مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل الظروف ملائمة لحوار جدي بين الحضارات؟

ملتقى حوار الحضارات في جنيف وفي الصورة من اليمين المحاضرون دونيس بيران، وعطاء الله مهجراني ومحمد الميلي swissinfo.ch

تميز الملتقى الذي نظمه مركز دراسات العالم العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط في جنيف يوم الخميس، بطرح عدة تساؤلات حول حقيقة حوار الحضارات للتصدي لمقولة "صدام الحضارات". ولكن عند الخوض في التفاصيل العملية لهذا الحوار يتضح أن الشروط لم تتوفر بعد.

“حوار الثقافات، الطريق إلى السلم”، هذا هو شعار الملتقى الذي نظمه مركز أبحاث العالم العربي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط CERMAM في جنيف يوم السادس عشر مايو بمشاركة عربية وإسلامية وغربية.

ومع تكاثر تنظيم الملتقيات حول “حوار الحضارات” منذ أحداث الحادي عشر سبتمبر، فإن ملتقى جنيف يعود له الفضل في وضع النقاط على الحروف من جانب الطرفيين الغربي والإسلامي، للتساؤل عن ظروف تنظيم حوار بناء وعملي.

فالأستاذ شارل زورغبيب من جامعة الصوربون عدد من الناحية النظرية، المبادئ التي ينطلق منها أي حوار. فهو إما أن يكون من مبدأ الحكم حسب المعايير الذاتية، أو مبدأ المساواة، أو مبدأ الرفض والإقصاء، أو مبدأ الاندماج في ثقافة الآخر، أو مبدأ المعاملة بالمثل والإقرار بالفوارق.

وإذا كان هذا التحليل يعتمد على التجارب التاريخية انطلاقا من العهد الروماني إلى حقبة الاستعمار مرورا بتجارب الصين والإمبراطورية العثمانية، فإنه يتساءل “هل حوار الحضارات الذي هو تحليل للعلاقة بين الدول على المستوى العالمي، يمكن تطبيقه داخل المجتمع الواحد؟. وهذا قبل أن يوضح أن عالم اليوم “أصبح على نمط مجتمع جنوب إفريقيا”.

العالم الإسلامي يحتمي وراء النص القرآني

محمد هاشم الفلوجي المدير العام المساعد بالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عند تطرقه للحوار من منظور إسلامي، لجأ إلى النص القرآني لتأكيد حث الإسلام على الحوار بالاعتماد على الدعوة للتعارف وتحقيق العدل والإنصاف وتقديم الدليل والبرهان والانتصار للفضيلة ورعاية حقوق الإنسان. وعبر عن أسفه لكون وسائل الإعلام في الغرب “تربط بين الإسلام والإرهاب”.

كما أوضح مستشار الرئيس الإيراني، ومدير مركز حوار الحضارات في إيران، السيد عطاء الله مهجراني “بأن لا حوار بدون تسامح”، موضحا أن الإسلام دين التسامح ودين الحياة، ومنتقدا الجماعات الإسلامية التي تعتمد على نصوص توحي بأنها تفضل الموت”

لكن النظري شيء والواقع شيء آخر. فالأستاذ محمد الميلي الوزير الجزائري والمدير السابق للمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، وضع الإصبع على الجرح عندما أوضح “بأن حوار الحضارات لا زالت تعترضه عراقيل عملية كثيرة”. في مقدمتهاالانفراد باتخاذ القرار. وهذه الظاهرة في تعاظم منذ استفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم بدون منازع.

ومن العراقيل التي تقف في وجه حوار الحضارات العملي والناجع، تعذر تنظيم هذا الحوار داخل المجتمع الواحد لتجاوز المحرمات والعراقيل السياسية والاجتماعية والثقافية. ومن أجل خوض الحوار داخل مجتمع بعينه تطغى عليه الثقافة الواحدة، يتطلب الأمر توفر مناخ حرية التعبير واحترام حقوق الإنسان والرأي والرأي الآخر.

ويرى السيد محمد الميلي أن منظمة اليونسكو “قد أغفلت هذا الجانب في دعوتها لحوار الحضارات”، وهو ما ترتب عنه “تكاثر المنظمات الداعية لحوار الحضارات، ولكن عندما يصل هذا الحوار إلى المراحل العملية يصطدم بعراقيل كثيرة وتحديات متعددة.

عراقيل يجب تجاوزها

دعا روني زاباتا مدير مكتب التخطيط الاستراتيجي بمنظمة اليونسكو، إلى “تجاوز هذه العراقيل التي تقف في وجه حوار الحضارات او الثقافات منتقدا الإكثار في التظاهر بالاستعداد للحوار في وقت لا تقود فيه كل المحاولات المبذولة إلى حوار فعلي . ودعا ممثل اليونسكو إلى “عدم حصر الحوار اليوم حول صراع الحضارات، بل البحث عن معرفة مدى تأثير هذا القول على المواقف السياسية بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر”.

وقد سمح تدخل العديد من المشاركين في جلسات النقاش بتسليط الأضواء على عدم وجود تعريف موحد لبعض المفاهيم المتداولة في المواجهة الحالية بين العالمين الغربي والإسلامي كمفاهيم “الجهاد” و “الإرهاب” و “الحملة الصليبية” التي لفظها الرئيس الأمريكي جورج بوش، أو إشارته إلى “محور الشر” ورد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة على ذلك بتحديد أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هما “محور الشر”.

كما أن النقاش تحلى من خلال تدخل المدير العام لدار النشر “l-Harmattan” دونيس بيران، بنوع من الانتقاد الذاتي بتذكير الطرف الغربي بضرورة مراجعة النفس وعدم استخدام معيار الكيل بمكيالين في الحكم على الأوضاع. فهو يطالب الغرب بإدانة هفوات الرئيس الامريكي جورج بوش اللفظية، ويدعو الى موقف واضح من التدخلات العسكرية المتزايدة باسم القانون والديموقراطية. وقد ركز متدخلون آخرون بالتحديد على الإزدواجية المتبعة من طرف الغرب عند التطرق للأوضاع في الشرق الأوسط.

على الطرف الإسلامي أن يراجع نفسه أيضا

عند الحديث عن حوار مع الغرب، غالبا ما يلجأ المسلمون الىالعودة الى النص القرآني، او الى ازدهار العالم الإسلامي في العصور الذهبية، وهو ما اطلق عليه نائب مدير اليونسكو عبارة “التجميل والعودة للماضي المجيد”.

لكن العالم الإسلامي ينسى أن الغرب عليه التعايش مع مجتمعات لا تطبق إلا القليل مما ورد في هذه التعاليم، إن لم نقل أنها تطبق العكس في بعض الأحيان. كما أن العالم الإسلامي الذي يرغب في محاورة الغرب، كما قال الأستاذ محمد الميلي “لم يطبق هذا الحوار داخل مجتمعه ذي الثقافة الواحدة” فكيف يجرأ على مواجهة الغرب وبأي خطاب سيواجهه؟

أمام هذه التساؤلات وفي غمرة كثرة تنظيم ملتقيات حوار الحضارات، يمكن القول ان ملتقى جنيف سمح على الأقل بتوضيح افتقار الحوار الجاد إلى القواعد الأساسية الكفيلة بتحقيق الطموحات النبيلة المتمثلة في حوار يخرج فيه الطرفان بفائدة.

محمد شريف – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية