مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“عدم المصافحة” يثير جدلا حادا في سويسرا

رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس يمد يده لمصافحة السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة بكل حرارة. Keystone

في الأيام القليلة الماضية، إجتاحت سويسرا ضجة إعلامية كبيرة بعد أن أعفت مدرسة ثانوية طالبَين مُسلمَين من مصافحة مُعلميهم. ولم تتسع هذا الضجة الإعلامية لتغرق شبكات التواصل الإجتماعي فَحسب، لكنها تجاوزت حدود الكنفدرالية إلى الخارج أيضاً.

معروف أن الإسلام لا يُجيز للرجال لَمس النساء من غير المحارم. ورغم وجود اختلاف بين مدارس الفقه الإسلامي حول المقصود باللمس، إلا أن مصافحة النساء الأجنبيات تدخل في هذا الباب. وقد دعا هذا الأمر طالبين مسلمَيْن سوريَين مقيمين بسويسرا منذ عدة سنوات بمدرسة ثانوية في بلدية ‘تيرفيل’ Therwil في كانتون ريف بازل، إلى الإمتناع عن مصافحة يد معلماتهما قبل بداية الدروس وبعد إنتهائها، وهي عادة قديمة متبعة في هذه المنطقة من البلاد.

وعندما لم يسفر الحوار بين إدارة المدرسة وأولياء أمور الطالبين [وهما شقيقان تبلغ أعمارهما 14 و15 عاماً] عن أي تغيير في المواقف، إتفقت إدارة المدرسة مع الطالبيَن على إعفائهما من مصافحة معلماتهم و معلميهم على حدٍ سواء، منعاً لأي تفرقة بين الجنسين. لكن هذا الإتفاق أثار عاصفة من الإحتجاجات الشديدة في أوساط رابطات المعلمين، ووسائل الإعلام، والساسة وعلى شبكات التواصل الإجتماعي أيضاً، حيث إنتقد آلاف المُعَلّقين القرار الذي لم يكن “حلاً توافقياً سويسريا جيداً” من وجهة نظرهم.

المزيد

المزيد

مرحبا .. أهلا وسهلا!

تم نشر هذا المحتوى على وسواء تعلّق الأمر بتحية عسكرية أو باحتكاك الأنوف أو رفع القبعة أو الإحتضان، فإن جميعها طرق متنوعة ومختلفة لتقديم التحية وفتح باب التواصل بين البشر. ومع أن هذه الطقوس تختلف باختلاف الثقافات والأزمنة والأماكن، إلا أن الهدف منها يظل نفسه، فهي تمثل في أغلب الأحيان علامة على الإحترام والتقدير وتعبيرا عن المودّة.  (جميع الصور مأخوذة…

طالع المزيدمرحبا .. أهلا وسهلا!

وتعالت الإعتراضات القائلة أن المصافحة باليد هي جزء من الثقافة السويسرية وبأنها بادرة إحترام ومجاملة مهمة، وبأن على من يعيش في سويسرا أن يتكيَّف مع هذه الممارسات. كما إعتُبِرَ إتفاق “الإعفاء من المصافحة” في مدرسة ‘تيرفيل’ الثانوية مُهين للمرأة وتمييزياً.

بدورها، عبَّرَت سيمونيتّا سوماروغا، وزيرة العدل والشرطة السويسرية عن رأيها بوضوح بهذه القضية، وقالت في مقابلة عرضها البرنامج الإخباري التلفزيوني 10vor10 [الذي يُعرض من على شاشة التلفزيون العمومي السويسري الناطق بالألمانية] يوم 4 ابريل :”من غير المقبول أن يرفض طفل مصافحه معلميه. مثل هذا التصرف لا مكان له هنا حتى تحت شعار الحرية الدينية”. وبحسب سوماروغا، فإن المصافحة باليد جزء من الثقافة السويسرية. وكما قالت بِحَسم :”هكذا يكون الإندماج وفق تصوري”.

الفصل بين الجنسين في المدارس اليهودية

مسألة عدم اللمس لأسباب دينية ليست جديدة في الواقع. فطائفة اليهود الأرثوذكس المتشددين مثلاً يتجنبون الإتصال الجسدي بين الجنسين أيضاً. وبِحَسب هربرت فينتَر، رئيس اتحاد الجاليات اليهودية السويسريةرابط خارجي، لم تظهر هناك أي مشاكل إلى اليوم بالنسبة للطلاب اليهود. “ليس للغالبية العظمى من اليهود السويسريين أي مشكلة مع المصافحة”، كما قال. أما فئة الشباب الذين يفضلون عدم مصافحة النساء، فيذهبون إلى مدارس أرثوذكسية يهودية مُتشددة خاصة. وحيث تعتمد تلك المدارس مبدأ الفصل بين الجنسين حيث “لا تنشأ مثل هذه المشكلة هناك”، بحسب فينتَر.

لكن مثل هذه المدارس لا تتوفر في سويسرا على العموم للطلبة المسلمين. وفي العادة، يذهب الشباب المسلمين إلى مدرسة عامة، أو مدرسة خاصة غير دينية. فهل تطفو مسألة المصافحة إلى السطح هناك بشكل منتظم؟

“كلا، على الإطلاق”، تجيب ياسمين السنباطي، وهي مسلمة سويسرية ومؤلفة كتاب “مساجد بدون مآذن”. ووفقاً للسنباطي، لا يتناسب هذا السيرك الإعلامي على الإطلاق مع الظاهرة الفعلية ولا يمت لها بصلة، وتؤكد أن “الأمر يتعلق هنا بحالات فردية يمكن عدّها على أصابع اليد الواحدة”.

ولا شك أن السنباطي تعرف ما تقول جيداً، لا سيما وانها تعمل كمُعلمة في إحدى المدارس الثانوية. وهي تشير إلى وجود بعض التنازلات التي تقدمها المدارس العامة لطلابها من المسلمين الملتزمين، ولكن هذه ترتبط في الأغلب بالسماح للطالبات المسلمات بارتداء الـ “بوركيني” [وهي بدلة سباحة تغطي كامل الجسم ماعدا اليدين والقدمين] أثناء السباحة.

وترى السنباطي إن مسألة رَفض شاب مسلم مدَّ يده لمصافحة معلمته استثنائية تماماً. إذ “يُعتَبَر المعلم أو المعلمة في الثقافة العربية المسلمة شخصاً يُكَنّ له كل الإحترام”. أما رفض المصافحة فهي “عادة إسلامية جديدة” تعتبرها السنباطي غير مقبولة، وتُعرب عن أسفها لما حدث. وهي تخشى من أن يُلحق هذا الضجيج الإعلامي المزيد من الضرر بسمعة الإسلام المُلطخة بالفعل.

يتعلق الأمر هنا بحالات فردية يمكن عدّها على أصابع اليد الواحدة

شهرة مختلف عليها

وترى السنباطي أن سبب تناول التقارير الإخبارية لما حدث بهذا الشكل غير المتناسب يعود إلى أن الموضوع يثير غضباً عارماً. ومع إعترافها بعدم إطلاعها على تفاصيل هذه الحالة المُعينة، ولكنها ترى ان من المحتمل جداً أن يكون الطالبان قد إستهدفا من خلال رفض مصافحة معلماتهما عَزل نفسيهما والظهور بمظهر متميز عن البقية أيضاً. وفي جميع الأحوال، توصل هذان الشابان الآن إلى تحقيق شهرة مُختلف عليها.

بدوره، يشكك المكتب الفدرالي للمساواة بين المرأة والرجلرابط خارجي بهذا الضجيج الإعلامي. وفي رده علىswissinfo.ch ، أشار المكتب إلى مشاطرته التامة لموقف الوزيرة سيمونيتا سوماروغا. ولم ترغب مديرة المكتب سيلفي دورّير بإضافة المزيد واكتفت بالقول :”لقد قيل كل شيء حول هذا الموضوع بالفعل، ولا نَوَد تأجيج النقاش أكثر من ذلك”.

ولكن ماهي الخطوة التالية في المدرسة الثانوية لـ ‘تيرفيل’؟ سوف يتعين الآن على إدارة التربية والتعليم في كانتون ريف بازل البت بموضوع إعفاء الطالبين من المصافحة. وقد ألمحت هذه الإدارة بالفعل لبعض وسائل الإعلام إلى أن هذا الإعفاء ليس حلا دائماً. وقد قررت سلطات الكانتون مبدئيا – وبالتوافق مع التقاليد السويسرية – الإستعانة برأي قانوني لتوضيح هذه المشكلة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية