدم الدعم لحكومة المالكي خشية وقوع أجزاء من العراق تحت سيطرة الإرهابيين المنتمين إلى تنظيمات متشددة. وهنا، ترى واشنطن أنه يجب النظر إلى المشكلة من منظور الحرب على الإرهاب بالدرجة الأولى، بل إن السعودية التي تختلف استراتيجيا مع كل من طهران والمالكي في سوريا، تجد نفسها مُجبرة على تأييد المالكي ولو تكتيكيا في العراق.

في هذا السياق، يقول الباحث محمد الحسيني إن الوضع في العراق وفي الأنبار مختلف عنه في سوريا، فالسعودية ترى بأن الأهم في الأنبار هو إلحاق هزيمة بتنظيم “داعش” حتى وإن استفاد المالكي من ذلك، وبكلمة أخرى، يبدو أن استغلال تنظيم “داعش” لمطالب العرب السنة المشروعة دفع إلى توحيد الموقف الإيراني والسعودي تجاه الأزمة القائمة في الأنبار والمدن العراقية الأخرى التي تتسم فيها الأوضاع بالغليان.

مشكلة الانبار والأزمة السورية

من أجل مزيد فهم تعقيدات أزمة السنة بالعراق وتصاعد التحديات الأمنية في بلاد الرافدين، لا بد من الأخذ بعين الإعتبار أيضا ارتدادات الأزمة السورية التي اكتسبت زخما ملحوظا وبخاصة بعد أن صمدت المعارضة السنية لنظام بشار الأسد وتمكنت من تحقيق انتصارات عدة وتشكيل قوة على أرض الواقع.

فقد استغل تنظيم “داعش” حقيقة عدم وجود ثقة بين العرب السنة ونوري المالكي لتعزيز تواجدها في مناطق العرب السنة في محافظة الأنبار التي تضعف فيها قبضة الحكومة العراقية. وكما يقول الباحث حسن ابو هنية فإن تنظيم داعش “يستفيد من ضعف الحكومة في مناطق عرب السنة، كما يستغل مخاوف العرب السنة من التهميش السياسي والإقتصادي ومن قمع الدولة لهم لمهاجمة الشيعة في العراق”. ويضيف ابو هنية بأن “عمليات التهميش والإقصاء الطائفي التي مارسها المالكي وصلت ذروتها مع بدء حركة احتجاجية سنية سلمية نهاية عام 2012، والتي تعامل معها برعونة واسستخفاف باعتبارها تمردا يقوده (الصداميون والبعثيون والإرهابيون)”، حسب زعمه. 

في المقابل، لا يبدو أن سنة العراق يريدون أكثر من “التأثير في الحكومة” العراقية، كما أنهم لا يسعون – حسب المعطيات المتوفرة – إلى الإنفصال عن العراق، إلا أن ما يعزز من مخاوفهم ما يُسجّلونه من إخفاق ذريع لحكومة المالكي في تحسين مستوى معيشة العراقيين عموما والعرب السنة خصوصا.

خلاصة القول، اذا ما تمكن نوري المالكي من إلحاق هزيمة بخصومه و”داعش” قبل انتخابات أبريل المقبل، فإن ذلك سيصبّ في مصلحته وسيُساعده على تحقيق نصر انتخابي يُطيل أمد بقائه في السلطة، وهي نتيجة تبدو مُمكنة التحقيق، حسب رأي الباحث محمد الحسيني وذلك “في ظل الإصطفافات الإقليمية في العراق التي تختلف في جوهرها عما يجري في سوريا” المجاورة.

بغداد/تكريت (رويترز) – قال مسؤولون محليون إن مقاتلين سنة سيطروا على معظم بلدة في شمال العراق يوم الخميس 13 فبراير 2014 وحاصروا مبنى البلدية بعد أسابيع من استيلاء مسلحين على مدينة بالكامل.

وقال رئيس بلدية سلمان باك طالب محمد المحاصر داخل المبنى إن المقاتلين ينتمون الى الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وهي جماعة شاركت في الاستيلاء على الفلوجة في شهر يناير الماضي وتنشط أيضا في سوريا المجاورة.

ومازالت القوات والدبابات الحكومية تحاصر الفلوجة في محافظة الأنبار بغرب العراق وهددت بشن هجوم بري لاستعادتها اذا لم يلق المسلحون سلاحهم بحلول يوم الجمعة 14 فبراير 2014.

وبدأت جماعات مسلحة منها الدولة الاسلامية في العراق والشام تستعيد قوتها في العراق على مدى العام المنصرم لكن فقدان الحكومة المركزية السيطرة على الفلوجة وسلمان باك يمثل تصعيدا خطيرا.

وقال محمد “نحن لازلنا متواجدين داخل البنايات الحكومية وسط المدينة ونحن محاصرين من قبل المسلحين. انهم يهاجمونا مستخدمين قذائف الصواريخ والأسلحة الرشاشة.” وأضاف “انهم من دولة العراق الإسلامية. نحن نعرفهم من الرايات السوداء التي يرفعوها … نحن نطالب الحكومة بالتدخل لمساعدتنا.”

واستعاد المسلحون السنة ومن بينهم مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق والشام السيطرة على بعض الأراضي في العراق خلال العام المنصرم وسيطروا على الفلوجة في الأول من يناير 2014.

وتقع سلمان باك على بعد 160 كيلومترا إلى الشمال من بغداد ويقطنها حوالي 25 ألف نسمة اغلبهم من السنة وبها ايضا بعض التركمان والاكراد.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 فبراير 2014)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية