مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نفط إفريقيا .. متى يتحول إلى نعمة (!)

طفل يشق طريقه فوق أنابيب لنقل النفط في ضاحية أوكريكا القريبة من ميناء هاركورت في المنطقة الغنية بالنفط في نيجيريا يوم 7 أكتوبر 2006 Keystone

عبّـر المشاركون في مؤتمر انعقد في جنيف عن انشغالهم ومخاوفهم من أن يؤدي الفساد وسوء التصرف إلى تبديد الموارد المالية الثمينة المتأتية من النفط الإفريقي.

وطالب خبراء ونشطاء حقوقيون باعتماد قواعد دولية جديدة، لضمان إدارة شفافة لموارد النفط ولفرص العمل، من أجل ضمان استفادة السكان الأكثر فقرا من تدفق الأموال.

جمع المؤتمر، الذي دام يوما واحدا في جنيف وخُـصِّـص للتباحث حول سُـبل استفادة البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء، حوالي 200 شخصا يمثلون الأوساط النفطية وحكومات إفريقية ومنظمات دولية ومنظمات غير حكومية، وجّـهت إليهم الدعوة، منظمة “المساعدة السويسرية” Swissaid غير الحكومة، التي حصلت على دعم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في هذه المبادرة.

وزير المحروقات السابق في جمهورية الكونغو، بونوا كوكيبيني، ندّد في مداخلته بالفساد، الذي يعصف ببلاده، كما أدان “العمليات الانقلابية المدعومة من طرف شركات نفطية في بعض البلدان الإفريقية المنتجة للنفط” و”الغموض الموجود فيما يتعلق بالتصرف في المداخيل النفطية من طرف رجال السياسة المحليين”.

في نفس السياق، شددت منظمة سويس إيد على أن الافتقار إلى الشفافية وغياب الديمقراطية، تعتبر العقبات الرئيسية القائمة بوجه إدارة أفضل لهذه الطفرة المالية، التي يُـمكن أن تساعد على تحسين ظروف العيش للعديد من الأفارقة.

وتقول السيدة كارولين موريل، المديرة التنفيذية للمنظمة، التي احتضنت المؤتمر، “إن الكيفية التي يتم بها توزيع مداخيل نفط القارة، تحظى بأهمية دولية”، وأضافت “إننا نحتاج لإيجاد وسائل جديدة لكي نتأكّـد من أن الفرص القائمة أو تلك التي تنفتح بوجه البلدان الإفريقية بفضل النفط، تترجم فعليا إلى ظروف معيشية أفضل للسكان وتساهم في التنمية المستديمة للبلاد”.

من جهته، اعتبر كونراد غيربر، مدير شركة بترو – لوجيستيكس (مقرها جنيف)، أن فشل الدول الإفريقية المنتجة للنفط في منافسة نظيراتها في الشرق الأوسط، لا يعود سببه إلى نقص في المخزون.

فعلى سبيل المثال، يقل إنتاج كلٍّ من البحرين ودبي وقطر، إذا ما تم احتسابه بشكل منفصل، عما تنتجه أنغولا لوحدها، والذي يبلغ 1،2 برميل يوميا. ويقول كونراد غيربر، “تتمثل وجهة نظري في أنه ليست هناك حاجة لموارد اقتصادية ضخمة من أجل إحداث تطور اقتصادي، لا ضرورة لأن تكون المملكة العربية السعودية”.

“الذهب الأسود”

في نفس السياق، وصف غيربر، الذي تعمل شركته في مجال جمع وتحليل المعطيات المتعلقة بالموارد النفطية في العالم، إفريقيا بأنها جنّـة للباحثين عن “الذهب الأسود”. لكن، ما الذي يحصُـل لحوالي 250 مليون دولار تتأتي يوميا من إنتاج النفط والغاز في إفريقيا؟

يعترف غيربر بأنه من المحتمل جدا أن نسبة كبيرة من المداخيل تذهب إلى جيوب مسؤولين حكوميين، ويُـقر بأن “المشكلة حادة وتحتاج إلى أن يتم التعامل معها”.

السيدة إليزابيت تينوكو، وهي مسؤولة رفيعة المستوى في منظمة العمل الدولية، التي تتخذ من جنيف مقرا لها، حذرت من أن الفشل في استعمال هذه الموارد النفطية لمعالجة البطالة المزمنة والفقر، سيمثل “فرصة مهدورة”، وقالت: “إن معدلات البطالة في إفريقيا، لم تُـظهر أي علامات تحسّـن، وخاصة في صفوف الشبان”.

وطِـبقا لمنظمة العمل الدولية، فإن معدل البطالة في صفوف الشباب في البلدان الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء، يقدَّر بـ 18%، فيما يتوجّـب توفير 8 ملايين فرصة عمل جديدة في كل عام من أجل استيعاب نمو اليد العاملة النشطة.

غير أن السيدة تينوكو تقول: “مع الأسف، فإن الفرص التي نشأت حول صناعة النفط من أجل نموٍّ متوازن ومستديم، قد بُـدِّدت بشكل كبير في بعض الحالات”.

تقليص الفقر

المثال التشادي كان حاضرا بقوة في النقاشات التي دارت بين المشاركين في المؤتمر. ففي هذا البلد، تنشُـط منظمة سويس إيد منذ عدة أعوام من أجل توجيه الموارد المتأتية من النفط إلى إجراءات ملموسة لتقليص الفقر في هذا البلد الإفريقي. وقد تكلّـلت جهود هذه المنظمة غير الحكومية في عام 2000 بالتوقيع على اتفاق بين البنك الدولي وحكومة التشاد، التزمت بمقتضاه الحكومة لممارسة شفافية أكبر في استعمال المداخيل النفطية.

لكن السيدة جيلبير ماوندونودجي، وهي منسقة منظمة حكومية أخرى، تقوم بمراقبة انعكاس إنتاج النفط في التشاد على أوضاع السكان، حذرت من أن الاتفاق يتّـجه إلى الانحلال. ففي هذه السنة، أقرّت الحكومة تشريعا يؤدي إلى تقليص جزء كبير من الموارد التي كانت مخصصة لمشاريع صحية وتعليمية.

وتعترف كاترين مورون، المتحدثة باسم منظمة سويس إيد بأن “الوضع معقّـد جدا في التشاد”، مؤكّـدة بأنه “في ملف النفط، تم تسجيل العديد من الخيبات”.

سويس انفو – آدم بومون – جنيف

(ترجمه من الإنجليزية وعالجه كمال الضيف)

عنوان المؤتمر، الذي نظمته سويس إيد في جنيف يوم الخميس 2 نوفمبر 2006، كان “النفط ليس لعنة بالضرورة لإفريقيا – إفريقيا جنوب الصحراء بإمكانها الاستفادة من مواردها النفطية”.
حصُـل المؤتمر على دعم الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون التابعة لوزارة الخارجية ومركز أبحاث المؤسسات والشركات (مقره جنيف) ومنظمة العمل الدولية.
شارك في المؤتمر 200 شخص يمثلون بلدانا منتجة للنفط ومنظمات دولية ومنظمات غير حكومية وخبراء في مجال إنتاج النفط في إفريقيا.
أفاد المنظمون بأن الشركات النفطية رفضت الدعوات التي وُجِّـهت إليها.

يشهد الجزء الواقع وراء الصحراء من القارة الإفريقية، طفرة نفطية مهمة.
طبقا لإحصائيات نشرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية في إفريقيا رقما قياسيا في عام 2004، يناهز 18 مليار دولار.
10 بلدان فقط استقطبت ثلاثة أرباع هذه الاستثمارات، معظمها بلدان منتجة للنفط، وخاصة غينيا الاستوائية وأنغولا والسودان ونيجيريا وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
يبلغ حجم الإنتاج النفطي لإفريقيا حوالي 10 ملايين برميل يوميا، أي 12% من الإنتاج العالمي (85 مليون برميل في اليوم).
تعمل 250 شركة نفطية في استكشاف وإنتاج النفط في إفريقيا، وهو رقم ينمو باستمرار.

تم اكتشاف النفط بكميات مهمة في التشاد عام 1988، لكن الإنتاج لم يبدأ فعليا إلا في شهر أكتوبر 2003.

عبّـرت بعض منظمات المجتمع المدني التشادي عن تخوّفاتها من الإنعكاسات المترتبة عن استخراج وتسويق النفط على البيئة وعلى حقوق الإنسان ومن كيفية التصرف في الموارد المالية المتأتية منه.

شنّـت المنظمات غير الحكومية حملة إعلامية ومارست ضغوطا على البنك الدولي الذي موّل مشاريع التنقيب عن النفط، نجحت إثرها في إقناعه بإنشاء جهاز يراقب أداء السلطات والشركات النفطية، رغم عدم تحمُّـس الحكومة التشادية.

اعتمدت الحكومة قانونا ينص على توجيه 10% من الموارد المالية المتأتية من النفط إلى صندوق لفائدة الأجيال القادمة (تحاول هذه الأيام إلغاءه وسط معارضة شديدة من المنظمات غير الحكومية) وإلى تحويل 15% من أموال النفط إلى الخزينة العمومية وإلى تخصيص النسبة الأكبر من المداخيل لفائدة القطاعات ذات الأولوية (التعليم والصحة والمناجم والاتصالات والأمن).

يتشكل الجهاز من 4 ممثلين عن المجتمع المدني، إضافة إلى أحد القضاة ونائبين برلمانيين وموظف حكومي سامٍ وممثل عن مجموعة الشركات النفطية العاملة في التشاد، وهي شيفرون الأمريكية وبتروناس الماليزية.

عمليا، تحولت المنظمات غير الحكومية في التشاد إلى سلطة مضادة، وهو ما جعل من تجربتها مثالا لبلدان إفريقية مشابهة، مثل النيجر وغينيا بيساو، التي اتّـضح أنها تتوفر على مدّخرات نفطية مهمة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية